لا تقل خطورة الإرهاب المرتبط بمجموعات اليمين المحافظ، عن نظيرتها من المجموعات الإسلاموية، فخلصت دراسة لـ”رابطة مكافحة التشهير” إلى أن (43%) من الحوادث الإرهابية لليمين المحافظ في الولايات المتحدة جاءت من قبل التفوق الأبيض[1]. كما خلص تقرير أعده مجموعة من الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ديسمبر (كانون الأول) 2018 بعنوان (من الجيش الجمهوري الأيرلندي إلى الدولة الإسلامية: تطور تهديد الإرهاب في أوروبا)[2]، إلى أن نحو (55.1%) -(87 عملية من أصل 158 عملية)-من العمليات الإرهابية في أوروبا في الفترة من (2012-2017) تمت من قبل المجموعات اليمينية المحافظة.
سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت وزارة الأمن القومي الأمريكية الإطار الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب والعنف الموجه. وتعد تلك هي المرة الأولى التي يتم التركيز فيها على الإرهاب المحلي، وخاصة تفوق البيض كعامل مهم من عوامل التهديد بالداخل الأمريكي. حيث رأى الإطار الاستراتيجي أن “التطرف العنيف الأبيض للقائلين بتفوق العرق الأبيض، وهو نوع من التطرف العنيف بدوافع عرقية وعنصرية، هو واحد من أكبر القوى التي تقود الإرهاب المحلى. إن الذئاب المنفردة، بدلاً من الخلايا أو المنظمات تميز عموما ارتكاب هذه الأنواع من الهجمات. لكنها أيضًا جزء من حركة أوسع. إن المتطرفين العنيفين من القائلين بتفوق العرق الأبيض يمكن أن تتسم نظرتهم عمومًا بالكراهية للمهاجرين والأقليات العرقية، في كثير من الأحيان تجمع هذه التحيزات بين الآراء المعادية للسامية أو المعادية للمسلمين”.
التحذير من مجموعات تفوق البيض، ينطلق من النظرة الأمريكية ولدى العديد من الباحثين على أن تفوق البيض مرادف لليمين المحافظ، وإن كان هذا “اليمين المحافظ” في الداخل الأمريكي يتخذ أكثر من شكل، فلا يمثل كتلة متجانسة بل يضم مجموعة من الحركات نشأت وتشكلت لأسباب متباينة، من بينها التفوق الأبيض التقليدي، والنازية والنازية الجديدة، ومجموعات التفوق الديني الأبيض، وحليقو الرؤوس، وعصابات سجن التفوق الأبيض، واليمين البديل.
وفي سياق ما يعانيه العالم من تبعات وباء كورونا “كوفيد- 19″، نمت وانتشرت النبرات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة وبعض المجتمعات في أوروبا، مستغلة الوباء بصورة تفوق المجموعات الإسلاموية، ساعية للحصول على أكبر المكاسب الممكنة في تلك الأجواء.
نظرة وتعامل اليمين المحافظ مع فيروس كورونا:
اهتمت المجموعات اليمينة المحافظة من منطلق العداء للأقليات واللاجئين والمهاجرين، على بث خطاب كراهية ودعوات لنشر فيروس كورونا بنطاق واسع للتخلص من الأعراق الأخرى، بغرض بناء أمة نقية -حسب معتقداتهم.
ففي تقرير صادر عن مكتب الأمن الداخلي بولاية نيوجرسي، حرضت مجموعة إعلامية للنازيين الجدد، أتباعها على إثارة الذعر في ظل حالة الحجز المنزلي، من خلال إطلاق النيران، وتحطيم زجاج السيارات. “يستغل المتطرفون المتفوقون من البيض جائحة (كوفيد- 19) للدفاع عن نظرية التسريع، التي تنص على أن القيام بالهجمات الجماعية أو خلق أشكال أخرى من الفوضى، ستعجل بالانهيار الوشيك والضروري للمجتمع من أجل بناء أمة نقية عنصريًا. شجعت مجموعة إعلامية من النازيين الجدد تدعم هذه النظرية المؤيدين على إثارة الذعر، بينما يمارس الناس العزلة الاجتماعية أثناء تفشي (كوفيد- 19)، من خلال إطلاق الأعيرة النارية في المدن، وعمل ثقوب بحجم الرصاص في نوافذ السيارات”[3].
كما أشار التقرير ذاته، إلى أن مدونة فرنسية منتمية للنازيين الجدد، دعت لفكرة تصفية المهاجرين واستبعاد الأقليات العرقية من تلقي العلاج الطبي: (اقترحت مدونة فرنسية للنازيين الجدد “إبادة” السكان المهاجرين، واستبعاد الأقليات العرقية من تلقي العلاج الطبي، في حين زعمت أن “أفضل علاج لـ”كوفيد- 19” هو الصليب المعقوف). هذه الدعاية تشبه غيرها من المتطرفين البيض الذين حاولوا إلقاء اللوم في انتشار (كوفيد- 19) على الجماعات العرقية “الدنيا”، داعية إلى الإغلاق الدائم للحدود.
وفقاً لمذكرة حديثة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، حث المحافظون اليمينيون على نشر الفيروس التاجي بين اليهود، حيث اقترحت رسائلهم استخدام “زجاجات رذاذ” مليئة بسوائل الجسم المعدية لمهاجمة الشرطة والمتحركين إلى أي مكان قد يتجمع فيه اليهود[4]. وتخطى الأمر حدود التصريحات فظهرت محاولة “تيموثي ويلسون” لتفجير مركز طبي في ميزوري، الأمريكية، أودت بحياته من قبل قوات الأمن[5]. كشفت قوات الأمن تحضير “ويلسون” للعملية من خلال نشاطه بغرف الدردشة المتعلقة بإحدى مجموعات النازية الجديدة على تلجرام[6].
في ألمانيا حذر رئيس هيئة الدستور “توماس هالدنفانج”[7]، من استغلال اليمين المحافظ لوباء كورونا لتقويض الثقة في الحكومة قائلا: “الأوساط اليمينية المتطرفة تولي اهتماماً بأزمة الجائحة، لتقويض الثقة في الحكومة الألمانية، ونشر نظريات المؤامرة، ووصم المهاجرين بحاملي الفيروس”.
بعد يومين فقط من التصريح، في 3 أبريل (نيسان) الجاري، نشرت وكالة دويتشه فيله[8]، الألمانية، حادثة غريبة، مفادها تلقي ضحية أجنبية تدعى “كايا” -اسم مستعار- رسالة بصندوق البريد الخاص بها، وما إن فتحتها، وجدت رسالة من شخص يدعي أنه أصيب بفيروس كورونا “كوفيد- 19” ويخبرها بأنه نفخ في الرسالة ولعقها ولعق المغلف، مشيراً إلى أنه ما إن شعر باقتراب موته، حتى أراد أن يقول لأبنائه وأحفاده: إن ألمانيا خالية من الأجانب.
مكاسب مجانية للسلفية الجهادية:
في دراسة “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، السابق الإشارة إليها، نجد أن هناك علاقة طردية ما بين عمليات التنظيمات اليمينية المحافظة، والتنظيمات الإسلاموية في الدول الغربية. فالتنظيمات اليمينية تعادي الأقليات والمهاجرين، وتظهر خطاباً مناهضاً للمسلمين والإسلام، في الوقت الذي تندد التنظيمات الإسلاموية بسوء المعاملة للمسلمين في الغرب، لتنطلق نحو كسب مجندين جدد لخدمة أهدافها بهذه الدول.
خطاب الكراهية والعنصرية من المجموعات اليمينية في الدول الغربية في وقت الوباء، من شأنه تسهيل عمل التنظيمات الإسلاموية، وتوفير فرصة عن طريق كسب “إرهابيين محليين” مشبعين بأفكار كراهية الغرب للإسلام، لتنفيذ عمليات إرهابية في الدول الغربية، خاصة من خلال نمط “الإرهاب الفردي” الذي نظر له من قبل “أبو مصعب السوري” في كتابه “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”.
خاتمة:
نجاح التنظيمات الإرهابية أو “العنصرية” في استغلال كورونا، مرهون بسياسات المواجهة والمكافحة للوباء، من ناحية، والقدرة على تحجيم الشائعات والأخبار الزائفة والدعوات للكراهية والعنف، من خلال منصات التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى، خاصة في ظل الحجر المنزلي، وحظر التجوال، الذي يتيح لرسائل هذه التنظيمات الوصول لأكبر عدد من المستخدمين المستهدف تجنيدهم.
الجدير بالذكر أن الخطر الأكبر للإرهاب ليس مرحلة انتشار الوباء وحسب، ولكن مرحلة ما بعد استقرار الأوضاع، فترة محاسبة السياسيين والأنظمة على الإجراءات المتبعة في مكافحة كورونا، والسعي لخلق قضايا خلافية داخلية معززة من تيار ضد آخر، تساهم في تجنيد (إرهابيين محليين) داخل التنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها.
[1]– A Dark and Constant Rage: 25 Years of Right-Wing Terrorism in the United States, Anti-Defamation League, p 3:
https://www.adl.org/sites/default/files/documents/CR_5154_25YRS%20RightWing%20Terrorism_V5.pdf
[2]– Seth G. Jones, Boris Toucas, and Maxwell B. Markusen, From the IRA to the Islamic State: The Evolving Terrorism Threat in Europe, Center for Strategic and International Studies (CSIS), December 2018:
https://csis-prod.s3.amazonaws.com/s3fs-public/publication/190103_EuropeanTerrorism_interior.pdf
[3]– Online Extremists Exploit COVID-19 To Inspire Supporters, New Jersey Office of Homeland Security and Preparedness, 21 March 2020:
[4]– White supremacists encouraging their members to spread coronavirus to cops, Jews, FBI says. ABC News. 23 March 2020:
[5]– HOW NEO-NAZIS ARE EXPLOITING CORONAVIRUS TO PUSH THEIR RADICAL AGENDA. newsweek. 27 March 2020:
https://www.newsweek.com/how-neo-nazis-exploiting-coronavirus-push-radical-agenda-1494729
[6]– Nick R. Martin, Heartland terror, The informant, 24 March 2020
[7]– الاستخبارات الألمانية: اليمين المتطرف يستغل أزمة كورونا لمآربه، موقع 24، 1 أبريل (نيسان) 2020:
[8]– حادثة عنصرية فريدة في ألمانيا.. كورونا ضد الأجانب، دويتشه فيله، 3 أبريل (نيسان) 2020: