بعد تصدر منطقة الساحل والصحراء المراكز الأولى لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 من حيث عدد الهجمات الإرهابية والقتلى، خاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جاء انسحاب مالي في 16 مايو (أيار)2022 من مجموعة دول الساحل الخمس، ليؤدي إلى مزيد من الارتباك والتعقد في المشهد الأمني، لا سيما مع التطورات الأخيرة التي شهدتها ظاهرة الإرهاب المتمركزة في الإقليم، والتي أثرت بشكل كبير على استقرار دول المنطقة، فضلًا عن تصاعد حدة التوترات فيما بين الدول، مما يؤثر بدوره على الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب.
أولا: أسباب انسحاب مالي من G5
على الرغم من أن باماكو أعلنت أن السبب الرئيس وراء انسحابها من المجموعة هو اعتراضها على منعها من رئاسة الدورة الثامنة العادية لرؤساء المجموعة، فإن ذلك لا يعد السبب الوحيد، فهناك تراكمات سياسية أفضت لذلك الوضع، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
- حالة الحصار التي فرضتها دول الإقليم بقيادة منظمة الإيكواس على مالي وبتوجيه من باريس، من حيث فرض عقوبات اقتصادية ردًا على مماطلة السلطة العسكرية الحاكمة بمالي في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وتسليم الحكم لسلطة منتخبة بعد انقلاب 2020، فبعدما اتفقت الحكومة الانتقالية وفقًا لميثاق الانتقال على إجراء انتخابات رئاسية في فبراير (شباط) 2022، أي تسليم السلطة بعد (18) شهرًا من الإطاحة بأبي بكر كيتا، إلى جانب العمل على إجراء إصلاحات مؤسسية تتعلق بالعملية الانتخابية والانتقال السلمي للسلطة، إلا أن السلطة العسكرية ماطلت في تنفيذ بنود الميثاق[1]، وأعلنت رفض تدخل الإيكواس في الشأن الداخلي لمالي، وبررت بأنه لا يوجد نص قانوني في ميثاق المجموعة يتضمن فرض عقوبات على دولة عضو بسبب وضعها الداخلي.
- تصاعد التوترات بين مالي وفرنسا على خلفية تعمق العلاقات بين موسكو وباماكو خلال الفترة الأخيرة، وذلك عبر التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية المشتركة في مجال الأمن والدفاع، كذلك وجود أعداد كبيرة لقوات فاغنر الروسية داخل الأراضي المالية، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدور الفرنسي، وهو ما شهدناه في سحب قوات برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية من مالي، وإعادة تموضعها بالنيجر بعدما فشلت في تحقيق هدفها المنصب على مواجهة التنظيمات الإرهابية، مما دفع السلطات المالية إلى الاستعانة بقوات فاغنر الروسية، وهو ما زاد من غضب فرنسا ودول الجوار، ووصلت التوترات ذروتها بعد طرد مالي السفير الفرنسي لديها يناير (كانون الثاني) الماضي، وإعلانها في مايو (أيار) 2022 إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك الموقعة عام 2014[2].
- التوترات بين باماكو وباريس دفعت إلى تنامي التوترات بين مالي ودول الإقليم المدعومة فرنسيًا، وعلى رأسها النيجر التي أعلنت موقفًا متشددًا إزاء السلطة العسكرية الحاكمة في مالي، بعد أن أقدمت على التفاوض مع جماعات مسلحة لتصفية الخلافات، واستعانتها بقوات روسية بدلًا من الفرنسية، الأمر الذي دفعها لمزيد من التشدد إزاء النظام الحاكم في مالي خوفًا من انتقال عدوى الانقلابات العسكرية إليها، لا سيما في ظل الموجة الجامحة للانقلابات التي شهدتها دول الإقليم خلال الخمس سنوات الأخيرة، لذا كانت النيجر البديل الأمثل لباريس لإعادة تمركز القوات الأوروبية بدلًا من مالي.
- اتهامات مالي لمجموعة الدول الخمس بالفشل في تحقيق الأهداف التي تأسست المجموعة من أجلها، ومنها فشل جهودها في مكافحة الجماعات الإرهابية، ويستدل على ذلك من التغلغل الملحوظ للتنظيمات داخل أراضي دول الإقليم لا سيما مالي، وقد برز ذلك في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 بعد أن تصدرت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو مؤشر الإرهاب من حيث عدد العمليات الإرهابية، وما نتج عنها من قتلى ومصابين، من جهة أخرى فشلت الجماعة في تعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين دول الإقليم، فنجد عداءات إقليمية متبادلة بزعم اختلاف السياسات الداخلية لكل نظام حاكم، كما أن نقص الموارد والإمكانيات المادية أدى لمزيد من الهشاشة للمجموعة وضعف فاعليتها، من جهة أخرى وجهت العديد من الاتهامات للمجموعة فيما يتعلق بانتهاكات حقوقية برزت ملامحها في الاعتقالات التعسفية لبعض السياسيين، وعمليات التصفية خارج نطاق القانون، إلى جانب انتهاكات أخرى تتعلق بحقوق التعبيرعن الرأي، لذا رأت مالي أن المجموعة لا قيمة لها بعد أن فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة.
ثانيا: معرقلات فاعلية المجموعة
تأسست مجموعة دول الساحل الخمس في يوليو (تموز) 2014 وتضم كلاً من: (مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو، وموريتانيا) بدعم فرنسي وأوروبي، وكان الهدف منها تشكيل قوة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وتحقيق أمن واستقرار الدول، والحد من الجرائم العابرة، ودعم العمليات الإنسانية، وكذلك وضع خطط تنموية، والتنسيق بين تلك الدول في مختلف المجالات[3].
ومنذ عام 2019 نفذت المجموعة (26) عملية، حيث اتسم عدد العمليات بالمحدودية مقارنة بالتهديدات التي تواجهها الدول، ويرجع ذلك لمشكلات بنيوية وهيكلية أثرت في فاعلية نشاط المجموعة لعل أبرزها ضعف التمويل، فبرغم الدعم الأوروبي لها فإن مجلس الأمن الدولي لم يخصص الموازنة المناسبة لدعم قوة الساحل، بل تشتت الدعم ما بين قوة الساحل وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة بمالي (مينوسما) وقوة برخان، لذا لم تتمتع قوة الساحل بالتفويض الكافي والدعم المناسب لمواجهة التهديدات الأمنية، كما اتسم التنسيق والتعاون بين دول المجموعة بالضعف، فضلًا عن تراجع الدعم اللوجيستي ونقص الموارد البشرية[4].
ووجهت العديد من الاتهامات للقوة المشتركة لمكافحة الإرهاب التابعة للمجموعة، حيث أفادت تقارير صادرة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان عن قيام القوات التابعة للمجموعة باعتقالات تعسفية، وتصفيات جسدية، واحتجاز غير مبرر للمدنيين، الأمر الذي أدى للتشكك في أهداف القوة ومصداقية أهدافها[5].
أما على صعيد قوتها العسكرية، فنجدها تعاني ضعفًا شديدًا نتيجة للتهديدات الأمنية الداخلية التي تواجهها الدول الأعضاء، مما دفع بعضهم لسحب جزء كبير من قواته، فنجد قيام تشاد في أغسطس (آب) 2021 بسحب نصف قوتها المشاركة في المجموعة والمقدرة بـ(1200) جندي لتصبح (600) فقط نظرًا للتهديدات التي تواجهها في الداخل، ومع إعلان مالي انسحابها بالكامل أصبحت المجموعة أكثر ضعفًا، وفي تصريحات أخيرة لرئيس النيجر محمد بازوم أوضح خلالها “أنه بانسحاب مالي فقد ماتت المجموعة”، الأمر الذي يثير تساؤلًا بشأن مستقبل المجموعة بعد التطورات الأخيرة[6].
وبالتوازي مع ما سبق نجد أن التنظيمات الإرهابية نجحت بشكل كبير في التغلغل داخل غالبية الدول الأفريقية، بل شهدت السنوات الأخيرة تحول إقليم الساحل والصحراء إلى مركز رئيس لتموضع تلك الجماعات، لا سيما عقب دحرهم في سوريا والعراق، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي تمثل الوفيات بمنطقة الساحل (35%) من إجمالي حالات الوفاة الناجمة عن العمليات الإرهابية في العالم خلال 2021، مقارنة بـ(1%) خلال عام 2007، كما ارتفع إجمالي الوفيات الناتجة عن العمليات الإرهابية عشرة أضعاف خلال الفترة من 2007 حتى 2021، بينما تصدرت دول بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر قائمة أعلى ثلاث دول أفريقية من حيث إجمالي الوفيات خلال عام 2021، حيث سجلت الدول على التوالي (732) و(574) و(588) حالة وفاة، الأمر الذي يعكس خطورة الأوضاع الأمنية[7].
لذا فالتحدي لا يكمن في فكرة انسحاب مالي من مجموعة الدول الخمس بقدر ما يكمن في التوقيت، فدول الساحل تواجه أوضاعاً أمنية شديدة الخطورة، وجاء قرار الانسحاب ليوسع الفجوة بين الدول الأعضاء، ما من شأنه تهيئة المناخ المتوتر الذي يجعل من تلك الدول بيئة خصبة لتنامي وتصاعد التنظيمات الراديكالية.
ثالثا: مستقبل الـ G5 في ظل تطورات الوضع الأمني
تمر الدول الأفريقية بأوضاع غير مستقرة، ويعد تنوع المخاطر الأمنية وتعددها السبب الرئيس لهذا الوضع، فالمخاطر التي تواجهها دول القارة عامة وإقليم الساحل والصحراء خاصة، لم تعد قاصرة على الأنشطة الإرهابية، فعلى سبيل المثال هناك الحروب الأهلية والصراعات التي تسببت في أعداد مهولة من اللاجئين والنازحين، فمنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 أدت الحرب الأهلية في إثيوبيا إلى نزوح مليوني مواطن، مما أدى لصدامات جديدة بين النازحين والسكان الأصليين للإقليم، ناهيك عن المجاعات والانتهاكات كما في منطقة التيغراي، وفي إقليم غينيا نجد تصاعد خطر القرصنة البحرية، حيث تصنف تلك المنطقة بكونها الأخطر في العالم، وبالتوازي مع ذلك هناك أخطار أخرى كالاتجار بالمخدرات والأعضاء البشرية، الأمر الذي يشكل مصدرًا للقلق والتوتر في إقليمي غرب ووسط القارة[8].
من جهة أخرى نجد أن انشغال الحكومات بالمواجهة مع الفصائل المتمردة، كان ضمن محفزات إفساح المجال لتوسع وتمدد التنظيمات الإرهابية، ففي الكونغو الديمقراطية نجد عودة حركة 23 مارس المتمردة بعد اختفائها قرابة تسع سنوات، لتشن هجمات بالتعاون مع القوات الديمقراطية المتحالفة المبايعة لداعش ضد مؤسسات حكومية، والتي أسفرت آخر هجماتها عن مقتل (27) مدنيًا بمنطقة بيني شرق الكونغو الديمقراطية في 27 مايو (أيار) 2022، فالحركة تسعى لإعادة تموضعها ثانية والظهور مجددًا كفصيل سياسي، في المقابل يسعى داعش لاستقطاب داعمين جُدد لتحقيق مزيد من التمدد داخل الأراضي الكونغولية؛ بغية استنزاف الثروات الطبيعية شرق البلاد[9].
وفي موزمبيق نجد الوضع أصبح أكثر خطورة؛ حيث أصبحت أراضي الدولة تمثل البؤرة الأحدث لتمركز الجماعات الجهادية تحديدًا في إقليم كابو ديلجادو، بعد أن تمكن داعش من السيطرة على مصافي النفط والغاز وفرض سيطرتها على موانئ الإقليم، وبرغم استعانة حكومة موزمبيق بقوات رواندية ووحدات تابعة للسادك حيث تمكنت من تطويق التنظيم، فإن المؤشرات الحالية تعكس اتجاه داعش لتجميع صفوفه وترتيب أوراقه مجددًا، مما يعني احتمالية تورط القوات الرواندية في حرب طويلة الأمد.
وفي بوركينا فاسو شنت عناصر متمردة تابعة لتنظيمي داعش والقاعدة هجمات إرهابية في 13 يونيو (حزيرا) أسفرت عن مقتل (100) مدني بمنطقة ريفية شمال البلاد، حيث يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصاعدًا ملحوظًا للهجمات ببوركينا فاسو على خلفية حالة الغضب المشتعلة لدى المواطنين إزاء السلطة العسكرية الحاكمة؛ نتيجة اتباعهم نفس السياسة التهميشية للأقاليم البعيدة عن المركز، الأمر الذي من شأنه تهيئة المناخ لمزيد من التغلغل الراديكالي داخل الدولة[10].
مما سبق نجد أن انسحاب مالي من الـ G5 وضع المجموعة في مأزق كبير، خاصة في ظل التطورات الأمنية بالغة الخطورة التي أشرنا إليها، لتصبح بذلك المجموعة أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول:
انهيار المجموعة وفشلها في تحقيق مهام حفظ الأمن والاستقرار، لا سيما وأن تراجع مالي عن قرار الانسحاب غير مطروح، حيث جاء هذا القرار منسجمًا مع التطلعات الشعبية الرافضة للوجود الخارجي المدعوم أوروبيًا، وبرغم النجاحات المحدودة التي حققتها المجموعة فإن قرار انسحاب مالي أدى إلى مزيد من تشظيها، فقوات المجموعة تضم نحو (5) آلاف عنصر، وتتمركز بالقرب من العاصمة باماكو، ويتفرع عنها (3) قطاعات عسكرية؛ الأولى في منطقة ليبتاكو جورما في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والقطاع الثاني يرتكز على الحدود بين مالي وموريتانيا، فيما يرتكز القطاع الثالث على الحدود بين النيجر وتشاد، وبانسحاب مالي أصبح هناك تشتت جغرافي للقطاعات العسكرية، مما يؤثر بدوره على عمل المنظمة نتيجة لغياب التنسيق مع قيادة ليبتاكو جورما، ومع انسحاب نصف القوات التشادية المشاركة في قوة المجموعة بالتوازي مع ضعف المشاركات العسكرية لباقي الأعضاء، ومع تزايد التهديدات الإرهابية، يصبح سيناريو انهيار المجموعة هو الأرجح.
السيناريو الثاني:
الاتجاه نحو تأسيس قوة إقليمية جديدة بدلًا من الـ G5، حيث دعا الرئيس النيجري محمد بازوم في أبريل (نيسان) 2022 للعمل على إنشاء قوة إقليمية جديدة تحاكي القوة الإقليمية العسكرية بمنطقة بحيرة تشاد[11]، والحرص على تلافي الأخطاء والسلبيات التي انتابت الميثاق المؤسس للـG5 ،لا سيما وأن مالي وبوركينا فاسو شهدتا انقلابات عسكرية على مدار الأعوام الماضية، حيث تبنت السلطات الانتقالية الجديدة مواقف رافضة للتعاون مع باريس، مما يفرض الحاجة لتكتل جديد، وربما تدعم فرنسا هذا الاتجاه كي تنافس الوجود الروسي المتصاعد في الإقليم، وتحاول إعادة ترسيخ وجودها مرة أخرى بالمنطقة بعدما مُنيت محاولاتها السابقة بالفشل نتيجة لعجزها عن القضاء على الجماعات الإرهابية، مما أضعف من ثقة غالبية الدول الأفريقية في قدرتها وتحول معظمهم إلى البديلين الروسي والصيني، لذا ربما تدعم باريس هذا السيناريو كي يعيدها مجددًا إلى الواجهة، باعتبارها ضمن الأطراف الرئيسة لحل المعضلة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.
رابعًا: نقاط هامة لإعادة هيكلة الاستراتيجيات الأمنية
يبدو أن الخطط الأمنية والاستراتيجيات الوطنية المعنية بمكافحة الإرهاب غير كافية للمواجهة، فلا بد من البحث في نقاط ضعف الدولة، والسعي نحو حل أزماتها الداخلية من الجذور، كي تؤتي الاستراتيجيات الأمنية ثمارها، لذا وجب الإشارة لعدة نقاط جوهرية:
- فشل الدولة المركزية:
لم يتمكن القائمون على إدارة شؤون الدولة من صهر مكونات المجتمع معًا، لذا كانت الصراعات القبلية والنزاعات الإثنية إحدى السمات الأصيلة للدولة الأفريقية في الدراسات والأدبيات المختلفة، فالنخبة الحاكمة وجهت جهودها نحو تحقيق مصالح مشخصنة بعيدة تمامًا عن المصلحة العامة، لذا وجدنا حالة التهميش المفرط للأقاليم البعيدة عن المركز، الأمر الذي جعلها بيئة خصبة لاستقطاب وتنامي التنظيمات الراديكالية، هذا إلى جانب وجود فجوة كبيرة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمة والأمنية عند المقارنة مع الأقاليم المركزية، ناهيك عن انتشار الفساد والمحسوبية في غالبية مؤسسات الدولة، ووفقًا لبعض التقديرات فإنه من بين (79) مليون دولار مقدمة كمساعدات للتنمية الخارجية الأميركية إلى مالي، أُنفق (1%) فقط من إجمالي المبلغ على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيما ذهب باقي المبلغ لدعم قوات وفصائل مسلحة موالية للحكومة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، لذا فإن إعادة توجيه جهود الدولة لتمضي بشكل جاد نحو مسارات التنمية وتضييق الفجوة ما بين أقاليم الدولة المختلفة، وضمان حياة ديمقراطية عادلة تمارس فيها كل فصائل الدولة ومكوناتها الاجتماعية حرية التعبير عن الرأي، وإمكانية المشاركة السياسية دون تعنت أو قيود، فإن ذلك يعتبر نواة المواجهة الحقيقية لانتشار خطر التنظيمات الإرهابية[12].
- حماية المدنيين:
تعتبر الأداة العسكرية والأمنية الخطوة الثانية في طريق مواجهة الإرهاب، بعد النجاح في جعل المواطنين ملتفين حول هدف واحد، من هنا تأتي الخطوة الأهم وهي كيفية حماية الفئات الأكثر ضعفًا من تداعيات المواجهات العسكرية مع التنظيمات الإرهابية، لا سيما وقد أشارت تقارير عدة إلى أن المدنيين كانوا الأكثر عرضة لخطر المواجهة العسكرية، ناهيك عن أعداد النازحين واللاجئين، ففي تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش أشارت خلاله إلى أن قوات الأمن المالية والعناصر المسلحة التابعة لها تورطت في (250) عملية تصفية جسدية لمدنيين خلال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2019 حتى أغسطس (آب) 2020، بينما قامت بـ(300) عملية إعدام لمدنيين يشتبه في انتمائهم لتنظيمات إرهابية، لذا لا بد من التركيز على حل إشكالية وضع المدنيين المعرضين لخطر المواجهات الأمنية مع التنظيمات الإرهابية، ولا بد من العمل على إيجاد ملاذات آمنة وحاضنة لهم لحين الانتهاء من مهمة إعادة استقرار البلاد مجددًا[13].
- التفاوض مع الجماعات الإرهابية:
لجأت بعض الدول للوصول لحل وسط بغية احتواء الأوضاع الكارثية للبلاد، وذلك عبر عقد اتفاقات مع الجماعات الإرهابية، ففي مارس (آذار) 2021 وقعت قبائل محلية ببلدة نينو بمالي اتفاقًا مع المسلحين المتمركزين هناك ينص على إطلاق الإرهابيين سراح السجناء والمعتقلين، والسماح للصيادين بالتنقل مقابل ارتداء النساء الحجاب، وبرغم فشل الاتفاق كونه لم يدم طويلًا نتيجة تدخل القوات العسكرية المالية، فإنه يعتبر مؤشراً يعكس مساراً جديداً ستكون فيه التنظيمات الإرهابية طرفًا رئيساً على طاولة التفاوض[14].
- التغيرات البيئية: لا بد أن تكون التغيرات البيئية ضمن الأبعاد الرئيسة التي يتم طرحها في إطار إعادة هيكلة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، فالقارة الأفريقية تعد الأكثر عرضة للتغيرات البيئية، لكنها الأضعف والأفقر في التعامل معها؛ نظرًا لافتقادها مرونة التكيف في ظل تلك المتغيرات، الأمر الذي يسهل على التنظيمات الإرهابية الانتشار والتغلغل واستقطاب المزيد لصفوفها، فالبلدان التي تعاني من تدهور بيئي تعد من بين الأكثر عنفًا، حيث يفتقر المواطنون الأمان سواء الشخصي أو المائي أو الغذائي، وهو ما يزيد الوضع تأزمًا، لا سيما وأن التنظيمات الإرهابية تعمل باستمرار على تطوير تكتيكاتها بما يتناسب مع التطورات البيئية، لذا فإن المواجهة الأمنية لتلك التنظيمات تتطلب معالجة منهجية ترتكز على مرونة الاستجابة لأي متغير.
وأخيرًا؛ فإن القرار الذي أقدمت عليه مالي لا يصب أبدًا في مصلحتها ولا مصلحة الإقليم ككل، وإنما يصب في مصلحة التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي من شأنه جر دول الساحل لصراعات دولية وإقليمية بعد أن تتحول تلك الدول لمواطن حروب بالوكالة بين القوى العظمى، وملاذات حاضنة للجماعات الإرهابية، لذا لا بد أن تحل المشكلات من جذورها بالبحث عن الأسباب الرئيسة، ولعل الاتحاد الإقليمي والتعاون بين القادة الأفارقة هو الخطوة الأولى في طريق علاج الأزمة الأمنية الراهنة، ومنع تحول دول القارة إلى المُصدّر الأول للكوارث الأمنية والإنسانية.
[1]– ECOWAS slaps sanctions on Mali ,African business,14/1/2022, available at: https://african.business/2022/01/trade-investment/ecowas-imposes-sanctions-on-mali/
[2]– Malian authorities cancel defense agreements with France, The north Africa post,3/5/2022, available at: https://cutt.us/0pNTp
[3]– THE SAHEL ALLIANCE ,available at: https://www.alliance-sahel.org/en/sahel-alliance/
[4]– د. أميرة محمد عبدالحليم، انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل.. وتطوير خطط مكافحة الإرهاب، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 24 مايو (أيار) 2022، متاح على الرابط: https://acpss.ahram.org.eg/News/17496.aspx#
[5] –https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Countries/Africa/G5Sahel_Report_E_Final_05.08.2020.pdf
[6]– المرجع السابق.
[7]– Global Terrorism Index 2022, available at: https://reliefweb.int/report/world/global-terrorism-index-2022
[8]– د. حمدي عبدالرحمن، أزمات ممتدة: المسارات الكبرى للصراعات الأفريقية في عام 2022، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،6 يناير (كانون الثاني) 2022، متاح على الرابط: https://cutt.us/2Aidz
[9]– DR Congo: UN condemns M23 rebel attacks on peacekeeping force in North Kivu, Africa News,23/5/2022, available at: https://cutt.us/FiVlL
[11]– رئيس النيجر يدعو لتشكيل قوة عسكرية إقليمية جديدة تحارب الإرهاب في الساحل، موقع جريدة الشرق الأوسط، 2 أبريل (نيسان) 2022، متاح على: https://cutt.us/PpowB
[12]– Joseph Sany, Ena Dion, After Two Coups: Mali Needs Regional Support to Bolster Democracy,10/12/2021, available at: https://reliefweb.int/report/mali/after-two-coups-mali-needs-regional-support-bolster-democracy
[13]– Malian army and suspected Russian fighters accused of massacre,DW,6/4/2022, available at: https://cutt.us/xUftc
[14] مالي: إنهاء فرنسا لمهمة “برخان” العسكرية يعيد طرح خيار تفاوض باماكو مع الجهاديين، موقع فرنسا 24،17/2/2022، متاح على الرابط: https://cutt.us/7N3vK