تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «تدريب المدربين في مكافحة الإرهاب: التجارب والتحديات» (الكتاب السادس والستون بعد المئة، أكتوبر (تشرين الأول) 2020) برامج إعداد الكوادر في دوائر مكافحة الإرهاب ونزع التطرف وتأهيل المتطرفين، ويقيّمها على مستوى الدول؛ ويغطي الخبرات الأساسية للدول والمنظمات في التعامل مع الموقوفين المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية في السجون، والجهود التدريبية في مراقبة ووقف تمويل الإرهاب، وتأهيل الأئمة ورجال الأمن للتعامل مع المتطرفين الموقوفين.
رصد الكتاب جهود الأمم المتحدة في تدريب المدربين، ودرس التجربة الأمريكية واستراتيجياتها ومحاولات التطبيق؛ خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية، وما رافقها من تأهيلٍ للأئمة عبر الكليات الدينية. عُرِضت خبرات فرنسا وبلجيكا وألمانيا؛ من زوايا نظر متعددة المناهج والتخصصات، كما رُصِدت مسارات تجارب التأهيل والتدريب للمدربين في السعودية، وخصص للأنموذج الإماراتي الفريد دراسة مستفيضة رصدت قوانينه واستراتيجياته الأمنية والإعلامية، كما تعمّق الكتاب في التجربة المصريّة وآثارها في التجارب الأخرى مثل التجربة الإندونيسية، وتطرق إلى التجربة العراقية التي عانت من ظهور تنظيم داعش الإرهابي ومؤثراته، وجرى تغطية الأنموذج المغربي لتأثيره في التجارب الأوروبية.
تتبع الكتاب جهود الأمم المتحدة في مجال تكوين المدربين على نزع التطرف، وألقى الضوء على المشاريع التدريبية التي ترعاها المنظمة الدولية، بدءاً من تدريب المدربين الموكل لهم التعاطي مع الجناة والموقوفين بملفات التطرف، وصولاً إلى تدريب العاملين في مكافحة تمويل الإرهاب، ومسارات التدريب القانوني والقضائي، وتعزيز سيادة استجابات العدالة. وخلصت الدراسة إلى أهمية توظيف الدورات التدريبية على المستوى الدولي والوطني، وتنسيق جهود التنظير للتدريب.
ناقش الكتاب الاستجابة الأميركية في مكافحة الإرهاب على مستويين أساسيين: الأول نفسي/اجتماعي وقانوني، ثم قَعّد التنظيرات الراهنة لإدخال قانون جنائي اتحادي بخصوص الإرهاب الداخلي، لتعزيز الاستجابات التي سلكها الادعاء العام وإنفاذ القانون لمكافحة نشاط «الردكلة» والتطرف، آخذاً بالاعتبار الجهود التدريبية وتجربة مكافحة التطرف في المؤسسات السجنية والمراكز الأمريكية المختصة، لا سيما بعد أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية. أما المستوى الثاني، فكان قريباً من عملية صناعة المدربين والمرشدين الروحيين والأئمة؛ من خبيرٍ عاصرها، فطرح ملف تأهيل الأئمة المسلمين ضمن برامج كليات العلوم الدينية، فاختار نماذج عدة بدأت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، ورصدت التجارب الأخرى وأبرزت مواطن ضعفها، وكشفت عن تفوّق برنامج «بيان كلير مونت» (Bayan Cleremont)، وعددت آثار هذه البرامج المفضية إلى تمكين المتدربين والمدرِّبين -معاً- من الانفتاح على العلوم الاجتماعية. داعيةً في توصياتها إلى تأسيس خصوصية مستقلة؛ لهذا المشروع، أسوة بالتقاليد الموجودة عند المؤسسات اليهودية والمسيحية في الولايات المتحدة، لضمان استقرار ونجاح المشروع.
في المجال الأوروبي، تناولت الدراسات تدريب الأئمة والمبادرات والمشاريع التدريبية، فعرضت الدراسات البرامج المدرجة من قبل المؤسسات المدنية والحكومية في مكافحة الإرهاب، والقصور الذي تُرمى به، لا سيما بسبب التأثر، بالمراكز الفكرية والجهات الاعتبارية التي توالي جماعات حزبية إسلاموية؛ تستثمر في مكافحة التطرف؛ بزعمها تقديمَ نسخةٍ سياسيةٍ إسلاموية تعالجه! وهي جماعات تتبع للفكر الإخواني في غالبها. أكد الكتاب أهمية تعاون الدول العربية مع أوروبا لمواجهة التطرف، وتزويدها بقنواتٍ ملائمة لتدريب المزيد من الأئمة والمثقفين المؤمنين بفكرة الدولة؛ وضرورة اندماج المسلمين في مجتمعهم الأوروبي.
تناولت شهادة ميدانية تجربة فرنسا في مسار التأهيل لمكافحة التطرف العنيف؛ مع التركيز على المبادرات والمشاريع التدريبية، للشرطة الوطنية الفرنسية على مكافحة الإرهاب، وهي مبادرات تعتمد على تحديد متدرِّبين على رأس العمل في المجال، وتطوير من يمكنهم تدريب غيرهم. نصحت الشهادة بإجراء مراجعات جذرية في المنظومة العقابية، وتقييم حالات الجناة لتقدير احتمالات عودتهم إلى الإجرام من عدمها. ختمت الدراسة بأن إعداد خبير متمكن، ومحلل للظاهرة، قادر على التعامل مع تأهيل المتطرفين، يستغرق عشر سنوات على الأقل.
استغرق الأنموذج البلجيكي في مسارات معالجة التطرف عسكرياً واجتماعياً، مفصِّلاً عناصر المعالجة داخل دوائر التكوين العلمي. في دراسة قيمت جهود الحكومة البلجيكية، وعرضت البرامج المختصة بمكافحة الإرهاب فيها، بما فيها إنشاء دليلٍ توجيهي للممارسات الجيدة، مشيراً بأن هذه الجهود ساهمت في الحفاظ على بلجيكا في أدنى مستويات التهديد قياساً إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في المجال العربي، درس الكتاب، الأنموذج السعودي المتميز؛ إذ قامت المملكة بجهود حثيثة في تدريب المدربين على مكافحة الإرهاب في القطاعات الأمنية والسجنية والدينية والقانونية. واستعرضت الدراسة جهود كليات ومعاهد رئاسة الأمن الوطني والحرس الوطني السعوديين، المميزة، كما عددت التدريبات التعاونية والنُّهج المستخدمة فيها وأبرزت ذلك عبر إفاداتٍ ميدانية.
إن الأنموذج الإماراتي في مكافحة الإرهاب متطورٌ ومبني على رؤية مبادرة واستباقية ومنهجٍ تعاوني دولي، لذا ركزت الدراسة على استعراض المحور التشريعي والقانوني المتجلي في تشريعات مثل: مكافحة التمييز والكراهية وتجفيف منابع تمويل الإرهاب. كما مرت على سياسات ترسيخ ثقافة التصدي للتطرف باستخدام محاور إعلامية ودينية وثقافية وتعليمية. مع إشارةٍ لأثر جهود تعزيز الأديان والثقافات على محاصرة الفكر المتطرف وتأهيل المتصدين له. وفي مجالات تطوير قدرات المتدربين أبرزت الدراسة المجال الأمني والعسكري والتعليمي، وفي الأخير تبرز مسودة مذكرة أبوظبي حول الممارسات الجيدة للتعليم ومكافحة التطرف العنيف، التي تمثل منصة بالغة الأهمية ينبغي البناء عليها عالمياً.
بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد داعش في العراق عام 2018، دعم برنامج سيادة القانون التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامجاً شاملاً لإصلاح قطاع الأمن، بالتعاون مع وزارات عدة، يتضمن مساراً لتأهيل المتطرفين. وانفرد إقليم كردستان بتجربةٍ خاصة، سلّط الكتاب الضوء عليها؛ عبر دراسة ميدانية بعد التعمق في التجربة المركزية العراقية، وتجربتها في التعامل مع التطرف في السجون لا سيما بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي.
خاضت مصر؛ مبكراً تجربة في تصحيح مفاهيم الموقوفين الإسلامويون، عبر ندوات وحوارات مع الجماعة الإسلامية، حول وقف العنف. وقد أثّر هذا المشروع في مجموعةٍ من برامج التأهيل الأخرى؛ لعل أبرزها التجربة الإندونيسية؛ التي أفادت منها في إنشاء نهجٍ مرن طوّر الوسائل التقليدية التي كانت توظف لإدارة السجون التي تأوي المتطرفين المحكومين، وأصبحت تتخذ أشكالاً جديدة مثل: حوارات فكرية، والدروس في الوطنية والدين.
خصّ الكتاب تجربة المملكة المغربية بدراستين: تطرقت الأولى إلى تدريب الأئمة والمرشدين الدينيين، والثانية، لإعادة تأهيل المتطرفين التائبين. إثر أحداث 16 مايو (أيار) 2003 بدأ المغرب العمل بأول برنامج لتكوين الأئمة، ضمن إطار إصلاح السياسات الدينية عام 2004، وأضحى الحصول على دبلوم لممارسة مهنة الإمامة إلزامياً منذ ذلك الحين، وتطور لاحقاً بتأسيس «معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات» عام 2015.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالشكر الزميلة جمانة مناصرة التي نسقت العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودها وفريق العمل.
هيئة التحرير
أكتوبر (تشرين الأول) 2020