محمد أبو الرب*
يتمثل الفرق الجوهري بين الإخوان وداعش في أن أيديولوجية داعش أكثر صلابة من أيديولوجية الإخوان، وعلى الرغم من أنها أكثر تطرفاً في نظرتها للقيم المدنية والحريات، فإن خطاب الإخوان أخطر منها على صعيد استهداف المنطقة العربية. بعبارة أخرى، وضوح أيديولوجية داعش يجعل الجمهور أمام خيارين: إما الوقوف معها في حالات معينة، أو معارضتها والوقوف ضدها. أما في حالة الخطاب الإخواني فهو خطاب مراوغ؛ يلبس عباءة الدين مرة، وعباءة الوطنية مرة، وعباءة الحريات والحقوق المدنية ومحاربة الفساد مرات أخرى، فهو خطاب متكيف حسب المصلحة.
كيف يتبدل خطاب الإخوان بحسب المصلحة؟
في الحالة الفلسطينية – مثلاً- بدأت حركة حماس -كأحد فروع الإخوان- بخطاب ديني دعوي (1988- 1994)، سرعان ما بدلته إلى خطاب وطني بطابع ديني منذ قيام السلطة الفلسطينية حتى الانتخابات التشريعية (1994– 2006) والذي تبنت فيه حماس خطاباً يدعو إلى الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد، لكن وبعد وصولها إلى السلطة عام 2006 وفشلها في إدارة شؤون الحكم، عادت مجدداً لتلبس عباءة الخطاب الديني، خصوصاً حين اعتبرت حصار غزة بمثابة حرب على الإسلام والمسلمين وأنه ابتلاء من الله. الأمر ذاته تكرر في حالة إخوان مصر، فقد ارتكز خطابهم أيام الرئيس حسني مبارك -بشكل جوهري- على تحرير فلسطين واتهام نظام مبارك بالتهاون في نصرة فلسطين، لكن حين وصل رئيسهم مرسي للسلطة وهاجمت إسرائيل قطاع غزة عام 2012، لم يتجرأ الإخوان على الطلب من السفير الإسرائيلي ترك القاهرة قبل أن يغادرها بنفسه بفعل الاحتجاجات الشعبية، وارتكز خطابهم حينها على الإصلاح ومحاربة الفساد، ولم تعد فلسطين أولوية كما كان خطابهم في المعارضة، بالتلويح بسيف فلسطين على رقبة النظام المصري.
الإخوان الخلفية الفكرية لـ “داعش”
الحقيقة التي يجهلها الكثيرون في الغرب هي أن تنظيم الإخوان المسلمين هو الخلفية الفكرية التي نما فيها الفكر الأصولي من القاعدة حتى داعش، فأيمن الظواهري وعبدالله عزام وأبو مصعب الزرقاوي وغيرهم من قيادات القاعدة، كانوا منتمين إلى الإخوان قبل أن ينشقوا عنهم، وكذلك الأمر في حالة زعيم تنظيم داعش: أبو بكر البغدادي، الذي كان أحد قيادات الإخوان، وهذا ما أكده الزعيم الروحي للإخوان: يوسف القرضاوي في تسجيل مصور على اليويتوب.
من نجح أكثر في توظيف التقنية لصالحه؟
تُثار -من وقت لآخر- مسألة التباس فهم كيف تحمل الحركات الأصولية -وداعش على وجه الخصوص- رؤية “رجعية” للواقع، مع أنها تجيد توظيف أحدث تقنيات العصر، فهل تنفصل الأداة عن محمولاتها -الرسالة التي تحملها- وهل توظف الأداة -التقنية- الرسالة لصالحها أم إن الأداة مجرد ناقل؟
في حالة الإخوان المسلمين، فإن خطاباتهم تكيفت مع الأداة أو التقنية عبر الزمن وهم أكثر تصالحاً مع لغة العصر. كما أن الإخوان يوظفون الإعلام الإلكتروني والاجتماعي لتشكيل خطابات غير مباشرة لانتقاد وفضح الخصوم السياسيين، وتالياً الترويج لفكرهم بطرق غير مباشرة، أو حتى تقديم الإخوان كضحايا لمؤامرات داخلية وخارجية.
في حالة التقنية مع داعش، فعلى الرغم من قدرة هذا التنظيم على توظيف التقنية في خدمة خطابهم بشكل مذهل، فإن التقنية لم تغير في جوهر الخطاب، فهو خطاب مباشر وصارم غير مراوغ، وهذا بالطبع يعود لكون أيديولوجية داعش أكثر صلابة من أيديولوجية الإخوان.
من منهما الأخطر؟
بالإمكان القول: إن داعش تمثل حالة موقتة مرتبطة بظروف اجتماعية وسياسية وفقر وبطالة، وظروف أخرى تعانيها المنطقة العربية، ويأتي في خط الدفاع الأول لها الرفض العام لممارساتها وفكرها المتشدد. من هنا، فإن وجود داعش موقت، أما في حالة الإخوان، فإن قدرتهم على المراوغة في الخطاب والتستر مرة بعباءة الوطن، ومرة بعباءة حقوق الإنسان ومرة بعباءة الوطنية… إلخ تزيد من قدرتهم على كسب الجمهور، وهذا ما يفسر كيف فاز الإخوان في مقاعد البرلمانات العربية في كل من مصر وتونس وفلسطين والمغرب، في ذروة ما سمي “الربيع العربي”، لكن فشلهم في تجربة الحكم، دفعهم لإعادة تكييف وبلورة خطابهم للظهور مجدداً.
تتمثل خطورة الفكر الإخواني في سعيه للوصول إلى السلطة، حتى لو كان على حساب تدمير الهوية الوطنية والقومية للمنطقة، في مقابل ترويج الرؤية الأممية لحركة الإخوان المسلمين العالمية، وهو ظهور منظم ومخطط له بعناية، على العكس من حالة داعش وأي تيارات أصولية متطرفة، والتي غالباً ما تكون موقتة، أو ردة فعل على ظروف معينة لا تدوم.
* باحث وأكاديمي فلسطيني.