تقديم
تأسست فكرة الدولة نتيجة لتراكم التجربة الإنسانية الحضارية، وظلّت العلوم الإنسانية والمواثيق الدولية والقوانين الأممية ترعى مفاهيمها بالتطوير؛ مصوّبةً الجهود لمساعدة المجتمعات المأزومة والدول العالقة على تطوير منظوماتها لبلوغ الإجماع العالمي المستقر.
لذا يعرض هذا السِّفر، أبرز المفاهيم المرتبطة بفكرة المواطنة، وعقد الدولة الاجتماعي؛ المرتِب لحقوق المواطنين وواجباتهم. فيتناول توسع مظلة قيم المواطنة؛ مع الزمان، بغرض استيعاب المتغيرات، فتدخل في تشكيلها مفاهيم متجددة. فيعرض الكتاب مثلاً لتأثير الحروب والنزاعات منذ القرن السادس عشر، متتبعًا أثرها في حصر التضحية والفداء بالحدود السياسية للوطن، كما جرى في سويسرا مثلًا، إذ انتهت معارك خاضها سويسريون في معركة مارينيو 1515 إلى قيادة البلاد إلى تجريم مشاركة أبنائها في القتال خارج حدود البلاد، وتأسيس فكرة الحياد؛ وتظهير عقودٍ اجتماعية جديدة للعيش معًا. وظلّت عناصر قيم المواطنة تتوسع؛ كما لاحظ الكتاب الذي أورد مفاهيم الاعتراف والحوار والعدالة الاجتماعية والمساواة والقانون والديمقراطية والهوية، وكل منها دخل مسنودًا إلى تجربة فلسفية تعالج حقائق واقعية؛ واختار الكتاب دراسة نماذج ألمانية لفلاسفة توسَّعت منظومة القيم بمساهمتهم لعلاج إشكاليات واقعية؛ فاختار الفيلسوف أكسيل هونيث ورؤيته لمفهوم الاعتراف المتبادل بالحب والحق والتضامن، وتوظيفه سبيلًا لإعادة بناء الهوية الذاتية لربط القيم الفردية والجماعية. كما راقب إسهام الفيلسوف هانس يوناس المرتكز على نظرية العدالة وتطبيقها تجاه الطبيعة، فصارت ملفات البيئة تتغذى على قيمة المسؤولية التي توسعت بها مظلة القيم. وفي محورٍ واسع، تتبعت الدراسات مناهج التربية على قيم المواطنة في دولٍ عربية منتقاة مثل العراق والأردن وتونس والجزائر، كما تتبعت محاولات تعزيز المواطنة في المجال العام عبر الإعلام أو جهود المجتمع المدني.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي