يسلط مركز المسبار للدراسات والبحوث، الضوء على الوضع في ليبيا، وما آلت له العملية السياسية، والمواجهة المسلحة بين الفرقاء هناك، وفرص المصالحة الممكنة، وذلك ضمن كتابه الشهري رقم 114، بمشاركة عدد من الباحثين والمختصين. حيث يعتبر الباحث والصحفي التونسي أحمد نظيف أن الوضع الليبي لا يزال مُتحركاً، منذ سقوط نظام القذافي، خريف 2011، وحتى اليوم، الحرب المتقطعة في الميدان والصراع السياسي في الكواليس بين حكومات شتى، تتنازع الشرعية والسلطة، لا تزال قائمة، الأمر الذي يجعل عملية التوقع بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع أمرا صعبا. كل الظروف الموضوعية والذاتية مُهيأة لقيام حرب في البلاد، وبالقدر نفسه مواتية لإحلال السلم والتوجه نحو إعادة بناء الدولة بعد خراب مديد. يقف البلد اليوم في منتصف الطريق الرابطة بين الحرب والسلم، ومستقبله مفتوح على كثير من السُبل.
ويسعى نظيف في دراسته إلى الإجابة على تساؤلات: كيف تؤثر الانقسامات الاجتماعية والتركيبة القبلية في ليبيا على حظوظ نجاح أي تسوية سياسية بين الفرقاء في البلاد؟ وكيف أسهم سقوط الدولة وتمكّن الجماعات الدينية من مؤسساتها في تمدّد الجماعات الإرهابية في البلاد؟ وما سيناريوهات أي تدخل عسكري خارجي محتمل؟.
من جهته، يلاحظ الباحث التونسي أحمد بلسود أنه على الرغم من بوادر «الدمقرطة»، التي مثلت انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليو 2012، وانتخابات مجلس النواب في يوليو 2014، مقدمة لها، فإن الحكومات المتعاقبة، بعد الثورة، لم تنجح في تحقيق أبسط أسس مقومات إنجاح مسار الانتقال الديموقراطي، واستعادة مقومات الدولة، من احتكار للقوة، وفرض الأمن، وإنفاذ القانون، والحد الأدنى من التوافق السياسي والاجتماعي، مما أدى إلى حالة فراغ أمني، وفوضى سياسية، وانتشار للسلاح استغلته التشكيلات المسلحة والجماعات الجهادية، لابتزاز السلطات ولتكوين مناطق نفوذ محلية، أهمها ما يعرف بـ «تنظيم الدولة» أو «داعش»، الذي بات يسيطر على مدينة سرت ونحو (290) كلم من السواحل الليبية، ويطمح للتوسع إلى مناطق أخرى من البلاد، في تهديد واضح لاستقرار المنطقة بأكملها.
لا يستبعد الباحث بلسود أن يكون الخلاف بين الليبيين اليوم، حول مآل العملية السياسية يعكس في جوهره اختلافاً بين القوى الإقليمية والدولية إزاء الحلول المطروحة في ليبيا، وتحديد سلّم الأولويات بين محاربة التنظيمات الجهادية ومقاومة الهجرة غير الشرعية، واستقرار السلطة في ليبيا، وإعادة إعمار البلاد. فالأطراف الداخلية والخارجية، وإن كانت تجتمع حول ضرورة توحيد السلطة في ليبيا بصفتها أساسا لتركيز الشرعية، إلا أنها لا تتفق على برنامج عمل الحكومة وعلاقاتها المستقبلية مع المكونات السياسية- العسكرية، والأكيد أن كل طرف يحاول اليوم جاهدا أن تخدم حكومة الوفاق أجندته الذاتية، وأن يقلص من فرص إقصائه من المشهد السياسي. وهو ما يفسر الصعوبات التي تواجهها هذه الحكومة في بسط نفوذها.
«التحول الديموقراطي في ليبيا وفرص إدارة الصراع والمصالحة»، كان محور نقاش الباحث التونسي ماجد البرهومي، والذي يعتقد أنه على الرغم من أوجه الشبه المتعددة بين الحالة الليبية، وما تعيشه كل من أفغانستان والصومال من فوضى وتفكك للدولة، وعدم قدرة السلطة المركزية في كل من كابول ومقديشو على بسط نفوذهما على كامل الإقليم الأفغاني والصومالي، فإنه يمكن الجزم بأن ليبيا ليست أفغانستان ولا الصومال مثلما يروج لذلك البعض، ولديها عديد المميزات والخصائص التي تجعل عديد الخبراء الإستراتيجيين يؤكدون قدرة البلد على الخروج من المأزق الذي يعيشه، والانطلاق مجدداً من تحت الرماد كطائر الفينيق. تبدو الديموقراطية ضرورية في ليبيا لإدارة الصراع بين القوى المتصارعة حقناً للدماء، وحفاظاً على ما بقي من بنى تحتية لم تطلها أيادي التخريب، وفرص نجاحها كبيرة، وهناك عديد العوامل التي تدعم نجاحها. لكن أيضا هناك عديد المعوقات التي تجعل ترسيخها أمرا صعب المنال في الوقت الراهن، ويتطلب سنوات وربما عقودا من الزمان.