ريهام رمزي جريس[1]*
تتناول هذه الورقة موجز سيرة القديس كريستوفر، وتذكاراته، ومصادر سيرته، وشفاعته، وذلك قبل تناول تصويره بالسمة الحيوانيّة، وآخرين في مصر صُوِّروا بالسمة الحيوانية، وأخيرا نتائج ومراجع الدراسة.
- نبذة عن سيرة القديس كريستوفر[2]:
اسمه روبروبس Reprobos)) أو كريستوفر (Christopher) وهي كلمة يونانيّة، ومعنى هذا الاسم (حامل المسيح) وكان من مواليد القرن الثالث في بلاد سوريا (كنعان). وكان يشتهر بجسم ضخم وقوة عظيمة.
وكان يسعى أن يخدم أقوى ملك في العالم، فظل يبحث حتى وجد أقوى ملك وخدمه. وأثناء خدمته لهذا الملك حدث أن الملك يرشم علامة الصليب عند ذكر اسم الشيطان. ففهم القديس أن الملك يخشى الشيطان، فغادر القديس الملك وذهب ليبحث عن هذا الشيطان ووجده في أرض سهلة.
شكل (1) متحف المتروبوليتان-فريسكو (سنة 1448م)
- خدمته للشيطان:
وأتوا سويا ووصلوا إلى مكان وجدوا فيه صليبا، ولكن الشيطان خاف أن يمر منه ففهم القديس أن الصليب أقوى من الشيطان، وغادر الشيطان ليبحث عن المسيح ويخدمه.
- معرفتة بالمسيح:
أثناء بحث كريستوفر وجد راهباً (متياس الرسول[3]) فعرّفه على أصول المسيحية والسيد المسيح، فطلب الراهب من القديس الصوم فرفض حتى لا يفقد قوته، ورفض أن يُصلي فأرسله القديس الراهب إلى نهر مليء بالماء، وهناك وجد القديس كريستوفر جذع نخلة فاقتلعه لكي يتعكز عليه.
(شكل “2” المُقابل: القديس “كريستوفر” بالسمة الحيوانيّة ومعه “متياس” الرسول)[4]
- معجزة عبوره بالطفل يسوع النهر:
في الليلة ذاتها بينما كان نائماً ناداه طفل ليسأله أن يحمله ليعبر به شاطئ النهر المقابل، فأخذ القديس هذا الطفل ووضعه على أكتافه وأخذ عصاه معه ليتعكز عليها، وكلما دخل القديس في النهر زاد الماء عليه، وزاد الطفل ثقلاً، وأخيراً بعد جهد عظيم عبر القديس النهر إلى الشاطئ الآخر، وعندما نزل الطفل من على كتفه تنفس قائلاً: من أنت أيها الطفل الذي وضعتني في هذا الخطر؟ فلو كنت حملت كل العالم على كتفي لم يكن أثقل مما لو كنت حملتك؟ فأجابه الطفل: يا كريستوفر لا تتعجب أنك لم تحمل فقط متاعب العالم على كتفك، ولكنك حملت خالق العالم، أنا يسوع المسيح الملك. وقال له المسيح: إن كنت تزرع هذه العصاة فإنها ستنمو وتزهر في الصباح وتحمل أزهارا وفواكه، وحدثت المعجزة بهذه الوسيلة وأصبح مسيحيًّا.
ويصور الفنان في (شكل 3) القديس كريستوفر بالهيئة الآدميّة وهو يعبر بالطفل يسوع النهر، ويرتدي القديس جلباباً قصيراً أخضر ووشاحاً أحمر، وحول رأسه هالة من اللون المذهب، ويرتدي الطفل يسوع جلباباً أصفر وحول رأسه الهالة، وعلى الشط رجل يمسك في يده مصباحاً ويرتدي جلباباً أزرق، وتظهر رسمه الشمس، وتعبر عن عبوره أثناء النهار. ومن الواضح أيضا ظهور الغيوم تحت الشمس، فمن الممكن أنه وصل أثناء الليل للشط الآخر، ولذلك يمسك الرجل مصباحاً وينتظرهم على الشط الآخر.
شكل (3) مخطوطة باللغة اللاتينية (تاريخ الإصدار: 1401-1500م)[5]
1-4. استشهاده:
وبعد ذلك وقف أمام الملك، وحاول الملك أن يُغيّر إيمانه، ولكن هذا القديس وقف ثابتاً لم يتزعزع، وأخيراً عذبه الملك وقطع رأسه وأخذ إكليل الشهادة.
- تذكاراته:
2-1. (9 مايو/ أيار – 2برمودة) بالكنيسة القبطيّة، على الرغم من ذلك لم يعثر له على أي كنيسة أو أيقونة في مصر، وإن كُرِّست كاتدرائيات وكنائس على اسمه بالخارج.
2-2. (25 يوليو/ تموز) بالكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة.
- وردت سيرته في:
- السنكسار القبطيّ، بينما لم يرد بأي مخطوط قبطيّ.
- سنكسار الروم الأرثوذكس، كما وردت في مخطوطات دير سانت كاترين.
- وسنكسار الروم الكاثوليك.
- شفاعته:
يشتهر في التقليد اليوناني واللاتيني بأنه شفيع للرياضيين والبحارة والمسافرين.
- ويماثله في شفاعته للمسافرين في التقليد القبطيّ مار مينا.
ويذكر أن القديس كريستوفر يُعدّ واحداً من الـ(14) قديساً المساعدين في الكنيسة الكاثوليكية ويصور وهو حامل السيد المسيح، كما في الأيقونة التالية (شكل 34)
هذه الأيقونة[7] تسمى “المساعدون المقدسون الأربعة عشر”، وهم قديسون شفعاء في الكنيسة الكاثوليكية. أصل الاعتقاد كان في وادي الراين خلال العصور الوسطى في القرن (14)م، حيث كان المساعدون المقدسون شفعاء للأمراض. فيما يلي قائمة الـ(14) قديساً مساعداً مع يوم ذكراهم:
- القديس أغاتيوس: 8 مايو (أيار)، شفيع الصداع.
- القديس إيجيديوس: 1 سبتمبر (أيلول). شفيع الحدادين ومرضى الطاعون.
- القديس أوستاتيوس: 20 سبتمبر (أيلول)، شفيع الخلافات العائلية.
- القديس إيراسموس أنطاكية: شفيع الأمراض المعوية.
- القديس بلزيفس: 3 فبراير (شباط) شفيع أمراض الحلق.
- القديسة بربارة: 4 ديسمبر (كانون الأول)، شفيعة الحمى والموت المفاجئ.
- القديس جرجس: 23 أبريل (نيسان)، شفيع الصحة والحيوانات الأليفة والمرض العقلي.
- القديس ديونيسيوس: 9 أكتوبر (تشرين الأول)، شفيع الصداع.
- القديس فيتوس: شفيع الصرع.
- القديس كريستوفر: 25 يوليو (تموز). شفيع المسافرين.
- القديسة مارجريت أنطاكية: 20 يوليو (تموز).
- القديس سيراكوس المقدس: 8 أغسطس (آب) أمراض العيون.
- القديس فنلتلاون: 27 يوليو (تموز)، شفيع الأطباء.
- كاترين من الإسكندرية: 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، الموت المفاجئ.
في المنظر المُقابل (شكل 5) جدارية للقديس كريستوفر بالوجه الآدمي، ويرتدي جلباباً قصيراً وشعره طويل وله ذقن، ويعلو رأسه الهالة ويظهر باللون الأحمر وهو يحمل الطفل يسوع على يده اليسرى أثناء عبوره للنهر، ويظهر سمك ما بين قدميه، ويستخدم السمك رمزاً “للمعموديّة” لأنه لا يعيش إلا في الماء. ونلاحظ في الجهة اليمنى من الأسفل وجود جسم إنسان بذيل سمكة ويمسك وجه شخص في يده.
ويمسك القديس في يده اليمنى العصا التي كان يستخدمها أثناء العبور. ويوجد من الناحية اليسرى عصا، ومن الملاحظ أنها العصا نفسها التي كان يعبر بها، ولكن بعد حدوث المعجزة عليها (إنها تُثمر فاكهة وأثمارًا) والطفل يسوع يرتدي جلباباً طويلاً ويمسك في يده الكرة الأرضية، ويصوره هنا بالكرة الأرضية كما ورد في سيره القديس لقول الطفل يسوع له: “إنه حامل خالق العالم”.
شكل (5)
- تصويره بالسمة الحيوانيّة:
لم يتم الاتفاق على رأي موحد حول هيئته الحيوانية، ولكن بعض الآراء تقول:
- الهيئة الحيوانية ترجع عنده –مثل غيره– إلى أنه يأكل لحوم البشر.
- إن اليهود كانوا يُسمّون سكان كنعان بـ”الكلاب”.
- وجدير بالذكر أن الباحثة هي التي قامت بشرح الأيقونات والجداريات بالمناظر الواردة أدناه، ما عدا ما تم إلحاق مرجعية أخرى به.
توجد الأيقونة المُقابلة (شكل 6) في كنيسة القديس جورج –تركيا. وتصوّر القديس كريستوفر بالهيئة الحيوانيّة وجسم إنسان وهو يرتدي ملابس الجندية والتي تتكون من معطف لونه أحمر وسُتْرَة (قميص معدني) وحزام وسروال، ويلبس حذاء طويلاً، ويمسك بيده اليمنى رمحاً، ويبدو الوجه متجهاً ناحية اليمين وخصلات الشعر لونها بني وطويلة، ويلاحظ عدم وجود الهالة الذهبية فوق رأس القديس. شكل (6)[8] |
شكل (7)[9]
يُمثّل (شكل 7) جدارية في “اليونان”، من الجداريات النادرة التي تجمع القديس كريستوفر بالسمة الحيوانيّة وهو يحمل الطفل يسوع.. وتعلو رأس القديس هالة لونها ذهبي وهي رمز للقداسة التي تنبعث من النور الإلهي. ويرتدي الطفل يسوع جلباباً عليه معطف لونه أحمر، ويرمز اللون إلى المجد والفداء، ويعلو رأسه الهالة وهي أيضاً ترمز للقداسة.
المنظر المُصاحب (شكل 8) جدارية ترجع للقرن الـ(20) (روسيا). يُلاحظ أن القديس بالسمة الحيوانيّة على شكل كلب، وينظر ناحية اليمين، ويوجد ملاكان يضعان له إكليلا للشهادة، أحدهما يرتدي جلباباً أحمر ووشاحاً أزرق، والآخر يلبس وشاحاً أحمر وجلباباً أزرق، ويرمز اللون الأزرق إلى الأبديّة، واللون الأحمر إلى المجد. ويرتدي القديس ملابس الجنديّة ووشاحاً أحمر يرمز للمجد.. ويوجد في وسط جسمه دائرة يوجد فيها الطفل يسوع، وهي ترمز إلى أن المسيح في قلب القديس بعد المعمودية والاستشهاد. ويمسك في يده اليمنى حربة يضعها على رأس الشيطان ويدوس عليه بقدميه، وترمز إلى غلبة القديس على الشيطان، واليد اليسرى يمسك بها سيفاً ودرعاً ويرسم عليه علامة الصليب، والدرع يرمز إلى الدفاع ضد الشيطان بعلامة الصليب المرسومة عليه.
شكل (8)[10]
يُمثّل (شكل 9) التالي أيقونة تصوّر مراحل تعذيب القديس كريستوفر. يوجد في الجانب الأوسط من الأيقونة السيد المسيح أعلى القديس كريستوفر، الذي صُوِّرَ وهو يمسك حربة في يده ويظهر بالسمة الحيوانيّة. وهذه الأيقونة من الأيقونات النادرة التي تصوّر مراحل تعذيب القديس.
شكل (9)[11]
6. آخرون بالسمة الحيوانيّة في مصر
لم يكن القديس كريستوفر هو الوحيد الذي صُوِّرَ بالسمة الحيوانية، بل هناك أيضاً قديسون آخرون تم تصويرهم بالسمة نفسها، مثلما يظهر في كل من الجداريّة والأيقونة (شكلا 11 و12) التالي وصفهما، كما أن هذه السمة وُجدت في حضارات أقدم من المسيحيّة، كما هو الحال مع المعبود “إنبو” (أنوبيس) الذي صوِّرَ بهيئة آدمية ورأس ابن آوى (شكل 10).
شكل (10)
القديس “كريستوفر” بالسمة الحيوانيّة والجسم الآدمي يشبه في الفن المصري القديم المعبود “أنوبيس”
6-1. جداريّة القديس أندراوس بدير السريان، مصر (شكل 11):
في جدارية من القرن الـ(10)م بكنيسة السيدة العذراء بدير السريان، نرى مجموعة برؤوس كلاب وجسم آدمي ماثلين أمام القديس أندراوس في وضع طلب شيء منه، ولم يكن حول رأسهم هالة، فهذا يدل على أنهم أشخاص طبيعيون وليسوا قديسين. ومن الوارد أن الفنان صورهم بهذه الهيئة بسبب أنهم من بلاد كنعان. تذكر سيرة القديس أندراوس أنه بشّر في (آسيا الصغرى) وكانت من ضمنها روسيا. فمن الممكن أنهم كانوا يريدون أن يتعمدوا على اسم المسيح.
شكل (11) جداريّة للقديس أندراوس وأمامه البعض مُمثّلاً بالسمة الحيوانيّة
كنيسة السيدة العذراء – دير السريان، مصر – القرن الـ(10)م
6-2. أيقونة المتحف القبطي بالقاهرة، مصر (شكل 12):
القديسان (أهرقاس) بالناحية اليسرى و(أوغاني) بالناحية اليمنى بالسمة الحيوانيّة[12]، وهما قديسان مشابهان للقديس كريستوفر. وهما برأس كلب وينظران إلى اليسار، ولهما شعر آدمى، وتم التعرف عليهما باعتبارهما قديسين بسبب الهالة الكائنة حول رأسيهما. ويقفان رافعين أيديهما في وضع الصلاة، ويرتديان جلبابين قصيرين عليهما وشاحان وحزامان في الوسط، وحذاءين طويلين وخلفهما شجرة.
شكل (12)
. نتائج الدراسة:
- ذكر القديس كريستوفر في مخطوطات سانت كاترين وسنكسار الروم الأرثوذكس وسنكسار الروم الكاثوليك والسنكسار القبطيّ.
- يشترك القديس كريستوفر والقديس الأنبا بيشوي في حملهما لقب (حامل المسيح).
- يتم التشفع بالقديس كريستوفر أثناء السفر، ويُشاركه في هذه الخاصية أيضا القديس المصري (مار مينا).
- القديس كريستوفر هو من القديسين المساعدين المعروفين في الكنيسة الكاثوليكية.
- لا توجد له كنائس باسمه في مصر، كما لا توجد له أيضاً أي أيقونات أثرية في مصر.
- لم أرصد أي أيقونات له في سوريا (محل ولادته).
- من الأيقونات النادرة له أيقونة حمل المسيح مع هيئته الحيوانية وأيقونة مراحل تعذيبه.
- توجد أيقونات وجداريّات أخرى مُثّل عليها قديسون آخرون بالسمة الحيوانيّة نفسها، مثل قديسي أيقونة «المتحف القبطيّ»، والتي ربما يرجع فيها أصل شكل «ابن آوى» إلى الفن المصري القديم.
[1]* بكالوريوس سياحة وفنادق- قسم إرشاد سياحي، وطالبة دبلوم الدراسات القبطية بالمركز الثقافي الفرنسيسكاني.
[2]– جورج فيرجسون، الرموز المسيحية ودلالتها “خاص بالشهداء والقديسين”، الجزء الثاني، ترجمة: الدكتور يعقوب جرجس نجيب (1965)، ص177-180.
[3]– متياس الرسول: اسم يوناني مشتق من الاسم العبري متاثيا، ومعناه “عطية الله”. وهو من ضمن السبعين رسولا، وهو من أخذ مكان يهوذا في التلاميذ بعد موته، وذهب ليبشر في بلاد كنعان، وبعد ذلك تنيح في أحد البلاد، “كتاب أسماء السبعين رسولًا” (الرسل السبعون)، نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس (أسقف دير السريان)، موقع الأنبا تكلا، على الرابط المختصر التالي:
http://cutt.us/kgRW
[4]– Explore Saint Christopher, Orthodox Icons, and more!:
https://www.pinterest.com/pin/517210338441949095/.
[5] -Gallica;
http://cutt.us/sRvNG
[6] Fourteen Holy Helpers, orate pro nobis! The Badger Catholi;
http://cutt.us/krRwf
[7] – Fourteen Holy Helpers, Wikipedia, the free encyclopedia;
https://en.wikipedia.org/wiki/Fourteen_Holy_Helpers
[9] Photos from loannina;
http://photoioannina.blogspot.com.eg/2013/08/blog-post_6663.html
[10] -abystle;
http://cutt.us/vkl3
[11] СВЯТОЙ МУЧЕНИК ХРИСТОФОР И ЕГО ИКОНОГРАФИЯ;
: http://www.pravoslavie.ru/48431.html
[12]– نشوى صادق، “الدلالات والمعاني المرتبطة باستخدام الرمز في الفن القبطي”، في: مجلة بحوث التربية النوعية، جامعة المنصورة، عدد 25 أبريل (نيسان) 2012، 665.