إبراهيم أمين نمر*
تُحدَّد توجهات الرأي العام في الشارع الفلسطيني لقراءة المشهد المستقبلي للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة -إن كتب لها الانعقاد والتوافق حولها- بين التيارت والأحزاب الفلسطينية المشاركة، والتي يعتمد فيها الساسة وصناع القرار وقادة الأحزاب والمراقبون على حمل أداة رئيسة محمل الجد، هذه الأداة تتمثل في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت التي تعتبر نتائجها مؤشراً قريباً جداً لاستشراف الصورة المستقبلية التي يحتكم إليها المتنافسون فيما بينهم، ويحددون خياراتهم وفرصهم والتحديات التي سيواجهونها، لتمثل صناديق الاقتراع لاختيار ممثل عن مجلس الطلبة فيها نموذجاً مصغراً عن تلك الانتخابات الرسمية، فهي بمثابة البارومتر الذي تقاس به قوة التنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية الأم.
تلك الجامعة العريقة التي أفتخر كوني أحد خريجيها، وكنت شاهداً على سنوات الانتخاب فيها، وملامساً لأرض الواقع عليها، تمثل الفئة الطلابية فيها شرائح المجتمع الفلسطيني كافة، سواء من الأرياف أو المدن الفلسطينية، أو مخيمات اللاجئين، الذين ينحدرون من مشارب أيديولوجية مختلفة وفق البيئة التي أحاطت بهم خلال تنشئتهم، والانتماءات التي تلقفوها.
جامعة بيرزيت: الواقع الجديد
من المعلوم للمتابع للشأن الفلسطيني أن الجامعات كافة تحدد وتحسم النتيجة فيها قبل خوض غمار الاقتراع عبر صناديقها، بشكل عام، بسبب الصبغة الحزبية التي أشرفت على تشكيلها ودعمها في العادة، وإن كانت مستقلة، فالميول تكون واضحة، لكن جامعة بيرزيت تمثل الأداة الأقرب جداً إلى الواقع الجديد ومنها تقاس التبدلات والتحولات والتوجهات التي يتبناها الشارع الفلسطيني متأثراً بعوامل عدة، أهمها: الأحداث السياسية الفلسطينية– الإسرائيلية كتعثر ملف مفاوضات السلام، وحرب إسرائيل الأخيرة على قطاع غزة، ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية، وما ساد من عنصرية تجاه العرب في إسرائيل خلال الانتخابات الإسرائيلية، وتحدثت عنها وسائل الإعلام الغربية، ولا ننسى استمرار مصادرة أراضي الفلسطينيين، واستمرار إسرائيل في بناء المستعمرات عليها، ومن تقييد لحركة الفلسطينيين من قبلها، خصوصاً إلى الأماكن المقدسة التي تفرض إسرائيل شروطاً خاصة لدخولها، كتحديدهم للسن بـ(45) عاماً على الفلسطينيين دون غيرهم، وغيرها من الممارسات. أما العوامل الاجتماعية الداخلية الفلسطينية كالبطالة والفقر وتدني الدخل، والمحسوبية، وحملات الاعتقال السياسي في الضفة وغزة، وحتى تراكم الأخطاء الطبية في بعض المستشفيات، والتي نتجت عنها حالات وفاة، فهي عوامل مؤثرة أيضاً، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي، الذي هو ليس بمعزل عن ذلك، وتردي الأوضاع المعيشية فيها وغلاء الأسعار.
الوفاء الإسلامية في الصدارة
جاءت النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع الديمقراطي بجامعة بيرزيت لاختيار مجلس الطلبة، وحصلت فيها كتلة الوفاء الإسلامية (الامتداد الطلابي لحركة حماس) لأول مرة في تاريخها على (26) مقعدا، وكتلة ياسر عرفات (الامتداد الطلابي لحركة فتح) على (19) مقعداً من أصل (51) مقعداً، وتوزعت باقي النسب على كتلتي اليسار المشاركتين. هذا الاكتساح للمقاعد بأكثر من النصف لحماس، جاء بعد (7) سنوات من تربع شبيبة فتح على عرش المجلس، وهذا يذكرنا بما آلت إليه نتيجة الانتخابات التشريعية عام 2006 وتوجت فيها حركة حماس ممثلاً للحكومة الفلسطينية الجديدة وفق الانتخابات، وغيرت معها المشهد السياسي. فعلى أهمية نتائج مجلس الطلبة التي أفرزتها صناديق الاقتراع بجامعة بيرزيت؛ علق رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل بالقول: “نحن جاهزون للانتخابات العامة في أي وقت”.
لا بد من الإشارة إلى النتائج الإحصائية لانتخابات الجامعة التي تطرقت لها تقارير صحفية، فمنذ عام 1996 فازت «الوفاء» (8) مرات، مقابل (7) مرات لـ”للشبيبة”، مع استثناء سنوات الانتفاضة (2001 – 2003) التي لم تعقد فيها الانتخابات، وعامي (2010 و2011) التي قاطعت فيها “الوفاء” الانتخابات.
لكن، من جهة أخرى، تواجه «حماس» تحديات صعبة في غزة جراء تفاقم مشكلات الحصار والبطالة والفقر، وتعثر إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في حربها الأخيرة على القطاع. ولا يمكن قياس توجهات الشارع الفلسطيني بقطاع غزة كما يتوافر في الضفة متمثلة بجامعة بيرزيت، فمنذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة حظرت إجراء الانتخابات في جامعات غزة، وحتى إن سمحت بها، فطبيعة الجامعات وتبعيتها التنظيمية لا تعطي مؤشرات حقيقية على تغيرات مزاج الشارع، لكنها سمحت الشهر الماضي بإجراء انتخابات لنقابة المحامين سجلت فيها “فتح” فوزاً كاسحاً وفق تقارير تناولتها.
فالصورة الكلية، إن قرأنا المشهد، أنه في قطاع غزة، أغلبية أصوات الناخبين ترشح حركة فتح احتجاجاً على ممارسات حماس المسيطرة على مؤسسات السلطة هناك، فيما يفضل الناخبون في الضفة الغربية “حماس” احتجاجاً على أداء حكومات “فتح”، كما تختزله الأذهان وفقا لما ارتبطت به سابقاً من حكومات تتبع لها، على الرغم من وجود حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمدالله التي توافقت فيها الأحزاب على تشكيلها.
ومع ذلك، كل التوقعات حول نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية مرهونة بالمشهد السياسي الفلسطيني الإسرائيلي، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، التي ما فتئت ترسم معالم المتغيرات السياسية التي تشهدها فلسطين.
* باحث، وعضو هيئة التحرير بمركز المسبار.