تنطوي زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس على رمزية دينية مهمة، فهو يمثل أهم المرجعيات الدينية في العالم، ولعل الأهم هو ما يتمتع به بابا الفاتيكان من نزوع جدي نحو التجديد والاعتدال، مما أحال الخطاب الديني الكاثوليكي إلى تأصيل أنسنة الإيمان المسيحي.
أتمنى على المعنيين بالشأن الديني، والعقدي، والفكري بوجه عام الالتفات إلى هذه الرؤية وهذا التأصيل، وتأتي هذه الزيارة إلى العراق والمنطقة تعصف بها الأزمات، ونتطلع إلى أن تساهم هذه الزيارة في تخفيف حدة التطرف الذي يتولد عنه الإقصاء والعنف.
يساهم خطاب البابا في إرساء التسامح وقبول الآخر؛ وهذه إشكالية عميقة في العراق، حيث عانى من احتقان طائفي أدى إلى تشظي المجتمع العراقي. كما لا يفوتنا الالتفات إلى تاريخية الحدث؛ فزيارة البابا للعراق تتماهى مع زيارة البابا يوحنا الثاني لبولندا (1979) مع ملاحظة التفاوت في السياق التاريخي والظروف الموضوعية.
ينظر الفاتيكان إلى مسيحيي العراق بوصفهم من الجماعات الرسولية، لا بل إن التاريخ العربي المسيحي حافل بالقديسين وآباء الكنيسة، وهذا الوجود المسيحي يمتد إلى زمان كتابة الأناجيل.
وبالعودة إلى ما تمثله أهمية الزيارة، فهي ستساهم في إيصال رسالة إلى العالم بالوجود المسيحي الأصيل في العراق، كما أنها سوف تؤثر في الرأي العام لجهة أهمية التعاون مع العراق للخروج من أزماته، ومما لا ريب فيه أن الاستعدادات الكبيرة لوسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، ستضع هذا الحدث أمام أنظار العالم بما يتناسب وحجمه التاريخي والحضاري، وسوف يسمح للمنطقة العربية باستعادة حضورها الفاعل والمؤثر في المشهد العالمي.
سيأتي قداسة البابا إلى العراق بوصفه زعيماً روحياً عالمياً، وهو يحظى باهتمام من أتباعه الذين يشكلون مئات الملايين من البشر، فضلا ًعن الذين يهتمون برؤية الحبر الأعظم التجديدية الإصلاحية، التي استحوذت على قلوب المؤمنين برسالته الإنسانية؛ والعراقيون فرحون ومبتهجون بهذه الزيارة الأولى للكرسي الرسولي للعراق.