محمد الهاشمي∗
لم تكن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للأزهر زيارة تقليدية أو روتينية بأي من المقاييس، بل كانت في مصاف الزيارات التاريخية من نواح عدة ، لا لأنها أول زيارة لعاهل سعودي من نوعها فقط، ولا لأنها أتت ضمن مرحلة شديدة الوضوح من التوافق الخليجي- المصري على مسارات السياسة، بل لأنها تعني أن هناك أيضاً عهداً جديداً من العمل الجاد في مواجهة التطرف الطائفي والديني يجري بين قوتين دينيتين سنيتين كبيرتين، ممثلتين في المؤسسة الحاكمة للمملكة العربية السعودية السلفية الحنبلية الهوية، وتلك السنية الأشعرية في مصر ممثلة بالأزهر الشريف، وهو الأمر الذي لم يكن بمثل هذا الوضوح في أي وقت مضى.
لم تكن العلاقة بين السعودية والأزهر قد عهدت هذا الالتقاء الواضح، وإن كانت هناك مراحل سابقة قد شهدت شيئاً من التوافق والعمل المشترك من دون أن يتخذ الأمر صفة التعاون الرسمي أو الاتفاق، بل إن المدرسة “السلفية” أو “الوهابية” ممثلة في كبار علمائها داخل المملكة، وكبار علماء السلفية في مصر، عاشت صداماً في مراحل عدة مع مشيخة الأزهر حول قضايا الفقه والعقيدة والأسس الدينية وحتى التوجه السياسي. يضاف إلى ذلك أن مرحلة الحكم الإخواني شهدت توتراً من نواحٍ عدة داخل مؤسسة الأزهر، كادت أن تنجح في تحويل الاختلاف الفقهي والعقدي إلى نوع من الخلاف والصراع على الهوية المؤسسية للأزهر، تحول إثرها إلى صراع على تعريف الهوية الدينية والطائفية لمصر، وهي لعبة استخدمها بعض ممثلي الأزهر في ذلك الوقت؛ لسكب الزيت على نار الاتهامات الموجهة لقيادات الأزهر بالانتماء إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك والحزب الوطني الذي تم حظره وتفكيكه بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011. كما أن الأزهر شهد تنوعاً في الانتماءات الفكرية لم يشهده من قبل إبان تلك المرحلة، وكانت هناك مؤشرات واضحة لصعود تيارات فكرية سنية عدة تصارع القيادةَ الأزهرية ذات التوجهات الصوفية الأشعرية على النفوذ من داخل أروقته في ذلك الوقت، وعلى الأخص طلبته ومشايخه المنتمون للتيارين السلفي والإخواني. كما زاد من تصاعد حساسية هذه المواجهات بين التيارات داخل الأزهر، إسقاط حكم الإخوان ممثلاً في الرئيس محمد مرسي، وتهميش دور حزب النور السلفي فيما لحق ذلك من مراحل، وحتى انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيساًكل ما سبق يزيد من أهمية ما تمثله زيارة خادم الحرمين الشريفين من مؤشرات وإجابات حاسمة على كل ما كان يلقي بظلاله على مساري السعودية ومصر الدينيين، وهو ما ينعكس على مساريهما السياسيين في المستقبل. وقد حوّل قرار الزيارة الحديث عن إمكان التوافق بين دول المنطقة على تعريف “الوسطية” إلى حديث عن جهد خادم الحرمين لإصلاح المؤسسة الدينية من الداخل، بإذابته للخصومة المفترضة للوهابية مع قيادات الأزهر، واتفاق كل من السعودية ومصر على مواجهة طرف ثالث تجب محاربته، لا يمثل الأزهر ولا الفكر الديني للمؤسسة الحاكمة في السعودية جزءاً منه. هي رسالة من العاهل السعودي والمصري بأن ذلك الطرف الثالث لا ينتمي إلى ما تمثله السعودية دينيا بنفس درجة عدم تمثيل الأزهر له.
بتلك الزيارة تتضح جدية أهداف العلاقة الجديدة بين السعودية والأزهر، نحو بنائهما مرحلة جديدة من التعاون من أجل زيادة رقعة التسامح الديني في المنطقة، ونشر الفكر الوسطي ومحاربة التطرف والإرهاب، من خلال الإسهام السعودي في مشروعات الأزهر، حتى تلك المتعلقة بالبنية التحتية عدا عن العمل الفكري. كما أن في الزيارة رسالة واضحة بأن القيادتين السعودية والمصرية وحلفاءهما متفقون على حدود مساحة الدور الديني المؤسسي في مستقبل القطرين، ومستقبل المنطقة السياسي، في مواجهة أطراف تهدد استقرارها، سواء كانت “داعش” أو القاعدة أو إيران، أو كانت تختبئ تحت عباءة الحقوق السياسية لنشر الدين السياسي وأجنداته التي تهدد هوية الأوطان وسلم المجتمعات.
∗ كاتب إماراتي، ومستشار في مركز المسبار للدراسات والبحوث