فهد بن سليمان الشقيران
قراءة في سير انتاج مركز المسبار
أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث ما يزيد على أربعة عشر مجلدا في كل مجلد منها عدة بحوث تتسم بالجدية والرصانة العلمية، وقد استمتعت باقتنائها وتصفحها خلال الأسبوع المنصرم.
هذا المركز مع أنه من المراكز الحديثة إلا أنه أصدر حتى الآن عبر (كتاب المسبار الشهري) أحد أبرز المشروعات التي ترصد الحركات الإسلامية الممتدة على طول العالم وذلك بمعدل كتاب لكل فئة أو جماعة، باستثناء حركة الإخوان التي درسها المركز على مجلدين اثنين، وهو ما يمكن أن يتكرر في غيرها من الموضوعات الكبيرة التي تتعدد جوانب دراستها، وأشعر بأنها خطوة خلاّقة أن يصبح هذا الانتاج الغزير نوعياً فيتجاوز الاستهلاك الذي تعتمد عليه بعض المراكز التي تستنزف جهدها على دراسات ربما تكون غير مجدية على أرض الواقع، ما حدث في مركز المسبار يختلف أشد الاختلاف، فمن خلال قراءتي الدقيقة لآلية الصفّ البحثي وطريقة الجمع العلمي وجدت خصائص تعتبر جديدة على مراكز البحث العلمي في العالم العربي.
فمن جهة هو من المراكز التي تعنى أساساً بدراسة (الحركات الإسلامية) وفق النبذة التعريفية التي تضمنها الموقع www.almesbar.net لكنه لم ينأ عن تضمين كل عدد من أعداده دراسة مستقلة تتناول في الغالب مساحة معرفية أو رؤية فلسفية أو تنموية فهو يمارس أكثر من دور ويتداخل مع عدة جبهات مع حفاظه على نقطة التخصص وهي البحث في الحركات الإسلامية.
لفت نظري مثلا في مقدمة كتاب (الإسلامية الماليزية) والتي كتبها رئيس المركز، وهو الكاتب: تركي الدخيل حينما كتب: (هل الإسلام الماليزي مختلف؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا تقدمت ماليزيا وتخلفت غيرها من الدول الإسلامية، على الرغم من أن التجربة الماليزية كانت أكثر من غيرها تعاطيا مع دين الدولة الرسمي، ودمجه في عملية تكريس الهوية وصنع التنمية في مرحلة ما بعد الاستعمار، حتى أوشكت ماليزيا على الانضمام إلى عضوية نادي الدول المتقدمة) من هذا النص نستشف الهدف الذي يربط المركز بالسؤال الأساسي والمحوري الذي لازم الفكر العربي منذ رفاعة الطهطاوي وإلى اليوم وهو (سؤال الأسئلة) على حد تعبير مطاع صفدي أن نسأل (لماذا رضينا بالقعود مع الخوالف)؟
لكن هذه المرة لا يتجه المركز إلى (النقد الفكري التراثي) الذي اعتمد في الدراسات منذ مشاريع أحمد أمين، وطه حسين، وصولاً إلى (الثابت والمتحول) في الخمسينيات لأدونيس، وإلى محمد الجابري وحسن حنفي، ومحمد جابر الانصاري ومحمد أركون ونصر أبو زيد، ومشاريع مرحلة الثمانينات وهي المشاريع التي قلّدها من الكتاب ما لا يحصى فأصبحنا نصحو على مشروع نقدي وننام على صدور مشروع نقدي آخر؛ باتت مؤسسات نقد التراث تتكاثر وتتناسل والمشروعات في بعض مضامينها تتشابه، غير أن المركز يتجه إلى رصد النبتات التي ترعرت في بيئتنا وأنتجت مثيلات لها على حدود العالم من باكستان وإيران ولبنان ومصر وسوريا والسعودية والسودان وإلى الجزائر والمغرب ولندن.
لقد انتشر هذا التفكير المتطرف كالزلزال مع افتتاح القرن الحادي والعشرين ولم نفق من زلزال هذا الإرهاب حتى اليوم. إنها ترصد بدقة وهدوء، ما الذي حدث؟ كيف جاء هؤلاء ومن أين؟ ماذا يريدون؟ كيف يفكرون؟ ..الخ. من الأسئلة الجذرية التي تحاول أن تفهم هذه الظاهرة بعيداً عن الاستهلاك الإعلامي. فكأني بالمركز لا يهمل دراسة آلية تأسيس رؤى «تنموية» بقدر ما يبتكر آلية جديدة فهو يدخل إلى دراسة الأسئلة الكبرى عبر مدخل جديد وهو دراسة الظاهرة الدينية والحركية وعلاقة الاجتماعي بالديني وكذلك الديني بالسياسي
بعد 11 سبتمبر صار كل كاتب زاوية (خبير في الجماعات الإسلامية) وصار كل من حفظ بعض الأرقام والتواريخ وأسماء بعض المطلوبين من (الخبراء) وهي ظاهرة شعرت شخصياً بالاشمئزاز منها الآن اختلف الأمر بعض الشيء صرنا نسمع عن (باحثين) وهذا هو اللفظ الصحيح أن يظل الإنسان في حالة بحث لا تنضب من أجل فهم حقائق الظواهر أو أبعادها وتجلياتها، أظن أن هذا المركز وأمثاله من المراكز سيمكّن الباحث من التعرف على ظاهرة الحركات الإسلامية، وسيساهم في التقليل من (الكلام الإعلامي الكثير) الذي يغلب عليه الادعاء والتفاصح، فهو المركز المتخصص في الحركات الإسلامية والوحيد الذي ينحو هذا المنحى الدقيق في البحث.
مقالتي هذه ليست نشرة دعائية بائسة للمركز ولكنني أردت شرح رؤيتي وقراءتي بعد أن تصفحت أربعة عشر مجلداً أصدرها المركز عن الحركات الإسلامية وهي مؤلفات تضم دراسات عن (السرورية، الأحباش، السلفية الجهادية، جبهة الإنقاذ الجزائرية، حزب التحرير، شيعة العراق، القاعدة في جزيرة العرب، الإسلامية الماليزية، اللاعنف، الطائفية، حركة الإخوان) وهي بحق دراسات تعطي الباحث على الأقل الخطوط العريضة لمسارات التفكير لدى تلك الجماعات وتختلف اتجاهات الباحثين فهم ليسوا على نمط فكري واحد بل تختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم وتتوزع مشاربهم ومناهجهم.
إنها محاولة جريئة من مركز علمي بحثي عربي الاهتمامات والعروق، يحاول المركز باستمرار أن يرصد الظاهرة الدينية في الخليج خاصة وفي العالم العربي عامة وهو المزيج الذي يؤمنه «التنوع» في هيئة التحرير ممثلة بإدراك دقيق أظهره الباحث السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي بالظاهرة الدينية في الخليج خاصة (انظر بحثه عن السرورية مثلاً) وبرصد ثاقب لدى الباحث المصري هاني نسيرة الذي تنم بحوثه عن معرفة تفاصيل الظاهرة الدينية في مصر خاصة وفي العالم العربي عامة.
اليوم الالكتروني 2008.2.20