الكتاب:الإسلام الأوروبي
تأليف:مجموعة من الباحثين
الناشر:مركز المسبار للدراسات والبحوث دبي ـ 2008
الصفحات:318 صفحة
رغم الطابع الإشكالي للعنوان في ضوء ما يثيره من تساؤلات حول ما إذا كان المقصود به تصنيفاً جغرافياً أم سياسياً، أم أنه يعبر عن فهم أوروبي معين لحقيقة الإسلام، إلا أنه يجد تبريره على نحو ما يلمس القارئ للكتاب في الخصائص التي يضفيها وجود المسلمين في أوروبا على نمط فهمهم لقضايا الإسلام على نحو يجعل من التسمية أقرب إلى الدقة.
وحسبما يشير تركي الدخيل في تقديمه للكتاب، فإن دراسة الإسلام الأوروبي ليست دراسة مفهوميه فقط تتعلق بتطورات الخطاب الإسلامي أو تجديده خاصة فيما يخص المسلمين في أوروبا وحدها بل إنها كذلك دراسة اجتماعية وسياسية متعددة الأبعاد منها ما يخص الأمن وما يخص الاجتماع والحضور الديني والسياسي في ظل تطورات هيكلية وسياسية تشهدها القارة الأوروبية.
ومن خلال مجموعة من الدراسات المتنوعة يحاول الكتاب تغطية كافة محاور الموضوع، تبدأ بدراسة الدكتور هيثم مناع حول «الإسلام في أوروبا: إعادة اكتشاف الذات» والتي يرصد من خلالها المراحل الهامة التي مر بها الوجود البشري الإسلامي في أوروبا والتي كانت ذروتها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي وهى الفترة التي كان الغرب فيها يرى الإسلام خطرا يهدد حضارته. ويقدم مناع تحليلا شاملا للنتائج التي ترتبت على تزايد عدد المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وما رافقها من أزمة هويات على الصعيد العالمي عززتها إعادة اكتشاف الهوية الأوروبية المتعددة القوميات المختلفة المسارات ومخاض هذه العملية على الذات المهاجرة.
وفي دراسة أخرى يرصد الباحث حسين عبد القادر البعد المتعلق بأطوار الاعتدال والتطرف لدى مسلمي أوروبا متابعا من خلالها النظرة الأوروبية الأحادية والتي برزت منذ بداية الثمانينات، كما يعكسها الإعلام تجاه المسلم والتي ميزتها نزعة الاستقطاب باتجاه العنف والتطرف، وهى نظرة لم تترك مجالا لرؤى أخرى نحو العالم الإسلامي. ومن أجل الكشف عن خلفيات تلك النظرة والتي أدت إلى فرض أحكام مسبقة يميز الباحث بين مفاهيم ثلاثة مرت بها توجهات المسلمين في أوروبا متناولا إياها بالعرض والتحليل وهى الإسلام السياسي والإسلام الأصولي أو المتشدد، والإسلام السياسي المتطرف.
ويقدم لنا الدكتور بومدين بو زيد طرحا متميزا حول أحد خصائص الإسلام الأوروبي تتمثل في ميله بقوة نحو العقلانية حيث يخلص في ورقته التي عنونها بـ «مسلمو أوروبا بين الديني والعلماني» إلى أن الإسلام الذي اتخذ طابعا ليبراليا وأوروبيا يتعامل بطريقة أكثر تمدنا مع المرأة وقضاياها مثلا، نافيا ما يزعمه البعض من أنه يسعى إلى أسلمة أوروبا وتحويلها من دار العهد والدعوة إلى دار الإسلام مؤكدا أن الإسلام الأوروبي إنما يتفاعل مع آليات التكامل والاندماج في المجتمع الغربي وفق معاييره ومنظومة قيمه بشكل رئيسي.
وفي محاولة لتناول أحد الأبعاد المهمة بشأن الوجود الإسلامي في أوروبا يدعونا منتصر حمادة إلى فقه جديد لمسلمي أوروبا الأمر الذي قلما لفت أنظار المهتمين بشأن الأقليات المسلمة في الغرب. وهو في تناوله ذاك يتساءل عن واقع التحديات المتعلقة بالهوية التي تواجه تلك الأقليات، على نحو تجد معه نفسها مضطرة لتمرير مواقف عملية تجاهها سواء كانت مؤسسة على أرضية شرعية أم على قناعات عقلانية براجماتية. وحسب حمادة فإن هناك نوازل فقهية جديدة يعج بها المجال الغربي كالتوفيق بين الحقوق المدنية والإسلامية والحجاب والمشاركة في الحياة السياسية من أحزاب وبرلمانات.. وغيرها.
ومن بين الدراسات التي يمكن أن تعتبر بالغة الحيوية تلك المتعلقة بطارق رمضان والذي يمكن القول أنه يجسد بحق مقولة الإسلام الأوروبي التي يقوم عليها الكتاب. ويقدم الدكتور محمد همام طرحا متكاملا لرؤي رمضان من خلال ورقته حول «أطروحة الاندماج عند طارق رمضان» فهذا الأخير يدعو إلى فهم جديد للهوية المسلمة في أوروبا، قد يختلف معها الكثيرون ولكن منطقيتها أنها تصدر من شخص يعيش في هذا الواقع وليس من شخص يعيش في برج عاجي، وهو يهدف من ذلك إلى مساعدة الجاليات المسلمة في الغرب على الاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم. وحسب الدراسة فإن رمضان مثلا يرى أن المسلمين مطالبون اليوم بالتخلي عن كل نزوع طائفي بكل ما يحمله من انطوائية ومحدودية في التواصل والمشاركة.
وكنموذج تطبيقي يستعرض الكتاب من خلال دراسة لسعيد شحاتة أوضاع المسلمين في بريطانيا تتناول بالتحليل العوامل المشجعة وتلك المنفرة لإندماج المسلمين في المجتمع البريطاني، ومنها التعليم والمدارس الإسلامية ودور الجامعات ودور المساجد والأئمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمسلمين ودور الإعلام والسياسة الخارجية البريطانية تجاه العالم الإسلامي.
ثم يقدم لنا الدكتور عبد القادر بوعرفة ورقة تحليلية حول معوقات التحاور والتجاور يبدأها بطرح السؤال التقليدي الذي قدمه المستشرق برنارد لويس حول عدم تجانس المفهومين الإسلام وهو ذو أصل ديني بحت والغرب وهو مفهوم جغرافي، منتهيا إلى أن الأفكار السابقة التي يحملها اللاشعور الغربي والشرقي معا تتحول إلى معوقات للحوار والتجاور على نحو يصبح الحوار معه مجرد لعبة في خضم التحديات العالمية المعاصرة بين الغرب والإسلام أو مجرد تجاوز قصير المدى لوجود مصالح مشتركة بين السلطات وليس الشعوب.
وعلى خلفية هذه القضية نشير إلى أن الدراسات المنشورة في الكتاب أشارت إلى زاوية بالغة الأهمية تتعلق بالإشارة إلى أن الصراع بين الإسلام والغرب إنما يمثل امتدادا للصراع بين الشرق والغرب، وأن المنحى الخطير لهذا الاتجاه هو سرمدة الصراع بين الجانبين.
يغطي هذا الكتاب عجزا كبيرا في مكتبتنا العربية في ضوء عدم تناول موضوعه بالبحث والدراسة المتأنية على مستوانا العربي والإسلامي رغم الأهمية المحورية التي يمثلها الموضوع عكس ما هو حاصل في الدوائر الغربية. وتبدو أهمية الغوص في هذا الموضوع بالتناول حسبما يبدو من الكتاب من تنامي أعداد المسلمين في أوروبا وإن لم يستقر الكتاب على تقديم رقم محدد، فرقم يتجاوز بهم 30 مليون ورقم يقل بهم عن 20 مليون ورقم يشير إلى أنهم 12 مليون، وإن كان الرقم المستقر عليه في العديد من الدراسات الغربية يدور حول 20 مليون مسلم يعيشون في مختلف ربوع القارة. فضلا عما سبق، فإنه مما يزيد من أهمية تناول هذه القضية بالتحليل تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وتضاعف الاهتمام بالظاهرة الإسلامية في أوروبا إثر أحداث سبتمبر وصعود ما أصبح يعرف بالحرب على الإرهاب
جريدة الوسط البحرينية 2009.2.22