تسبر دراسة بعنوان: «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش» خطاب تنظيم «داعش» الإرهابي، ويغوص في أعماقه في محاولة لتفكيكه، عبر مناقشة ثلاث قضايا جوهرية: تحديد العنف اللفظي، وبيان مظاهره اللغوية والخطابية ومقاصده التداولية، وإجراء تصنيف أو نمذجة لأشكاله، والكشف عن الآليات الدلالية والتداولية والسيميائية «للعنف اللفظي» انطلاقاً من خطابات تنظيم «داعش».
وترى الدراسة التي أصدرها مركز «المسبار» للدراسات والبحوث، أن استراتيجية «داعش» تستفيد من الأزمات التي يعانيها الأفراد، على مستوى الهوية الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية، إذ إن الأمر يتعلق بأزمة هوية تطاول المجتمعات المعاصرة، ليأتي «داعش» ويقدم نفسه بديلاً للدولة الوطنية وللأسرة.
ولذلك كان الشباب الأكثر عرضة للتطرف العنيف، هم أولئك الذين يعانون من صعوبة الاندماج في مجتمعاتهم، وفي العثور على مكان لهم فيها، لذا يطمحون من خلال انضمامهم للتنظيمات المتطرفة إلى عيش شكل جديد من أشكال الذاتية والحرية، وذلك ما يقدمه «داعش» من خلال خطاباته، من تركيز على الهوية والتحريض على الكراهية والرفض من المجتمع، والعنف ضد الدول «الملحدة والمرتدة والكافرة» بحسب وصفه، ومن يساند هذه الدول من شرطة وجيش وعلماء، ويسعى لتكريس القداسة والشرعية وتمجيد الخليفة وجنوده، ويرسخ ذلك عبر ترديد أوصاف مثل: جنود الخلافة، وأسود الخلافة، وفرسان الجهاد، وغيرها، ما تعج به مجلاتهم وأشرطة الفيديو الدعائية.
وحمل الفصل الأول من الدراسة عنوان: «العنف اللفظي: بحث في الدلالة والخطاب». وواجه الباحث صعوبة جوهرية تكمن في كون العنف اللفظي ليس موضوعاً واضحاً ودقيق المعالم، بل هو مفهوم يطابقه تعريف دلالي متغير، تختلف دلالته بحسب مجالات استعمالاته، فمعناه يتغير بسرعة مع مرور الوقت ارتباطاً مع أحداث الحياة السياسية، إذ يتحول بموجبها العنف خصوصاً عند التنظيمات المتطرفة إلى تطرف ثم إلى إرهاب.
ولإعادة بناء مفهوم العنف اللفظي استعان المؤلف بنموذج نظري في «اللسانيات التداولية»، يأخذ في الاعتبار دلالة الممكنات الحجاجية التي ترتكز على دمج الدلالة في التداوليات، وفك شفرات المعنى المعجمي كما تضمره خطابات «داعش».
في الفصل الثاني، والذي حمل عنوان: «العنف اللفظي: الاقتضاء التداولي والخطابي»، ناقش الكاتب ما إذا كان «داعش» استطاع في خطاباته السيطرة على اللغة التي يتكلمها فاعلاً بها ما يريد وفق شروطه الخاصة ومشكلاً إياها وفق تصوراته المسبقة، أم أن اللغة تلعب دوراً أساساً في عملية التعبير، في شكل تفرض شروطها وتتحول متكلماً نيابة عن التنظيم.
ومن خلال دراسة «التحيز اللغوي»، نفى الكاتب ومن خلال أقوال التنظيم كون اللغة عندهم مجرد بنيات لغوية فحسب، بل هي أيضاً أفعال كلامية ينجزها المتحدث باسم التنظيم ليؤدي بها أغراضاً ومقاصد مباشرة أو غير مباشرة. وأظهرت خطابات «داعش» كيف أن اللغة يمكن أن تستخدم لتنجز وعداً أو وعيداً أو تصريحاً أو تهديداً أو توبيخاً أو ترهيباً أو ترغيباً، وذهب تنظيم «داعش» بعيداً في استعماله لهذه اللغة لخدمة مقاصده، مستغلاّ وظيفتها الإقناعية.
وفي الفصل الثالث «العنف اللفظي: الآليات السيميائية والتأويلية»، وبعنوان: «السيمياء وجاذبية الدعاية الداعشية»، أشار الباحث إلى قضية مهمة تتمثل في الخطاب الداعشي على الشبكة العنكبوتية، والذي وجد التنظيم فيها هويته الإلكترونية، وأكد على أن الدعاية الرسمية للتنظيم والمنشورة على شبكة الإنترنت هي دعاية أكثر تعقيداً من تلك التي نملك عنها تصوراً، والتي تروج لها وسائل الإعلام الرئيسة. وركز في هذا المبحث على التقنيات الجاذبة التي تستعملها الدعاية الجهادية الداعشية لتجنيد المتعاطفين الجدد.