تعاني الدول الأفريقية خلال العقد الأخير من عدوى انتشار الانقلابات العسكرية، ففي أغسطس (آب) 2021 أطاحت المؤسسة العسكرية بالنظام الانتقالي في مالي، وفي سبتمبر (أيلول) من العام ذاته شهدت غينيا كوناكري انقلابًا أطاح بالرئيس “ألفا كوندي”، بينما أطاحت السلطة العسكرية ببوركينا فاسو في 24 يناير (كانون الثاني) 2022 بالرئيس “روش مارك كابوري”، ليتولى رئاسة المرحلة الانتقالية قائد الانقلاب “بول هنري سانداوجو داميبا”.
يعد النموذج البوركينابي الأسوأ نظرًا لالتباس وتعقد المشهد العام، فبرغم الدعم الشعبي للانقلاب الذي أطاح بالرئيس كابوري، فإن الوضع شهد تغيرًا كبيرًا، فبعد خمسة أشهر من الانقلاب تشهد البلاد حاليًا موجة من الاحتجاجات المنددة بتقاعس الدولة عن تحقيق الأمن والاستقرار ومواجهة التهديدات الإرهابية، لا سيما وأن القادة العسكريين أعلنوا فيما قبل أن الدافع وراء انقلاب يناير (كانون الثاني) فشل إدارة الرئيس كابوري في مواجهة التهديدات الأمنية، لتصبح بذلك السلطة العسكرية الحاكمة في مأزقٍ، حيث تواجه تحدي بقائها واستمرارها في ظل تصاعد الغضب الشعبي الناتج عن فشل مواجهة الجماعات المسلحة.
أولًاـ بوركينا فاسو.. ثمانية انقلابات منذ الاستقلال
تعتبر بوركينا فاسو الدولة الأعلى معدلًا في الانقلابات العسكرية أفريقيًا، مما يعكس حالة التعقيد التي تشوبها العلاقة بين الأطراف الفاعلة داخل الدولة، ففي يناير (كانون الثاني) 1966 قام الجيش بأول انقلاب عسكري أطاح بحكم الرئيس موريس ياميوجو بعد أن فرض سياسة تقشفية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتولى الحكم الجنرال أبو بكر سانجولي، وفي 1980 انقلب العقيد سايي زيربو على حكم سانجولي نتيجة انتشار الفساد وتدني المستوى المعيشي، وبعد عامين انقلب توماس سانكارا على رفيقه زيربو نتيجة لصراع طويل بين الأجنحة العسكرية داخل الجيش، وقد مهد انقلاب 1982 لوصول جان أويدراجوا للسلطة، إلا أن افتقاره للخبرة السياسية أدى لعزله من منصبه بعد عام من توليه، ليتولى الحكم بعد ذلك توماس سانكارا[1].
عام 1987 اندلعت مواجهات دامية بين مؤيدين للحكومة ومعارضين انتهت بمقتل سانكارا بعد أن انقلب بليز كومباري على الحكم، وتولى مقاليد السلطة قرابة (27) عامًا حتى عام 2014، حيث قام الجيش بعزله وتشكيل هيئة انتقالية لتسيير الأمور برئاسة ميشيل كافاندو، إلا أنه في سبتمبر (أيلول) 2015 أعلن جلبرت دينديري الذراع اليمنى لكومباري نفسه رئيسًا للبلاد، ولكن تمكنت قوات الجيش من السيطرة على الموقف وأعادت الحكم مجددًا لكافاندو، وظل الوضع هادئًا حتى انتخاب روش كابوري رئيسًا للبلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، ولكن آلت الأمور بعد ذلك للتدهور بعد أن أقدم على إقالة قادة عسكريين، وتخفيض موازنة المؤسسة العسكرية، الأمر الذي أدى لإضعافها وعدم تمكنها من السيطرة الأمنية على البلاد، مما أدى لتصاعد التنظيمات الجهادية وسيطرتها على أقاليم كاملة، وانتهى الوضع بانقلاب 24 يناير (كانون الثاني) 2022، حيث أطيح بحكم كابوري وتدخلت المؤسسة العسكرية بغية تصحيح مسار خطط المواجهات الأمنية[2].
ثانيًاـ ماذا يحدث في بوركينا فاسو؟
تشهد بوركينا فاسو منذ شهر تظاهرات في مناطق عدة؛ كان آخرها تظاهر المئات في باما عاصمة كومبينغا الواقعة شرق البلاد، وذلك للتنديد بتهميش الحكومة المركزية للإقليم والتخلي عنه، مما أدى إلى تكالب التنظيمات الإرهابية وسيطرتهم عليه منذ فبراير (شباط) 2022، وهتف المتظاهرون بشعارات عدة كان من ضمنها “تسقط كذبة الدولة” نظرًا لحالة الاستياء العارمة إزاء تخلي الدولة عن ذلك الجزء المحاصر، كما ندد المتظاهرون بإهمال الدولة لافتين إلى هروب جميع السلطات الإدارية والسياسية من المحافظة إلى مدينة فادا نغورما عاصمة المحافظة المجاورة[3].
تعد التظاهرة الأخيرة هي الأكبر منذ انقلاب يناير (كانون الثاني) 2022، ليواجه بذلك قادة الانقلاب وعلى رأسهم داميبا تحديين؛ الأول: كيفية الحفاظ على رضاء المواطنين الذين دعموا الانقلاب، والآخر: تحديًا أمنيًا يكمن في كيفية حصار التنظيمات الجهادية المتمركزة شرق البلاد.
فمنذ فبراير (شباط) 2022 شهدت قوة التنظيمات الإرهابية تصاعدًا ملحوظًا، انعكس في الهجمات الأخيرة على العديد من المواقع العسكرية والمؤسسات الحكومية، حيث استهدفت التنظيمات الأبراج الهاتفية وخطوط التيار الكهربائي لقطع التواصل بين المحافظات الواقعة بالمثلث الحدودي مع توجو وبنين والحكومة المركزية بالعاصمة، ناهيك عن الهجمات الإرهابية التي شهدت تناميًا في الآونة الأخيرة، فخلال الفترة من فبراير (شباط) 2022 حتى منتصف مارس (آذار) أودت الهجمات بحياة (200) فرد[4]، وخلال يونيو (حزيران) الماضي واجهت بوركينا فاسو ست هجمات، بمعدل هجوم كل خمسة أيام، لتسفر تلك الهجمات عن مقتل (309) وإصابة (28) لتعد بذلك الفترة من فبراير (شباط) 2022 حتى يونيو (حزيران) من العام ذاته الأكثر دموية منذ بدء أعمال العنف عام 2015.
تكمن المفارقة في أن السلطة الحاكمة حاليًا تواجه الظروف نفسها التي أدت إلى انقلاب يناير؛ من حيث تصاعد التوترات الأمنية المصحوبة بموجة غضب شعبي نتيجة عدم الاستقرار، فقد كان الغضب الشعبي واضحاً إزاء نظام كابوري نتيجة عجزه عن دعم وتقوية المؤسسات الأمنية، الأمر الذي أفضى إلى انتشار التنظيمات الجهادية، مما استدعى تدخل المؤسسة العسكرية لتلافي الأزمة ومواجهة التحدي الأمني، ولكن بعد مُضي أشهر قليلة على الانقلاب لم يتغير الوضع الأمني خاصة مع تمكن التنظيمات الجهادية من فصل بعض أقاليم الدولة عن الحكومة المركزية، مما ينذر باحتمالية تكرار سيناريو انقلاب جديد.
يعزز من هذا السيناريو مؤشرات عدة، منها استمرار الغضب الشعبي إزاء استمرار فرض حالة الطوارئ، حيث لم يستشعر المواطنون أي تحسن في الأوضاع الأمنية، فكشفت معلومات صادرة عن مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة عن تزايد حوادث العنف أربعة أضعاف منذ الانقلاب الأخير، فبعد أن أسفرت الهجمات الإرهابية التي شنتها التنظيمات المسلحة المتسللة من مالي والنيجر إلى بوركينا فاسو عن قرابة (2000) قتيل خلال الفترة من 2015 وحتى 2021، ارتفع عدد القتلى لأكثر من (5000) قتيل بعد انقلاب يناير (كانون الثاني) الماضي[5].
كشف مشروع البيانات أيضًا عن وقوع (610) حوادث عنف، أسفرت عن مقتل (567) قتيلاً خلال الفترة من أواخر يناير (كانون الثاني) 2022 وحتى منتصف أبريل (نيسان)، ناهيك عن أزمتي النازحين واللاجئين، حيث يشكل لاجئو بوركينا فاسو جملة (64%) من لاجئي المنطقة، وكشف المجلس الوطني للإغاثة وإعادة التأهيل عن زيادة معدلات التهجير القسري وذلك من (1,741,655) نهاية يناير (كانون الثاني) إلى (1,814,283) نهاية فبراير (شباط)، الأمر الذي ينذر بمأساة إنسانية كبيرة[6].
في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في مايو (أيار) الماضي، وثقت خلاله جملة من الانتهاكات الحقوقية والإيذاءات الجنسية لفتيات خلال فرارهن من قراهن نتيجة التوترات الأمنية، وغالبية تلك الانتهاكات كانت بفعل قوات من الأمن وميليشيات تابعة لهم، ناهيك عن ارتفاع معدلات تجنيد الأطفال وضمهم لصفوف المقاتلين، سواء في الجبهة الحكومية أو الجهادية، فوفقًا لتقارير عن خبراء دوليين في مجال الصراعات الدولية اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس، كُشف خلالها ارتفاع معدلات تجنيد الأطفال في بوركينا فاسو أربعة أضعاف خلال عام 2021[7].
بالرغم من إدراك السلطة تلك الانتكاسات فإنها كسابقتها تُلقي اللوم على عدم اكتمال تشكيل المؤسسات الانتقالية، واكتفى داميبا بالإعلان عن اقتراب تنفيذ استراتيجية أمنية جديدة يتم خلالها استبدال بعض رؤساء القيادات العسكرية، وإنشاء وحدات وقطاعات جديدة، واستدعاء قيادات متقاعدة للاستفادة من خبراتهم.
ثالثًاـ محفزات تكرار المحاولات الانقلابية:
يظل البعد الأمني هو المحدد الرئيس لاستقرار وثبات النظام الحاكم في بوركينا فاسو، ولكن تعكس المؤشرات الأولية ضعف المقاربات الأمنية والسياسية التي يتبناها نظام داميبا، وهو ما يستدل عليه من ارتفاع معدلات الهجمات الإرهابية في الفترة التي أعقبت الانقلاب، مما يعني أن احتمالية حدوث انقلاب جديد ضمن السيناريوهات المطروحة، لا سيما في ظل وجود مجموعة محفزات أخرى تدعم هذا السيناريو، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
- تصاعد الغضب الشعبي:
فبرغم أن انقلاب يناير (كانون الثاني) حظي بدعم ومساندة شعبية، فإن الوضع تغير تمامًا، واتضح ذلك من خلال التظاهرات الأخيرة التي جابت مدناً عدة منددين بتخلي الحكومة عنهم، ومتهمين النظام بالتقاعس عن حمايتهم من هجمات الجماعات المسلحة، فالدعم الشعبي للقيادات الانقلابية يناير (كانون الثاني) الماضي كان نتيجة رغبتهم في التخلص من حكم كابوري بعد أن فشل في الوفاء بوعوده المتعلقة بالتغييرات الدستورية والاهتمام بملف الأمن ومكافحة الإرهاب، حيث اتسمت مجهوداته بالبطء والضعف الشديد، مما أدى لاهتزاز ثقة الشعب فيه، فدعموا الانقلاب عليه ظنًا منهم أن القيادة الجديدة ستتجنب الأخطاء التي وقع بها كابوري، لكن حدث العكس تمامًا فالقيادة الجديدة تسير على خُطى أبطأ من سابقتها مقابل تصاعد العمليات الإرهابية وسيطرة الجماعات المسلحة على مناطق شاسعة، الأمر الذي أثار الغضب الشعبي، لينذر الوضع بإمكانية الانقلاب على النظام الحالي.
- هشاشة مؤسسات الدولة:
يُقاس ثقل الدولة وقوتها بمدى صلابة وتماسك مؤسساتها، إلا أن بوركينا فاسو شأنها كشأن باقي الدول الأفريقية تعاني من هشاشة مؤسساتها، وهو ما يرجع إلى انتشار الفساد والرشاوى والمحسوبية، وعدم وجود نخبة سياسية تمتلك رؤى مستقبلية، ناهيك عن اختلاط المهام الأمنية والسياسية، فالأجهزة الأمنية منوط بها حفظ الأمن والاستقرار ومواجهة التهديدات الأمنية، في حين يناط بالجهات السياسية وضع الخطط والاستراتيجيات، والرؤى التنموية والبحث في آليات تطوير مؤسسات الدولة والنهوض بها، ولكن في بوركينا فاسو تم تقويض مفاهيم الفصل بين السلطات، فأصبحت المؤسسات العسكرية تقوم بالمهمتين الأمنية والسياسية، الأمر الذي أدى لفشلها نتيجة تشتت الجهود في ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة، وبالتبعية يفقد النظام الحاكم ثقة المواطنين، لذا سرعان ما تتصاعد المطالبات بإزاحته واستبداله بآخر، الأمر الذي يودي بالدولة لحلقة مفرغة من الانقلابات التي تصب في مصلحة التنظيمات الإرهابية.
ويعزز من صعوبة الموقف المرسوم الذي اعتمدته الحكومة البوركينابية عام 2020، والذي ينص على إنشاء مجموعات الدفاع الذاتي والسماح بحملهم السلاح للدفاع عن الممتلكات، مما أدى إلى مواجهات دامية، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي زاد عدد الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو خلال الفترة من 2020 حتى 2021 لأكثر من (1100) هجوم، أي زيادة بمعدل الضعف عن عام 2020، الأمر الذي يعكس الضعف الشديد لدى القوات الأمنية، ناهيك عن نزوح ما يقرب من مليوني نازح، وبالتزامن مع ضعف الإمدادات الإنسانية تمكن تنظيما القاعدة وداعش من السيطرة على مدن كاملة وفصلها عن الحكومة المركزية، ليزداد بذلك الوضع الأمني تأزمًا بالتزامن مع محدودية موارد المؤسسات الأمنية، لتصبح الغلبة في النهاية لتلك التنظيمات على حساب مؤسسات الدولة[8].
- انشقاقات عسكرية مرتقبة:
أعلن الرئيس داميبا إقدامه على تغييرات قيادية عسكرية بالجيش خلال الفترة القادمة استجابة للتطورات الأمنية المتصاعدة، كما هدد بإقالة عدد من القيادات من مناصبهم، الأمر الذي يذكرنا بانقلاب 1982 عندما أطاح توماس سانكارا برفيقه سايي زيربو بعد إقدامه على تغييرات قيادية داخل الجيش، ويبدو أن داميبا يخطو على النهج نفسه، مما ينذر باحتمالية حدوث تمرد داخل الجيش للإطاحة بالنظام المهدد لاستقرار القيادات العسكرية.
- تواطؤ نخبوي مع العصابات:
تعتبر بوركينا فاسو مركزًا للتجارة غير المشروعة لا سيما السلاح والمخدرات، الأمر الذي جعل من تلك المنطقة مصدرًا لتهافت الجماعات الإرهابية للتمركز فيها بغية السيطرة على الموارد الطبيعية والاستثمار في تجارة الممنوعات. في المقابل يسعى أفراد من داخل النخبة السياسية والعسكرية لتحقيق مصالح ربحية عبر تسهيل عمليات الاستخراج والتهريب مقابل مبالغ مالية، وبذلك تكون النخبة السياسية قد ساعدت في تأمين مصادر تمويل للتنظيمات، مما يضمن بقاءها واستمرارها داخل البلاد[9].
- تورط قوى خارجية:
أصبحت دول الساحل مسرحًا جديدًا للصراع الممتد بين أوروبا وروسيا، حيث يسعى كل منهما نحو استقطاب عدد أكبر من الدول لدعم تمركزه ونفوذه، فنجد أن الموجة الانقلابية التي شهدتها دول الساحل خلال الخمسة أعوام الماضية مدعومة بالأساس من روسيا، وذلك للإطاحة بالأنظمة الداعمة لفرنسا بعد أن أصبح الوجود الفرنسي غير مرغوب فيه شعبيًا، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو، لذا ربما تعمل فرنسا على إعادة ترتيب أوراقها عبر دعم انقلابات مضادة من خلال دعم فصائل مؤيدة لها ومساعدتها في الوصول للحكم، لذا يتوقع في حال شهدت بوركينا فاسو انقلابًا عما قريب، أنه سيكون مدعومًا فرنسيًا، ليأتي ذلك في إطار التنافس الروسي- الفرنسي المحموم للتمركز في دول الساحل.
- التغيرات البيئية:
تعتبر التغيرات البيئية من أهم الأبعاد التي تؤثر على تماسك النظام السياسي وقوة الدولة، فالدول الأفريقية أكثر دول العالم عرضة للتغيرات البيئية، لكنها الأضعف والأفقر والأقل قدرة على مواجهتها، ويعود ذلك لعوامل عدة أهمها فشل الأنظمة الحاكمة في وضع خطط تمكنهم من الاستجابة والتفاعل مع تلك المتغيرات واستغلالها للصالح العام، فعلى سبيل المثال هناك مواسم مطيرة، وبالرغم من ذلك تهدر كمية المياه ولا يتم استغلالها بشكل أمثل، نظرًا لافتقار الدول الأفريقية للبنى التحتية التي تؤهلها لذلك، مما يؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية وحدوث مجاعات، كما يحدث حاليًا في إقليم التيجراي. من ناحية أخرى لا يتم استثمار المساعدات المالية الوافدة من الخارج في تطوير البنى التحتية، أو تنويع الإنتاجيات مما يؤدي إلى تدنى مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، ففي بوركينا فاسو يعيش نحو (50%) من السكان على أقل من دولارين يوميًا، أي يعاني أكثر من نصف السكان من خطر الفقر المدقع، فيما تبلغ معدلات البطالة في بوركينا فاسو (50%)[10]، في المقابل تتميز التنظيمات الإرهابية بالمرونة والقدرة على التشكل حيث تعمل باستمرار على تطوير تكتيكاتها بما يتناسب مع التطورات البيئية، لذا تصبح الأقاليم المهمشة أكثر عرضة للاستقطاب من قبل التنظيمات الجهادية مما يقوي من شوكتهم لمواجهة النظام الحاكم.
خامساـ مسارات حل الأزمة:
يبدو مما سبق أن المشهد السياسي في بوركينا فاسو في طريقه نحو مزيد من التعقيد والارتباك، فتراجع معدلات الأمن وتغلغل التنظيمات الإرهابية دفعا المواطنين للخروج في تظاهرات مطالبين بحلول صارمة، لتصبح بذلك السلطة العسكرية الانتقالية عُرضة لإزاحة شعبية أو انقلاب عسكري، لذا أصبح لزامًا اتباع مسارين رئيسين للمُضي نحو حل الأزمة:
- الالتزام بمخرجات المرحلة الانتقالية:
حيث أعلن المجلس العسكري في فبراير (شباط) 2022 بعد تنصيبه داميبا رئيسًا للبلاد أن المواجهات الأمنية وعودة الاستقرار هما الهدف الأهم الذي تولى من أجله المجلس العسكري مقاليد السلطة، كما أكد تشكيل لجنة مكونة من (25) عضواً للتأطير الزمني لمخرجات الفترة الانتقالية، والانتهاء من تشكيل المؤسسات، لذا فللخروج من المعضلة الحالية على المجلس العسكري البوركينابي برئاسة داميبا عدم السير على نهج مالي، والمماطلة في التزامات المرحلة الانتقالية، وذلك عبر تنفيذ الوعود الخاصة بالإصلاحات السياسية، ومنها وضع قانون انتخابي يضمن تمثيل كل الفصائل السياسية، ثم الانتقال لوضع دستور جديد للبلاد، والعمل على وضع ضوابط أمنية صارمة، بالإضافة إلى الاستثمار في القيادة الأمنية عبر تطوير المعدات والقيام بتدريبات للاستجابة إلى التطورات الأمنية التي تمر بها البلاد.
- الاستفادة من الدعم الروسي والصيني:
القيادة العسكرية الجديدة لقيت دعمًا روسيًا وصينيًا واسعًا، لذا عليها أن تغتنم تلك الفرصة لتطوير مؤسسات الدولة، لا سيما الأمنية والعسكرية، خاصة في ظل الدعم الشعبي للاتجاه نحو موسكو وبكين بدلًا من باريس، ويمكن القول: إن المجلس العسكري مضى بالفعل في هذا المسار، حيث أجرى الجانبان الصيني والبوركينابي تدريباً عسكرياً متعدد المستويات، كما قدمت بكين لمسؤولين عسكريين في بوركينا فاسو (72) منحة عسكرية للاستفادة من الخبرة الصينية العسكرية، ناهيك عن استثمارات مقدرة بنحو (94) مليون دولار في مشروع سمارت بوركينا[11]، فيما أشارت تقارير إلى وجود نقاشات بين القيادات العسكرية للتعاقد مع شركة فاجنر لدعمهم في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ناهيك عن الدعم الشعبي للتعاون مع روسيا، وهو ما ظهر أثناء التظاهرات الداعمة للانقلاب العسكري، حيث رفع المتظاهرون أعلاماً روسية مطالبين بدور واسع لموسكو لدعم البلاد.
وأخيرًا؛ فالخروج من دائرة الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، يستلزم إحداث مراجعات هيكلية للمقاربات الأمنية للبلاد، والعمل على تحجيم أسباب تكرار الانقلابات العسكرية، وذلك عبر ترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد، وتعزيز المسار الديمقراطي، فاستقرار البلاد وحل المعضلة الأمنية مرتهن بنشر الوعي السياسي وتحقيق تنمية اقتصادية في المقام الأول.
[1] -1960 – 2022: The long history of coups d’état in Burkina Faso,African news,25/1/2022,available at: https://cutt.us/FjTZU
[2]– ibid
[3]– احتجاج في بوركينا فاسو على «التخلي» عن محافظة «يحاصرها» المتطرفون، موقع جريدة أخبار الشرق الأوسط، 13 يونيو (حزيران) 2022، متاح على: https://cutt.us/DqYfX
[4] -Sanwé Médard Kienou ,The applicability of international humanitarian law to acts of violence perpetrated by unidentified armed individuals in the Sahel: The case of Burkina Faso,the red cross,may 2022, available at: https://cutt.us/yDV3T
[5] -Burkinabe Still Waiting For Promised Security,adf,24/5/2022,available at: https://cutt.us/9pKVb
[6] -Ibid
[7] -Burkina Faso: Armed Islamists Kill, Rape Civilians,16/5/2022,available at: https://cutt.us/yuWfh
[8]– Global terrorism index 2022, available at: https://reliefweb.int/report/world/global-terrorism-index-2022
[9]– نسرين الصباحي، معضلة الأمن والديمقراطية في غرب أفريقيا.. بوركينا فاسو نموذجًا، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 10 مارس (آذار) 2022، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/18799/
[11]– نسرين الصباحي، مرجع سابق.