عقد من النموّ بتمويل خليجي
نشرتُ في ديسمبر (كانون الأول) 2007 تقريراً عن تنامي تأثير أيديولوجية الإخوان المسلمين في هولندا. في ذلك الوقت، لم يكن الإخوان المسلمون يسيطرون فعلياً على أي مسجد في هولندا. وكان هناك مركز إسلامي قيد الإنشاء في روتردام، وسرت شائعات بأن الإخوان المسلمين يسابقون للحصول على تصريح ببناء مسجد في أمستردام، ولكن ذلك لا يشكّل سوى بصمة صغيرة.
في تلك الأوقات، رفع قائد الإخوان المسلمين في هولندا، : يحيى بوياف، دعوى على أكبر صحيفة في البلاد، دي تليغراف، وربحها. نفى بوياف أنه عضو في الإخوان المسلمين، بمساعدة محامٍ وشخصية رفيعة المستوى في حزب العمل الهولندي. وأقرت المحكمة ذلك. واضطرت الصحيفة إلى نشر تصحيح ودفع مبلغ ضئيل بمثابة تعويض.
ومع ذلك، قال وزير الداخلية المنتمي إلى حزب العمل، بعد بضعة أسابيع، في البرلمان: إن الرجل الذي رفع دعوى على الصحيفة قائد الإخوان المسلمين في هولندا بالفعل. ومن المستغرب أن الصحيفة لم تعد إلى المحكمة. لكن جرى تصحيح السجل العامل.
تغير الكثير منذ ذلك الحين. أقام الإخوان المسلمون موطئ قدم وطيداً في هولندا، وتوسّع نفوذهم في السياسة المحلية والوطنية. وحظي دخولهم معترك السياسة بتسهيل الأحزاب السياسية اليسارية الهولندية مثل حزب الخضر وحزب العمل.
أصبح للإخوان المسلمين على الأرض اليوم عدة مراكز إسلامية ومساجد خاضعة لسيطرتهم المباشرة. وتشمل في روتردام مركز السلام الإسلامي الثقافي (EIIC)؛ ومركز الوسطية، الذي يشير اسمه إلى وسطية يوسف القرضاوي؛ ومبنى مدرسة سابقة اشترته مؤسسة المركز الثقافي الاجتماعي في هولندا، وهي الذراع الاجتماعية والثقافية لحركة النهضة التونسية.
وفي لاهاي، تمتلك مؤسسة المركز الثقافي الاجتماعي عقاراً كبيراً يحمل اسم مركز محمد عبد المحسن الخرافي الإسلامي، نسبة للعائلة الكويتية التي قدّمت التمويل الرئيس.
وأخيراً، للإخوان المسلمين الجامع الأزرق في أمستردام.
جاءت أولى المدفوعات المنظمة لحيازة العقارات والمباني من قطر. ففي 2008، قدّمت قطر النواة المالية لصندوق الائتمان الأوروبي في هولندا (ETN) لدفع جزء من المبلغ اللازم لبناء المسجد الأزرق في أمستردام. ووفقاً ليحيى بوياف، رئيس مجلس إدارة صندوق الائتمان الأوروبي في هولندا، فإن المال جاء من مؤسسة قطر. لم يحضر أحد من مؤسسة قطر حفل وضع حجر الأساس، ولكن حضر مسؤول رفيع في مؤسسة قطر الخيرية.
لكن جلّ الأموال جاء من الإخوان المسلمين في الكويت. وكانت أسرة الخرافي، على وجه الخصوص، سخية في تغطية معظم تكاليف المشاريع في روتردام ولاهاي وأمستردام.
ولتأمين نفوذ الكويت وسيطرتها على عقارات الإخوان المسلمين في هولندا، مُنحت رئاسة صندوق الائتمان الأوروبي في هولندا سنة 2012 إلى مطلق القراوي، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المساعد للعلاقات الخارجية والحج. كما قدّمت وزارة الأوقاف الكويتية علاوات شهرية لثلاثة مسؤولين على الأقل داخل قيادة الإخوان المسلمين.
مخاوف مخابراتية
سنة 2011، خلص جهاز المخابرات الهولندي بعد إجراء تحقيق إلى أن الإخوان المسلمين لا يشكّلون تهديدًا مباشرًا للأمن القومي في ذلك الوقت. لكنه اعترف بأن الإخوان في هولندا يمكن أن يشكّلوا خطراً في المستقبل. ولاحظ جهاز المخابرات الهولندي على وجه التحديد أن محاولة الإخوان المسلمين جعل الإسلام المرجعية الرئيسة في كل مناحي حياة المسلمين، يمكن أن تشكّل أرضية خصبة للانعزالية والاستقطاب غير المتسامحين داخل المجتمع.
ومن النقاط الأخرى التي ذكرها جهاز المخابرات الهولندي في 2011، أنه خلص إلى أن الإخوان المسلمين يحاولون شقّ طريقهم في المجتمع المدني وكسب النفوذ. وأفاد الجهاز بأنهم “إذا بدؤوا المشاركة أيضاً في صنع القرار السياسي دون الكشف على توجّهاتهم وبحجب مصالحهم ونواياهم، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى وضع غير مرغوب فيه”.
النشاط السياسي
ثمة اتجاه سياسي واضح بالفعل في هولندا، إذ أصبح أعضاءُ الإخوان المسلمين، أو الأشخاصُ القريبون من أيديولوجية الإخوان المسلمين ناشطين سياسياً. وسافر بعض شخصيات الإخوان إلى الخارج للحصول على تدريب إعلامي والمشاركة في تبادل المعلومات.
على سبيل المثال، توجّه جاكوب فان در بلوم، وهو هولندي اعتنق الإسلام، والمدير الفعلي لمركز السلام الإسلامي الثقافي ومركز الوسطية في روتردام، إلى لندن للتدريب الإعلامي في الجمعية الإسلامية في بريطانيا بمسجد فنسبري بارك. وتدرّب آخرون في مؤسسة فضل سليمان من مؤسسة جسور أو زاهر بيراوي عن طريق الشركة الأوروبية الفلسطينية. وبيراوي شخصية رئيسة في شبكة حماس في المملكة المتحدة.
عندما تدرّب زاهر بيراوي في روتردام على الضغط والتأثير السياسيين، حصل على مساعدة من إبراهيم عكاري، وهو أحد الأعضاء القدامى في الإخوان المسلمين في هولندا، ونور الدين الوالي، وهو سياسي محلي في روتردام.
أصبح محمد عكاري، أحد أبناء إبراهيم، ناشطاً في السياسة اليسارية الهولندية، بما في ذلك الحزب الاشتراكي القوي حزب العمل. وانتقل الآن إلى الحزب الإسلامي الإقليمي في روتردام وحزب دنك (المساواة) الشعبوي المؤيّد لأردوغان.
انشق مؤسسا حزب دنك، عضوا البرلمان الهولنديان التركيان: سلجوق أوزتورك، وتوناهان كوزو، عن حزب العمل سنة 2014، وأنشآ حركتهما السياسية الخاصة. وأصبحت تلك الحركة الحزب السياسي دنك، وفازت بثلاثة مقاعد في البرلمان الهولندي في انتخابات 2017. وخلال الحملة الانتخابية في 2017، اضطر حزب دنك إلى الاعتراف بأنه استخدم حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير في الرأي العام.
غالباً ما تتوافق قيادة دنك في خطاباتها وأفعالها مع الإخوان المسلمين في هولندا. على سبيل المثال، لم يصافح كوزو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما زار الأخير البرلمانيين الهولنديين في لاهاي السنة الماضية. فجعله ذلك بطلاً على الفور في أوساط الإخوان الهولنديين.
في الانتخابات المحلية التي أجريت في 21 مارس (آذار) 2018، ساند مؤيدو أيديولوجية الإخوان المسلمين في روتردام حزب نداء، وهو حزب محلي بزعامة نور الدين الوالي. والوالي عضو سابق في مجلس روتردام عن حزب الخضر. وكان الوالي أيضا المتحدث باسم القارب الهولندي الذي شارك في أسطول غزة سنة 2011، وهو مشروع لحماس. وغالباً ما يكون حاضراً في المظاهرات التي تنظّمها الحركة المؤيّدة لفلسطين في هولندا، التي تهيمن عليها حماس.
وفي روتردام، وافق نداء رسمياً على الانضمام إلى ائتلاف يساري إسلامي تعاونت فيه الأحزاب اليسارية الراسخة (حزب الخضر، وحزب العمل، والحزب الاشتراكي) مع نداء في محاولة لتجنّب وصول حزب محلي شعبوي إلى السلطة. ولتحسين صورة الائتلاف، نفى نداء نور الدين الوالي، رئيس حزب، وجود اتصالات “دافئة” مع اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، الفرع الهولندي لحزب العدالة والتنمية التركي.
غير أن الواقع مختلف. فقد دعم اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين نداء في الانتخابات، وكان أحمد يلدريم، العضو السابق في مجلس اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، مرشحًا لمجلس مدينة روتردام عن نداء. وترشّح عن نداء أيضاً الهولندي الذي اعتنق الإسلام عباس فان نوبن، وهو نائب رئيس مجلس إدارة مركز الوسطية أيضا. وثمة مرشّح ثالث، هو علي عزوزي، كان مساعداً شخصياً لطارق رمضان عندما عمل الأخير أستاذاً زائراً بجامعة إيراسموس في روتردام.
احتفظ نداء بمقعديه في انتخابات مجلس مدينة روتردام، ولكن طغى عليه نجاح دنك. فقد حصل دنك، الذي يشارك في الانتخابات المحلية للمرة الأولى، على أربعة مقاعد، بما فيها مقعد لزعيم دنك وعضو البرلمان توناهان كوزو. وأعلن كوزو أنه سيشغل مقعده في مجلس المدينة لمدة ستة أشهر على الأقل.
البحث عن الروح
لم تتعلّم الأحزاب اليسارية السياسية من أخطائها في الماضي بالسماح للإسلاميين بالترشح عنها. ولا يزال التحالف اليساري الإسلامي فاعلاً في هولندا، كما هي الحال في العديد من البلدان الأخرى في أوروبا.
ففي روتردام، على سبيل المثال، استغلّ اليسار بمثابة أداة مفيدة عندما طالب نداء بالسماح للشرطيات المسلمات بارتداء الحجاب، في حين عارض ذلك مفوّض الشرطة في روتردام ورئيس بلدية المدينة أحمد أبو طالب. ويعدّ الضغط للسماح بالحجاب مؤشراً آخر على أن نداء قريب جداً من أيديولوجية الإخوان المسلمين.
إن تقدم أيديولوجية الإخوان المسلمين في السياسة الهولندية المحلية والإقليمية والوطنية، يدلّ بوضوح على أن معظم السياسيين الهولنديين ليس لديهم في الواقع أدنى فكرة عما يجري. اليسار متعامٍ عن طيب خاطر، بينما تسمح الأحزاب السياسية السائدة بنموّ أيديولوجية الإخوان المسلمين التي تروّج لها في هذه الأيام جماعتا ديانة وملي غوروس التركيتان، بالإضافة إلى دنك ونداء، باستخدام مؤسساتها السياسية.
لقد حان الوقت لكي تقوم هولندا ببعض البحث عن الروح.
رابط الموضوع
The Growing Influence of the Muslim Brotherhood in the Netherlands