ميصائيل البرَموسي[1]
وُلد هذا الأب سنة 1848 في قرية الشيخ مسعود الكائنة غربي مركز طهطا التابع لمحافظة سوهاج (آنذاك كانت تتبع مديرية جرجا) وترك قريته سنة 1873 متوجهًا إلى دير سيدة برموس؛ وترهب على يد عمه القمُّص عبدالمسيح جرجس المسعودي الكبير سنة 1874، ومنذ ذلك الوقت انصرف إلى مجال البحث والتنقيب في المخطوطات والعمل المستمر، حيث عرف القيمة القصوى للوقت، ويُروى عنه أنه لم يكن يحب المزاح ولا الهذر ولا الحديث في أمور غير البحث، حيث بدا وكأنه لا وقت لديه يقضيه في ذلك. أما كتاباته فتُعد بحق مرجعاً مهماً لأمانته الشديدة في النقل دون الاجتهاد، وفي هذا نراه متواضعًا يصف نفسه دائمًا بالحقير والفقير، هذا الذي وقتئذ كان يجيد لغات عدة [2] هي: العربية، والقبطية، والإنجليزية، والفرنسية، والعبرية، والحبشية، ومبادئ السـريانية واليونانية، وبعض الألمانية.
وللقمُّص عبدالمسيح المسعودي الفضل الأكبر على مكتبة دير البرموس ومكتبة البطريركية التي عمل أمينًا فيها لمدة تزيد على عشـرين عامًا، وذلك من خلال تنسيقها وفهرستها وتحقيق الكثير منها ومقارنتها فضلاً عن نسخ الكتب. ولعل هذا العطاء والبحث والدراسة والتأليف قد توقف بنياحته في الخامس عشر من مارس (آذار) سنة 1935، بعد ما يقرب من ستين عاماً في الدراسة والبحث، تاركًا لنا الكثير من دراسات ومراجع ومخطوطات وتعليقات وأبحاث وتأريخ.
ويُعَد القمُّص عبدالمسيح صليب المسعودي البرموسي مرجعاً مهمًا جدًا في دراسة طقوس الكنيسة والليتورﭼيَّا القبطية لكل باحث في هذا المجال، وذلك لِما عُرِفَ عنه من الجِد والبحث والتنقيب في كتب ومخطوطات الليتورﭼيَّا والطقوس الكنسية بوجه خاص.
قام هذا العالِم الجليل بمراجعة الكتب الكنسية معتمدًا في ذلك على البحث والمقارنة بين عشرات المخطوطات الموجودة داخل الدير وخارجه، حيث حقق الكثير منها راجعًا للأصول ورافضًا في الوقت ذاته الإضافة من غيرها، وكانت له الأمانة العلمية في النقل بحيث يقوم بتصحيح الخطأ بجانبه في الهامش مع تسجيل المصدر الذي نقل عنه، وكان أحيانًا يعترف بأنه لم يوفَّق في الحصول على مصدر هذا الجزء أو ذاك. ومما يؤكد لنا دقته العلمية ما كتبه ذات مرة: “لأن عادتي أن أحب الفحص والتفتيش وأن لا أكتب شيئًا مشكوكًا فيه بل المُحقق وحده(…) وكنت في تأليفي أهتم بكثرة التبييض غير عابئ بكثرة الورق؛ لأن حُسن التعبير أولى من الورق، عملاً بالمثل الشائع: يُسأل في تجويد العمل ولا يُسأل في كم فرغ”[3] وعن اهتمامه بجودة عمله قال: “… وقد راجعت ما كتبته من الحواشي والشروحات حين تأليفها نحو عشريـن مرة أو ثلاثين مرة لأجل تصحيحها وتهذيبها وتتميمها وتأكيد صحتها، كما راجعتها أثناء الطبع عشر مرات مع المقابلات اللازمة لكي لا يقع خطأ مطبعي”[4]. كما قال العالِم يسى عبدالمسيح[5] عنه: “إن القمُّص عبدالمسيح المسعودي قال لي بفمه: إنه لا يجب علينا استبدال الكلمات اليونانية التي توجد في كتب الليتورﭼيَّا بأخرى قبطية لأننا لسنا أكثر عِلمًا ووعيًا ممن سبقونا، حيث كانوا يجيدون اللغتين القبطية واليونانية”.
ولعله الآن قد اتضح أهمية هذه الدراسة البسيطة[6] التي تعني الوقوف على جمع وترتيب الخولاجي المُقدَّس الذي قام به القمُّص عبدالمسيح البرموسي.
الفكرة الأوليَّة للخولاجي وتطوّرها
كان هذا الأب كثير الاطلاع والبحث، وكان يضع تعليقاته على نُسخ الخولاجيَّات المخطوطة التي تحت يديه، وقد وجد أن كل مخطوط به ما يميزه وبه ما يعيبه، فتارة يجد مخطوطاً صحيح الألفاظ ولكنه يفتقر إلى الترتيب، وتارة يجد مخطوطاً آخر به ترتيب مطول وصحيح أغلبه، لكن به الكثير من أخطاء القبطي، وتارة أخرى يجد مخطوطاً صحيحاً أغلبه ومستوفي الترتيب، ولكنه يشمل قداسًا واحدًا فقط دون الاثنَيْن الآخرَيْن، ولعله[7] اِشتاق لوجود نسخة صحيحة تجمع بين طياتها الثلاثة قداسات ورفع البخور وصلوات القِسَم على أن يتفادى أخطاء النُسّاخ ويستبعد الألفاظ الضعيفة، مستخدمًا في ذلك بعض الألفاظ التي استحسنها من إحدى المخطوطات[8]، والتي توافق المعنى القبطي، ويرتِّب طقسه ترتيبًا عن أصول وعن ما يُصلَّى فعليًا في القداس أثناء حياته، ولم يُدوَّن أو يُذكر في المخطوطات أو المطبوعات. لذا فقد قام بنسخ الثلاثة قداسات ورفع البخور بخطه بمقارنة عدة مخطوطات ونسخة مطبوعة عن رومية (غير نسخة الطوخي المطبوعة عام 1452ش) حتى أصبح هذا الخولاجي (المخطوط) يُعتمد عليه ومصححاً جدًا كقول أبينا عبدالمسيح نفسه، وكان هذا -على أكثر تقدير- سنة 1601ش[9]، وربما أقدم من هذا التاريخ[10]، وكان هذا قبل أن يشتري خولاجي طبعة رومية المعروفة بأكثر من ست سنوات.
وفي سنة 1603م صدر خولاجي به قداس القديس باسيليوس والقديس إغريغوريوس، ورفع البخور بأمر قداسة البابا كيرلس الخامس، وبإصلاح وتصحيح العلّامة القمُّص فيلوثاؤس كاهن الكنيسة المرقسية البطريركية، ويُذكر فيه قداس القديس باسيليوس بحسب ترتيب الكنيسة المرقسية القبطية الأرثوذكسية، وتمت طباعته بمطبعة الوطن بمصر. وقد اقتنى أبونا عبدالمسيح البرموسي نسخة منه، وقام بدوره بالتصحيح على هذه النسخة الخاصة به عن النسخة الخطية المذكورة سابقًا (وهذا هو سبب استنتاجنا بوقت نسخ مخطوط الخولاجي سابق الذِكر).
وفي سنة 1607م اشترى جناب القمُّص نسخة من خولاجي طبعة رومية القبطي العربي، الذي يحوي الثلاثة قداسات ورفع بخور وصلوات أخرى (طبعة الطوخي 1452ش) واحتفظ به في مكتبته الخاصة.
وفي سنة 1617م وبالتحديد في شهر أبيب، بدأ أبونا عبدالمسيح بتصحيح خولاجي رومية بمقارنته بمخطوطات عدة وبالخولاجي الخاص به (المخطوط) ووضع هذا التصحيح على نسخته الخاصة بهذه الطبعة وقد بدأ بالآتي:
- في 4 أبيب بالتحديد من هذه السنة بدأ بجمع الشواهد الكتابية لصلوات القداس ووضعها على الخولاجي، وهنا لابد لنا من الإشادة بهذا العاِلم الجليل على التوثيق الكتابي الرائع لصلوات الليتورﭼيَّا، وهي الخطوة التي لم يسبقه إليها أحد فقد أرجعتنا إلى منبع وأصل الصلوات الليتورﭼيَّا وهو الكتاب المقدس. وعن هذه الشواهد قال أبونا عبدالمسيح: “اعلم أننا في أكثر الكلام وجدنا، أو كنا نجد لو فتشنا، شواهد أخرى غير ما أوردناه وهي أحيانًا تكون كثيرة وأحيانًا قليلة، ولكننا لأجل التخفيف على من يراجع الشواهد، وعلينا في الكتابة ولأجل عدم امتلاء هامش كثير من الوجوه جدًا، انتخبنا أقوى الشواهد واكتفينا بها، وأحيانًا أيضًا أكثرنا الشواهد غير الذي تركناه، إلا بعض الكلمات فإننا لم نجد لها شواهد غير ما أوردناه” وقد أخذ في جمعها مدة (30) يومًا متفرقة من شهور هذه السنة. وبالطبع كان ما وضعه على خولاجي رومية من شواهد هو ما وضعه نهائيًا في خولاجي سنة 1618م الذي تمَّمه وصحَّحه بنفسه.
- في هذا الشهر نفسه من السنة بدأ في تصحيح نصوص الخولاجي على النحو التالي:
- النص القبطي: كان هو مركز التصحيحات، حيث قام بذلك في نصوص الصلوات دون العناوين مستعينًا بمخطوط الخولاجي الخاص به وببعض المخطوطات الأخرى، وكان تصليحه على النص بالقلم الأحمر، وفي هذا كان مدققًا في الكلمات الموجودة لتكون كالأصلية أو الأكثر استعمالاً. أما العناوين القبطية فلم يصلحها لعدم نفعها وقد قال في هذا: “أما القبطي الأحمر الذي للعنوانات وكلام الترتيب فمفسود إلى الغاية في تركيبه في كل هذا الكتاب، فهو غالبًا لا يصلح لمعانٍ ولم نصلحه لئلا يتشوه الكتاب جدًا أكثر من كل الأشياء الأخرى، مع أن هذا القبطي الأحمر ليس بضروري لأن عربيه يكفي، فلولا عدم لزومه مع تشوه الكتاب لكنا أصلحناه”.
- النص العربي: فلم يكن له نصيب كالنص القبطي حيث قام بالتعديل البسيط لأسباب، أولها: كثرة الأخطاء الموجودة به وبالتالي سيتشوه الكتاب. ثانيًا: لكون العربي أحيانًا لا يوافق القبطي. ثالثًا: عدم التفرغ والتعب في ذلك.
- الكلمات اليونانية: فلم يوجد بها أخطاء، ولربما نادرًا، وقد أعجب بها وبصحة تهجئتها، بَيْدَ أنَّه علّق فقط على كتابة أصل بعض الكلمات التي تسبب لغطاً في قراءتها كمثال( kai) والتي تنطق ( ke ) والتي ظل الأقباط يتداولون كتابتها على الشكل الأخير.
- تعديل بعض الترتيب الموجود بالخولاجي من المراجع التي بحوزته ليطابق بعض الشيء بالترتيب المستخدم آنذاك.
- إضافة بعض الصلوات المتروكة كإبروسات شماس أو صلوات للكاهن، سريّة أو جهريّة، أو مردات للشعب.
- توثيق بعض الصلوات بكتابة وجودها أو عدمه في نسخ المخطوطات وكتابة ذلك على الهامش بجانبها.
إعداد الخولاجي وطباعته سنة 1618:
من خلال ما سُرِد يتضح شغف القمُّص عبدالمسيح البرموسي[11] بوجود كتاب مطبوع يحتوي على الصلوات الليتورﭼيَّا الخاصة بالقداسات التى تصلي بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولعل ما ساعده على ذلك، الدراسة الخاصة التي كان يجريها على كل مخطوط أو مطبوع للقداس بمقارنته بباقي المخطوطات وكتابة ذلك عليه، وهو ما امتد لسنوات طوال جعلته مُلِمًّا بكل ما يخص الليتورﭼيَّا. كما أصبح عنده من خلال ما ذُكر سابقًا أوراق عمل كثيرة ولاسيما الخولاجي الذي نسخه بخطه الذي كان هو باكورة اهتمامه وموضع تعليقاته وملاحظاته، وأخذ منه الأصول لطبعته سنة 1618ش. حيث قال ذلك بنفسه: “… أما خولاجيَّ أنا القلم المصحح جدًا الذي هو في ربع الفرخ وفيه رفع البخور والثلاثة القداسات، فهو الذي نُسخ عنه ورق أصول الخولاجي الذي طُبع بمصر سنة 1618، فكان كالنسخة المراد تكميلها”[12].
أمانته في النقل عن المخطوطات:
- قد راعى القمُّص عبدالمسيح في هذا العمل أمانة النقل، ويتضح ذلك في ما كتبه بخطه مثل: “مع كوني حافظت على إيراد الصلوات كما هي في كل هذا الخولاجي، إلا أنني في هذه التذكارات التي للحمل أحسنت الترتيب بالتقديم والتأخير وتكميل الناقص عن مضمون قول النسخ لا من ذاتي، ثم زدت في ذكر من لا يكون في مرض من عندي جملة (وساعده في كل عمل صالح) لأنها تذكارات لا يضر إصلاح فيها فزدت هذه الجملة، بخلاف الصلوات المثبتة في كل الخولاجيات، فإننا لا نقدر أن نزيد فيها كلمة أو ننقصها إلا عن نسخة”[13].
- كذلك ما كتبه تعليقًا على إبروسة الشماس في أوشية القرابين في القداس الكيرلسي حيث قال: ”صوابُها etfi `vrwou]] بلا (m) كما وجدتُ في نُسخة، إلا أنَّه لمَّا كانت النُّسخ الكثيرة فيها m فلم نَجسُر على تركها”[14].
- أيضًا ما كتبه على قسمة أعياد الملائكة قائلاً: “هذهِ القسمة عن خولاجي رومية وجه وقوبلت على ست نسخ أخرى، ولكثرة فسادِها قد حسَّنتُ بعض كلامِها بمعرفتي، بعكس عادتي أن لا أخرجُ عن النُّسخ”[15].
- وكتب أيضًا في نهاية الخولاجي المطبوع بمعرفة جمعية أبناء الكنيسة القبطية عام 1927: “القياس هو أن نكتب الترتيب القديم ولا نغيره ولو خالفه عمل حديث، ولكن إذا أردنا في النادر أن نكتب عبارة ليس لها ترتيب قديم، فهذه فقط نأخذها حسب الجاري”.
- وأخيرًا ما كتبه على ترتيب التناول قائلاً: “إن ترتيب التناول خاصة قد تصرفت فيه نوعًا، لأني أخذته عن كتب مع تتميم بعض الشرح أخذًا عن أمور التناول الجارية من الكهنة الآن، مع التقديم والتأخير أيضًا لأجل تنسيق الكلام، ولكن تتميماتي الكبيرة -حسبما ذُكِر- هي ما تجده في الحواشي، وأما الذي دخل في المتن فهو قليل، وأما باقي الخولاجي فلم أتصرف في ما داخل المتن منه كما في ترتيب التناول هنا”[16].
فكرة الطبع بلونين متميزين:
كانت هذه الفكرة مقتبسة من مخطوطات الخولاجي لقداسة البابا كيرلس الخامس (القمُّص يوحنا البرموسي الناسخ وقتئذ) وفي هذا يقول القمُّص عبدالمسيح: “اقتديتُ بعادة قداسة الأب المعظم السيد البطريرك أنبا كيرلس بابا الإسكندرية المئة والثاني عشر في خولاجياته بخط القلم، في كوني رتبت أن يكون كل ما يقوله الكاهن بالأسود مع النهر العربي للكاهن والشماس والشعب، وأن يكون حرف كل أوشية وكل العنوانات وكلام الترتيب والحواشي والشواهد، وكل ما يقوله الشماس والشعب بالأحمر، وذلك لكي لا يرتبك القارئ لأجل اختلاط الصلوات وتخلل بعضها بعضًا وتخلل الترتيب إياها، بل يكون ما يقوله الكاهن ظاهرًا متميزًا جدًا من أول وهلة عما يقوله الآخرون وعن كل شيء، وأيضًا قد جعلت العنوانات والترتيب كلها بالعربي بدون قبطي لتكون ممتازة عن الصلوات ولاسيَّما عما يقوله الشماس والشعب لأنه أحمر مثلها”[17].
مدة طبع الخولاجي للطبعة الأولى:
كان الابتداء في طبع الخولاجي في كيهك سنة 1618ش وانتهى قبل منتصف أبيب سنة 1620ش، أي استمر طبعه سنتين وثمانية أشهر[18].
مراجع الخولاجي:
كتب القمُّص عبدالمسيح البرموسي قائمة المخطوطات والمطبوعات التي اعتمد عليها في جمعه وترتيبه للخولاجي، وأحصاها ورتَّبها وزاد عليها بعد ذلك قليلاً، كما أنه كتب أسماء مراجع أخرى حال دون استخدامها سبب أو أكثر، وكان ذلك في تاريخين منفصلين أولهما يوم 20 بابة سنة 1618، حيث قال: “بيان الخولاجيات التي حضرت في تكميل وتصحيح الخولاجي الذي طُبع بمصر سنة 1618 للشهداء…”. وثانيهما يوم 25 برمودة سنة 1618، فقال: “وبعد ذلك نظرنا في ترتيب خولاجيات أخرى زيادة على السابقة وهي هذه…”. وكان عدد المراجع المستخدمة هو (32) مرجعاً[19] من أديرة البرموس وأبو مقار والسريان والبطريركية وأخرى شخصية.
بيان إحصائي للمراجع:
البيان |
العدد |
مخطوطات دير البرموس |
9 |
مخطوطات البطريركية |
7 |
مخطوطات دير أنبا مقار |
6 |
مخطوطات دير السريان |
2 |
مخطوطات الأب المطران (أنبا يوأنس) |
1 |
مخطوطات القمُّص عبدالمسيح |
1 |
مخطوطات مجهولة |
3 |
المطبوعات |
3 |
إجمالي المراجع |
32 |
رفع البخور |
17 |
قداس القديس باسيليوس |
27 |
قداس القديس إغريغوريوس |
18 |
قداس القديس كيرلس |
9 |
ترتيبات |
3 |
إبروسات |
1 |
أما عن ملاحظات أبينا عبدالمسيح عن هذه الطبعة فتتمثل في:
- تعديل أخطاء المطبعة نفسها: وتشمل الكلمات الخطأ في العناوين والنصوص القبطية والعربية، تعديل طبع النص بلون مختلف حيث ظهرت نصوص بلون أحمر كان مقررًا طباعتُها باللون الأسود والعكس، تعديل نقل بعض الهوامش المقرر وجودها في مكان وطُبِعت في غيره.
- تصحيح أخطائه الخاصة: حيث قام بتصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها، واعترافه صراحةً بأنها منه شخصيًا ولابد من تعديلها.
- تصحيح أخطاء إقلاديوس لبيب: كان إقلاديوس ملتزم الطبع، وقد أضاف بعض التعديلات دون مراجعة القمُّص عبدالمسيح فيها، وتعددت الإضافات ما بين تعديلات لغوية وإضافات في الهامش، وكل هذه كان للقمص عبدالمسيح تعليقات عليها، ما بين مُرحّب بها ورافض لها –وإن كان في الحقيقة قد رفض أغلبها– فضلاً عن كون إقلاديوس صاحب المطبعة وهو المسؤول عن أخطائها، وكان يدعوه في التعليق (الموسيو) وقد كان نصيبه من تعليقات أبينا عبدالمسيح في تصحيح هذه الطبعة (27) مرة، منها مرة كتب تصحيحاً وتعليقاً يشمل (3) صفحات كاملة.
- إضافات في الترتيب والنصوص: فقد أضاف الكثير أيضًا من شروحات وتعليلات لغوية إلى شواهد إضافية وبعض النصوص، حيث ذكر اطلاعه على خولاجي مدينة (هُوّ) الذي جاءه بعد الطبع وأخذ منه إضافات ثمينة، منها مثلاً: صلاة أخرى للحجاب للآب تُقال عوض الأولى متى أراد الكاهن، ومطلعها (أيها الرب إلهنا الذي خلقنا وأدخلنا إلى هذه الحياة) وكان قد نقلها أبونا عبدالمسيح من مخطوط بالبطريركية، وهو المخطوط الوحيد الذي كتب هذه الصلاة، واتضح بمراجعتها على خولاجي أن الناسخ سقطت منه سهوًا سطور كثيرة في المنتصف.
- توثيق بعض الصلوات وكتابة مراجعها: فضلاً عما سبق من تعديلات ضرورية ومهمة جدًا لطبعة الخولاجي، إلَّا أننا نرى أن هذه النقطة تحديدًا هي أثمن تعليقاته، حيث كتب بجانب بعض الصلوات (ليست قليلة) مصدرها ورقم الصفحة أيضاً، بخلاف مقابلتها عن نسخ أخرى يذكرها أحيانًا بالاسم وأحيانًا بالعدد، وهو ما أضاف على الخولاجي الطابع العلمي.
وقد شملت تعليقاته الجانبية على الطبعة الأولى نحو (153) تعليقاً، و(329) خطأ يحتاج تصحيحاً أفرد لها جدولاً في آخر الطبعة، هذا بخلاف كثير من تصحيحات القلم المباشرة على النص[20].
مدة التصحيح الثاني
لم يكتفِ بما أنجزه من العمل والاطلاع على المخطوطات وإرسالها إلى المطبعة، بل ظل يبحث أيضًا في هذا المجال أثناء الطبع، كما ذكرنا قبلاً وكما يتضح أيضًا مما كتبه على نسخته الشخصية بعد ذلك قائلاً: “… صوابه عن خولاجي مدينة هُو القديم جدًا الذي حضر بعد الطبع…”[21].
وقد ظل القمُّص عبدالمسيح فترة من الزمن في تدوين ملاحظات وتصحيح أخطاء على الطبعة الأولى في نسخته الشخصية، حيث ذكر عدّة تصحيحات وتعليقات مؤرّخة كانت في سنة 1624ش (ص778 من الطبعة الأولى)، وسنة 1635ش (ص258)، وسنة 1640ش (ص397). لتقدر هذه الفترة –بحسب هذه التواريخ- باثنين وعشرين عامًا، ويُحتمل أكثر من ذلك للتعليقات غير المؤرخة.
كلمة ختامية
أخيرًا، فقد بذل القمُّص عبدالمسيح صليب البرموسي المسعودي الكثير من الجهد الشخصي في خروج هذا الخولاجي للنور ليكون على أكمل وجه، فصدرت الطبعة الأولى منه سنة 1618ش، ورتب بنفسه للطبعة الثانية بعد انتقاله لتكون مصححة. وإن حسبنا نِتاج هذا العمل والدراسة الخاصة بالثلاثة قداسات لوجدناها تصل لواحد وأربعين عامًا، بدأت من نسخ مخطوط (342) طقس البطريركية عام 1599ش، وحتى آخر تصحيح مؤرخ له في نسخته الشخصية عام 1640ش، ولذا فهو منذ الطبعة الأولى عام 1618ش وحتى الآن عام 1731ش يعتبر المرجع الرسمي المُحقَّق والأوحد للثلاثة قداسات المستخدمة في الكنيسة القبطية بلا منازع، وإن كان البعض قد قام بعد ذلك بطبع عدة خولاجيَّات عصـرية بأنماط مختلفة، إلا أن هذا الخولاجي يُعد ركيزة أساسية لهم، ومرجعاً أوَّلياً يفتخرون بصدارته قائمتهم.
[1] راهب في دير السيدة العذراء برموس، وادي النطرون، مصر.
[2]– كان عصاميًا في مجال العلم وعلَّم نفسه بنفسه في دير البرموس.
[3]– عبدالمسيح صليب البرَموسي المسعودي، التحفة البرموسية في شرح وتتمة قواعد حساب الأبقطي للكنيسة القبطية الأرثوذكسي، ص4-10.
[4]– الكرمة أو الكنز الثمين في كرمات المتقدمين، ص5-6.
[5]– يسى عبدالمسيح حنا (1898-1959)، أمين مكتبة المتحف القبطي، وعالم القبطيات الشهير.
[6]– سوف تُنشر هذه الدراسة كاملة في دورية مدرسة الإسكندرية في العدد الأول لسنة 2017.
[7]– هذا رأي خاص مبني على تعليقات القمص عبدالمسيح المذكورة في كثير من الخولاجيات المخطوطة والمطبوعة. فنحن نُرجِع هذا إلى اِشتياق ورغبة خاصة، وإن كان أقرب للحقيقة إلا أننا لا نقطع به.
[8]– نؤكد هنا أن القمص عبدالمسيح لم يأتِ بجديد من عنده في الطقس، بل كل ما هو في الخولاجي موجود في المخطوطات التي اعتمد عليها ولو في مرجع واحد، على أننا نلاحظ هنا أنه رتبها كلها كما في هذا الخولاجي، والذي لم يجده في مخطوط وكتبه كان هو مستعملاً في واقع الأمر وكتب على ذلك (والمعمول الآن، العادة الآن …).
[9]– سوف نكتفي بذكر التقويم القبطي دون الميلادي لعدم فقد القارئ للتركيز بذكرهما معًا. على أن ندعو القارئ بمتابعة السنوات جيدًا للوقوف على هذا المجهود.
[10]– وجدنا مخطوطاً للثلاثة قداسات ورفع البخور من نسخ أبينا القمص عبدالمسيح سنة 1599ش تحت رقم (342) طقس الدار البطريركية، وكان ذلك بعد عمل هذه الدراسة ويطابق كثيرًا جدًا طبعة 1618ش، وقد أهداه للبابا كيرلس الخامس ليصبح وقف الدار البطريركية.
[11]– هذه رغبة وشغف داخلي خاص، ولم يكن طلب أحد أو أمراً من أحد آخر، وإلا كان ذكر ذلك صراحةً في تعليقاته على الخولاجي وما كان أغفله. ومما يؤكد ذلك ما كتبه على هامش القسمة السريانية التي قام بترجمتها إلى القبطية عن أصل عربي ترجمه القمص إشعياء السرياني حيث قال: “… حثنا على طبعها كل من: القمص عوض البرموسي والقمص متى البرموسي”.
[12]– خولاجي طبعة رومية النسخة الخاصة به وبقلمه الخاص، ص396.
[13]– النسخة الشخصية لخولاجي القمص عبدالمسيح، الطبعة الأولى، ص211.
[14]– النسخة الشخصية، ص609.
[15]– النسخة الشخصية، ص718.
[16]– النسخة الشخصية، ص421.
[17]– خولاجي القمص عبدالمسيح، الطبعة الأولى، ص15، حاشية 1.
[18]– النسخة الشخصية، ص778.
[19]– أسماء المراجع كاملة موجودة في الدراسة التي ستُنشر.
[20]– يحتفظ دير البرموس بالنسخة الشخصية لخولاجي القمص عبدالمسيح، وبه ما ذكرناه مكتوبًا بخطه، وقد حرص الدير على ضم كل تعليقاته هذه وتعليقاته الأخرى على طبعة الأنبا روفائيل الطوخي، في الطبعة الخامسة لهذا الخولاجي الصادرة عام 2015، وهي متوافرة في المكتبات.
[21]– النسخة الشخصية لخولاجي القمص عبدالمسيح، الطبعة الأولى، ص11 في التصويب.