ليس خافياً على أحد أن تدريس الفلسفة في المدارس والجامعات في العالم عموماً والدول العربية خصوصاً، يعاني من “أزمة صامتة”، إما بسبب التضييق عليه وإما لاقتطاعه أو دمجه بمواد أخرى، حيث يرى بعض صنّاع السياسات التعليمية، أنه لا فائدة منه ويمكن الاستغناء عنه؛ فالسوق يفرض تخصصات وعلوماً أخرى خارج “الأطر القديمة لانتقال المعنى” كما يسميها الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري (Régis Debray) .
إن إعادة تفعيل الدرس الفلسفي عربياً، سواء في النظم التعليمية أو في الحياة العامة قضية ملحة؛ فالفلسفة تنمي العقول الناقدة والواعية والجدل السليم والتساؤل الدائم، كطرائق تفكير مضادة للتلقين واليقينيات والإطلاقيات الأيديولوجية والدينية، ولعل أهم ما تقدمه الفلسفة يتمثل في مواجهة المعضلات التي تتقدمها معضلة الإرهاب والعنف الديني، من هنا تأتي الدعوة لمحتوى فلسفي أكبر في مناهجنا التعليمية.
صدرت في السنوات الأخيرة دعوات ومطالبات متكررة في العالم العربي، من قبل المتخصصين في المناهج التعليمية وعلماء الاجتماع والمثقفين، لتكثيف الدرس الفلسفي لمحاربة التطرفات والأصوليات الدينية، ومن بين هؤلاء من طالب بتعليم الفلسفة للأطفال من أجل بناء فكر نقدي. يعتبر الفيلسوف الأميركي ماتيو ليبمان (Matthew Lipman) (1922-2010) من أبرز العلماء الذين طرحوا تدريس الفلسفة داخل مستويي التعليم الأولي والتعليم الابتدائي. ويقوم مشروعه على تنمية تفكير الأطفال الصغار وخصوصاً التفكير المنطقي الصوري، انطلاقاً من مبدأ أن هؤلاء يستطيعون تكوين المفاهيم منذ طفولتهم الأولى، ويستطيعون التفكير في المشكلات الفلسفية.
أخذ مركز المسبار للدراسات والبحوث على عاتقه، الاهتمام بالإشكاليات التي تطرحها الفلسفة على المستويات التعليمية والاجتماعية والثقافية، فتضمنت كتبه الشهرية دراسات عدة في هذا المجال. وسبق للمركز أن طرح على موقعه استفتاءً خلال (يناير/ كانون الثاني- منتصف فبراير/ شباط 2018) سأل فيه: “هل تؤيد تدريس الفلسفة في مدارس وجامعات الوطن العربي؟” ونشرت مقالة حول نتائجه عنوانها “لماذا علينا تدريس الفلسفة؟”.
يقدم مركز المسبار لقارئه ملفاً جديداً حول أهمية تدريس الفلسفة في العالم العربي والمعوقات التي تواجهها، وقد تضمن الملف مقالين: الأول للباحث العراقي في التراث والفلسفة الإسلامية: رشيد الخيُّون، والثاني، للكاتب والباحث السعودي فهد الشقيران، يضاف إليهما دراسة للباحثة اللبنانية ريتا فرج.