تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «القاعدة في اليمن: سؤال التخادم مع إيران» (الكتاب الثاني عشر بعد المئتين، أغسطس (آب) 2024) تحولات تنظيم القاعدة في اليمن خلال العقد الأخير، فيدرس علاقته بإيران والحوثيين، ويبرز التنسيق اللوجستي والأيديولوجي والأمني بينهم، خصوصًا بعد «عملية 7 أكتوبر» التي جعلها تنظيم القاعدة في رتبةٍ واحدة مع «عملية 11 سبتمبر».
فاتحة دراسات الكتاب، بدأها الباحث طارق العمري، برصده مراحل تطور تنظيم القاعدة في اليمن؛ وثّق بها تاريخ دول الشمال التي تعاقب على توظيف الدين في السياسة؛ واستيعاب الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الأيديولوجيات الدينية لمكافحة اليسار، ثم تناولت ظروف تأسيس التنظيم قبل اندماج فروعه عام 2009 وحتى الوقت الراهن، والعمليات التي نفذها مثل عملية عمر عبدالمطلب عام 2009، وعملية شارلي إيبدو (Charlie Hebdo) عام 2015، وغيرهما، محددًا التغييرات التي لحقت بهيكليته القيادية، وتأقلمه مع التحديات الداخلية والخارجية. عرضت الدراسة للاستراتيجيات التي استخدمها التنظيم في عمليات التجنيد والتوسع، في الداخل اليمني والخارج، وتطوير النظريات الفكرية لتبرير العنف وجذب الأتباع.
بينما عرض الباحث عبدالرزاق أحمد علي؛ المحددات الداخلية، المؤدية إلى تحوّلات في بنية القاعدة وأفكارها؛ كان التنظيم يتربح في زمن الرئيس علي عبدالله صالح، من الفراغات الفكرية، ثم حاول الاستثمار في نظرية «المشروع السني»؛ خصوصًا بعد أن اغتصبت جماعة الحوثيين الدولة، وقولبت المجتمع طائفيًّا. لاحقًا مثَّل ظهور «داعش» تحديًا للقاعدة؛ إذ تسبب في تشظيات داخلية، فتريث الفرع اليمني ورفض تكفير تنظيم داعش ووصمه بالخوارج، بل تبنى نظرية «إخواننا وليسوا خوارج»، قبل أن يقود خالد باطرفي مواجهتهم إثر إعلان الخلافة. وبعد أن حكم التنظيم مدنًا بحالها، تراجع نفوذه إثر عاصفة الحزم؛ وجهود مكافحة الإرهاب، إلى أن انكمش عام 2022 بعد تحرير شبوة، إلا أنّه انبعث بشكلٍ مفاجئ عام 2023، بتمويل وتكتيكات، ودعاية، تحتاج إلى التحليل.
طرح الباحث محمد أحمد الباشا سيناريوهات عدة حول مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن خلال العشرية الأخيرة (2014-2024) بُنيَت على الظروف القبلية والمواجهات الحكومية والجدية الدولية، وخضوع التنظيم لنهج التنافس الأيديولوجي؛ ونظريات الأقلمة مع الظروف. تشير كل السيناريوهات إلى مرحلة من التحضير؛ لمواجهة جديدة، وتبديل للحلفاء واعتماد على الدول المارقة، وتبدأ المرحلة العلنية فيها، بإعلان التنظيم لاسمٍ جديد؛ جريًا على عادة أدبيات الجماعات الإسلاموية، في الخداع الاستراتيجي، بتغيير اسمها في كل مرحلة وفقًا للحاجة الأمنية والتنظيمية والتحالفات الخارجية.
في السياق، تطرق محمود العتمي، وأشرف المنش، إلى العلاقات التي تجمع تنظيم القاعدة بإيران؛ تتبعت الدراسة صلتهما منذ نشأة التنظيم ولجوئه لنظام الجبهة القومية الإسلامية بالسودان؛ إذ ضم مؤتمره الشعبي الإسلامي، بالإضافة إلى عناصر القاعدة، رموز حزب الله، وقادة الحرس الثوري، فنشأت العلاقة على أرضيّة إخوانيّة. ثم لاحقًا لما انهزمت القاعدة وزعيمها في أفغانستان، إثر الحملة الأميركية على طالبان (2001-2021)؛ دخل عناصر القاعدة وبعض أسرهم إلى إيران، واستضافتهم في ملاذاتها. تناولت الدراسة الاتفاق الأمني بين سيف العدل وقاسم سليماني حينها، وحقّبت سنوات الركون؛ والكمون، والركود، وصولاً إلى انبعاث سيف العدل بعد موت الظواهري، وحاجة الطرفين لتفاهمات. زعم الباحثان أنّ اتفاقًا تمّ في منتصف عام 2023، تسبب في بعث التنظيم من جديد، تجلّى في صلته بالحوثيين، وأشارا إلى دور نجل سيف العدل، في اليمن؛ في هذا التقريب الذي اقتنع به خالد باطرفي نفسه. وبعد موتهما تولى سعد العولقي المسار ذاته؛ إذ يستدل الباحثان على ذلك بإطلاق الحوثي سراح بعض منسوبي القاعدة بمقابل مالي. انتقلت الدراسة إلى أثر ذلك على الصومال، لتجد بصمة الحوثي وإيران في سلاح حركة الشباب، ناهيك عن مسيراتها؛ واستخدام ممرات السلاح ذاتها.
أكد الباحث المصري مصطفى زهران، مزاعم هذه العلاقة بين إيران والقاعدة؛ ومضى بالإشارة إلى مصدر الطائرات بدون طيار التي حصل عليها تنظيم القاعدة عبر قادة لهم صلة بالحوثيين، ملمّحًا إلى التعاون التقني في التكنولوجيا، وإمكانية انتقال عمليات المراقبة والتجسس وحوكمة المعلومات من حركة الشباب الصومالية إلى الحوثيين. يشير الباحث في الجانب الأيديولوجي، إلى بروز تيار يتبنى وحدة الهدف والقضية، بين القاعدة والحلف الجديد، ويستغل كلاهما تمجيد«عملية 7 أكتوبر»؛ لبناء المشروعية، مشيرًا إلى وضع تنظيم القاعدة هذه العملية، جنبًا إلى جنب مع عملية 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
عرض الباحث أمجد خشافة في دراسته لخلافات القاعدة مع فرع تنظيم داعش في اليمن، بالعودة إلى الجذور الأيديولوجية، والتحولات في نهج التنظيمين المركزيين، في أفغانستان والعراق، وانعكاس ذلك على القاعدة، كما حلَّل خلافات التنظيم مع داعش على المستوى الأيديولوجي والاستراتيجية العسكرية، وتأثيرات ذلك في احتمال تراجعه أو بناء نفوذه.
ترك الإرهاب تداعيات خطرة في اليمن على مستويات مختلفة، بينها المستوى الاقتصادي الذي درسه الباحث محمد الشرعبي، حيث حدد العواقب الاقتصادية متعددة الأوجه لأنشطة تنظيم القاعدة في اليمن، فقد عرقل إرهاب القاعدة النمو الاقتصادي، وعطّل الصناعات الرئيسة، وفاقم من الأزمة الإنسانية المرتبطة بالاقتصاد، مقترحًا المسارات المحتملة للتعافي والاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع في اليمن. أما الباحث إيهاب الشريف، فقد رصد المصادر الداخلية والخارجية لتمويل تنظيم القاعدة في اليمن، محددًا أصولها ومنابعها والمخاطر الناجمة عنها، والكيفية التي عمل فيها التنظيم لتنويع مصادر تمويله.
يتأسس نفوذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وقوته على الدعاية الأيديولوجية، من خلال الإصدارات والإعلام، فقد كانت له سردياته في تغطية الصراع في اليمن، ولقراءة ذلك حلَّل الباحث محمد كمال محمد بشكل نقدي تغطية أحداث اليمن من قبل مطبوعتين رئيستين مرتبطتين بتنظيم القاعدة: مجلة إنسباير (Inspire) الصادرة باللغة الإنجليزية، وصحيفة المسرى في شبه الجزيرة العربية، فرصد سردياتهما بين عامي (2019-2024) وتناول كيفية تغطية هذه المنافذ الإعلامية للصراع اليمني، وقضايا الحكم، وديناميات القوة المتغيرة في اليمن، وذلك من خلال تقديم تحليل للمحتوى ومراجعة للأدبيات ذات الصلة، حيث استكشف كيف تعمل المنافذ الإعلامية كوسائل للاتصال الاستراتيجي والتجنيد والدعم الأيديولوجي لتنظيم القاعدة. من جهة أخرى تطرق الباحثان عوض محمد، وماهر فرغلي، إلى إعلام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومستقبله، فعرَّفا بدور الإعلام في تنامي ظاهرة الإرهاب في اليمن، وحددا المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم، وتحولات العملية الإعلامية ما بعد «عملية 7 أكتوبر» (تشرين الأول) 2023.
أما الخبير والناشط اليمني خلدون باكحيل، فقد حاول بناء خطابٍ وطني للمصالحة، مبني على تشخيص داء التطرف، مؤكدًا أن التشرذم السياسي والأمني والاجتماعي في اليمن، يوفر للتنظيم فرصًا كبيرة لتجديد وتعميق علاقاته مع بعض المجتمعات المحلية في أبين وشبوة والبيضاء، ومناطق من مأرب والمحافظات الجنوبية الأخرى.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب، والعاملين على خروجه للنور، ونأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
أغسطس (آب) 2024