جوزيف براودي يتحدث لـ”المسبار” عن كتابه “بث الإصلاح: وسائل الإعلام العربية كمحفز لليبرالية”
حاوره: إبراهيم أمين نمر*
- بداية، نبارك لك إطلاق كتاب وسائل الإعلام العربية كمحفز للإصلاح، وتدشين هذا الكتاب، ونتساءل: ما سبب اختيارك لعنوان الكتاب؟
- أولا: شكرا عزيزي إبراهيم على هذه الاستضافة، وعلى تهنئتك، والآن أشعر بالارتياح بعدما نشر الكتاب، ويسعدني جدا أن أتحدث معك حوله. أما بالنسبة لسؤالك، فقد رأيته مناسباً أن أحاول أن أملأ فراغاً في الفهم الغربي إلى المنطقة. الكثير من السياسيين -بغض النظر عن عامة الناس- إذ ينظرون إلى الشرق الأوسط، والعالم العربي، لا يرون إلا السيئات، التطرف، الطائفية، الحروب المدمرة، لا يرون أملاً، ولا يرون داعياً للانضمام إليه والتعاون مع الشعوب العربية، وأردت أن أسلط الضوء على بعض المبشرات في هذا الإقليم، وعلى رأسها، وجود فئات ليبرالية اجتماعية، أقصد بذلك، من يميز بين الليبرالية الاجتماعية والليبرالية السياسية، فئات تمكنت عبر الإعلام العربي -بعض القنوات وبعض المطبوعات- أن تعزز القيم الليبرالية عند جماهيرهم، وعندما أتحدث عن القيم الليبرالية أقصد الليبرالية الكلاسيكية ذاتها، بما فيها مبدأ المساواة بين الجنسين، مبدأ التسامح، وقبول الآخر، سواء الآخر العرقي، أو الطائفي أو الديني، أو غيره، ومبدأ سيادة القانون وأخيرا ثقافة المجتمع المدني، والتفكير النقدي، فهذه كانت بالنسبة للنظرة الليبرالية الكلاسيكية، هي من أركان الاقتصاد المتين، الدولة القوية والقادرة، وعلى أي جمهور أو أي مجتمع أن يضمن أن تترسخ هذه القيم، على نطاق واسع، والذي أقوله بالأساس من خلال الكتاب هو أن هذه الفئات الموجودة، هي تلعب دورا مهما، في الإعلام العربي، وقد أسهمت في تعزيز وتمهيد الوعي للإصلاحات ومنها، أبرز وأجمل الإصلاحات التي حدثت في الآونة الأخيرة، في العديد من الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وغيرها من دول الخليج.
- تعقيبا على إجابتك عن السؤال، القيم الليبرالية تختلف حسب المناطقية أو حسب الدول، كيف عالجت هذا في كتابكم؟
- من خلال الكتاب، ما يقارب النصف منه يخص الشأن السعودي والخليجي، استندت إلى مقالة جميلة كتبها عبدالله الرشيد في مجلة “المجلة” بخصوص الليبرالية السعودية، حيث ميز تمييزا بينهم، بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاجتماعية، وتلبيس هذا السياق على دول أخرى. هذا التمييز يستخدم عند الليبراليين السعوديين، الذين ربما هو مجرد تعميم بأنهم في مدرستين: السياسية والاجتماعية، والمدرسة الليبرالية الاجتماعية، هي نظيرة مبدأ الدعوة قبل الدولة، بمعنى أنه يخشى أنه من دون ترسيخ القيم الليبرالية التي تحدثت عنها، أي عملية سياسية أمثال ما ينادي بها الليبرالي السياسي لن تؤدي إلى حكم إسلاموي، تتم من خلال عملية جيل في اعتقاد الليبرالي الاجتماعي أن يثقف الجماهير على القيم التي من أركان المجتمع المتين والدولة المتينة، وهذا ما يتم التركيز عليه، ويقومون بمجهوداتهم، ليس فقط بأن الدول تسامحهم، بل وترحب بهم وبمثل هذه الجهود، لأنها دول متنورة في المنطقة، تعترف أيضا بأن هذه القيم في بالغ الأهمية، ومتماشية تماما مع الإصلاحات التي يسعون إليها في الآونة الأخيرة، أو هذا ما أتمنى أن يكون، وأرى علامات التفاؤل بهذا الخصوص.
- كمتابع لوسائل الإعلام العربية، كيف تستشرف المستقبل من خلال الأدوات الظاهرة والموجودة والحاضرة على أرض الواقع، من حيث مفهوم الليبرالية وتفريقها عن الإلحاد عند بعض الأشخاص من الشعوب العربية؟ كما تعلم هناك من يربط بين الليبرالية والإلحاد أو الابتعاد عن القيم الأخلاقية، في تصورهم وحسب مقياسهم الذي يرسمونه لأنفسهم، وفق البيئة التي عاشوا بها، ثم اتُخذت لاحقا معيارا لقياس ما يحمله الآخر من مفاهيم وقيم.
- سؤال مهم جدا، أشكرك عليه، أظن أن مصطلح الليبرالية تم استهدافه من قبل بعض العناصر في هذه المنطقة، تقول بأن الليبرالية تساوي الإلحاد بالدين، أو الرغبة بزعزعة الاستقرار، أو بالتغريب، أو بتأمرك المنطقة، لكن الليبرالية التي أحددها من خلال القيم التي تحدثنا عنها ليست كما يصفونها، فأنا أتبنى هذه القيم الليبرالية، وأؤمن بالله عز وجل، وأوحد الله، ولا أرى أي تناقض، ولا أعيش أزمة داخلية، ما بين اعتقادي بالله، وتبني القيم الليبرالية، أما بالنسبة للإلحاد بالدين في هذا الإقليم فأراه رد فعل للذي عاش تربية دينية متشددة، فهو يرى أن هذا هو الدين، وإذا كان هذا الدين الحنيف بهذا الشكل فإنه لا يريد أن يتبناه، يعني فقدان الوسطية، هو الذي يعزز الإلحاد بالدين، وبالنسبة لتعزيز القيم الليبرالية بالعكس تكون ربما مفتاحا أو على الأقل تسهم في تعزيز الوسطية، تسهم في إبعاد وتهميش الأطراف المتشددة، سواء كانت اليسارية أو المحافظة إذا شئت، والذي يعترض على الإلحاد بالدين عليه أن يأخذ في باله موضوع التشدد، وتشجيع البديل منه كي يضمن اعتناق الدين من قبل الشعوب، خصوصا جيل الشباب.
- ما الخلاصات والتوصيات التي توصلت إليها في كتاب دور وسائل الإعلام العربية التي تلعب كمحفز في المنطقة العربية؟
- الخلاصات تستهدف جمهورا غربيا، وهذه الظاهرة غريبة عن المنطقة، إن وجود فئة ليبرالية قوية في الأوساط العربية هو من مبشرات هذا الإقليم، وكون أن هناك دولا عظمى تسامح وتؤيد هذه الفئة المقربة من السلطة هو مبشر في هذا الإقليم، أصف الليبرالية العالمية بأنها كتلة منفتحة على الآخر ومرحبة بالتعاون مع الإعلام البعيد في المنطقة؛ لأن هناك احتياجاً على ما يقوله العديد من الإعلاميين الذين قابلتهم خلال البحث، هناك رغبة في استقطاب مهارات ودروس مستفادة من دول لأخرى، خصوصا في تلك المناطق التي تعرضت إلى زعزعة استقرار المنطقة من قبل عناصر متطرفة وتحمل ثقافة التشنج.
- ماذا تقصد بالدروس الأخرى أو المستفادة، من أي ناحية؟
- مثلا تأخذ دولة في القارة الأوروبية قبل فترة طويلة، أو دولاً آسيوية، التي تمكنت من تنمية ملموسة وهائلة، في العقود القليلة الماضية، وهي قد تعطي بعض الدروس للذي يسعى إلى تنمية مماثلة في العالم العربي، سواء كان النموذج السنغافوري، الذي هو ليس ديمقراطيا، إلا أنه ليبرالي إلى درجة ما بالنسبة للاقتصاد، بالنسبة لتعامل الناس مع بعضهم البعض في التسامح، أو إذا شئت نموذج كوريا الجنوبية، الذي كان ديكتاتوريا إلى حد السبعينيات، ثم مرت بفترة تنمية القيم الليبرالية، ومع الوقت وصلنا إلى حالة أن بنت الديكتاتور فازت بالانتخابات، مع أنه تم إقالتها لأسباب أخرى، ولكن كيف توصلت إلى هذا الهدف، سواء النموذج السنغافوري، أو نموذج كوريا الجنوبية، ولذلك عندما أقول وأنادي بالتعاون ما بين قطاع الإعلام العربي، وقطاعات الإعلام في مجتمعات أخرى، لا أقصد بالذات الإعلام الأمريكي فحسب، أو الإعلام الغربي فحسب، بل أيضا إعلام دول آسيوية، في الشرق الأقصى، مثلا، ومناطق أخرى في العالم، في أوروبا، في أوروبا الشرقية، كل هذه المجتمعات، لديها قطاعات في الإعلام قوية، وتريد التعامل والتعاون معها، وفعلا هي مخولة بمستقبل العالم العربي، في هذا العصر من القرية العالمية، وأنادي بالتعاون ومد اليد سواء من قبل الإعلام العربي نحو الخارج، أو الذي يريد أن يستطلع أحوال الإعلام العربي ويرى هل يمكن له أن يسهم في التدريب أو في الإنتاج، المشاركة في الإنتاج بين الدول أو القنوات؟ والكثير من الفرص المتاحة في هذا القطاع الحيوي والمتنامي.
- كيف ترى الاحتجاجات الإيرانية مستقبلا في ظل خليط متنوع من حملة الأفكار المختلفة المشاركين في المطالبة بحقوقهم. ولوضع حد للتوسع غير المرغوب فيه؟
- أبدي تضامنا وتعاطفا مع المتظاهرين، وأرى إلى درجة ما أنها استمرارية لما سميت بالثورة الخضراء عام 2009، مع أن أغلبية المتظاهرين على ما نقرأ في التغطية الصحفية، ليسوا كالطبقة الوسطى التي برزت في مظاهرات 2009، والكثير منهم في طهران العاصمة، بينما كان المتظاهرون منتشرون في كل إيران، ما يجاوز عشرين بلدية، ومعظم المحافظات، كانوا من الفقراء والمهمشين، وهم أكثر الذين يعانون من سياسات الدولة، لأن الطبقة الوسطى في طهران لدرجة ما تحظى ببعض السياسات الاقتصادية الجديدة لدى روحاني، وهذا متعلق للأسف بثمرات الاتفاق النووي، بينما عامة الناس والفقراء والمهمشون مقهورون، ويفهمون الصلة ما بين معاناتهم الشخصية، وسياسات إيران الخارجية التوسعية، وهي تريد أن تسهم في وضع حد لهذه السياسات.
- هل ترى فعلا أن سياسات إيران التوسعية جاءت لهروبها من المشاكل الداخلية والبطالة وقضايا الفساد وتصدير الحروب إلى الخارج ضمن هذه النظرية؟
- أنا أؤمن بأن القيادة الإيرانية الحالية قيادة ثورية بالأساس، هي قيادة تتخذ قرارات على منطق الثورة وليس على منطق الدولة، هي قيادة تؤمن بالتوسعية، أظن أن هذه القيادة تتخذ قرارات عن قناعة وليس من باب الخدعة.
*باحث وإعلامي، عضو هيئة التحرير بمركز المسبار