المصدر: قناة (تساري غراد – Царьград) الروسية المحافظة، وتعني التسمية الروسية القديمة للقسطنطينية “مدينة القيصر”[1].
كتابة: مجموعة من الخبراء الأوراسيين في مركز كاتيخون للدراسات.
لفت دعم تركيا المتزايد لأذربيجان انتباه العديد من الخبراء إلى سلسلة من الأحداث التي تُظهر سلوك أنقرة الذي بات يتسم بالعدوانية المتزايدة في السياسة الخارجية، وارتباط هذه السلوكيات بسياسات داخلية توضح توجهاتها الحقيقية على الساحة الدولية، لاسيما بعد تغيير وضع متحف كنيسة القديسة صوفيا وإقامة صلاة الجمعة فيها.
أصبحت تصريحات القيادة التركية حول الأيام الخوالي العظيمة للإمبراطورية العثمانية التي يجب إرجاعها لافتة ومرتبطة بالتأكيد بهذه العوامل. تنتهج تركيا بنشاط سياسة متعددة الاتجاهات تتجاهل فيها مصالح اللاعبين الآخرين. يتم فيها الجمع ما بين أساليب القوة الناعمة والصلبة بمهارة. كما يلعب عامل القوة دورًا خاصًا، حيث تمتلك أنقرة عددًا من الأدوات والخبرة الواسعة في هذه المجال.
قدم معهد دراسات الحرب الأمريكي، تحليلاً للتحركات التركية في سوريا، والذي يشير إلى أن القوات المسلحة التركية استمرت بالانتشار في محافظة إدلب من 1 أبريل (نيسان) إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، على الرغم من حقيقة أن تركيا دخلت في اتفاقية خفض التصعيد مع روسيا من 5 مارس (آذار) 2020. يوجد فرقة عسكرية من الجيش التركي، تتكون مما يزيد عن (20) ألف جندي، كانوا موجودين في إدلب بالسابع من أكتوبر (تشرين الأول) في (67) موقعًا عسكريًا تشمل وحدات من المشاة الآلية والمدرعات والمدفعية، التي من المرجح أن مهمتها احتواء أي تقدم لقوات الجيش السوري.
كما تمركزت وحدات تركية جديدة جنوب الطريق السريع (M4) شمال غرب سوريا في مناطق سهل الغاب وجبل الزاوية وجسر الشغور، وهي الأهداف الأكثر احتمالاً لهجوم النظام، ومن المحتمل أن تؤدي عمليات الانتشار الجديدة هذه إلى ارتفاع مستويات القوات الإجمالية حتى بعد أن سحبت تركيا “مئات” من قواتها المسلحة الرسمية والقوات بالوكالة في 8 سبتمبر (أيلول) واستمرت في نشر المقاتلين السوريين في ليبيا وأذربيجان.
قدر المعهد الأمريكي في 18 سبتمبر (أيلول) أن روسيا وتركيا ربما توصلتا إلى اتفاق لاستئناف هجوم النظام على إدلب في محادثات 16 سبتمبر (أيلول). إلا أن الأحداث اللاحقة أظهرت أن روسيا وتركيا لم تتوصلا إلى تسوية، وتحاولان الآن الضغط على بعضهما البعض لإجبار كل طرف على استئناف المفاوضات بشروط مواتية. بينما تنخرط القوات الروسية والسورية في تصعيد حركي محدود على طول الخط الأمامي الجنوبي لإدلب للضغط على تركيا، التي عزز جيشها من مواقعه العسكرية عبر قواته والقوات بالوكالة للضغط على روسيا.
في 22 سبتمبر (أيلول)، نشر الجيش التركي وحدات مدرعة إضافية بالقرب من مدينة أريحا بمحافظة إدلب. كما قامت سبع قوافل بإجمالي (160) مركبة عسكرية -على الأقل- بتعزيز المواقع التركية المختلفة بالقرب من أريحا وجسر الشغور بالثالث والرابع من أكتوبر (تشرين الأول). كما عزز الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا موقفه وزاد استعداده حسبما ورد في جبل الزاوية بالفترة من الثالث والرابع من أكتوبر (تشرين الأول). من المرجح أن يكون هجوم الجيش السوري دون الحصول على إذن متفق عليه مع تركيا مكلفًا للطرفين، بالنظر إلى القطع الكبيرة من المدفعية والعربات المدرعة.
أما عن تورط تركيا في الصراع الأرميني- الأذربيجاني، بحسب المحلل التركي فهيم تستكين، فالهدف الأساسي للموقف التركي هو الدخول في معادلة القوى بالقوقاز، بالإضافة إلى الحصول على تنازلات من روسيا في الصراعين السوري والليبي. قد تحاول أنقرة تشويه سمعة مجموعة مينسك بالكامل واستبدالها ببرنامج تسوية جديد بقيادتها مع موسكو.
في الوقت نفسه، يقال: إن هدف أذربيجان وتركيا هو الاستيلاء الكامل على مرتفعات قرة باغ/ أرتساخ، وليس فقط المناطق السبع المحتلة المجاورة. كذلك تراجع النفوذ الروسي في المنطقة أمر يُسعد أنقرة، كما أن مشاركة تركيا إلى جانب أذربيجان تحد من احتمالات تأثير موسكو على باكو؛ نظراً لأن العلاقة بين أنقرة وباكو تستند أيضًا إلى عوامل اقتصادية، حيث يلعب الاقتصاد دورًا رئيسًا في علاقات تركيا مع دول جنوب القوقاز.
لا يتوقف الدور التركي على جنوب القوقاز فحسب، بل بالمنطقة المحيطة بها بأكملها، لذلك أعلنت عدة دول عربية مقاطعة المنتجات التركية للحد من نفوذها، وذلك بالتاسع من سبتمبر (أيلول) في اجتماع لجامعة الدول العربية، الذي اقترحت فيه مصر تشكيل جبهة موحدة ضد تركيا لتدخلها في شؤون الدول العربية.
بلغت صادرات البضائع التركية إلى الدول العربية عام 2019 ما قيمته (17) مليار دولار بنسبة (19٪) من إجمالي صادراتها. المشتري الرئيس عربيًا العراق، تليها الإمارات ومصر والسعودية التي تسعى بالفعل إلى مقاطعة غير معلنة للعلاقات الاقتصادية مع تركيا.
ليبيا موضوع منفصل للتوسع التركي. كما كتب مصطفى فتوري:
انتهز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة حياته بابتزاز حكومة الوفاق الوطني المهتزة بتوقيع معاهدات بحرية وأمنية مقابل تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي لها. لقد جعل حلم تركيا بالسيطرة على البحر المتوسط حقيقة واقعة.
كذلك سمح هذا الاتفاق لأنقرة بالمطالبة بمناطق اقتصادية كبيرة من النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، واضعًا الاتحاد الأوروبي في وضع صعب مع مساحة صغيرة للمناورة.
مع الأخذ في الاعتبار مصالح مصر واليونان وقبرص في البحر المتوسط، وهنا يلعب الجانب التاريخي دوراً مهمًا؛ حيث لم يتم إغلاق صفحاته بين هذه الدول والأتراك بعد. هناك خطر تصعيد متزايد بالمنطقة وإمكانية لحدوث اختلافات واحتكاك بين هذه الأطراف وأنقرة. من الواضح أن موقف تركيا الأحادي الجانب غير مقبول ليس فقط لهذه البلدان، ولكن للاتحاد الأوروبي بأكمله في الوقت نفسه، يجب أخذ موقف تركيا بشأن شبه جزيرة القرم في الاعتبار لأن أنقرة لا تعترف بها كجزء من روسيا ولديها مصالحها الخاصة هناك. بدأ نفوذ تركيا في شبه جزيرة القرم في النمو أواخر التسعينيات، ولذا خلق انتقال القرم إلى روسيا انزعاجًا لتركيا، وسعت لخلق مشكلات لروسيا هناك.
على الرغم من أن اتصالات روسيا مع الاتحاد الأوروبي محدودة بسبب العقوبات والإجراءات غير الودية لعدد من أعضائه تجاه موسكو، فإنه لا يزال من المنطقي اتباع نهج انتقائي وإقامة تفاعل مع بعض الجهات الفاعلة لتطوير آليات لاحتواء تركيا. كما يبدو التعاون مع عدد من الدول العربية واعدًا بشكل أكبر، حيث إنها لا تدعم العقوبات المفروضة على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي، وإذا لزم الأمر يمكنها بسهولة أن تعوضنا عن الصناعات التركية التقليدية المطلوبة في روسيا، وتشكل سوقًا مهمًا للسياحة الروسية وتوريد المنتجات الزراعية. التنويع في عصر التعددية القطبية الناشئة لن يفيد إلا الاقتصاد الروسي، وعلينا ألا نترك أسواقنا يحتكرها الأتراك.
[1] Честь России важнее помидоров: Эрдоган играет с огнём – Tsargrad TV – Аналитическая группа Катехон – 09 October 2020, https://tsargrad.tv/articles/chest-rossii-vazhnee-pomidorov-jerdogan-igraet-s-ognjom_287362