اعتمد النظام الإيراني عقب ثورة 1979 على نمط يشبه نظام سلفه من ناحية شكل السلطة؛ المتمثلة في توريث المناصب العليا في الدولة، محاولاً من خلال تلك الآلية تثبيت دعائم حكم آيات الله وأبنائهم من بعدهم، وتكريس المناصب التنفيذية الرفيعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحساب أبناء الطبقة الأوليغاركية الجديدة، سواء الذين بقوا في الحوزة الفقهية أو حتى أولئك الذين فضلوا الانتقال من الحوزة إلى السلطة؛ انطلاقًا من كون آيات الله هم من حوّلوا مجرى الأمور في الدولة الجديدة، وقادوا الثورة ضد الأسرة البهلوية المازندرانية (1925 – 1979).
وقبل الولوج إلى مباحث تلك الفرضية، يتعين وضع عدد من المحددات التي تساعد على تحريها وفهم سياقها التاريخي ومآلاتها السياسية.
أولاً: تنظر الطبقة الحاكمة في إيران حالياً -المكونة من رجال الدين- إلى الثورة الإيرانية نظرة مِلكية خالصة؛ فهم يرون أنهم هم الذين قادوا الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي (1941 – 1979) واعتمد عليهم قائد الثورة الخميني (1979- 1989) في تأليب المجتمع على الشاه، ويرون أنهم أصحاب النصيب الأكبر من قمع الشاه، خصوصاً في العقدين اللذين سبقا الثورة، وبالتالي فإنهم وأبناؤهم أحق بتولي زمام السلطة ومفاصلها في طول البلاد وعرضها، والأجدر بالقيادة من دون غيرهم من الطبقات الأخرى في البلاد.
ثانياً: ترى طبقة رجال الدين تلك أنه لاستمرار الحكم واستتباب السلطة يجب عليهم الاستعانة بالمدنيين والعسكريين، والتكنوقراط وتوظيف كل منهم في الموقع المناسب لإدارة البلاد وتطبيق رؤيتهم إزاء أصول الحكم، لكن هذه الطبقات الأخرى بالرغم من جدارتها لتولي الإدارة، في أمور المال والنفط والاتصالات وغيرها، فإنها تظل بالنسبة لرجال الدين بمثابة السكرتارية التي تطبق ولا تخطط، وتدير ولا تقود، ولا يمكن لها تولي القيادة في المناصب السيادية؛ لذلك يلاحظ المراقب للشؤون الإيرانية أن رجال الدين المعممين القادمين من الحوزة يجلسون من دون غيرهم على قمم أرفع المناصب الأمنية والإدارية مثل وزارة الاطلاعات أو وزارة الداخلية أو جهاز استخبارات الحرس الثوري، أو غيرها من المناصب التي يديرها رجال الدين بأنفسهم.
ثالثاً: إنه لاستمرار تطبيق رؤية رجال الدين في إدارة البلاد ووضع السياسات العليا لها داخلياً وخارجياً، فإنه يتوجب عليهم تعليم أبنائهم في الحوزة التي تخرجوا فيها، ثم إيفادهم في بعثات خارجية بجامعات الغرب والشرق للحصول على الشهادات الأكاديمية العليا، ومن ثم تأهيلهم لتولي السلطة من بعدهم، وهو ما حدث في الأسر المسيطرة على المناصب العليا في البلاد.
رابعاً: ساهمت منطلقات أيديولوجية تأسيسية عدة في رسم السياسة الإيرانية الجديدة عقب ثورة رجال الدين أو آيات الله في إيران، والتي انطلقت من الحوزة الدينية في قم ومشهد وأصفهان، وأحدثت تلك الأيديولوجيات فورانًا هائلًا في شكل السياسة الإيرانية الجديدة منذ 1979، وحتى تلك اللحظة، بما ساهمت به من تشكيل جديد لشكل السلطة الهرمي وما تلاه من محاولات لتوريث ذلك الشكل لأبناء آيات الله، اعتمادًا على نجاحهم الكبير في هدم نظام وإقامة نظام بديل له.
خامساً: أنتج التموضع الجديد لرجال الدين منصة رأوا من خلال إطلالتهم عليها أنه لا يجوز أن تتسع الدائرة حول السلطة أو المناصب العليا في الدولة لتشمل أشخاصًا آخرين غير هؤلاء الذين اعتبروا أنفسهم سدنة الدين وحماة عرين السياسة في ثوبها الجديد تحت سطوة رجال الدين وسلطتهم، فعكفوا على السلطة والحكم تحت راية نظرية «ولاية الفقيه» التي دشنها الخميني وأقنع بها من حوله من رموز الحوزة الدينية الذين رسموا المشهد السياسي في ذلك الوقت، ليكون مفصلًا على قياس الخميني وأتباعه من رجال الدين.
سادساً: دشن (آيات الله) بزعامة الخميني وخامنئي من بعده مشهدًا فكريًا وسياسيًا للسلطة بحيث لا يخرجون من ذلك المشهد بشكل نهائي ولا يمكن نزعهم منه إلا بخروج اجتماعي ضخم، واعتمدوا من خلال تثبيت ذلك المشهد على ظاهرة توريث المناصب لأبنائهم وذويهم ممن تخرجوا في الحوزة الدينية التي أصبحت بمثابة المؤهل الفكري والسياسي لتولي المناصب التنفيذية العليا في الدولة الإيرانية الجديدة بعد أحداث شتاء 1979.
سابعاً: عمل (آيات الله) على إحداث نوع من التشابه بين الثيوقراطية السياسية والملكية، فاستخدموا الحوزة الدينية في قم ومشهد لترسيخ فقه السلطة؛ فأصبح اقتران الابن بالحوزة الدينية هو الطريق إلى السلطة والمناصب العليا والتنفيذية، بداية من منصب المرشد رأسًا وحتى أصغر مسؤول تنفيذي في الدولة الإيرانية، ولقد تسببت تلك الحالة باحتدام الجدل الدائم حول مصير موقع السلطة الدينية التي يأتي على رأسها المرشد الأعلى علي خامنئي، حيث تثار التكهنات من وقت لآخر عن سعي خامنئي لتوريث منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية لنجله مجتبى، الذي يسيطر على بيت القيادة[2]، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين الأوساط السياسية والفكرية في إيران، وأظهر نوعًا من الارتباك حول فكرة التوريث التي حاربها آيات الله أنفسهم عندما ثاروا على الملكية، مما أوقعهم في شراك التناقض السياسي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي سواء بسواء.
توريث المناصب في نظام ولاية الفقيه
عمل الخميني على تشكيل نظام سياسي جديد يقوم على أسس دينية غيبية تستند في أصولها على نظرية سمّاها «ولاية الفقيه»، واعتبار الدولة كياناً متصلاً بالإمام المعصوم الغائب من خلال قيادة الولي الفقيه؛ الذي يعد نائب الإمام الغائب في عصر الغيبة. ويقوم التبرير العقلي لتلك النظرية على الحاجة إلى إمام أو حاكم يدبر أمر الأمة ويحفظ نظام البلاد في إطار هذا الولي الفقيه[3].
من هذا المنطلق كان هناك دافع سياسي وراء تدشين تلك النظرية على يد الخميني، ويقوم ذلك الدافع على أولوية رجال الدين أو آيات الله من رجال الحوزة وأحقيتهم في حكم الدولة الإيرانية الجديدة. ولقد أسس الخميني بتلك النظرية لصعود رجال الدين وآيات الله إلى سدة الحكم، كما زاد في الإمعان في تلك الظاهرة من حيث إنه جعل آيات الله أصحاب القدرة الوحيدة على حكم البلاد على اعتبار أن حاكم الأمة سيكون هو الولي الفقيه الذي لا يجب إلا أن يكون رجل دين.
كرس الدستور الإيراني الجديد الذي دُشن العام 1980 الدافع السياسي لنظرية ولاية الفقيه، إذ جعل الحكم شرطًا وحكرًا على أحد آيات الله ممن تتوافر فيه الشرائط المطلوبة والمتفق عليها لحكم الدولة وإمامة الأمة. فيقول الدستور في مادة ولاية الفقيه: «تمشيًا مع ولاية الأمر والإمامة، يهيئ الدستور الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط الذي يعترف به الناس قائدًا لهم»[4].
من هذا المنطلق كانت هناك شروط لا بد أن تتحقق في الولي الفقيه كي يستطيع أن يحكم، لكن المهم أن الحاكم سيكون أحد آيات الله من رجال الدين الذين تعلموا في الحوزة، وهو من سيكون بيده الحل والعقد وصاحب القرار في الأمور كلها، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك. بل لقد أعطى الخميني للحاكم في نظرية ولاية الفقيه تلك صلاحيات واسعة في إدارة الدولة وإمامة الناس، فيرى أن الحاكم في ظل ولاية الفقيه يملك من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول، وأمير المؤمنين كذلك فوض لذلك الحاكم ما كان للرسول وأمير المؤمنين من أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات وتعيين الولاة والعمال، وجباية الخراج، وتعمير البلاد[5].
عمد الخميني إلى تثبيت دعائم وأركان حكم رجال الدين، بحيث لا يمكن عزل الولي الفقيه الحاكم في الدولة الجديدة، فوضع شرطًا مهمًا لبقاء ذلك الولي الحاكم يتمثل في أن «ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم، لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية»[6].
على هذا الأساس حظي آيات الله بوضع استثنائي في ظل ولاية الفقيه، كنوع من البشر هم وحدهم المؤهلون للحكم والإمامة في إيران، وزاد على ذلك أنه لا يجوز إقصاؤهم عن الحكم كونهم الأعرف والأدرى بالشؤون العامة للناس. وقد تمثل فكر الخميني الذي انتهى إلى حكم آيات الله أو الفقهاء إلى ما سمي في مرحلة لاحقة باسم «الحكومة الإسلامية» كتطور آخر في فكر الخميني السياسي، إذ انتقل الخميني من تبني فكرة وجود مجلس من الفقهاء المستشارين لمساعدة الحاكم على توفيق قوانينه مع أحكام الشريعة إلى فكرة الحكومة الإسلامية التي يكون فيها الحاكم ونخبته من رجال الدين[7]. وهو ما كرس لاستمرار بقاء رجال الدين على قمم السلطات المهمة في الدولة حتى تلك اللحظة وأبرزها منصب المرشد الأعلى لإيران.
وضع الخميني ضوابط لإقامة تلك الحكومة الإسلامية، التي لا بد أن تكون أولى دعائمها أن يقوم دستورها على الإسلام بنسبة كاملة، وقد وضع مجلس خبراء الدستور الذي شكله الخميني دستورًا للبلاد، أوجد من خلاله منصب القائد الأعلى ومنحه للخميني، وتم منحه السيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية والحق في رفض المرشحين للمناصب. كما أقر الدستور بانتخاب رئيس جديد يتمتع بصلاحيات أضيق، وقد أصبح الخميني نفسه بمثابة رئيس أعلى للدولة مدى الحياة باعتباره قائد الثورة أو الولي الفقيه[8].
من أجل كسب معركته السياسية أفضت أفكار الخميني إلى ضرورة إرساء قاعدته السياسية على أساس ديني، فراح يمهد لنظريته السياسية عن طريق إقناع المواطنين أنه سيحكم بالفقه، فقال: «إن الهدف الأساسي هو كيف نحكم الأصول الثابتة للفقه في عمل الإنسان والمجتمع، ونتمكن من الحصول على أجوبة لكل المشكلات، وهذا ما يخشاه الاستكبار أي أن يكون للفقه والاجتهاد بعد عيني وعملي»[9].
عليه وضع الخميني الحماس الثوري الذي كان سائدا في تلك الأثناء أمام أمرين: أولهما، رفض الفكرة، وبذلك يرفض تطبيق الفقه أو الدين بمعنى أدق في حياة المواطنين. وثانيهما، القبول حتى يواجه الاستكبار العالمي المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت.
ومع اشتداد الحماس (الثوري) انتصرت إرادة الخميني في تمرير مشروعه الفكري المتمثل في الحكم كغاية من وراء نظرية «ولاية الفقيه».
استند الخميني في سعيه إلى الحكم من خلال «ولاية الفقيه» على ذريعة أن النبي محمد (ص) لم يكن مجرد موجه روحي، بل رجل إدارة، منفذ للعدالة، وزعيم سياسي، وهو ما كان له أبلغ الأثر في مؤلفه الشهير الأكثر تأثيرًا «الحكومة الإسلامية» وهو الكتاب الذي يحوي نظريته عن الولي الفقيه التي سعى من خلالها لتكريس تولي السلطة السياسية بشكل مباشر من قبل رجال الدين وأبنائهم من بعدهم[10]. بالتالي يمكن التوصل إلى أن الخميني أحدث بأفكاره تلك تغيراً في عالم الحكم والسياسة الشيعية، وغيَّر الكثير من المفاهيم التي كانت تتبناها الحوزة الدينية فيما يتعلق بالحكم. فقد كان رجال الدين القابعين في الحوزة مؤمنين بضرورة تجنب الدخول في السياسة؛ لأن الاتجاه الفكري الغالب للحوزات الدينية كان يقوم على أنهم يجب أن ينتظروا ظهور الإمام المهدي الموعود لتشكيل الحكومة الإلهية، لكن الخميني غير ذلك المنهج تمامًا وأسس حكومة دينية كان يرى أنها تحضر الأرضية لظهور المهدي المنتظر من خلال ذهاب رجال الدين وأبنائهم مباشرة إلى المناصب التنفيذية[11].
على هذا الأساس أحدثت أفكار الخميني صدى كبيراً في الأوساط السياسية والدينية في إيران، وجعلت رجال الدين في مرتبة علياً، على اعتبار أنهم من سيأخذون على عاتقهم تشكيل الحكومة الإسلامية التي ستكون تمهيدًا لظهور الإمام المخلص أو المهدي المنتظر طبقًا للفكر السائد عنده، وستقوم تلك الحكومة الإسلامية بشكل أساسي على رجال الدين أو آيات الله ومن ثم أبنائهم خلفا لهم.
وبذلك يكمن الدافع الرئيس والأساسي من بناء الخميني لنظريته عن ولاية الفقيه، في بسط السيطرة السياسية والنفوذ الوظيفي من خلال اعتلاء سدة الحكم، علاوة على ضمان عدم النزول عن الحكم أيضًا كون المرشد أو الولي الفقيه حاكمًا حتى وفاته ولا يجوز عزله بأي حال من الأحوال، وبطبيعة الحال لن يتحقق هذا الغرض إلا من خلال توريث المناصب العليا في البلاد إلى أبناء أولئك الذين تولوا زمام السلطة منذ فبراير (شباط) 1979.
آلية انتقال أبناء الآيات من الحوزة إلى السلطة
تقوم الحوزة العلمية في إيران بدور في غاية الأهمية، ويكمن دورها الكبير في تأهيل الشباب من مريدي العلم الديني والفلسفي، فضلًا عن تأهيل بعضهم لتولي مواقع المسؤولية في المناصب التنفيذية العليا في إيران فيما بعد ثورة 1979، إذ تعمل الحوزة على إخراج جيل جديد من آيات الله لتولي تلك المسؤولية أو من أبناء آيات الله للحفاظ على ميراث الآباء السياسي.
زرعت الحوزة الدينية في طلاب العلوم الدينية الكثير من الأفكار التي ساروا عليها في طريقهم للجلوس على مقاعد السلطة الوثيرة، وقد تبلورت تلك الأفكار في أن شأنهم أعلى من غيرهم نظرًا لدراستهم الدينية التي تؤهلهم لأن يكونوا أفضل من غيرهم بكثير، ونظرًا لما يمتازون به من صفات تؤهلهم للعمل السياسي والإعلامي، ومن أبرز تلك الصفات أنهم على درجة كبيرة من النقاء والمظلومية وأنهم أعطاهم الله الطهر وإرادة الآخرة[12].
مثلت تلك الصفات دعائم قوية دفعتهم ـطبقًا لأفكار من علموهم- لأن يكونوا زاهدين في الدنيا وإرادة التملك، وهي صفات كفيلة بأن تؤهل الباحث في العلوم الدينية لتولي المناصب السياسية العليا في الدولة[13].
يتمثل الدور المهم للحوزة في كونها رأس المؤسسة الدينية في إيران، وفيها وحدها يتم الاعتراف بتقليد المراجع الشيعية ودرجاتهم التي تتفاوت فيما بينهم بحسب ما تحصله أحدهم من العلوم. فتلك المؤسسة الدينية تتألف من الفقيه وهو رأس المؤسسة، وهناك آيات الله العظمى والمجتهدون الذين يأتون بعد الفقيه بالمرتبة الدينية، ثم ما يسمى بـ«حجة الإسلام»، وهناك الملالي الصغار وطلاب المعاهد الدينية، إضافة إلى شبكة الجوامع وأئمتها[14].
وبما أن الدستور أقر بولاية الفقيه واعترف بها كونها الركن الأساسي في مسألة الحكم في إيران، وكون الحكم هو الدافع الأساسي وراء نظرية ولاية الفقيه، فإن إدارة الدولة تعتمد بشكل أساسي على طلاب الحوزة الدينية الذين تدرجوا في مراتب العلم المختلفة، فيتم الدفع بهم في العديد من المناصب التنفيذية العليا، ولذلك يرى المراقب للشؤون الإيرانية أن رجلاً مثل آية الله صادق آملي لاريجاني، نجل آية الله لاريجاني قد أصبح واحداً من الرجال الكبار في الدولة الإيرانية في السنوات العشر الأخيرة.
تعتبر المؤسسة الدينية (الحوزة) هي السلطة المؤسسة التي تهيمن على جميع مؤسسات الدولة الأخرى وتتحكم في تشكيلها واختصاصاتها الداخلية والخارجية، بمعنى أن المؤسسة الدينية تعنى -بكل وضوح -بتركيز انخراط جميع رجال الدين في كل المؤسسات سواء كانت الدينية (العتبات المقدسة – المزارات – الجوامع) أو غيرها من المؤسسات المدنية والسياسية الأخرى، مما يجعل من رجال الدين أو مراجع التقليد محتكري الاجتهاد الديني والسياسي في آنٍ معا[15].
اعتمد رجال الدين في الحوزة –في مسألة التدريب على السياسة والحكم– على الكثير من كلمات الخميني التي جاءت معبرة عن ذلك السياق وتعاليمه التي بثها في الحوزة العلمية في النجف خلال فترة منفاه. فدعا للقضاء على الحاجز بين السياسة والدين، فقد وصف مسؤولية رجال الدين قائلًا: «قدموا الإسلام للناس في شكله الحقيقي حتى لا يتصور شبابنا أن وظيفة رجال الدين أن يجلسوا في أحد أركان النجف أو قم لتدريس أمور الحيض والنفاس بدلا من شغل أنفسهم بالسياسة. إن شعار فصل الدين عن السياسة ومطالبة علماء الإسلام بعدم التدخل في الشؤون الاجتماعية والسياسية قد صيغا وانتشرا بفعل الاستعمار، ولا يرددهما إلا غير المتدينين[16].
من هنا فقد كانت تلك الدعوة من الخميني مرجعًا مهمًا يستند عليه رجال الدين في الحوزة في تأهيل شبابهم من آيات الله وحائزي الدرجات العلمية المتفاوتة لشغل المناصب السياسية، فضلًا عن لجوء العديد من آيات الله لوضع أبنائهم على الدرجات الأولى من سلم التعليم في الحوزة، تمهيدًا لتنصيبهم في أرفع وأكبر المناصب السياسية في الدولة الإيرانية التي أسسها الخميني بعد الثورة الإسلامية.
ساهم الخميني بأفكاره تلك في تصعيد الكثير من رجال الدين الذين تعلموا في الحوزة في تولي الكثير من المناصب العليا في الدولة، بل وجعل لهم الكلمة النافذة في إدارة شؤون الدولة، مكنه من ذلك توسعته لنفوذه الخاص في السياسة الداخلية والخارجية خلال حرب العراق، فيما مهد الطريق لتولي رجال الدين دورًا مباشرًا في سياسة الحكومة والهيمنة على جميع أوجه اتخاذ القرارات في الدولة[17].
كانت للحوزة الدينية محاولات سابقة لوصل الدين بالسياسية حتى أيام الشاه محمد رضا بهلوي، خصوصاً بعد وفاة آية الله كاشاني (ت 1962). فقد أدرك رجال الدين في الحوزة الدينية في قم أن هناك محاولات من الشاه لفصل الدين عن الدولة أو السياسة بشكل نهائي، وهو ما يجعل الإسلام محصورًا في العبادات فقط، في حين أن الإسلام كما يعرفونه يغطي جميع أوجه الحياة، وفي المجتمع الإسلامي الحقيقي يكون دور العلماء والمتفقهين في الدين هو تفسير قوانين الدولة[18].
ساهمت الثورة الإيرانية نفسها، في إضفاء نوع من الأهمية الكبرى على الحوزة الدينية، كونها المتحكم الرئيس في الثورة من خلال دور رجال الدين في تلك الانتفاضة الجماهيرية الكبرى، التي باتت تتحرك تحت زعامة رجال الدين ووفق تصوراتهم، وأحدثت فارقًا كبيرًا في عالم السياسة الإيرانية، وبهذا الشكل وعندما أطيح بنظام الشاه ذهب النظام الجديد إلى هذه القيادة الدينية التي جاء رجالها من الحوزة الدينية مباشرة[19].
شكلت الحوزة الدينية وعي الكثير من آيات الله ورجال الدين، وجعلت مسألة الحكم والولوج إلى المناصب التنفيذية العليا أهم مآربهم، وهو ما جعل الحوزة الدينية تقوم بأهم دور لها في تأهيل الكثير من ثقات الإسلام، وحجج الإسلام والمسلمين، وآيات الله[20] لتولي تلك المناصب الرفيعة، كما دفع آيات الله بأبنائهم لسلك الطريق نفسه ليكونوا على مشارف تولي السلطة في يوم من الأيام.
دافع الكثير من آيات الله وقادة الحوزة الدينية عن تأهيل الشباب لتوليهم الكثير من المناصب العليا، اعتمادًا على درجاتهم العملية والفقهية التي حازوها خلال دراستهم في الحوزة الدينية، إذ خرج منهم «الروحانيون» الذين من المقرر أن يقودوا المجتمع دينيًا وسياسيًا، غير أن هؤلاء الروحانيين يتصفون بصفات تؤهلهم لذلك، وأبرزها أنهم من يستطيعون أن يساهموا في إزالة الفقر من البلاد، بالإضافة إلى أن رجل الدين يستطيع جمع الناس تحت لواء واحد وهو وطني غيور ويسعى لمطاردة الأجانب والمستعمرين الذين يسرقون خيرات الوطن ويريدون له التأخر والانحطاط[21]. بالتالي بات رجال الحوزة يروجون أن خريجي الحوزة الدينية ومن تتوافر فيهم تلك الصفات، هم أجدر الناس بالمسؤولية السياسية مهما عظمت ومهما كانت تدابير اتخاذ القرار فيها تجري على نحو شديد الخصوصية وبالغ التعقيد.
لم ترض الحركة الدينية –متمثلة في الحوزة وتعاليمها– بأن تكون مجرد أداة سياسية ساهمت في إسقاط نظام الشاه فقط، بل كانت طموحة لأن تتسلم السلطة وتقيم نظامها وهو نظام الإسلام حسب مفاهيمها، وأن تجعل من رجالها أصحاب نفوذ بالغ في السلطة والسياسة في إيران[22].
ساهمت تلك الأفكار في إقبال شديد على الدراسة في الحوزة الدينية في أعقاب الثورة الإيرانية، وبالتحديد في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، إذ زاد عدد المقبلين على الدراسة في الحوزة إلى ما بين (10): (13) ألف طالب في المدرسة أو الكلية الدينية، وهي أرقام كبيرة في إطار تلك الفترة التي أعقبت نجاح الثورة الإيرانية مباشرة، كما ساهم ذلك في إيجاد تنظيم ضخم حول الزعامة الدينية من طلاب وخريجي هذه الحوزة الذين تقلدوا المناصب في الحكومة الجديدة، وبالتالي لم يعد من الممكن الفصل بين أيديولوجياتهم ومصالحهم الشخصية المتمثلة في ضرورة استدامة ذلك النظام[23].
أصول ظاهرة الإرث الوظيفي لأبناء آيات الله
كرس الخميني وجود آيات الله وأبنائهم من الفقهاء في السلطة، ومكنهم من اعتلاء المناصب العليا، فجعل الفقهاء على رأس الحكومة الإسلامية حتى لو كان لها حكام من غير رجال الدين، فهؤلاء الحكام وإن كانوا على جانب من التدين فما عليهم إلا أن يصدروا أعمالهم وأحكامهم من خلال الفقهاء[24].
لذلك فقد كانت تلك السمات من المعطيات التي مهدت لأبناء آيات الله ممن تم وضعهم على سدة الحكم في المناصب التنفيذية لتكريس توارث تلك السلطات، وشرعوا في الحفاظ على ذلك الإرث السياسي، فباتت السمة الغالبة أن أبناء آيات الله ممن تعلموا في الحوزة الدينية لا بد أن يكونوا في مناصب رفيعة في الدولة الإيرانية كآبائهم من آيات الله.
برزت أسماء عدة لامعة في المجال السياسي والثقافي الإيراني من أبناء آيات الله ممن تولوا مناصب تنفيذية عليا في الدولة، وهو الأمر الذي كان يطلق عليه في إيران اسم «أغا زاده» أي «أبناء الأغوات» وهم كبار مسؤولي الحكومة والنظام، منذ التسعينيات والذين ورثوا تلك المناصب السياسية عن آبائهم، فضلًا عن كونهم يتحكمون في الاقتصاد والبورصة وغيرها من الأماكن الحساسة في الدولة، وكانت هذه التسمية تطلق على الشباب من ذوي النفوذ والتأثير والروابط الأسرية مع قادة النظام. حتى إن انتقادات وجهت إلى ابن نائب الرئيس، محمد رضا عارف[25] بعد لقائه ببرنامج تلفزيوني قال خلاله: إن نجاحه في الحياة كان نتيجة «جينات جيدة»[26].
جلبت تلك الواقعة الكثير من الانتقادات لتأثير نفوذ أبناء آيات الله في مواقع السلطة والنفوذ، اعتمادًا على آبائهم أو ممن تجمعهم بهم روابط أسرية في مواقع السلطة، وبرهنت على أن الكثير من القادة النافذين في السلطة من رجال الدين أو آيات الله سهلوا لأبنائهم الحصول على الكثير من الامتيازات التي لم تكن متاحة لغيرهم، سواء كانت تلك الامتيازات مادية أو معنوية باعتلائهم كراسي السلطة في المواقع النافذة، بالرغم من أن رضا عارف لم يكن يوما أحد رجال الحوزة الدينية، غير أن القياس السياسي على درجة نفوذ رجال الدولة عنى أن رجال الدين الذين هم أقوى من التكنوقراط والسياسيين العاديين، يمكنهم تأمين دور أكثر نفوذا لأبنائهم من أمثال أبناء رضا عارف.
تسببت ظاهرة أبناء الأغوات في انتشار استخدام مؤسسات الدولة للاستثمار في أشكال جديدة من السلطة والامتيازات، وشمل ذلك السيطرة على الموارد الطبيعية وخاصة إيرادات النفط والغاز، إلى جانب البناء والتجارة، وبرز مفهوم «أغا زاده» في هذا السياق لتصوير الشبكات الأسرية الحديثة النخبوية الإسلامية، وخاصة تلك التي لها خلفيات عائلية[27].
ومن النماذج الأساسية إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية حاليًا، الذي يعد من ضمن أبرز الأسماء في بورصة المرشحين لخلافة المرشد الحالي، وهو أيضًا ابن أحد أبرز علماء حوزة مشهد، وقد تعلم في الحوزة وانتقل إلى حوزة قم، ثم دخل السلك الجامعي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ونال شهادة الدكتوراه فرع «الفقه والمبادئ قسم الحقوق الخاصة»[28].
من أبرز النخب التي تمثل ذلك النموذج اللافت لهذه الظاهرة، هي أسرة لاريجاني من أبناء الميرزا هاشم آملي، والذين يسيطرون على مقاعد أكبر المناصب التنفيذية في مؤسسات عدة مهمة، أبرزها القضاء ومجلس حقوق الإنسان وقبلها رئاسة البرلمان وغيرها من المؤسسات الأخرى، ليس أهمها رئاسة أحدهم مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليا.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن هادي خامنئي وهو الأخ غير الشقيق للمرشد الحالي كان عضوًا في مجلس الشورى السادس بإيعاز من المرشد، علاوة على أن هذه «العائلية» في المناصب الإيرانية التنفيذية تعد مصدرًا مهما من مصادر الإفساد السياسي. وقد برزت إحدى أهم قضايا الفساد التي اتصلت بمرتضى دوست شقيق محسن دوست أول وزير للحرس الثوري والرئيس الأسبق لمؤسسة المستضعفين[29].
أما المثال الأخير الدال على تلك «النخبوية الأسرية» فهي شخصية حسين شريعتمداري، وهو رئيس تحرير صحيفة كيهان المحسوبة على التيار المحافظ، والذي يتولى المرشد شخصيًا أمر تعيين رئيس تحريرها[30]. وهو كذلك أحد أبناء عائلة شريعتمداري، التي تقلد الكثير منها مناصب رفيعة في البلاد[31].
وهكذا فقد كانت النخبوية في إيران متمثلة في عائلات بعينها تتدرج في المناصب التنفيذية على أكتاف ذويهم أو آبائهم من رجال الدين الذين درسوا في الحوزة، محاولين بكل جهد التشبث بالسلطة والمناصب التنفيذية الرفيعة التي تقترب كثيرًا من المرشد ومواقع الحرس الثوري النافذة، لضمان البقاء لفترة أطول على مقاعد السلطة أيًا كان وضعها، فضلًا عن إتاحة إمكانية توريث تلك المناصب لأبنائهم وذويهم لضمان استمرار تلك النخبوية الأسرية.
التوريث المحتمل للولي الفقيه الثالث
بات منصب المرشد الأعلى الثالث للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو أبرز تجلٍ في مسألة توريث الحكم لآيات الله وأبنائهم أو ذويهم من بعدهم، في ظل وجود تكهنات بتجهيزات في الظل لتصعيد مجتبى خامنئي، نجل المرشد الحالي علي خامنئي لتولي منصب أبيه حال وفاته، أو تصعيد إبراهيم رئيسي نفسه إلى المنصب الأرفع بالبلاد، وفي كلتا الحالتين يكون المرشد الثالث المحتمل هو نجل أحد آيات الله.
يبرز اسم مجتبى خامنئي كونه أحد رجال الدين، وقد تعلم في حوزة مدينة مشهد الدينية، وهو رجل دين مثل والده، فضلًا عن كونه يتمتع بسلطة كبيرة داخل الدوائر الأكثر قرباً من والده، بما في ذلك في مكتب المرشد الذي يشرف على الهيئات الدستورية[32].
لعل هذا التموضع الذي يظهر فيه مجتبى يرجح من صحة فرضية توريث آيات الله السلطة لأبنائهم ممن تعلموا في الحوزات العلمية من منطلق الحفاظ على ذلك الإرث السياسي الذي يجلب المنافع المادية والمعنوية. ومن أجل ذلك فقد روج التيار الأصولي المتشدد أن مجتبى كان يتلقى علوم الحوزة على يد والده خلال السنوات الأخيرة، كما بدأ يدرس «فقه الخارج» في حوزة قم، وهي شروط لنيل درجة «الاجتهاد» كإحدى صفات المرشد وفقًا للدستور الإيراني[33].
تفيد تقارير عدة بأن المرشد نقل صلاحياته كاملة إلى نجله مجتبى الذي تصفه بعض الدوائر الإعلامية الإيرانية بأنه المسؤول عن بعض السلطات الأمنية والاستخباراتية في إيران[34]. ما أثار الكثير من التكهنات حول ولوج مجتبى نجل خامنئي إلى الكثير من الدوائر السياسية الحساسة، التي جعلته من أقرب المقربين إلى والده، مما دعاه لأن ينقل إليه صلاحياته. سهل الدعم الكبير من خامنئي لنجله مجتبى أن يمثل والده بصفة رسمية في الكثير من المناسبات، على الرغم من أنه لم يتم انتخابه أو تعيينه في منصب حكومي، باستثناء عمله في مكتب والده، لكن ما دعم ذلك عمل مجتبى عن قرب مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب عمله مع الباسيج، لتعزيز طموحات والده وأهدافه المحلية والإقليمية[35].
برزت السمة الغالبة على مسألة توريث السلطة في الكثير من المناصب العليا في إيران، حيث اتخذ الكثير من المسؤولين ذلك الوضع ذريعة لتصعيد أبنائهم وذويهم بدلًا منهم، وحتى لا تخرج دائرة السلطة عنهم، وكأن مسألة التوريث لم تكن حكرًا على العهد الشاهنشاهي في إيران فقط، بل امتدت إلى نظام أطلق على نفسه اسم «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وابتعد كثيرًا عن مبادئ الجمهورية التي تتطلب تداول السلطة المنتخبة وليس تصعيد أبناء المسؤولين.
كانت تلك الأفكار مثار مناقشات داخل دوائر رجال الدين في إيران، ففي ظل الكثير من المعلومات التي تثار حول نقل المرشد صلاحياته كاملة إلى نجله مجتبى الذي بات في حكم ولي العهد بالنسبة لموقع المرشد، وذلك بعد أن تجاوز عمره الـ(50) عامًا فضلًا عن نفوذه وتأثيره على مكتب المرشد الأعلى، لكن الكثير من رجال الدين رأوا أن ولاية مجتبى تتطلب أن يكون خامنئي على قيد الحياة وأن يترك منصبه ويضع مجتبى مكانه، وهو ما قد يثير حفيظة الكثير من النخب الرافضة لعودة ممارسات العهد الملكي وأبرزها فكرة التوريث[36].
من خلال تلك المعطيات، بات مصير منصب المرشد في إيران مثار قلق بالغ لدى الكثير من الأوساط الإيرانية، سواء كانت تلك التي تضم المحافظين أو حتى أنصار التيار المحافظ، إذ يسعى فريق كبير من آيات الله إلى رفض تلك الفكرة، على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الأمنية النافذة التي ترى ضرورة تصعيد مجتبى خامنئي، في ظل مرات متكررة سبق أن أسند إليه والده فيه صلاحيات المرشد كافة كلما عانى من شدة المرض.
الخاتمة
آمن الخميني بضرورة أن يكون هناك نظرية جامعة مانعة تجمع كل أطياف الشعب الإيراني الذي التف حول رجال الدين في ثورتهم التي أسقطت نظام الشاه محمد رضا بهلوي وطوت صفحة الملكية السياسية في إيران، وأعلنت قيام الجمهورية الإسلامية في فبراير (شباط) 1979، لكن الأزمة تكمن في أن الأسلوب الذي اتبعه الخميني كانت له تبعات كثيرة على أسس بناء تلك الجمهورية الجديدة، ومن خلال العرض أعلاه يمكن التوصل إلى عدد من النتائج التي تمخضت عنها تلك الفرضية، ندرجها على النحو الآتي:
كانت أبرز تلك التبعات التي رسمت السياسات العامة لإيران اعتماد أجنحة الحكم في الجمهورية الجديدة على الحوزة الدينية، على اعتبار أن تلك الحوزة هي مفرخة الكوادر التنفيذية للحكومة، وقد لعبت حوزة قم الدور الأبرز في تخريج شبان قادرين على الصعود لمواقع المسؤولية السياسية في الدولة الجديدة، خاصة من أبناء رجال الدين الذين تولوا -بدورهم- السلطة في البلاد.
تطلع الكثير من رجال الدين ممن تولوا مناصب عليا في الدولة إلى إلحاق أبنائهم بالحوزة الدينية حتى يكون لهم الأولوية في تولي المناصب السياسية في الدولة خلفًا لآبائهم، وبالتالي بات توريث المقاعد السياسية هو السمة الغالبة على شكل المجتمع الإيراني الحديث اعتمادًا على نظرية «ولاية الفقيه» التي دشنها الخميني وباركها عدد من رجال الدين من بعده، وباتت القاعدة الرئيسة التي أقيم عليها النظام الإيراني الجديد.
تجلت مسألة توريث الحكم في أرفع المناصب الإيرانية على الإطلاق وهو منصب المرشد الذي بات في قبضة مجتبى نجل المرشد الحالي الذي بات يسند له الكثير من الصلاحيات، والذي يطمح في أن يجلسه محله على كرسي المرشد الثالث؛ راميا من وراء ذلك تأمين نفوذ عائلة خامنئي في الدولة وتحقيق الغرض الاستراتيجي الأقرب، وهو تولي نجل أحد أبناء آيات الله المنصب الأرفع في الجمهورية الإسلامية.
ينظر الكثير من المراقبين في مجتمع خبراء الشؤون الإيرانية إلى إبراهيم رئيسي كونه أحد أهم المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية أو لمنصب الولي الفقيه الثالث، وفي حال حدوث ذلك يصبح أحد أبرز أبناء رجال الحوزة الذين حافظوا على تموضع عالي المستوى في الجمهورية الإسلامية، بدءا من توليه منصب سادن العتبة الرضوية، ثم رئاسة السلطة القضائية، وانتهاء بالمنصب المنتظر.
تسببت ظاهرة توريث المناصب لأبناء رجال الدين بالنظام الإيراني في انتقادات حادة وجهتها الدوائر السياسية الداخلية والخارجية للنظام، وأصبحت نقطة ضعف مركزية يستخدمها خصوم النظام -على كثرتهم- للطعن في مشروعيته وللنيل من توافقه مع قيم الجمهوريات الحديثة.
[1] باحث مصري، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية «أفايب».
[2] بيت القيادة اصطلاح يشار به إلى المؤسسة التي تجمع بين مكتب المرشد والحرس الثوري معاً، ويتحكم فيها حجة الإسلام والمسلمين مجتبى خامنئي نجل المرشد الحالي علي خامنئي.
[3] هيثم مزاحم، الدين والدولة في إيران.. أثر ولاية الفقيه على السياسات الداخلية والخارجية، مجلة الدراسات الإيرانية، مركز الخليج للدراسات الإيرانية، العدد الخامس، 2017، الرياض، ص11.
[4] دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية شاملًا تعديلاته حتى عام 1989، ترجمة: المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، ص5، على الرابط الآتي:
https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar
[5] الخميني، الحكومة الإسلامية، دروس فقهية ألقاها الخميني على طلاب علوم الدين في النجف الأشرف، العراق، د. ت، ص49.
[6] المرجع السابق، ص51.
[7] نيفين مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية الإيرانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2001، ص50.
[8] محمد صادق إسماعيل، من الشاه إلى نجاد إيران.. إلى أين؟، دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، بدون، ص90.
[9] عباس نور الدين، ولاية الفقيه في العصر الحديث، مركز باء للدراسات، بيروت، ط1، 2009، ص26.
[10] راي تقية، إيران الخفية، ترجمة: أيهم الصباغ، دار العبيكان، بيروت، ط1، 2010، ص24.
[11] عماد أبشناس، ما بعد الإسلام السياسي.. النموذج الإيراني، بحث ضمن «ما بعد الإسلام السياسي مرحلة جديدة أم أوهام أيديولوجية» (مجموعة مؤلفين)، تحرير: محمد أبو مازن، مؤسسة فريدرش إيبرت، عمان، 2018، ص174.
[12] صدر الدين القبانجي، الحوزة العلمية في المعترك الثقافي والسياسي، إعداد وتحقيق: مؤسسة إحياء التراث الشيعي، النجف الأشرف، ط1، 2008، ص64.
[13] المرجع السابق، الصفحة نفسها.
[14] نبيل العتوم، إيران والإمبراطورية الشيعية الموعودة، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، السعودية، 2013، ص54.
[15] المرجع السابق، ص54 و55.
[16] مهدي نور بخش، الدين والسياسة والاتجاهات الأيديولوجية المعاصرة في إيران، بحث ضمن «إيران والخليج البحث عن الاستقرار» (مجموعة مؤلفين) تحرير: دكتور جمال سند السويدي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، ط1، 1996، ص42.
[17] المرجع السابق، ص46.
[18] محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله، دار الشروق، القاهرة، ط1، ص114.
[19] السيد زهرة، الثورة الإيرانية الأبعاد الاجتماعية والسياسية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1985، ص138.
[20] ثقة الإسلام، وحجة الإسلام والمسلمين، وآية الله، درجات علمية تمنح من خلال الحوزة الفقهية الدينية، تضاهي -نوعا ما- الدرجات الأكاديمية في الجامعات العادية.
[21] السيد الحسيني الشيرازي، إلى الحوزات العلمية، دار الهدى، قم كذرخان، ط1، 1404 هـ، ص45 و47.
[22] سامي ذبيان، إيران والخميني.. منطلقات الثورة وحدود التغيير، دار المسيرة، بيروت، ط1، 1979، ص183.
[23] المرجع السابق، ص141.
[24] نيفين مسعد، صنع القرار في إيران، ص55.
[25] ولد البروفيسور محمد رضا عارف يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) 1951، في محافظة يزد، وهو مرشح رئاسي، وسياسي إصلاحي تولى عددا من المناصب البارزة في الدولية الإيرانية، أهمها منصب نائب الرئيس في الولاية الثانية للرئيس محمد خاتمي. المصدر: الصفحة الرسمية لمحمد رضا عارف على جامعة شريف التكنولوجية على الإنترنت. على الرابط الآتي:
http://ee.sharif.edu/~aref/biography.html
[26] الإيرانيون غاضبون من بذخ أبناء حكامهم في ظل التقشف، موقع العربية نت، 15 يناير (كانون الثاني) 2019، على الرابط الآتي:
https://www.alarabiya.net/iran/2019/01/15/الايرانيون-غاضبون-من-بذخ-أبناء-حكامهم-في-ظل-التقشف?fbclid=IwAR31IokZuVFnmzzdvJ5Dvm1EsiUGjyN0Cgoyp8iNU08D0YCxKtryq-c2G8E
[27] «مستقبل النسوية.. قصص نساء من حول العالم»، (مجموعة محررين)، ترجمة: نانسي محمد، دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2019، ص334.
[28] السيرة الذاتية لإبراهيم رئيسي، الموقع الرسمي لمجلس خبراء القيادة على الإنترنت، على الرابط الآتي:
http://www.majlesekhobregan.ir/fa/MajlesMember/View/3224
[29] نيفين مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية- الإيرانية، ص183.
[30] حسين شريعتمداري.. السجل الأسود لبوق الإرهاب الإيراني، موقع العين الإخباري، 25 ديسمبر (كانون الأول) 2017، على الرابط الآتي:
https://al-ain.com/article/iran-hassan-terrorism-saudi
[31] سامي ذبيان، إيران والخميني منطلقات الثورة وحدود التغيير، ص82.
[32] من هم خلفاء المرشد المتوقعون؟، موقع بي بي سي عربي، 12 ديسمبر (كانون الأول) 2020، على الرابط الآتي:
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55274347
[33] حملة ترويج ضخمة.. هل سيرث مجتبى خامنئي عرش ولاية الفقيه؟، موقع العربية نت، 11 فبراير (شباط) 2021، على الرابط الآتي:
https://www.alarabiya.net/iran/2021/02/11/هل-سيرث-مجتبي-خامنئي-عرش-ولاية-الفقيه؟
[34] أول تعليق من إيران على تدهور صحة المرشد علي خامنئي، موقع صدى البلد، 7 ديسمبر (كانون الأول) 2020، على الرابط الآتي:
https://www.elbalad.news/4602974
[35] مسؤول الظل.. تعرف على نجل خامنئي «المعاقب أميركيا»، موقع سكاي نيوز عربية، 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، على الرابط الآتي:
https://www.skynewsarabia.com/world/1295550-مسؤول-الظل-تعرف-نجل-خامنئي-المعاقب-أميركيا
[36] كيريل دجافلاخ، خلافة خامنئي وأثرها في النخبة الحاكمة في إيران، إيران من الداخل، السياسات والإخفاقات (مجموعة مؤلفين)، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، 2018، ص27.