أعلن رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي أمس السبت 15 يناير أنه سيعود قريبا إلى تونس مع قياديين إسلاميين, مبديا استعداد حركته المحظورة في عهد زين العابدين بن علي للمشاركة في حكومة ائتلافية تعبد الطريق لديمقراطية حقيقية. تكشف دراسة لأستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب في تونس علية علاني أن التذبذب والازدواجية الذي ميز خطاب حركة النهضة حول العديد من القضايا طوال الفترة الماضية،
أبرز عدم قدرتها على وضع إستراتيجية واضحة ومقنعة، فالمواقف الخارجية المتباينة للحركة تؤكد مرة أخرى أن الحركة مثلما فرطت في فرض وجودها في الداخل بعد انتخابات 1989 ، فإنها لم تتمكن من التموقع الجيد في الخارج على الساحتين العربية والدولية، بسبب التسرع في اتخاذ مواقف غير متوازنة، واتساع بحر تؤثرها بالرافد الإخواني والإيراني والسوداني/الترابي، ما جعل مأزق الحركة يتمثل بالأساس في عدم قدرتها على الثبات على هوية محددة. الزميل محمد العواودة أعد هذا التقرير. الحركة الإسلامية التونسية: البحث عن الذات في دراسته بعنوان”الحركة الإسلامية في تونس:البحث عن الذات” يحاول الباحث التونسي د.إعلية العلاني، استقراء الواقع التاريخي لتجربة الإسلام السياسي بتونس ( الجماعة الإسلامية، حركة الاتجاه الإسلامي، حركة النهضة) ودراسة المعطيات الداخلية التي أثرت على خطاب الحركة وما أفرزه نظام الحزب الواحد من تغييب للحريات وارتباكه في التعامل مع الهوية، وكذلك المؤثرات الخارجية التي ساهمت بقوه في صياغة خطاب الإسلام السياسي في محاولته إثبات ذاته، في مقابل هيمنة خطاب نخب دولة الاستقلال ومفاهيمها للحداثه وموقفها من الدين ..الخ. ويرى علاني وهوأستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والفنون بالجامعة التونسية في دراسته التي نشرت في كتاب المسبار الثامن والعشرون(الإسلامية التونسية) أن التجربة التنظيمية الأولى للحركة الإسلامية بتونس بدأت في العام 1972 ، فيما سمي باجتماع الأربعين، الذي انبثقت عنه قيادة ضمت كلاً من راشد العنوشي كأمير، وأحميده النيفر نائبا له، وصالح كركر مساعدا لنائب الأمير، حيث بدأ نشاط هذه المجموعة منحصرا بالدروس الوعظية على شاكلة جماعة التبليغ، قبل أن توقف السلطات التونسية هذا النشاط؛ لتبحث الحركة عن آفاق منهجية جديده تتناسب في التعامل مع واقع الحزب الواحد، وتجد ضالتها في الفكر الإخواني الذي تغذا به راشد الغنوشي أصالة إثر رحلته الدراسية بالمشرق العربي، فقسم النشاط إلى مرحلتين، المرحلة العلنية: وتتمثل في تكثيف الدروس المسجدية ، والمرحلة السرية: ويتم بها انتقاء العناصر المنضبطه التي تؤدي البيعة على الشاكلة الإخوانية. وقد ظهرت داخل التنظيم بوادر الاختلاف من نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما رفض نائب الغنوشي أحميدة النيفر ربط الحركة الإسلامية بالتنظيم الإخواني وانشقاقه الفعلي عن الغنوشي بمشاركة بعض الشباب، من أبرزهم: صلاح الدين الجورشي وزياد كريشان وغيرهم ممن كانوا يطالبون بتونسة الحركة وبقراءة مستنيرة للإسلام، وكون هؤلاء في مطلع الثمانينيات تنظيما عرف باسم ” الإسلاميون التقدميون ” . مع قيام الثورة الإيرانية أصبحت مرجعية الحركة الإسلامية متنوعة ومتعددة الأبعاد، فقد أعطت الثورة دفعا رئيسيا لظاهرة الإسلام السياسي بالعالم العربي، حيث لم يخف الغنوشي مساندته المطلقة لها. وعلى هامش تطور الأحداث في إيران، أعلنت الحركة في يونيو/ حزيران، 1981 في مؤتمر صحافي عن تأسيس حزب علني باسم “حركة الاتجاه الإسلامي” برئاسة راشد الغنوشي وكاتبه العام عبد الفتاح مورو، وطرحت في هذه الندوة الخطوط الرئيسية ومرجعيتها الفكرية وموقفها من أبرز القضايا الوطنية والعربية والدولية، ويلمس من خلال ما قدم في هذا المؤتمر التأثير الأخواني والإيراني، حيث انتهى الغنوشي وكركر إلى السجن بعد شهر من هذا المؤتمر، وقد خرجا فيما بعد بوساطة سعودية، التي على أثرها بدأت الحركة تراجع علاقاتها مع طهران. في عهد الرئيس بن علي كانت الحركة متحمسة للتغيير الذي حصل في أعلى هرم السلطة، كما خاضت الحركة تجربة فريدة في المشاركة السياسية لأول مرة، إذ تم تمكينها خلال العامين 1988-1989 من التواجد ببعض المؤسسات الرسمية كالمجلس الأعلى للميثاق الوطني، والمجلس الإسلامي الأعلى، وشاركت في الانتخابات البرلمانية عام 1989، ولكن لم تستثمرها بشكل جيد، بل أدارتها بصفة سيئة، وخاصة على صعيد خطابها السياسي الذي فاجأ الرأي العام والسلطة نظرا لصبغته المتزمته والإقصائية، وهو ما سينعكس لاحقا على حركة النهضة نفسها. ويرى علاني أنه ومع أن حركة النهضة أصبحت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي قوة عددية هائلة، لكنها لم تكن متماسكة فكريا بالشكل المطلوب، ولم تستطع أن تقنع الرأي العام والنخب السياسية بطبيعة هويتها، هل هي حركة سياسية أم دينية؟ ويمكن القول أن تلك الانتخابات هي التي طوت ولمدة طويلة صفحة التعامل الإيجابي مع السلطة، حيث جعلت من المواجهة أمرا محتملا . ويلفت العلاني، أن التذبذب والازدواجية الذي ميز خطاب الحركة حول العديد من القضايا، أبرز عدم قدرتها على وضع استيراتجية واضحة ومقنعة، فالمواقف الخارجية المتباينة للحركة تؤكد مرة أخرى أن الحركة مثلما فرطت في فرض وجودها في الداخل بعد انتخابات 1989 ، فإنها لم تتمكن من التموقع الجيد في الخارج على الساحتين العربية والدولية، بسبب التسرع في اتخاذ مواقف غير متوازنة، واتساع بحر تؤثرها بالرافد الإخواني والإيراني والسوداني- نسبة إلى آراء حسن الترابي المقرب من الغنوشي- ما جعل مأزق الحركة يتمثل بالأساس في عدم قدرتها على الثبات على هوية محددة. وعلى الرغم من سعة النقود التي يوجهها العلاني إلى الحركة، الإ أنه يرى أن الحركة بدأت تستخلص الدروس نسبيا من أخطائها السابقة، حيث حاولت من خلال مؤتمراتها الثلاثة الأخيرة 1995، 2001، 2007، أن تقدم قراءة نقدية لمسارها، واقتنعت أن سياسة الأرض المحروقة لن تضيف أي مكسب، وانتهت إلى عقد تحالفات مع تيارات ديمقراطية ويسارية وعلمانية غايتها الأساسية الدفاع عن حرية التعبير والتنظيم فقط. وفي ما عدا ذلك، بقيت مسألة تحديد طبيعة المجتمع والدولة وأولويات المرحلة وانشغالات الرأي العام الحقيقية أمام المستجدات الوطنية والعربية والدولية قضايا مؤجلة، تم تناولها في أحسن الحالات بشكل سطحي .
المصدر: المسبار
16 يناير 2011