تقديم
تترك الحروب آثاراً سلبية ومدمرة في المجتمعات التي تمر بهذه التجارب المؤلمة، ويُعتبر الأطفال الفئة الأكثر عرضة لمخاطر العنف الناجم عنها، على المستويات الاجتماعية والصحية والنفسية والمستقبلية، هذا عدا احتمالات الهجرة واللجوء والاستخدام من قبل الأطراف المتنازعة أو الجماعات الدينية المتطرفة، التي تعمل على استغلال الطفولة في صراعها الدامي.
تشير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى أنه في أكثر من نصف الدول المتحاربة عام 2003 عبر العالم، تفيد التقارير عن وجود مقاتلين تحت سن الخامسة عشرة، ومن بين الأسباب المؤدية إلى مشاركة الأطفال في العمليات العسكرية كمحاربين الآتي: البحث عن الأمن والحماية والغذاء، والشعور بالضجر والإذلال والإحباط، والترهيب، فضلاً عن الوعود التي يتلقاها هؤلاء الأطفال بشأن الانتفاع بالتعليم والحصول على فرص للعمل، أو رغبتهم في الثأر لموت أفراد من أسرهم.
أدت النزاعات الأهلية التي تمر بها بعض الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى تعريض الأطفال لأسوأ أنواع العنف والابتزاز. في انعكاسات الأزمة السورية بدءاً من عام 2011؛ نبهت تقارير أممية إلى ضياع جيل كامل من الأطفال؛ بسبب تركهم المدارس وإجبارهم إما على النزوح أو اللجوء والهجرة. إلاّ أن التداعيات الأخطر تتمثل في تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» و«بوكو حرام» و«جماعة الحوثي». ويشار إلى أن تنظيم داعش بعد سيطرته على الموصل (تمّ تحريرها على يد القوات العراقية في يونيو (حزيران) 2017 بعد سقوطها عام 2014) أنشأ ما أطلق عليه «أشبال الخلافة»، حيث اعتمد على وسائل عدة، طوعاً أو كرهاً، من بينها: الترغيب والهدايا، والاختطاف، والإغراءات المالية.
يتناول كتاب المسبار (تجنيد الأطفال: داعش – الحوثيون – بوكو حرام) (الكتاب الثامن والعشرون بعد المئة، أغسطس (آب) 2017) ملف تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق واليمن والصومال ونيجيريا. سعت الدراسات إلى تبيان أبرز المفاصل المرتبطة بهذا الموضوع فدرسته من جوانب عدة، من بينها الجانب القانوني والرصدي والاجتماعي والتأهيل بعد انتهاء النزاعات.
سعى المجتمع الدولي لوضع قواعد وآليات وتدابير لحماية الأطفال من الآثار الخطرة للنزاعات المسلحة، التي صبت في اتفاقيات وصكوك دولية والتزامات ومبادئ تدخل في إطار القانون الدولي الإنساني الذي نبع من اعتقاد راسخٍ يوجب فرض قيود تمنع تحويل النزاعات البشرية المسلحة إلى حروب بربرية. لقد ناقشت إحدى الدراسات أهم القوانين الدولية من خلال أربعة محاور: حماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة باعتبارهم مدنيين، حماية الأطفال الجنود ومن هم تحت الاحتلال، تجريم تجنيد واستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، ومساءلة الأفراد أمام المحكمة الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب.
تتصدر «جماعة الحوثي» قائمة المجموعات الإرهابية المسلحة التي تجند الأطفال في اليمن، وتفاقمت عملية التجنيد بعد عام 2014؛ حيث بينت تقارير دولية ارتفاع مستوى جذب الأطفال للتجنيد من قبل الحوثيين. تطرح الدراسة التي عالجت تجنيد الحوثيين للأطفال الأسئلة الآتية: لماذا يتعمد الحوثيون تجنيد الأطفال؟ وما هي البواعث والدواعي؟ ولماذا يستهدفون فئات عمرية بعينها؟ ما وسائل الحوثيين للإيقاع بالأطفال؟ ما طبيعة المهام العسكرية والأمنية واللوجستية التي تكلف جماعة الحوثي الأطفال القيام بها في فترة الحرب؟ ما الآثار المترتبة على تجنيد الحوثي للأطفال في الحرب؟ وما دور الحكومة اليمنية والنخب ومنظمات المجتمع المدني ودور المجتمع الدولي في محاربة هذه الظاهرة الخطرة؟
عمل تنظيم «داعش» في الأماكن التي سيطر عليها في العراق على تجنيد الأطفال؛ حيث لجأ إلى وسائل عدة في مراحل إعدادهم وتدريبهم، ساعياً إلى تجهيز جيل جديد من المقاتلين بشكل لا يشبه أي تنظيم آخر، والهدف هو ضمان الاستمرارية فلجأ إلى تبني وسائل نفسية ومادية جديدة لتجنيد الأطفال من المقاتلين، حيث ضاعف من جهود التلقين الأيديولوجي والعسكري التي استخدمها قبله تنظيم «القاعدة». واستند تنظيم «داعش» إلى وسائل غير تقليدية لتجنيد الأطفال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وهذه الأخيرة تقوم على خمسة عناصر خلال عملية الاتصال فالمُجنِد (المرسل) هو العنصر الأول، والعنصر الثاني: الرسالة، والعنصر الثالث هو قناة الرسالة (الألعاب الإلكترونية)، والعنصر الرابع يكون فيه اللاعب المُجنَّد (المستقبل)، والعنصر الخامس هو التغذية الراجعة، وهو رد المستقبِل، وتتأثر بمدى فهمه للرسالة سواء كان ذلك قولاً أو فعلاً. واستكمالاً للحالة العراقية تطرق الكتاب إلى تجنيد الأطفال والمراهقين من قبل الحشد الشعبي فحاول الإحاطة بالدوافع الجاذبة والتي تتراوح بين ثلاثة: الإخفاق الدراسي، الحافز المالي، وإثبات الذات.
برزت «حركة شباب المجاهدين» (2006) في الصومال كأهم حركة تقوم بتجنيد الأطفال. تلفت التقديرات إلى أن «عدد جنود الحركة تراوح بين (7000) و(9000) جندي حتى مطلع عام 2009، (40%) منهم من الأطفال بين عمر العاشرة والخامسة عشرة، يتلقون تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة النارية والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة في معسكرات خاصة». تستغل هذه الحركة الأوضاع الاقتصادية السيئة في الصومال فتقدم حوافز لانضمام الأطفال إليها، هنا تبرز ملاحظة مهمة ترتبط بمدى الالتزام الأيديولوجي للطفل أو المراهق بأهداف الحركة أمام أوضاع اقتصادية أفضل. وفي نيجيريا عمدت جماعة بوكو حرام (2002) إلى اختطاف الأطفال من أجل استغلالهم وتجنيدهم في صفوفها للقتال، وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في عمليات الاختطاف، «وتم توثيق حالات احتجاز (129) طفلاً لانتسابهم إلى جماعة (بوكو حرام) («69» فتى و«60» فتاة)، منهم (85) طفلاً احتجزوا في الثكنات العسكرية في مايدوغوري، و(22) طفلاً احتجزهم مكتب مستشار الأمن الوطني في معسكر أغواتا في شرق نيجيريا».
اهتم الكتاب بسبل مواجهة تجنيد الأطفال وعملية تأهيل «الطفل الجندي» وإعادة إدماجه في المجتمع. يحتاج «الأطفال المجندون» بعد انتهاء النزاعات المسلحة إلى مواكبة اجتماعية وصحية ونفسية وبرامج تعليمية تأخذ في الاعتبار التجارب الخاصة التي اكتسبوها في الحروب. إن مرحلة التأهيل والإدماج هي الأصعب كونها تتطلب عناية شاملة بالأطفال الذين دفعوا أثماناً باهظة في مناطق النزاعات المسلحة.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل إبراهيم أمين نمر الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
رئيس التحرير
أغسطس (آب) 2017