[ الكتاب: المرأة في العالم العربي وتحديات الإسلام السياسي.
[ الكاتب: مجموعة من الباحثين، إشراف د. ريتا فرج.
[ الناشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث دبي 2013.
تفتح الباحثة اللبنانية ريتا فرج، منسقة الكتاب، سلسلة الدراسات بتناول “الحراك النسائي في المجال العام وحوارات مع مثقفات”، فتسجل المفارقة الفاقعة التالية: فاختراق النساء للمجال العام بكثرة، في صورة ثورة ناعمة، الذي كان حكراً على الذكور رافقه تهميش دورها في مراكز القرار السياسي. ومن تجربة اليمن مثالاً، ترى أن النقاب لم يحل دون مشاركة اليمنيات في الحراك الاجتماعي المطالب بالتغيير، غير أن خروج النسوة العرب الى الميادين جوبه باعتراضات ومحاولات إساءة لفظية وبدنية أخذت شكلاً عنيفاً رصدته كاتبة “العنف في الإسلام المعاصر” (بيروت، 2010)، من خلال التقارير الواردة من سوريا والتي تفيد بتعرض الكثير من النساء والفتيات لعنف جنسي أثناء النزاع، وفي مصر أشار تقرير حقوقي الى الارتفاع الحاد في العنف ضد المرأة بعد الثورة، وقد شكل العنف الأسري النسبة الأكبر، الى حوادث القتل على خلفية جرائم الشرف وحالات الاغتصاب بسبب الوضع الأمني المضطرب.
وفي قبالة الحراك النسوي الناشط تراجع دور المرأة العربية في البرلمانات المنتخبة. وترى فرج أن تحجيم دور النساء ناجم من قهرهن على أساس ديني واجتماعي ما قبل وما بعد الربيع العربي، إضافة الى سيطرة الإسلاميين على البرلمانات الجديدة وموقفهم السلبي من مشاركة النساء في الحياة العامة، لكن النساء واجهن ذلك بالتأكيد على دورهن كمواطنات يرغبن في المساهمة ببناء الوطن.
أما الباحثة التونسية رجاء بن سلامة فقد اختارت متابعة “المرأة في خطاب حركة النهضة التونسية”، والبداية من “ازدواج الخطاب” عند إسلاميي تونس ولا سيّما النهضة التي يقودها راشد الغنوشي، وهي تعزو ذلك الى كون هذه الحركة “حزب وحركة دعوية” في الوقت نفسه، وبالتالي ثمة تعدد وتنوع في الاستراتيجيات المعتمدة، إضافة الى “التباس تاريخ هذا الحزب”. ويظهر أن موضوع المرأة وحجابها كان ملازماً لنشأة الحركة الإسلامية عموماً، حتى أن تناقضات وتعارضات هذا الخطاب تظهر في “المسألة النسوية”، وتبرز المرأة سبباً في الفتنة وفي الإفراط الجنسي وانحلال الحضارات، ما أدى تالياً الى إحياء الأحكام الخاصة بجسد المرأة والتزام مضمون الفقه الإسلامي. بيد أن قيام الثورة الإيرانية في العام 1979 والاستفتاء حول مجلة الأحوال الشخصية في العام 1985 فرضا تبدلاً في الخطاب في اتجاه “التسييس الثوري للمرأة” وحماية مكاسبها والحديث عن المساواة بين الجنسين، ضداً من إسلام الفقهاء ومن الإسلام الشعبي.
وفي سيّاق مُتصل رسمت أمال القرامي، الأستاذة في جامعة منوبة، “دوائر الخوف.. التونسيات والتيارات السلفية”، أي لما أحدثه التغيير الجديد (2001) في أحوال النساء في بلد كان تميّز بمدونة حقوقية تعمل لمصلحة المرأة، فالظاهرة السلفية حملت معها ثقافة “كره النساء” وخطاب مُتشدد يُطالِب بعودة المرأة الى البيت ويتمسك بحرفية النص بعيداً من أي صلة بالواقع وبما يُعرف بـ”مقاصد الشريعة”، والمستجد هو الأسلوب العنيف لدى شباب السلفية لفرض الرأي. وقد أدى هذا الأمر الى فتح نقاش واسع في الفضاء الحقيقي وفي الفضاء الرقمي (وسائط الاتصال) حول مسائل الحجاب والنقاب وموقع المرأة. وترى قرامي إن التيارات السلفية تسعى “لتنميط التونسيات” والحد من مكتسباتهن، بدعوى أن “الإسلام هو الذي كرم المرأة”.
تناولت الباحثة المصرية، هند مصطفى، واقع “النسوية الإسلامية في الثورة المصرية”، هذه النسوية المنشغلة بقضية الجندر من المنظار الإسلامي وبـ”جدلية العلاقة بين قيّم العدل والحرية والمساواة”، من أجل المساهمة في تقديم معرفة تركن الى الهوية النوعية (المرأة) والمرجعية المعرفية (الإسلام).
تعود مصطفى بنا الى الوراء في الزمن لتؤكد على وجود خطاب نسائي برز مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين المنصرمين. ولقد كانت مسألة المرأة جزءاً من دعوة الإصلاح الاجتماعي والسياسي، ولم يكن الدين الإسلامي هو المتهم في تقييد حريتها بل الممارسة الاجتماعية، وهذا ما جعل خطاب عصر النهضة حول المرأة ذو مرجعية إسلامية.
وبالعودة الى راهن أيامنا، فإن النسوية الإسلامية المعاصرة تتبنى منهج النقد والمراجعة، من أجل “قراءة ورصد حضور المرأة في كل من التاريخ والمصادر المعرفية ارتكاناً وانتماءً الى المرجعية الإسلامية نفسها لا من خارجها”. وتشير مصطفى الى أن الوضع السياسي بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني2011، وما أملاه من قضايا جعل حضور مسألة المرأة محدوداً أمام مسائل الدستور والانتخابات والحكومة والمواطنة والإسلام السياسي… إلخ، و ذلك رغم الحضور القوي للمرأة المصرية في ميادين الثورة، وهي مفارقة عبرت عنها مصطفى على النحو الآتي: “حضور المرأة كفاعل وضعف حضورها كموضوع”.
بسطت اليمنية نبيلة الزبير “ثورة اليمن… دور المرأة ومخاوفها”، ففي هذا البلد الأسطوري “اليمن السعيد”، ارتبط وضع المرأة طرداً بموقع القوى التقليدية في الحكم، فإذا حكموا، كانت “النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما توجبه الشريعة”، وإذا اندحر التحديث تراجعت المكتسبات، حتى أن الوحدة بين شطري اليمن وما صاغته من قوانين حدت كثيراً من حقوق النساء. وكان لليمنيات حضور بارز في ثورة 11 شباط/فبراير في كافة الساحات والميادين.
ولم تستسلم اليمنيات للوضع القائم، بل نشطن في سبيل التغيير المجتمعي عبر جمعيات التدريب والتأهيل والصحافة وشاركن بفاعلية في ثورة شباط، الأمر الذي أثار حفيظة القوى الدينية التقليدية، فبادرت الى جملة من المضايقات، والاعتداء على النساء المعتصمات في الخيم.
ونظرت السورية سيرين الخوري الى “واقع المرأة السورية… قبل وأثناء الثورة”، فوجدتها تعاني المشكلات نفسها القائمة في المجتمعات العربية الأخرى، لكن الأبرز هو الزواج المبكر”. ولهذا الوضع عواقب كثيرة أقلها الطلاق. ولم يتغير الحال كثيراً مع انطلاق الحراك الاجتماعي في آذار من العام 2011 الذي ساهمت المرأة السورية في فاعلياته بنشاط، اذ لم تطرح قوى المعارضة أي رؤية جديدة لواقع المرأة، لا بل إن القوى الدينية المسيطرة عسكرياً على بعض المناطق فرضت اللباس الشرعي ومنعت أشكال الزينة. وانخراط الناشطات في العمل لتغيير النظام جعل مطالبهن تحمل الصفة السياسية العامة من دون التطرق تفصيلاً الى “مسألة المرأة”، كما يُلاحظ تهميش دورهن في المجالس السياسية والعسكرية.
اختارت الليبية آمال سليمان العبيدي معالجة “تمكين المرأة في ليبيا: الواقع والتحديات”، حيث شاركت النسوة في شكل بارز في إشعال فتيل الثورة ضد نظام القذافي من خلال مطالب أسر ضحايا مذبحة سجن بوسليم، بالتحركات التي قاموا بها في 15 فبراير/شباط 2011. لكن، ولكي تصل بنا الباحثة الى حال المرأة في ليبيا ما بعد الثورة ، ترسم لنا الإطار التاريخي العام لتطور أوضاعها في فترتي الاستقلال وقيام الحكم الملكي في عام 1951 الى عام 1969، عام انقلاب العقيد وحتى سقوط نظامه في العام 2011. في الأول، حصلت المرأة على مكاسب محدودة ولا سيّما في مجال التعليم، وبرزت نخب نسوية تعمل في الحقل العام. أما في الثانية، فكانت مشاركة المرأة في دوائر صنع القرار ضئيلة في حين اتسعت في مجال القضاء. وآن انطلاق الثورة خرجت النسوة الى الميادين، وما إن بدأت الأعمال الحربية حتى انخرطن في أعمال الإغاثة والعمل الإعلامي ودفعن ثمناً باهظاً، حيث تعرضن لكثير من الانتهاكات، منها الاغتصاب والنزوح والتهجير.
وقد التزمت السلطات الانتقالية نظرياً بتمكين المرأة، لكن واقع الحال كان التمييز ضدها والحؤول دون ممارسة دورها من خلال جملة من القرارات اتخذها المجلس الوطني الانتقالي.
بدورها قاربت فاطمة الزهراء أزرويل “التجربة النسائية المغربية: مسار ومحطات قبل الربيع وبعده”، وهي تفيدنا بخلو المشهد المغربي من أدبيات خاصة تقع في باب “المسألة النسائية”، ففي البدايات انهمك المجتمع بالتخلص من الاحتلال الإسباني أولاً والفرنسي ثانياً، ومن ثم بناء الدولة الوطنية الحديثة التي أقرت إلزامية التعليم للأطفال (1963)، فاستفادت الإناث منه لتعزيز وعيهن. وكان يجب انتظار السبعينات والثمانينات من القرن المنقضي لكي يتجلى وعيّ مغاير تحقق في معترك النضال، تأثر بالقراءات النسوية (نوال السعداوي، فريدة النقاش، سيمون دو بوفوار) والحوادث الخارجية مثل ثورة أيار الطلابية في العام 1968. فبدأت في الظهور “الكتابة النسائية” والانخراط في أنشطة المجتمع المدني.
بحسب فاطمة الزهراء، إعلان الملك محمد السادس عن مدونة الأسرة في 10 ت 1/ اكتوبر 2004، هو من “أكثر القوانين إنصافاً للنساء والأسرة في العالم العربي”، وهي مدونة قرنت بين مقاصد الشريعة وبين المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ما يؤشر الى انخراط هذا البلد في “المنظومة الكونية لحقوق النساء” التي ترفض أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة.
تتابع ميرفت حاتم “سرديات النوع وثورة 25 يناير 2011 في مصر”، والسرديات على العموم تهدف لتسهيل فهم الظواهر وهي أنواع، في مقدمها السردية النسوية التي تنظر الى صلة النساء بالثورات القومية بمعنى الترابط بين قضايا التحرر وحقوق المرأة ومشاركة النساء دوماً في حركات الاحتجاج ولا سيّما الربيع العربي. لكن حاتم تأخذ على هذه السردية تشاؤمها ونظرتها الى النساء مثابة “كتلة متجانسة وضعيفة” تتجاهل الفروق الطبقية والفكرية بينهن. أما السردية الليبرالية فتفسر الحراك انطلاقاً من صراع الأجيال وعصيان الشباب لحكم الكهول والمطالبة بأنظمة ليبرالية تسود فيها الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. في حين تتبنى السردية المحافظة خيارات تتماشى ورؤيتها الضيقة في حصر دور النساء. وتشير الباحثة الى أن السردية العلمانية لم تقدم نقداً تحليلياً للطريقة التي تعامل بها نظام مبارك مع قضايا النوع حيث تلبس الحاكم دور “الأب”. ومن تجربة النساء العلمانيات في السلطة الانتقالية التي تلت 25 يناير/كانون الثاني خلصت الباحثة الى القول إن “العلمانية ليست دائماً ليبرالية” وإن بعض الممارسات استمرار “للإرث السلطوي”. في حين استخدمت السردية الإسلامية قضايا النوع لمصلحتها، ولم تعمل على إعادة النظر في مكتسبات المرأة المصرية زمن مبارك (قوانين الخُلع، الحضانة، الجنسية). لكن الكاتبة تخشى من المناخ الاجتماعي المحافظ غير المؤيد لحقوق المرأة الذي تشيعه الحالة الإسلامية.
ولأن للثورات رجالها ونساءها أيضاً المطالبات بالحرية والعدالة والمساواة، ترسم اللبنانية لمى دهيني “بورتريه الناشطات العربيات… شهادات حية”.
يختم جورج كتورة بـ”قراءة في كتاب النساء العربيات الجديدات” للباحثة غابي كراتوشفيل (زوريخ 2012)، والكتاب عملياً هو تحقق من وجود نساء عربيات فاعلات وملتزمات وعصاميات وناجحات في العمل.
مراجعة: د. عفيف عثمان