جوزيف براودي*
انشغل صناع القرار الأمريكيون الأسابيع الماضية بالثورة التونسية وما تلا ذلك من أعمال الشغب في الجزائر، كما أعربت أصوات مؤثرة عن قلقها تجاه استقرار حلفاء أمريكا في المنطقة العربية الذين يعتلون سدة الحكم في أنظمة استبدادية.
من ناحية أخرى سعت الأصوات التي تعنى بالديموقرطية في المنطقة العربية إلى استخلاص الدروس من التطورات الملحوظة وغير المتوقعة في تونس لاستثمارها في نشر الديموقراطية ورفع مستوى الحريات السياسية في المنطقة العربية.كما ركزت تصريحات البعض على المخاوف الأميركية من عدم صمود الأنظمة الموالية للغرب مثل مصر، نظراً إلى تقدير صناع القرار الأمريكي للدور البناء الذي لعبته مصر في دعم عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
في معهد كارنيجي في واشنطن أبدت مجموعة من الباحثين الملاحظات التالية : في تونس نبعت الطاقة الثورية من الشباب داخل البلاد وليس عن طريق قوى أجنبية، ولهذا فلا يمكن الحديث عن تأثير أجنبي فيما حدث. ثانيا، أن قمع المعارضة السياسية من قبل النظام التونسي في نهاية المطاف لم يخدم مصالحه بل كان سبب سقوطه، فعدم وجود صمام تنفيس لتخفيف الضغط الداخلي تسبب في انفجار شعبي قاده الشباب. وأخيراً فإن النظام التونسي لم يكن مستعداً لقمع انتفاضة عارمة بسبب عدم اندماج الجيش التونسي في منظومة الأمن الداخلي. وفي الوقت نفسه، تناول أنصار الديمقراطية العربية التطورات نفسَها من وجهة نظرهم الخاصة، وأعربوا عن مخاوف من أن تونس على النقيض من البلدان التي أطاحت بحكامها في العقد الماضي إثر تفكك الاتحاد السوفيتي مثل صربيا وجورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان ورومانيا، تفتقر إلى الثقافة السياسية المحلية، كما أن البلد كان يعاني من انعدام مؤسسات المجتمع المدني التي قد تمكن التداول السلمي للسلطة. وتنطبق هذه الملاحظة في دول عربية عديدة. كما لاحظ الخبراء معضلة التنمية الاقتصادية من ناحية تأثيرها علي الوضع السياسي في البلدان العربية، فبدلاً من تعزيز الديموقراطية من خلال إنشا طبقة وسطى جديدة تقود الانفتاح، تسبب التحسن الاقتصادي في ترسيخ الرضى الشعبي عن الوضع القائم السلطوي، في حين أن تدهور التقدم الاقتصادي قد يكون له تأثير عكسي. تجدر الإشارة إلى أنه لوحظ على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأمريكية الأكثر نفوذًا ومؤسسات فكرية أخرى أن المغرب قد نجت من الاضطرابات التي اشتعلت في البلدان المجاورة لاختلافات كثيرة بين المغرب وجيرانها، وخصوصاً أن المغرب سعى إلى التنمية السياسية وعدم وجود مثل هذه الإنجازات في غيرها من دول المنطقة. حيث أكدت بعض وجهات النظر أن المغرب يتمتع بمعارضة سياسية قابلة للاستمرار، وكما أن ملك المغرب نفسه تعهد بمعالجة مشكلة الفقراء والمحرومين، ودعم ذلك بجهود جارية_ وإن كانت بطيئة وتدريجية- لمحاربة الفساد في الحكومة والقطاع الخاص، وبالتالي فإن كلا من المدافعين عن الاستقرار العربي وأنصار التغيير الديموقراطي في المنطقة العربية يبدو أنهم اتفقوا على اعتبار المغرب نموذجا يحتذى من قبل الدول العربية الأخرى. *جوزيف براودي كاتب وصحفي أمريكي خاص بالمسبار 26يناير2011