تشكل نظرية “المرأة الجوهرة” -بدعوى شاعرية: “أيكون الدُّرُ إلاّ في الصّدف؟”- أساس الخطاب الذي أسسه حسن البنّا (1906-1949) عن النساء، حيث شرح في رسائله الأدوار المنوطة بهن، محدداً الشروط التي تضبط حركتهن داخل المجتمع، ضمن أطر لا تتخطى السياق التقليدي بل تتراجع عنه أحياناً كثيرة، لا سيما أن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين لا ينظر إلى المرأة إلاّ من باب درء الفتنة، معتبراً أن عليها الحفاظ على دورها في الزواج والأمومة، سامحاً لها بمهام أخرى لا ترتقي إلى حضورها الإنساني.
يقول البنّا: “إن كشف وجه المرأة ويديها حرام إلاّ إذا أمنت الفتنة فيجوز لها ذلك”، ويذكر “أن الإسلام حين شرَّع للمرأة ألا تختلط بالرجل وألا تسافر معه مسافة القصر إلاّ مع محرم، وأن تقوم بوظيفتها الطبيعية من تنظيم مملكة الأسرة، لم يقصد بذلك قدحاً في شرفها، ولا حبسها لحريتها، وإنما يقصد بذلك صيانتها وحمايتها؛ هذا ما نقصده بالمرأة الجوهرة”. وقد حرّم البنّا على المرأة الاختلاط والاحتفالات والتبرج والتمرد على الأزواج ودخولها ميدان العمل، وطالب بمصادرة الصحف والمجلات والروايات والكتابات والمسارح والإذاعات الهازلة: “لا بد من مصادرة هذا الغذاء الوبيل من الصحف والمجلات والمسارح والإذاعات الهازلة الضئيلة المثيرة التي تستغل في الناس أخس مشاعرهم وأحط غرائزهم، ومقاومة هذا التيار من التبرج والاختلاط ومفارقة البيوت، والخدور، للتسكع في الحدائق والمصايف والمتنزهات وعلى الشواطئ وتحريم هذه الوسائل الخسيسة التي تيسر على الشباب مقاصدهم”. (راجع: البنّا، حسن: من أهداف الدعوة، مجلة الإخوان المسلمين، 20 مايو/ أيار 1944، العدد 11، ص3-4).
في كتابه “المرأة المسلمة” هاجم البنّا الاختلاط، فذكر “أن الإسلام يرى في الاختلاط بين الرجل والمرأة خطراً محققاً، فهو يباعد بينهما إلاّ بالزواج. وقد وصف المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك”. وأباح “للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة والخروج للقتال عند الضرورة القصوى، لكنه وقف عند هذا الحد واشترط له شروطاً عديدة من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به فلا تصف ولا تشف، ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما تكن الظروف، كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة وهي أحب الفتن إلى نفسه” (راجع: البنّا، حسن، المرأة المسلمة، دار الكتب السلفية، الطبعة الثانية، 1407. راجع أيضاً: السيد، يوسف: المرأة وحقوقها في منظور الإخوان المسلمين، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998، ص60-61). ويحصر البنّا عمل المرأة في البيت فقط ولكنه يضع استثناء: “وإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يُلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة، ومن الواجب أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظاماً عاماً من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه” (البنّا، حسن: المرأة المسلمة، مرجع سابق). مهمة المرأة عند البنَّا “زوجها وأولادها، أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين”.
على خطى البنّا سار العديد من منظري الإسلام السياسي والسلفيين، إلى حد أنهم اعتبروا انتشار البطالة في مصر مَرَدّه منافسة المرأة للرجل في ميدان العمل. وفي عام 1988 دعا يوسف البدري (1938_ 2014) إلى منع تعيين النساء في الوظائف الحكومية من أجل القضاء على ظاهرة البطالة. وكان عالم الدين محمد سعيد رمضان البوطي (1929-2013) قد اعتبر أن “الضمانة الكبرى لبقاء الأمور على نهجها السوي هي ألا تنزل المرأة ميدان العمل من أجل الرزق إلاّ في أضيق الظروف والحالات الضرورية، وحرم عليها حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة. والفقهاء يجمعون على عدم توليها المناصب الهامة ومن بينها طبعاً الإمامة العظمى (المصري، سناء: خلف الحجاب، موقف الجماعات الإسلامية من قضية المرأة، الشعاع للنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 2004، ص61-76).
عرفت أدبيات الإخوان المسلمين عن المرأة تبدلات طفيفة، فما عادت تطالب بعزل المرأة عن الحياة العامة بل نادت بتفعيل الدور النسائي في الشأن العام؛ وكان يوسف القرضاوي قد دعا إلى تطوير القيادات النسائية داخل الحركة الإسلامية، قائلاً: “إن العمل الإسلامي النسائي إنما ينجح ويثبت وجوده في الساحة، يوم يفرز زعامات نسائية إسلامية، في ميادين الدعوة والفكر والعلم والأدب والتربية”. (القرضاوي، يوسف: أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1992، ص 64).
أصدرت جماعة الإخوان عام 1994 وثيقة وضعت تحت عنوان “المرأة المسلمة في المجتمع المسلم” ضمنتها موقفاً يقبل المشاركة السياسية للمرأة، باستثناء رئاسة الدولة. وعلى الرغم من الدور الذي أُعطي للنساء، لكن تمثيلهن في المجالس الأساسية يكاد يكون معدوماً، حتى إن مشاركتهن في صناعة القرار غير ملحوظة إلا بنسب قليلة. ويرجع البعض هذا التغييب للعنصر النسائي في التنظيم إلى “الأصول الاجتماعية والثقافية لأبناء الحركة الإسلامية أنفسهم، الذين ينحدرون في معظمهم من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث لا يزال دور المرأة محدوداً وثانوياً وتابعاً في معظم الأحوال”. (راجع: بيومي، ليلى، هل أنصفت الصحوة الإسلامية المرأة أم ظلمتها، موقع نوافذ، 9 أبريل/ نيسان 2006).
لم يتم تمثيل المرأة في انتخابات مجلس الشعب التي خاضها الإخوان المسلمون إلاّ بعد عام 2000. ويذكر أنه في دورة 2005 خاضت المرشحة الوحيدة مكارم الديري إلى جانب عصام مختار المعركة الانتخابية عن دائرة مصر الجديدة ومدينة نصر، علماً أن الجماعة في هذه الحقبة حققت نتائج جيدة، يرجعها العديد من المحلِّلين إلى غياب بديل قوي للحزب الوطني الحاكم -آنذاك- سوى الجماعة التي خرجت للمرة الأولى في مسيرات انتخابية، رافعة شعارها الذي أثار جدلاً واسعاً: “الإسلام هو الحل”، وأثبتت النتائج تأثير هذا الشعار الذي استقطب نسبة لا بأس بها من غير المنتمين للجماعة في أول اختبار عملي، لا سيما مع تنامي النزعة الدينية وانتشارها في الطبقة الوسطى، فشوهدت للمرة الأولى فتيات محجبات يرتدين الجينز والملابس القطنية في مسيرات مرشحي الإخوان.
تأثرت المنتسبات إلى جماعة الإخوان المسلمين بالعوامل الاجتماعية والسياسية المسيطرة على نهجها الانعزالي غير القادر على إحداث تطور ملحوظ في تشكيل صورتها تجاه المرأة، ومن بين هذه العوامل: الانخراط في حلقة من الصراع مع السلطة، مما منعها من بلورة مراجعة جادة تعزز دور المرأة داخل جناح الأخوات المسلمات؛ محاولة إقصاء النساء عن دوائر صنع القرار في الحركة، فلا وجود للعنصر النسائي في مجلس شورى الجماعة؛ تركيز الجناح المحافظ على الرؤية السلفية التي تحصر دور المرأة في التربية والمنزل والحيز الدعوي أحياناً؛ التشديد المفرط على لباس المرأة من خلال تأكيد أولوية ارتدائها للحجاب، أي التركيز على الإطار الظاهري، دون إبراز أدوارها السياسية؛ انشغال الحركة بأسلمة المجتمع إثر انتكاسة مشروعها السياسي، فغدت قضية المرأة غير ذات شأن على مستوى الخطاب. أما بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك وتأسيس حركة الإخوان لحزب الحرية والعدالة وتحقيقها فوزاً لا بأس به في انتخابات 2011 (تمّ حل المجلس لاحقاً) فقد جاء حضور النساء في كتلة الحزب خجولاً، ولم يطرأ تحول يذكر على مواقع القرار سواء في الجناح السياسي الجديد أم في المجالس الأساسية للجماعة، ويذكر أن الأخوات المسلمات اضطلعن بدور خطر في الحراك المناهض لـــ”ثورة 30 يونيو” 2013.
يلاحظ المتابع لأدبيات جماعة الإخوان عن المرأة أن ثمة تبدلاً طفيفاً فرضته الضغوط الاجتماعية وتطور أحوال النساء داخل المجتمع المصري؛ صحيح أن المنظرين الجدد يختلفون في رؤيتهم عن المؤسس، غير أن التغيرات لامست القشور فقط، إذ لم نر حضوراً مؤثراً لــــ”الأخوات” في هيكلية القرار ومجالسه، وبقي ترشيح بعض المنتسبات إلى الانتخابات –قبل حظر الجماعة إثر سقوط نظام محمد مرسي- “ديكوراً” خارجياً لا يعكس رغبة حقيقة في تطوير فاعلية النساء داخلها.