تقديم
يشهد اليمن تفاقماً للفوضى السياسية والأمنية التي بدأت عام 2011، حيث أصبح البلد كياناً سياسياً متصدِّعاً تحكمه دولة ضعيفة ومنهارة؛ فبقي محاصراً بثنائية مركبة: لا انهيار ولا استقرار. وسمح ذلك لدعاة الاستقلال الذاتي، والانفصاليين، والإرهابيين، والثائرين، والمتمرّدين، والطائفيين، والقبائليين، بالتمدد وملء الفراغ السياسي والأمني، بعدما فشلت الحكومات اليمنية المتعاقبة في تأسيس المقومات الأساسية للدولة بحدودها الدنيا.
تؤكد عديد الدراسات والتقارير المحلية والدولية أن التحدي الرئيس الذي يواجه اليمن يتمثل في إقامة نظام حديث للحكم والإدارة العامة، يقوم على مبادئ الحكم الرشيد، وذلك من خلال صوغ عقد اجتماعي جديد، يقوم على المسؤولية المباشرة للمواطنين في صناعة السياسة العامة، ومتابعة مستوى تنفيذها، وفي دعم مكاسب التنمية الشاملة والمستدامة.
يحاول كتاب (اليمن من الإمامة إلى عاصفة الحزم) (الكتاب السابع عشر بعد المئة، سبتمبر (أيلول) 2016) عرض وتحليل أبرز التحديات التي تواجه اليمن على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصاً في السنوات الأخيرة، آخذاً بالاعتبار المقدمات التاريخية والسياسية والتركيبة الدينية والاجتماعية والمناطقية والسياقات المحلية والإقليمية المعاصرة. لقد لعبت القبيلة في اليمن دوراً محورياً في مراحل زمنية مختلفة، وناهضت البنى الاجتماعية التقليدية مسارات التحديث، مما أعطى المكوِّن القبلي محفزات بقائية برزت في قدرته على التأثير في مجال الفعل السياسي والاجتماعي.
إن نظام القبيلة في اليمن عميق الجذور، وبرز في البناء السياسي وتركيبة الدولة اليمنية على مدار تاريخ طويل، فشكل قاعدة صلبة في أزمنة الحرب والسلم. وعلى الرغم من تراجع الشبكات القبلية في حقبٍ زمنية متفاوتة، لكن دورها بقي حاضراً. لقد تطرق الكتاب إلى دور القبائل في اليمن وطرح إشكاليات رئيسة: ما الدور الجديد الذي سيتم صوغه للقبيلة في الحيز السياسي وسط التحولات العاصفة؟ وهل سيتوسع دورها اجتماعياً؟ وأي إمكانات للمكوِّن القبلي وسط حرب الشرعيات التي تقودها أطراف محلية وإقليمية؟
يتناول الكتاب جذور العنف الطائفي في اليمن، في بلد يُعد الأكثر فقراً في العالم. أشار تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -ربيع 2016- إلى أن اليمن فيه أعلى معدل لانتشار الفقر في الشرق الأوسط، حيث يعيش نحو (37.3%) من السكان تحت خط الفقر البالغ دولارين (تعادل القوة الشرائية في 2005) للفرد في اليوم، كما أن الفقر أكثر استشراء واستمراراً في المناطق الريفية. وتصل نسبة الأمية إلى (48%) لتكون إحدى أكبر نسب الأمية في العالم. إن الفقر والأمية بؤرة لنشوء التطرف وسط تصاعد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الحادّة. وأسهمت عوامل أخرى في تصاعد العنف الطائفي والسياسي في الحقبة الراهنة: القرب الجغرافي من الحدود السعودية، والغزو الأمريكي للعراق (2003)، الذي وفّر لقادة التمرّد الحوثي فرصة تعبئة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أوساط السكان المحليين. لقد أولت الدراسات الاهتمام اللازم في تتبع العلاقة المأزومة بين الحوثيين والحكومات اليمنية، وبين الحوثيين والولايات المتحدة، وتطورات العلاقة الودية بين الحوثيين وإيران، يضاف إليها الانعطافات التي شهدها هذا الملف الشائك في مارس (آذار) 2015.
درس الكتاب المسارات التاريخية للوحدة بين الشمال والجنوب، متناولاً القضية الجنوبية الحالية، إلى جانب مستقبل الجيش اليمني، طارحاً أبرز التحديات التي تواجه المصالحة الوطنية وبناء الدولة في اليمن.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل عبدالله حميد الدين الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
رئيس التحرير
سبتمبر (أيلول) 2016