انخرطت الولايات المتحدة في مفاوضات غير مباشرة مع إيران منذ أبريل (نيسان) 2021 بشأن استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي يحد من برنامج طهران النووي. ظهر سيناريوهان: إما نجاح المحادثات ومن ثم إعادة إحياء الاتفاق النووي، أو فشلها.
تحاول هذه الورقة مناقشة الوضع الحالي للمفاوضات في فيينا منذ بداياتها في ظل إدارة الرئيس السابق حسن روحاني وحتى الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، وكيف تطورت الشروط والمطالب الإيرانية التي ترافقت مع إطالة إيران لأمد التفاوض، ومن ثم ما الوضع الحالي للبرنامج النووي الإيراني؟ وهل ما زال هناك جدوى من إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لا سيما في ظل العوائق التي واجهت المفاوضات من جهة انتهاكات إيران لالتزاماتها في الاتفاق الأصلي من جهة أخرى؟ وما الحسابات الاستراتيجية في طهران وواشنطن؟ وما الخيارات الموجودة إذا انهارت المحادثات؟ وما تداعيات إعادة إحياء الاتفاق على الأمن والاستقرار الإقليمي في المنطقة، لا سيما في ظل انتهاك إيران على مدار ثلاثة أعوام لالتزاماتها المنصوص عليها بالاتفاق؟
أولاً: الاستراتيجية الإيرانية خلال مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي
وهناك في هذا الشأن ملاحظتان: الأولى: اختلاف السلوك والمطالب الإيرانية خلال جولات المفاوضات في ظل حكومة روحاني عن السلوك ذاته خلال خلفه إبراهيم رئيسي، فقد سعى روحاني إلى إحياء الاتفاق، الذي يعد الإنجاز الوحيد لحكومته، في حين أن حكومة رئيسي تتوقع أن عدم رفع العقوبات لن يدفع الاقتصاد الإيراني إلى أزمات أعمق)، أما الملاحظة الثانية، فهي بالرغم من المماطلة التي شهدتها المفاوضات، والتي جاءت نتيجة طلب إيران بوقفها فترة لحين تسلم الحكومة الجديدة، فإن وتيرة الجولات خلال ولاية رئيسي كانت أسرع من الجولات خلال حكومة روحاني. وهو ما يتضح خلال السطور القادمة.
- خلال ولاية الرئيس حسن روحاني
كان لخروج الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 من جانب واحد من الاتفاق النووي، أن قامت إيران بعد عام من الانسحاب الأميركي بالتحلل من التزاماتها من الاتفاق النووي، على الرغم من عدم خروجها منه، فقد قامت بتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء (4.5%) لتزيد عن المنصوص عليها بالاتفاق الأصلي وهي (3.67%)، كما ضاعفت عدد أجهزة الطرد المركزي، فضلاً عن منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى موقعين نوويين، تعتقد الوكالة أن أحدهما تم استخدامه في معالجة وتحويل اليورانيوم الخام عام 2003، والآخر يحتمل وجود يورانيوم غير معلن فيه[2]. ومع تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة على خلفية اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، علقت إيران العمل بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي، وأصدر مجلس الشورى الإيراني تشريعاً يلزم الحكومة برفع تخصيب اليورانيوم حتى (20%) ووقف عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال لم يتم تخفيف العقوبات[3]. واتسمت العلاقة بين طهران والوكالة بالشد والجذب، إلى أن تم عقد اتفاق مؤقت بين الطرفين لمدة ثلاثة أشهر في فبراير (شباط) 2021، ينص على أن تسجل إيران أنشطتها النووية وتحافظ على حيازة التسجيلات، حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي لعام 2015.
مع تولي الرئيس جو بايدن منصبه تعهد بالانضمام إلى الاتفاق النووي مرة أخرى في إطار استراتيجيته للحد من الانتشار النووي، والخشية من تمادي إيران في انتهاكاتها لبنود الاتفاق بما يصل إلى حد الاختراق، مما يعني القدرة على تصنيع القنبلة النووية. لذا بدأت إيران والمشاركون المتبقون في خطة العمل الشاملة المشتركة (مجموعة 4 + 1) (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) في أبريل (نيسان) 2021 محادثات في فيينا بشأن إحياء الاتفاق.
بعد ست جولات من المحادثات، شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، توقفت جولات فيينا بعد الجولة السادسة بناء على طلب إيراني لحين تشكيل الحكومة الجديدة واستقرارها[4]، وأعلنت الحكومة الإيرانية الجديدة أنها تراجع جولات المحادثات السابقة، وتشكيل فريق تفاوضي جديد وستعود إلى المحادثات قريبا، ومع ذلك فإن شهوراً من المحادثات غير المباشرة المستمرة في فيينا لم تحرز سوى تقدم بطيء، وقد رجع ذلك -في الجزء الأكبر منه- إلى استراتيجية إيران خلال التفاوض. عملت حكومة روحاني على إنقاذ الاتفاق الذي يعد إنجازها الوحيد خلال فترة ولايته الأولى، وكثيراً ما أكد روحاني أن إيران ستواصل المحادثات مع القوى العالمية في فيينا، حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
- حكومة إبراهيم رئيسي
خلال حديثه في حفل أداء اليمين في مجلس الشورى الإسلامي في 5 أغسطس (آب) 2021، قال إبراهيم رئيسي: “يجب رفع العقوبات المفروضة على إيران، وسندعم أي خطة دبلوماسية تحقق هذا الهدف”[5]. وقد عملت إدارة رئيسي على جعل نهجها التفاوضي يبدو مختلفاً عن سابقتها، وهو ما اعتبر طريقة للضغط على الأطراف الغربية، ولإظهار نمط مختلف في التعامل مع واشنطن. أرادت حكومة رئيسي أن تتزامن عودة إيران لالتزاماتها بالاتفاق مع رفع واشنطن للعقوبات. وقد أدى انتقال السلطة إلى توقف محادثات فيينا لمدة خمسة أشهر، وهدد رئيسي بإلغاء التقدم الذي تم إحرازه في ست جولات من المداولات نسقت من خلال القوى الأوروبية. ومنذ ذلك الحين فإن أسابيع من وضع إطار عمل لعكس التوسع النووي الإيراني، وتحديد نطاق تخفيف العقوبات الأميركية وتسلسل التزامات كل جانب، توقفت مع إعلان إيران شروطاً ترتبط بالتحقق من رفع العقوبات وتلقي الضمانات اللازمة لتنفيذ التزامات الأطراف الغربية، وفقاً لوزير الخارجية أمير عبداللهيان في بيان له[6].
على الرغم من توقف المحادثات منذ يونيو (حزيران) وحتى فبراير (شباط) بطلب من إيران، فإن الملاحظ تسارع وتيرة الجولتين السابعة والثامنة، حيث دعت إيران إلى الإحياء السريع للاتفاق النووي في فيينا، واتهمت الولايات المتحدة باللعب بالوقت والفشل في تقديم التنازلات اللازمة. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في مؤتمر صحفي: إذا تم التوصل إلى اتفاق في فيينا ورفعت العقوبات، فسيكون من الأفضل لإيران أن يحدث ذلك غدا. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية عن الوزير قوله يوم الاثنين: إن “طهران في عجلة من أمرها للتوصل إلى اتفاق في فيينا، لكن هذا يجب أن يكون في إطار مصلحتنا الوطنية”.
تركزت المطالب الإيرانية في الحصول من واشنطن على ضمانات بعدم الانسحاب مجددا من الاتفاق والتحقق من رفع العقوبات عنها، قبيل استئناف المباحثات[7]، كما تطالب بتغيير تسلسل تنفيذ الاتفاق، حيث تريد إصدار إعفاءات نفطية أولاً، ثم تتحقق من الخطوة من خلال تصدير النفط والحصول على الدولارات من خلال النظام المصرفي.[8] وهي المطالب التي تمسكت بها إيران خلال الجولتين السابعة والثامنة من مباحثات فيينا، وقدمت إيران خلال المباحثات وثيقتين: الأولى عن رفع العقوبات، والثانية عن النشاط النووي، وقامت إيران بإضافة مطالب جديدة تتعلق بإلغاء إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب.
في ظل حالة الشد والجذب، نشرت وكالة رويترز مسودة مسربة قيل: إنها تتضمن ملامح الاتفاق الجديد بين إيران والغرب كنتيجة لمباحثات فيينا، تضمنت الوثيقة المسربة أن الإجراءات التي يتعين تنفيذها ستتم على مراحل، المرحلة الأولى تشمل تعليق إيران للتخصيب فوق (5%) وإلغاء تجميد الأموال الإيرانية في بنوك كوريا الجنوبية، والإفراج عن السجناء الغربيين في البداية ثم تأتي، المرحلة الرئيسة لرفع العقوبات، بما في ذلك الإعفاءات النفطية الإيرانية[9]، بما يعني أن الهدف الرئيس هو العودة إلى الصفقة الأصلية برفع العقوبات عن إيران، بما في ذلك تلك التي صفرت مبيعاتها النفطية، مقابل قيود على أنشطتها النووية لتمديد الوقت الذي ستحتاجه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية.
زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران، وعلى الرغم من استمرار ما اعتبرته طهران عقبات، أشارت التصريحات غير الرسمية للمفاوضين الروس والأوروبيين إلى أن المحادثات في فيينا وصلت إلى نهايتها. ومع الإيحاء بأن حكومة رئيسي اجتازت بعض المشاكل من حيث تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تلقي باللوم على إيران في بعض القضايا الفنية العالقة التي سيتم الإشارة إليها في الجزء الخاص بانتهاكات إيران لالتزاماتها وفق اتفاق 2015، حيث عملت إيران على التخفيف من العواقب الدبلوماسية للانتهاكاتها، ودعت مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي إلى طهران لإجراء محادثات، انتهت بإبرام صفقة للسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة صيانة معداتها للمراقبة، والمراقبة في إيران[10].
ثانيًا: انتهاكات إيران لالتزاماتها وفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية
بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة يجب أن تقتصر إيران على تركيب ما لا يزيد عن (5060) من أجهزة الطرد المركزي الأقدم والأقل كفاءة في نطنز حتى عام 2026، أي بعد (10) سنوات من “يوم تنفيذ الصفقة” في يناير (كانون الثاني) 2016، كما يتوجب على إيران تخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة (98%) إلى (300) كيلوجرام (660 رطلاً)، وهو رقم لا يجب تجاوزه حتى عام 2031، كما يجب الحفاظ على مستوى تخصيب مخزون اليورانيوم عند (3.67%)، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم البحث والتطوير في مفاعل نطنز فقط، وأن يكون محدودًا حتى عام 2024، كما لا يُسمح بالتخصيب في منشأة فوردو Fordo حتى عام 2031. كما وافقت إيران على تنفيذ البروتوكول الإضافي لاتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تسمح للمفتشين بالوصول إلى أي موقع داخل إيران[11]. كان التقدير عام 2015 عند إتمام خطة العمل المشتركة، أنه إذا قررت إيران التسرع في صنع قنبلة، فسوف يستغرق الأمر اثني عشر شهراً حتى يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة (90%) لبناء سلاح نووي، وهو ما يسمى بـ”وقت الاختراق، الآن في ظل انتهاكات إيران انخفضت فترة الاختراق ليقدرها المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بنحو أسبوعين. وبالرغم من عودة الحكومة لمفاوضات فيينا، فإنه تزامن معها استمرار طهران في انتهاك التزاماتها بالاتفاق، فقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ببدء إيران في استخدام اليورانيوم المخصب، وأجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو، والتي ينص الاتفاق الأصلي على عدم السماح بتخصيب اليورانيوم بها. وعلى الرغم من أن البيان المشترك بين مدير الوكالة الدولية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ينص على الاتفاق بين الطرفين، وعلى السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخدمة المعدات واستبدال وسائط التخزين الخاصة بهم، والتي سيتم الاحتفاظ بها تحت أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سمحت إيران لمفتشي الوكالة بخدمة معدات المراقبة للوكالة واستبدال وسائط التخزين، في جميع المواقع الضرورية في إيران، باستثناء ورشة تصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي في مجمع كرج، مبررة ذلك بأنه غير مدرج فيما تم الاتفاق عليه في البيان المشترك، وقد اعتبرت الوكالة الدولية التبرير الإيراني ليس دقيقًا ويتجاوز الشروط المتفق عليها في البيان المشترك، ذلك أن الاتفاق لم يستبعد بأي شكل من الأشكال أية مواقع ومعدات معينة، ومن ثم فقد سعت الوكالة مرتين خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021 للوصول إلى ورشة العمل لتركيب كاميرات جديدة، والتأكد أن إيران لم تستأنف إنتاج الأنابيب الدوارة وأجهزة الطرد المركزي، إلا أن إيران رفضت وصول مفتشي الوكالة[12]. ومن ثم فإنه منذ 23 فبراير (شباط) 2021، لم تتمكن الوكالة من الوصول إلى البيانات والتسجيلات التي تم جمعها بواسطة معدات المراقبة المستخدمة لمراقبة أجهزة الطرد المركزي والبنية التحتية المرتبطة بها في التخزين. كما خلص تقرير الوكالة الدولية حول التحقق ومراقبة الأنشطة النووية لإيران في الفترة بين 16 يناير (كانون الثاني) 2016 (يوم تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة) و23 فبراير (شباط) 2021، إلى أنه تم تقويض أنشطة المراقبة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة بشكل خطير؛ نتيجة لقرار إيران بوقف تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالمجال النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك البروتوكول الإضافي. وأنه منذ 23 فبراير (شباط) 2021، لم تُبلغ إيران الوكالة بمخزون الماء الثقيل في إيران، وإنتاج الماء الثقيل في محطة إنتاج الماء الثقيل، ولم تسمح للوكالة برصد كميات الماء الثقيل في إيران، وكمية الماء الثقيل المنتج في محطة إنتاج الماء الثقيل. أما ما يخص أنشطة التخصيب، فقد أكد التقرير أن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم في عدة محطات ومنها مفاعل نطنز ومحطة فوردو. بما يوضح أن إيران واصلت إجراء أنشطة التخصيب التي لا تتماشى مع خطتها طويلة الأجل للبحث والتطوير في مجال التخصيب، على النحو الذي قدمته للوكالة في 16 يناير (كانون الثاني) 2016. وقدرت الوكالة أنه اعتبارا من 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بلغ إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب (2489.7) كجم، بما يمثل زيادة قدرها (48.4) كجم عما ورد بالتقرير ربع السنوي السابق للوكالة، إلى جانب تأكيد أن إيران لم تعد تطبق البروتوكول الإضافي منذ 23 فبراير (شباط) 2021[13].
ثالثًا: دوافع إيران لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع الغرب
تمثل المصالح الوطنية، وإدراك التهديد، عاملين أساسيين في تحديد مسارات السياسة الخارجية الإيرانية منذ نشأة النظام السياسي الإيراني عام 1979، وقد استخدم وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان تعبير “المصلحة الوطنية” مرات عدة عند حديثه عن إعادة إحياء الاتفاق.
ثمة عدد من الدوافع السياسية والاقتصادية التي دفعت إيران نحو المضي قدمًا في إحياء الاتفاق النووي. تتمثل الدوافع الاقتصادية في رفع العقوبات، ولا يعني ذلك أن الهدف الرئيس لإيران هو رفع العقوبات في حد ذاتها، لاعتياد النظام الإيراني على التعايش في ظل العقوبات الدولية، والتي كانت إحدى أدوات المجتمع الدولي في معاقبة إيران، ولكن كونها تمهد الطريق لإعادة دمج إيران في المجتمع والاقتصاد الدوليين، كنقطة بداية لتنفيذ سياسة الحكومة المرتكزة على الدبلوماسية الاقتصادية.
فقد تأثرت إيران بسياسة الضغط الأقصى التي طبقتها إدارة دونالد ترامب، وحرمت إيران من عوائد بيع النفط والغاز الطبيعي. وتعد احتياطيات النفط والغاز الطبيعي أهم المزايا الاقتصادية للموقع الجغرافي لإيران، حيث تحتل المرتبة الأولى بين أكبر (10) دول منتجة للنفط في العالم، وأكبر (5) دول منتجة للغاز الطبيعي. كما تأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي التي تقدر بنحو بـ(17,5%) من إجمالي احتياطيات الغاز، ويصل الإنتاج الإيراني من الغاز الطبيعي إلى نحو (184.8) مليار متر مكعب (2015) محتلة بذلك المرتبة الثالثة عالميًا. بينما يبلغ احتياطي الغاز الطبيعي (33.5) تريليون متر مكعب (2017)، لتحتل بذلك المرتبة الثانية عالميًا[14]. كما تبلغ المرتبة الرابعة من حيث احتياطيات النفط الخام المثبتة، فتصل احتياطيات إيران من النفط الخام إلى نحو (158,4) مليار برميل حتى 1 يناير (كانون الثاني) 2017[15]، ويحتل سوق النفط الإيراني المرتبة الخامسة عالميًا، حيث يبلغ إنتاج إيران من النفط الخام نحو (4,8) ملايين برميل في اليوم عام 2017. وقد تراجعت صادرات إيران من النفط الخام وإنتاجها مع إعادة فرض العقوبات عليها، ففي سبتمبر (أيلول) 2018، وصل النفط الخام والمكثفات إلى “1.9” مليون برميل في اليوم[16]. ومن ثم كان لخروج الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو (أيار) 2018، في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مفضيًا لعودة العقوبات الأميركية، التي تستهدف بالأساس الضغط الاقتصادي على إيران، وإعاقة دمجها في الاقتصاد العالمي، وتخوف الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية، دفع ذلك الموقف تلك الشركات للمقارنة بين المنافع من الاستثمار في إيران، والسلبيات التي قد تطالها جراء العقوبات الأميركية، لذا أحجمت الشركات الدولية عن تقديم استثمارات جديدة في إيران؛ بسبب تداعيات إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها، مما أدى إلى مزيد من تدهور العملة الإيرانية وتأجج الاحتجاجات الشعبية عدة مرات عام 2017، و2018 على خلفية الضائقة الاقتصادية، مما حدا بالحكومة إلى إجراء تغييرات في المناصب الاقتصادية، كرئيس البنك المركزي ووزير المالية، من أجل تخفيف غضب الشارع.
على الرغم من قيام حكومة رئيسي بتخطيط ميزانيتها على افتراض أن العقوبات الاقتصادية الأميركية ستستمر، فقد أشار رئيس منظمة التخطيط والميزانية إلى أن الموازنة الجديدة جرى التخطيط لها على افتراض استمرار العقوبات[17]. عملت الحكومة في الوقت ذاته على استكمال مسار فيينا لإحياء الاتفاق. فقد استلمت الحكومة الحالية اقتصاداً مأزوماً استطاع أن يتعايش مع العقوبات، لكنه لا يستطيع الاستمرار في ظل العقوبات، لا سيما مع الخطط الاقتصادية القائمة على بناء محور إيراني في غرب آسيا، والاستفادة من تخفيف العقوبات المالية والنفطية الأميركية. لكن من جهة أخرى، تطلبت السياسة الإيرانية المرتكزة على الدبلوماسية الاقتصادية ضمن مبدأ النظر نحو آسيا، عقد شراكات طويلة الأجل مع كل من الصين وروسيا، فبينما عقدت إيران مع الصين عام 2021 اتفاق شراكة استراتيجية لمدة (25) عاماً، أعلنت نهاية العام ذاته نيتها عقد اتفاق شراكة مماثل مع روسيا، وفي مايو (أيار) 2022 وقعت اتفاق شراكة مماثلاً مع فنزويلا، حيث تستهدف إيران من جهة الدخول في تحالفات تستهدف تغيير النظام العالمي والدفع نحو عالم متعدد الأقطاب، لكنها -من جهة أخرى- تعتبر أن التقارب مع القوى الثلاث يساهم في مواجهة العقوبات الأميركية المفروضة عليهم.
وعلى الرغم من كون إيران تسير في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع الغرب، فإنها تتحرك في مسار آخر استعدادا لرفع العقوبات، وبالتالي قبولها عضواً بمنظمة شنغهاي للتعاون، وسعيها لعضوية مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، ومن ثم فإن إيران تحاول أن ترفع العقوبات الأميركية، لكنها تتحرك في اتجاه القوى المناوئة للغرب لتتفادى العقوبات والعزلة باللجوء إلى الأطراف المنافسة.
رابعًا: استمرار التحديات أمام محادثات فيينا
في أحدث تطورات مباحثات فيينا التي كادت أن تنتهي بإعلان اتفاق الأطراف جميعها ونجاح المباحثات، سواء على مستوى التصريحات الغربية أو تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حيث أعلن كبير المفاوضين النوويين، علي باقري كاني، عودته إلى طهران لإجراء مشاورات روتينية تتعلق بالمحادثات، كما أكد ممثل الاتحاد الأوروبي في المحادثات، أنه لم تعد هناك محادثات على مستوى الخبراء ولا اجتماعات رسمية، مشيراً إلى أن ما يتبقى لإنهاء المحادثات هو قرارات سياسية، ظهر للعلن مجموعة من الشروط التي اعتبرت تحديات أمام إتمام المرحلة الأخيرة من إحياء الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، مع اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا، فقد ارتبطت بعض هذه التحديات بالموقف الروسي، والبعض الآخر تعلق بالمطالب والشروط الإيرانية المتغيرة من وقت لآخر. فمن جهة ظهر الموقف الروسي في ظل الأزمة الأوكرانية. ومن جهة أخرى، في الوقت الذي اجتمع فيه المفاوضون في فيينا بشأن ما اعتبرته الأطراف الأصلية في خطة العمل الشاملة المشتركة المرحلة الأخيرة من المحادثات التي بدأت في أبريل (نيسان) 2021، بدأت إيران في تقديم مطالب جديدة من أجل المضي قدماً نحو إحياء الاتفاق.
فعلى الرغم من إعلان إيران منذ البداية أن أعينها ستظل مركزة على مسألة التحقق وتلقي الضمانات اللازمة لتنفيذ التزامات الأطراف الغربية لا سيما الولايات المتحدة، عادت لتقدم مطالب جديدة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في مؤتمر صحفي: إن هناك ثلاث عقبات رئيسة يجب التغلب عليها قبل أن تتمكن طهران من التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع القوى الدولية في فيينا، هي نطاق تخفيف العقوبات، وآثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع غير معلنة -وهو أمر مرتبط بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية- وما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة ضمان عدم انسحابها من الصفقة مرة أخرى، وهو المطلب الذي أكدت إدارة بايدن أنه ليس لديها طريقة لإلزام الإدارات الأميركية المستقبلية باتفاق قانوني[18]، لذا اقترح وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان، في مقابلة مع الفاينانشال تايمز، أن يصدر الكونغرس بياناً سياسياً يوضح التزامه بالاتفاق مع إيران[19]، وهو ما يعني البحث عن غطاء سياسي قبل إبرام الصفقة. من جانب آخر عاد مجلس الشورى الإيراني ليعقد مسار المحادثات بتقديم شروط صارمة للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، حيث دعا (250) نائباً من أصل (290) عضوا -حيث يسيطر المحافظون والمتشددون منذ عام 2020 على التركيبة البرلمانية- الرئيس إبراهيم رئيسي إلى الالتزام بشروطهم في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث طالبوا أيضا بتقديم ضمانات من الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية، أنه لن يتم الانسحاب من الاتفاق على غرار الانسحاب الأميركي، كما طالبوا بعدم تفعيل آلية سناب باك (Snapback) التي تعيد آليا تفعيل عقوبات الأمم المتحدة حال ثبت انتهاك إيران لالتزماتها بالاتفاق، كما طالبوا بضرورة رفع العقوبات الأميركية المفروضة لأسباب نووية وإرهابية وصاروخية وحقوقية[20]. على الرغم من أن بيان النواب الإيرانيين في إطار دوائر صنع القرار، فإن قرارات السياسة الخارجية ولا سيما الملف النووي ترتبط بالمرشد الإيراني والمجلس الأعلى للأمن القومي وليس البرلمان، لذا يأتي بيان النواب في إطار رسائل داخلية، ومن جهة أخرى لتأكيد الشروط التي أعلنتها بالفعل حكومة رئيسي، ولا تذهب بعيداً عما أعلنه النواب الإيرانيون.
وللتغلب على جزء من هذه العقبات في أعقاب مطالب إيران بإغلاق القضايا التي تتناول أبعادها العسكرية المحتملة، كجزء من شروطها الجديدة في مفاوضات فيينا بشأن استعادة الاتفاق النووي لعام 2015، سافر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران لمقابلة رئيس الطاقة الذرية الإيرانية ووزير الخارجية، لمناقشة النقاط الخلافية العالقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول المواد النووية، التي تتهم الوكالة إيران بعدم الإبلاغ عنها[21]. بعد ذلك أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران عن التوصل لتفاهم قد ينعكس إيجابا في فيينا، بشأن التحقيق المثار حول طبيعة الأنشطة الإيرانية في المواقع غير المعروفة للوكالة، وأنهما يستهدفان حل الخلاف بشأن منشأ جزيئات اليورانيوم بحلول أوائل يونيو (حزيران) المقبل، كما أكد رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي أن طهران قدمت مستندات كان ينبغي عليها إرسالها للوكالة الدولية للطاقة الذرية[22].
في هذه الأثناء ظهر تحدٍّ آخر لكنه خارج النظام الإيراني، ففي ظل تفجر الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، ومع تزايد العقوبات المفروضة من الغرب على روسيا، طالبت الأخيرة، التي هي أحد الأطراف الموقعة على خطة العمل المشتركة مع إيران، بتقديم ضمانات بألا تؤثر العقوبات الغربية التي فرضت أخيراً عليها على تعاونها مع إيران في النواحي النووية والتكنولوجية والاقتصادية[23]. واعتبرت الولايات المتحدة أن المطلب الروسي غير مبرر، لأن العقوبات المفروضة على خلفية الحرب الأوكرانية لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وينبغي ألا يكون لها أي تأثير على الإحياء المحتمل للاتفاق. وفي حين بدا أن المطلب الروسي جاء في توقيت أصبح فيه توقيع الاتفاق وشيكاً، كنوع من الضغط على الولايات المتحدة لتعطيل الاتفاق الذي تريد إنجازه، أعلنت روسيا أنها حصلت على ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات على روسيا لن تشمل تعاونها مع إيران. ومن جهة رد الفعل الإيراني، فقد جاء الرد حذراً لا سيما لاعتماد إيران على شريكها الروسي في عدة قضايا، ومن ثم كانت تصريحات عبداللهيان التي أكد فيها وقوف روسيا إلى جانب إيران حتى نهاية المحادثات النووية[24].
ما إن تم تجاوز التحدي الخاص بالمطلب الروسي حتى ظهر مطلب إيراني، توقفت عنده التصريحات المتفائلة بقرب توقيع الاتفاق الذي وضع أمام مفترق طرق، حيث طالبت إيران برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأميركية، بما يعني رفع العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، وقد أعلنت واشنطن في ظل إدارة دونالد ترامب في 8 أبريل (نيسان) 2019، أنها ستصنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب المادة (219) من قانون الهجرة والجنسية. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة ذراعاً حكومياً وليس فاعلاً من دون الدول كمنظمة إرهابية أجنبية. وأكد ترامب في إعلانه أن الحكومة الإيرانية استغلت الحرس الثوري الإيراني للانخراط في حملة إرهابية عالمية. وترتب على هذا الإجراء، توسيع نطاق العقوبات المتعلقة بالإرهاب المفروضة على الحرس الثوري. ووفقاً لهذا القانون يُعاقب كل من يقدم دعما ماديا أو موارد لمنظمة إرهابية أجنبية، أو يحاول أو يتآمر على القيام بذلك، بغرامة بموجب هذا البند، أو بالسجن لمدة لا تزيد عن (20) عاما، أو كليهما، كما يمكن لوزارة الخزانة أن تطلب من أي مؤسسة مالية أميركية تمتلك أو تتحكم في أصول منظمة إرهابية أجنبية، حظر جميع المعاملات التي تنطوي على تلك الأصول[25]. والتصنيف يستهدف وصم وعزل المنظمات الإرهابية المصنفة دولياً. هذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها جهة حكومية، ووفقاً للإجراء الحكومي فإن إيران ليست فقط دولة راعية للإرهاب، بل إن الحرس الثوري الإيراني يشارك في أنشطة إرهابية ويموله ويعززه كأداة للحكم. لذا عبر وزير الخارجية الإيراني عن أن هذا المطلب يعد من الخطوط الحمراء التي لن تتجاوزها طهران[26]، بما يعني أنه مطلب رئيس لن تتخلى عنه.
إن محادثات فيينا المستمرة منذ شهور طويلة وصلت لطريق مسدود بهذا المطلب الإيراني، وذلك لرفض الجانب الأميركي. حيث جاء رد الفعل الأميركي مشترطاً أن تقدم إيران ضمانات بكبح نشاط الحرس الثوري، وهو ما أوضحه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، بأنه إذا أرادت طهران مناقشة قضايا تتجاوز استعادة الاتفاق النووي، فعليها معالجة مخاوف الولايات المتحدة[27]. بدت تصريحات برايس وكأنها تضع حداً لاحتمال قيام واشنطن بتقديم تنازل، وشطب القائمة من جانب واحد، لذا فقد أعطى الرد الأميركي رسالة لإيران مفادها أن المفاوضات لن تقتصر على البرنامج النووي فحسب، بل تشمل قدرات إيران الصاروخية ودورها الإقليمي، وهو ما رفضت إيران منذ البداية التطرق إليه، ومن ثم رفض تصورات بايدن عن اتفاق أقوى وأشمل، مثلما كان يروج في حملته الانتخابية. فسبق أن أكدت إيران أنها لن تتفاوض بشأن قضايا أخرى في سياق الاتفاق النووي، فهي لم تعرب عن استعدادها للتزحزح عن القضايا غير المتعلقة بالأسلحة النووية.
الحرص الإيراني على إزالة الحرس الثوري من قوائم الإرهاب نابع من دوره في النظام الإيراني، حيث ينشط في العديد من المجالات الاقتصادية والعسكرية، ويمتلك العديد من الشركات في قطاعات الاتصالات والشحن التي يمكن معاقبتها إذا ظل الحرس الثوري مدرجاً على القائمة الأميركية، وهناك العديد من الشركات غير العسكرية التي كان أعضاء مجلس إدارتها ضباطاً سابقين في الحرس الثوري أو مرتبطين به. وهذا يعني أنه إذا ظل الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فسوف تتأثر العوائد الاقتصادية المتوقعة لإيران من خطة العمل الشاملة المشتركة.
خامسًا: العودة من جديد إلى محادثات فيينا في أغسطس (آب) 2022
بعد مرور نحو ستة أشهر على آخر جولات محادثات فيينا، التي وصلت إلى سبع جولات والثامنة تم تعليقها، ثم أعقبها جولة محادثات غير مباشرة في الدوحة بين واشنطن في الرابع من يوليو (تموز) بين المبعوث الأميركي روبرت مالي وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، والتي انتهت بالفشل أو حسبما وصفها مالي بأنها كانت فرصة ضائعة. عادت من جديد إلى الواجهة جولة جديدة في فيينا، اجتمعت الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا لأول مرة منذ ما يقرب من ستة أشهر، مما أعطى أملاً جديداً بقرب التوصل لاتفاق.
يأتي الاجتماع بعد المقترح الذي قدمه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، والذي قامت على أساسه كل من واشنطن وطهران بدراسته قبل اجتماعات فيينا. في غضون ذلك تطورت المطالب الإيرانية لإتمام التوصل لاتفاق، بينما كانت تطالب منذ بدء محادثات فيينا برفع العقوبات، وتقديم ضمانات من واشنطن تفيد بأنها ستستفيد اقتصاديًا من الاتفاق، إلا أن القضية الرئيسة المطروحة على الطاولة هي ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومطالبة طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإنهاء تحقيقها في الأنشطة النووية الإيرانية المشبوهة في ثلاثة مواقع.
ومن ثم لا يزال تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية نقطة الخلاف الرئيسة في المحادثات النووية الإيرانية. ففي 15 ديسمبر (كانون الأول) 2021، توصلت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق للعمل بشأن قضايا الضمانات المعلقة المتبقية في ثلاثة مواقع، تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وجود أنشطة مثيرة للقلق فيها.
وبموجب الاتفاق، وعدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتقديم تفسيرات مكتوبة ووثائق داعمة بشأن المواقع الثلاثة، وظلت طهران تعد بتقديم إجابات وضمانات حول أسئلة الوكالة، ومع ذلك لا تزال القضية الأكثر إلحاحًا هي انتقاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران لفشلها في التعاون مع تحقيق الوكالة في الإجابة حول المواد النووية غير المعلنة والأبحاث النووية السابقة، لكن التطور الجديد هو أن إيران تريد أن تنظر في مسألة الأنشطة السابقة منفصلة عن التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة، وتفضل أن يتم التعامل معها بهذه الطريقة. وهو أمر سبق أن حدث خلال إدارة باراك أوباما. لذا من الواضح أن النظام الإيراني يريد من بايدن إنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أوقفت إدارة أوباما تحقيقاً مشابهاً لضمان تنفيذ الاتفاق النووي لعام 2015[28]. ففي 2015 بموجب شروط الاتفاق النووي، أصدرت القوى العالمية تعليمات للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإصدار “تقرير نهائي” لتقييم الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي وأوقفت إيران المحققين، لكن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صوت في ديسمبر (كانون الأول) 2015 على تعليق التحقيق خشية منع تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة. فقد كانت هناك بعض القضايا العالقة التي طالبت حينها الوكالة الدولية طهران بتقديم إجابات بشأنها، وفي بيان مشترك في يوليو (تموز) 2015 من قبل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، تم الإعلان عن وضع خارطة طريق لتوضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر، التي لم يتم حلها بالفعل من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، وفي هذا السياق اتفقت إيران والوكالة على ما يلي: ستقدم إيران، بحلول 15 أغسطس (آب) 2015، تفسيراتها الكتابية والوثائق ذات الصلة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن القضايا العالقة مع الوكالة، وبعد تلقي التفسيرات المكتوبة من إيران والوثائق ذات الصلة، ستقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراجعة تلك المعلومات بحلول 15 سبتمبر (أيلول) 2015.
وسبق خلال إدارة باراك أوباما أن طلبت واشنطن من الوكالة إغلاق هذا التحقيق، وصدر تقرير الوكالة الذي نص على أنه في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2015 نظر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التقييم النهائي للمدير العام بشأن القضايا المعلقة السابقة والحالية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، واعتمد قراراً نص على أنه “تقدر الوكالة أن مجموعة من الأنشطة ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي قد أجريت في إيران قبل نهاية عام 2003 كجهد منسق، وأن بعض الأنشطة جرت بعد عام 2003، كما تقدر الوكالة أن هذه الأنشطة لم تتخطَّ الجدوى والدراسات العلمية واكتساب بعض الكفاءات والقدرات الفنية ذات الصلة، كما أنه ليس لدى الوكالة مؤشرات موثوقة عن الأنشطة في إيران ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي بعد عام 2009. كما لم تجد الوكالة أي مؤشرات موثوقة على تحويل المواد النووية فيما يتعلق بالأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي”. وأغلق التحقيق وأشار مدير عام الوكالة إلى أن الخطوة التالية هي أن تكمل إيران الخطوات التحضيرية اللازمة لبدء تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي وافقت عليها إيران وست دول والاتحاد الأوروبي[29].
وتعتبر واشنطن أن إيران تطالب بتنازلات غير متعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة، ومع إصرار إيران على المطلب الأخير المتعلق بتقرير الوكالة الدولية، لن تتغاضى عن محاولتها رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية؛ نظراً لدوره الرئيس في الاقتصاد الإيراني وشبكة الشركات المرتبطة به. حيث يتجاوز نفوذ الحرس مجال السياسة الداخلية والخارجية إلى النشاط الاقتصادي، فيشارك بشكل متزايد في الاقتصاد، ويعمل من خلال شبكة من التعاقدات في أعمال المقاولات والموانئ والاتصالات والطاقة عبر شركة خاتم الأنبياء، وبحسب ما ورد يخدم قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني في مجلس إدارة الشركة، كما شغل رئيسها عام 2011-2013، منصب وزير النفط[30].
ومن ثم تراهن إيران على رغبة واشنطن والقوى الأوروبية في إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى لمنع حصول طهران على السلاح النووي، لكن ذلك لن يمنع وجود حقيقة أن البرنامج النووي الإيراني أصبح يمثل تحدياً حتى في ظل التوصل لاتفاق مع واشنطن، وهو ما يبدو أن إدارة بايدن ليس لديها خطة بشأنه، ذلك أن إيران منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، اتخذت إجراءات عدة: عرقلة تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتقدم في التكنولوجيا النووية وامتلاك قدرات أعلى من المسموح بها وفقا لخطة العمل الشاملة المشتركة، ثم عرقلة أنشطة مراقبة مفتشي الوكالة الدولية. أصبح الواقع الجديد للبرنامج النووي الإيراني يفوق حجم القيود التي وضعتها خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، لا سيما وأنها بصدد انتهاء أحكامها بعد فترة قصيرة.
سادسًا: إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة والموقف الإقليمي
لا تزال إسرائيل عند موقفها الرافض لأي اتفاق مع إيران برغم درايتها بأنه الحل الوحيد، ولكنها من بين عدد من دول المنطقة -وخصوصا دول الخليج- أعربت عن قلقها بشأن النفوذ الإيراني المتنامي، لا سيما إذا رفعت العقوبات في أعقاب الاتفاق النووي. فالتخوف الرئيس هو أن الصفقة الأساسية تنص على أنه في مقابل الحد من نشاط إيران النووي، ستستفيد إيران من المكاسب الاقتصادية للتجارة الدولية، بما في ذلك في القطاعات الرئيسة المدرة للدخل مثل النفط، وهذ يعني أن طهران سوف تستخدم الأموال لتعزيز قدرتها العسكرية، والقدرة العسكرية للجماعات المسلحة التي تدعمها في جميع أنحاء المنطقة.
تعتبر إسرائيل نفسها أنها ليست ملزمة بأي اتفاق، وأنها قد تمضي في النهاية في اتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد المواقع النووية الإيرانية. مع استمرار الدولتين في استهداف مصالح بعضهما البعض في جميع أنحاء المنطقة، وفي الوقت ذاته تواصل الولايات المتحدة طمأنة إسرائيل ودول الخليج، بأنها ستمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وسيتم كبح هجمات حلفائها.
يجب على الولايات المتحدة أن تتبع استراتيجية مع إيران تتضمن ثلاثة عناصر رئيسة: الأول: هو تأكيد أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لن تشكل تفويضًا مطلقًا لما تعتبره الولايات المتحدة استفزازا إيرانياً في مجالات أخرى، حيث لا تزال العقوبات أداة محتملة لمعالجة النشاط غير النووي. والثاني: هو العمل مع حلفائها في الشرق الأوسط على بناء قدراتهم لمواجهة التهديد الإيراني بشكل أفضل، وثالثاً: اتخاذ خطوات تركز على المخاوف المتزايدة حول انتشار الطائرات بدون طيار الإيرانية، وكذلك التحركات لتعزيز القدرات الدفاعية في الخليج ضد الهجمات الجوية والبحرية. لكن الأمر المرجح، هو أن التصعيد بين إيران وإسرائيل لن يختفي وإن خفت وتيرته، حيث لا ترتبط مواجهة إسرائيل لإيران بالبرنامج النووي فقط، بل بالسلوك الإقليمي لإيران في الميدان السوري والعراقي والعلاقة مع التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة، ولكن هل إحياء الاتفاق سيعني أن تتوقف حرب الظل بين الطرفين، لا سيما الهجمات التي اتهمت بها إيران إسرائيل في الداخل الإيراني، مع اعتقاد إسرائيل بأن الاتفاق لم يعد كابحاً لقدرات إيران النووية.
[1] باحثة مصرية متخصصة في الشؤون الإيرانية ومحاضرة في كلية الاقتصاد والسياسة في جامعة الجيزة الجديدة – مصر.
[2]– اتفاقية إيران النووية: الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول: إن طهران تمنع دخول مواقع مشتبه بها، بي بي سي، 6 يونيو (حزيران) 2020، على الرابط الآتي:
https://www.bbc.com/arabic/world-52947859
[3]– قانون إيراني يهدف إلى زيادة تخصيب اليورانيوم ومنع عمليات التفتيش، بي بي سي، 3 ديسمبر ( كانون الأول) 2020، على الرابط الآتي:
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55153713
[4]– طهران تنتظر «استقرار» حكومة رئيسي لمواصلة مباحثات فيينا، الشرق الأوسط، 20 يوليو (تموز) 2021، على الرابط الآتي:
https://aawsat.com/home/article/3089096/طهران-تنتظر-«استقرار»-حكومة-رئيسي-لمواصلة-مباحثات-فيينا
[5]– رئيسي يدعم الدبلوماسية لرفع العقوبات عن إيران دون الخضوع للضغوط، موقع سويس إنفو، 6 أغسطس (آب) 2021، على الرابط الآتي:
https://www.swissinfo.ch/ara/رئيسي-يدعم-الدبلوماسية-لرفع-العقوبات-عن-إيران-دون-الخضوع-للضغوط/46844072
[6]– Verification of sanctions relief a top issue in nuclear talks –Iran, reuters, 9-10-2021:
https://www.reuters.com/world/middle-east/verification-sanctions-relief-top-issue-nuclear-talks-iran-2021-10-09/
[7] – إيران تركز على الضمانات ورفع العقوبات مع استئناف مباحثات النووي، فرانس 24، 27 ديسمبر (كانون الأول) 2021، على الرابط الآتي:
https://www.france24.com/ar/الأخبارالمستمرة/20211227-إيران-تركز-على-الضمانات-ورفع-العقوبات-مع-استئناف-مب�
[8]– طهران تنتقد «مطالب جديدة» لواشنطن… وخامنئي يرفض التنازل عن «الصاروخي» و«الإقليمي»، الشرق الأوسط، 11 مارس (آذار) 2022، على الرابط الآتي:
https://aawsat.com/home/article/3524196/طهران-تنتقد-«مطالب-جديدة»-لواشنطن-وخامنئي-يرفض-التنازل-عن-«الصاروخي»-و«الإقليمي
[9]– Exclusive: Iran nuclear deal draft puts prisoners, enrichment, cash first, oil comes later – diplomats, reuters, 17-2-2022:
[10]– Nuclear talks under Raisi: Iran’s diplomats are going slow to appear smart, European Council on Foreign Relations, 19 October 2021 :
https://ecfr.eu/article/nuclear-talks-under-raisi-irans-diplomats-are-going-slow-to-appear-smart/
[11]– Iran nuclear deal: What it all means, BBC, 23 November 2021:
https://www.bbc.com/news/world-middle-east-33521655
[12]– IAEA Board Report: Verification and monitoring in the Islamic Republic of Iran in light of United Nations Security Council resolution 2231 (2015), 17 November 2021:
https://www.iaea.org/sites/default/files/21/11/gov2021-51.pdf
[13]– Ibid.
[14]– The World Fact Book, Central Intelligence Agency:
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ir.html
[15]– موقع البنك الدولي، على الرابط الآتي:
https://www.albankaldawli.org/ar/country/iran/overview
[16]– Country Analysis Executive Summary: Iran, U.S. Energy Information Administration (EIA)، January 7, 2019:
https://www.eia.gov/beta/international/analysis_includes/countries_long/Iran/pdf/iran_exe.pdf
[17]– Iran Plans Next Budget on Assumption of Continuing Sanctions, Iran 11/30/2021:
https://www.iranintl.com/en/20211130768324
[18]– Iran says three obstacles remain to nuclear deal, Al-monitor, February 28, 2022:
https://www.al-monitor.com/originals/2022/02/iran-says-three-obstacles-remain-nuclear-deal
[19]– Iran calls for US ‘political statement’ on commitment to nuclear deal, the financial times:
https://www.ft.com/content/873fcb84-de9f-4dd6-86f7-2bd8417e38ae
[20]– Iran’s parliament sets conditions for return to nuclear deal”, Aljazeera, 20-2-2022:
https://www.aljazeera.com/news/2022/2/20/irans-parliament-sets-conditions-for-return-to-nuclear-deal
[21]– IAEA chief to visit Tehran as nuclear talks near finish line, al-monitor , March 3, 2022:
https://www.al-monitor.com/originals/2022/03/iaea-chief-visit-tehran-nuclear-talks-near-finish-line
[22]– إيران تعلن أنها سلّمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستندات حول منشآتها النووية غير المصرّح عنها، فرانس 24، 6 أبريل (نيسان) 2022:
https://www.france24.com/ar/الأخبارالمستمرة/20220406-إيران-تعلن-أنها-سلّمت-الوكالة-الدولية-للطاقة-الذرية-مستندات-حول-منشآتها-النووية-غير-المصرّح-عنها
[23] Russia demands US guarantees over revival of Iran nuclear accord :
https://www.ft.com/content/d101bd66-da72-4432-abc5-da2f7362bedb
[24]– روسيا تؤكد تلقيها ضمانات من واشنطن بشأن «النووي» الإيراني، الخليج الإماراتية، 16 مارس (آذار) 2022، على الرابط الآتي:
https://www.alkhaleej.ae/2022-03-16/روسيا-تؤكد-تلقيها-ضمانات-من-واشنطن-بشأن-النووي-الإيراني/العالم/سياسة
[25]– Designation of the Islamic Revolutionary Guard Corps, APRIL 8, 2019:
https://perma.cc/GDA9-Q4M9
[26]– طهران تشترط رفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني لإحياء المحادثات النووية، فرانس 24، 26 مارس (آذار) 2022، على الرابط الآتي:
https://www.france24.com/ar/الشرق-الأوسط/20220326-طهران-تشترط-رفع-العقوبات-عن-الحرس-الثوري-الإيراني-لإحياء-المحادثات-النووية
[27]– لا لشطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.. واشنطن تتشدد، العربية نت، 19 أبريل (نيسان) 2022، على الرابط الآتي:
https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2022/04/19/-لا-شطب-الحرس-الثوري-عن-قائمة-الارهاب-واشنطن-تتشدد
[28]– Road-map for the Clarification of Past and Present Outstanding Issues regarding Iran’s Nuclear Program:
https://www.iaea.org/sites/default/files/gov-inf-2015-14.pdf