المؤلف: برايان فيشمان
برايان فيشمان : زميل أبحاث مكافحة الإرهاب في مؤسسة أمريكا الجديدة، وزميل مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت. يدرس دورة حول الإرهاب الحديث في كلية جامعة كولومبيا للشؤون الدولية والعامة (مع عساف مقدم) وخطوط الصدع في الجهاد العالمي: الشروخ العملية والإستراتيجية والأيديولوجية.
ترجمة : منتصر مختار
المصدر: مجلة مركز مكافحة الإرهاب الأمريكية، مايو(أيار) 2012.
http://www.ctc.usma.edu/posts/the-evidence-of-jihadist-activity-in-syria
حقوق الترجمة محفوظة ©
نُشرت المقالة في كتاب المسبار التاسع والستين، الخليج والربيع العربي الدين والسياسة، أكتوبر 2012.
بينما تستعد الأمم المتحدة لتوسيع مهمة بعثة المراقبين التابعة لها في سوريا، وبينما يناقش المجتمع الدولي الأهداف التي يجب أن تحقق عبر هذه البعثة، هناك حديث موازٍ يجري في المجتمع الجهادي العالمي، والذي نجد فيه أن أصوات الجهاديين تطالب بشكلٍ كبير بالإطاحة بنظام بشار الأسد، انعكاساً لموقفهم في ثورات الربيع العربي الأخرى.
وفي سوريا، وعلى النقيض للوضع في غيرها من ثورات الربيع العربي، يبدو ارتباط الجهاديين فيها بالقاعدة ذا صلة بالقدرة العسكرية على الأرض، ويعد الدليل على قدرة الجهاديين العسكرية أمراً بعيد المنال، ولكن بالنظر لخمسةٍ من المؤشرات، نجد أنها توحي بشكلٍ إجمالي بأن هناك عنصراً جهادياً نشطاً يعمل على الأرض في سوريا، والذي يجب بطبيعة الحال الاعتراف بوجوده لأغراض تخطيط السياسات.
وتتلخص هذه المؤشرات في الآتي :
· المؤشر الأول: الإعلان بشكلٍ عام عن تنظيم جهادي في سوريا أطلق عليه اسم “جبهة النصرة”، وتبنّى هذا التنظيم التكتيكات والاستراتيجيات وأساليب الدعاية المعتمدة من قبل تنظيم القاعدة.
· بينما يتمثل المؤشر الثاني: في دعوة أمير القاعدة أيمن الظواهري، إلى العنف في سوريا، وترديد رسالته من قبل القادة الفكريين للجهاديين.
· والمؤشر الثالث: الهام وغير الجهادي ينصب في الأصوات العربية التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات خاصة لقلب نظام حكم بشار الأسد، وقيام هذه الأصوات بصياغة النضال بوصفه معارضة للاحتلال، وهو خطاب يعتبره الجهاديون مُجسداً ومؤكداً لدعواتهم إلى الجهاد العنيف، وليس مجرد مقاومة محلية لحكومة فاسدة.
· يعتبر المؤشر الرابع في وجود تقارير موثوق بها عن مقاتلين أجانب يحاولون التسلّل عبر الحدود السورية، منهم أعداد انتسبت إلى الحركات الجهادية.
· وأخيراً، فإن المؤشر الخامس يتعلق بالارتباط النشط للقاعدة بالعراق، المجاورة لسوريا، والتي لديها قدرات لوجستية منذ مدة طويلة في سوريا.
تشير هذه العوامل في مجملها إلى أن الجهاديين، وربما القاعدة على وجه التحديد، لديهم النية والقدرة على العمل في الثورة السورية التي تُعد فريدة من نوعها، مقارنة بثورات الربيع العربي في غيرها من الدول، وفي الواقع، لا يعني ذلك هيمنة الجهاديين على الثورة في سوريا، وكما هي الحال في أغلب الصراعات التي يعملون فيها، فإنهم يمثلون تقريباً نسبة صغيرة من المقاتلين في سوريا، ولذلك من غير المحتمل أن يظفروا بسيطرة سياسية تؤدي إلى هيمنتهم بأي شكلٍ من الأشكال على الثورة.
على الرغم من أن هنالك إجماعاً عاماً على أن دعم الانتفاضة في سوريا يعتبر واجباً دينياً، إلا أن هناك خلافاً داخلياً بين الجهاديين؛ حول كيفية التعامل مع الصراع في سوريا، حيث يختلف الجهاديّون حول إذا ما كان الدعم والمساعدة يجب أن يذهبا فقط إلىجماعة جهادية صغيرة، مثل: “جبهة النصرة”، أو إذا ما كان يمكن أن يوفر للمجموعة الأكثر قوةً من المسلحين والمعروفة باسم “الجيش السوري الحر”. فضلاً عن اختلافهم أيضاً حول إذا ما كان إلزاماً على الجهاديين أن يسافروا للقتال في سوريا أو أن ينحصر الدعم في قيامهم بتوفير الدعم المادي.
هذه الخلافات تعكس ضعف الجهاديين في الصراع السوري مقابل الجيش السوري الحر، وتشير أيضاًإلى أن الكوادر الجهادية العنيفة في سوريا سوف تتحول عن الجيش السوري الحر والقوميين السوريين في حال سقوط نظام بشار الأسد.
إن وجود الجهاديين يؤدي إلى تفاقم الوضع في سوريا، حيث من المرجح أن يؤدي إلى دعم النظام السوري سياسياً ويجعل المعارضة منقسمة. من ناحية أخرى، لا ينبغي أن يكون وجود العنصر الجهادي في حركة التمرد، عاملاً حاسماً في تحديد إذا ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستقدم دعماً سياسياً أو مادياً أقوى للمتمردين والثوار أم لا.
وأخيراً، فإن القاعدة وحلفاءها يسعون إلى صراعٍ أكثر عمقاً في سوريا، كما هي الحال في أغلب المناطق التي يعمل فيها تنظيم القاعدة، ويجب على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية أن توجه للتصدي والكشف عن هذه الديناميكيات وغيرها من العوامل الإقليمية والجيوسياسية المؤثرة، وخاصةً نفوذ إيران.
الأدلة على وجود الجهاديين في سوريا: العوامل الخمسة
1- جبهة النصرة: حليف للقاعدة في سوريا؟
في 24 يناير عام 2012م، وبعد ما يقرب من تسعة أشهر من بدء التمرد السوري، أعلنت جماعة جبهة النصرة الجهادية وجودها في سوريا، حيث قامت عبر استغلال نموذجيٍ لمبادئها الجهادية وآليات التوزيع والدعاية بإعلان الحرب على نظام بشار الأسد الاستبدادي، وقامت أيضاً بالشجب والتنويه إلى تدخل الجامعة العربية والتدخل الغربي والتركي في سوريا، وهو ما يناقض دعوات قادة الناشطين السوريين، بما في ذلك تلك التي ترتبط بالجيش السوري الحر، للحصول على المساعدة الدولية.
كانت الجماعة قاسية بشكلٍ خاص على جهود الأمم المتحدة الرامية إلى الوصول إلى وقف إطلاق النار في سوريا، والسبب في ذلك -حسب حجتهم- أن هذه الخطة ساعدت ببساطة نظام الأسد لمواصلة مهاجمة المتمردين السوريين.
في الواقع، قامت جماعة جبهة النصرة بدلا من القيام بحرب تحرير من حكومة بشار الأسد الاستبدادية، باتخاذ القتال ضد الأسد من منظورٍ طائفي، حيث حثت السنة من الجهاديين على شن حربٍ على النظام السوري، باعتبار أن الطبقة الحاكمة هي في الغالب من طائفة الشيعة المعروفة باسم “العلويين”.
ونجد ذلك واضحاً في تصريح الجماعة، الذي جاء فيه: “أي شخصٍ عاقل يمكن أن يشعر بالجهود الإيرانية في السنوات السابقة، والتي وقفت جنباً إلى جنب مع نظام الأسد؛ لنشر الفكر الصفوي في هذه الأرض المباركة من أجل استعادة الامبراطورية الفارسية… بلاد الشام هي رئتا هذا المشروع الإيراني”.
وقامت الجماعة أيضاً بالإعلان عن تبني سلسلة من الهجمات كما في الآتي:
– هجومان انتحاريان بمدينة حلب في 10 فبراير 2012.
– هجمات انتحارية ضد مبنى للشرطة ومبنى مخابرات القوات الجوية السورية في 17 مارس من العام نفسه.
– هجوم انتحاري على وحدة عسكرية سورية لمسؤوليتها عن مجزرة في مدينة النبطية في 20 أبريل.
– تفجير في المركز الثقافي الإيراني بدمشق في 24 أبريل.
– هجوم انتحاري بالقرب من مسجد العلوية في حي الميدان بدمشق في 27 أبريل.
– سلسلة من محاولات الاغتيال ضد مسؤولين سوريين على وجه الخصوص باستخدام ما يسمى بالقنابل “اللزجة” وهي قنابل تلصق على المركبات.
الجدير بالذكر أن الجماعة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات الانتحارية التي حدثت بدمشق في 22 ديسمبر 2011م، وذلك قبل شهر من الإعلان الرسمي عن الجماعة.
وكان هذا الحال أيضاً في الهجوم الانتحاري الذي حدث في 10 مايو 2012م، الذي استهدف فيما يبدو فرع مكتب المخابرات العسكرية الفلسطينية في دمشق، حيث تبرأت الجماعة من خلال وسائلها الإعلامية (الجناح الإعلامي للجماعة) عبر بيانٍ صحفي، من شريط الفيديو الذي يبين زوراً مسؤوليتها عن الهجوم على حد وصفها.
نجد أن البيان يتبرأ مما ورد في الشريط، من بيانٍ وُصف بالكاذب؛ لإشارته إلى مسؤولية الجماعة، ولم يتبرأ البيان من الهجوم، وهذا يشير إلى أن الجناح الإعلامي للجماعة يجهل ببساطة العمليات التي تقوم بها الجماعة.
انتقدت أساليب جماعة جبهة النصرة الدعائية إلا أن ذلك يجعلها جذابة لكثيرٍ من المجندين المحتملين. يشرح شريط الفيديو ذو الجودة العالية في 45 دقيقة، والذي يُظهر المسؤولية عن هجمات حلب، أن الغرض من الهجوم كان للانتقام لـ “نساء سوريا الحرات”؛ لتعرضهم لهجومٍ من قبل الأجهزة الأمنية السورية.
حيث تظهر في هذا الشريط امرأة مرتدية للنقاب وهي تبكي بحسرة وتروي أن خمسة رجال من الجيش السوري اقتحموا منزلها وقتلوا ابنها الصغير، وأحرقوها بالسجائر ومن ثم قاموا باغتصابها.
وبعد ذلك يُقطع الفيديو ويظهر رجل يدعى أبوالبراء الشامي، والذي قال صراحةً: إن الشباب لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي في حين تتعرض النساء المسلمات لسوء المعاملة في سوريا: “أقسم بالله أن أخواتنا في حمص قد استنجدوا بنا لمساعدتهم، ولقد رأيت بأم عيني أختاً تعرض منزلها للهجوم من قبل خمسة من بلطجية الأسد… حيث اغتصبوها واحداً تلو الآخر وقتلوا ابنها، لقد طلبت مساعدة كل الرجال المسلمين الشباب… إن جميع الشباب الذين يتبعون المسار الذي أتبعه لا يسعهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام معاناة هذه الأخت.
نجد أن احتكامالجهادية إلى الرجولة ليس بجديد، بل إن نهج جبهة النصرة يذكرنا بأسلوب القاعدة في العراق عندما كانت في وقتٍ سابق تستخدم أشرطة فيديو للتجنيد والتي كانت تتهم من خلالها القوات الأمريكية باغتصاب النساء العراقيات. إن مثل هذه النداءات العاطفية لا تعتمد على الفكر الجهادي وينبغي أن تُفهم على أنها دعوة للحصول على دعم الجميع.
تُحاول جماعة جبهة النصرة إلىجمع الاحتكام إلى التجنيد الجذاب على الإطار الواسع مع الفكر الجهادي المتشدد الذي يتصف بجاذبية أقل بكثير من التجنيد.والجدير بالذكر، أن أنصار الجهاديين على الانترنت يمجدون جماعة جبهة النصرة، إلا أنه ليس من الواضح كم الدعم الذي تلقاه الجماعة داخل سوريا.
أما الحملة الدعائية الثانية الكبيرة للجماعة كانت في شريط الفيديو الذي يظهر رجلاً لم يكشف عن اسمه في مسجدٍ مكتظ بالمصلين، يحرضهم على العنف الطائفي ملوحاً ببندقية بيده.
تبدو هذه الصور مصممة لكي توضح أن جماعة جبهة النصرة تحظى بدعمٍ شعبيٍ في سوريا، وبطبيعة الحال لا توضح هذه المشاهد اذا ما كانت قد صُوّرت هناك أم لا أو حتى اذا كان الرجل في الشريط الثاني يمثل حركة واسعة.
2- الدعم الخطابي للجهاد في سوريا، وجدل حول الجيش السوري الحر
مهما كان حجم الدعم الفعلي لجماعة جبهة النصرة في سوريا، فقد حفز الإعلان عن تشكيل جبهة جهادية هناك، الجموع المحبة في الخارج على أن تدعم، أو تقاتل تحت الراية أو اللافتة “النقية” للجهاد، وهو مفهوم متأصل في العقيدة الجهادية.
في عام 1979م، حثّ عبدالله عزّام معظم المسلمين على دعم المجاهدين الأفغان بدلاً من الفصائل الفلسطينية؛ لأنه كما يراه، “العَلم الإسلامي الذي رُفع فيأفغانستان واضح”، بمعنى غير مشوه بالقومية.
وليس من المستغرب فيه، أن الخطاب الجهادي الذي يدعو إلى العنف في سوريا قد نما بشكلٍ أكثر تشدداً وبروزاً منذ أن أثارت جماعة جبهة النصرة الراية “النقية”.
كان البيان الجهادي الأكثر أهمية ما صدر في فبراير 2012م، لدعم الجهاد في سوريا عبر أيمن الظواهري، أمير القاعدة الجديد. وقام فيه بمطالبة “كل مسلمٍ وكل حرٍ ونزيه في تركيا والعراق والأردن ولبنان على النهوض ومساعدة إخوانهم في سوريا بكل ما لديهم وما وسعهم القيام به”. كانهذا البيانأكثر عدوانية من بيان يوليو 2011م، الذي أيد إطاحة الأسد، لكنه امتنع عن دعوة الجهاديين للانضمام إلى القتال.
إن بيان الظواهري بشأن سوريا لم يكن غير مسبوقٍ تماماً، حيث نجده حثّ أيضاً الجهاديين قرب ليبيا للمساعدة في الإطاحة معمر القذافي، ولكن رسالة زعيم القاعدة تُجاه سوريا كانت تحمل وزناً أكبر لعددٍ من الأسباب:
وجود فصيل جهادي مُعلن عنه في سوريا؛ وحقيقة أن تنظيم القاعدة في العراق أو دولة العراق الإسلامية مجاورة، هو حال غير متطابق أو متوفر في غيرها من الثورات الربيع العربي (القاعدة في الجزائر والمغرب الإسلامي أقل قدرة عسكرياً)، ولأن بيان الظواهري، يتزامن مع موجة كبيرة من التأييد الخطابي الجهادي للحركة الثورية في سوريا.
من ناحية أخرى، حثّت مجموعة واسعة من قادة الفكري الجهادي المسلمين لدعم التمرد والثورة في سوريا. يأتي في مقدمتهم البروفيسور الأردني أكرم حجازي، الشيخ الكويتي حامد العلي، والفلسطيني أبوقتادة (الآن في لندن)، و الشيخ الموريتاني أبومنذر الشنقيطي (عضو منبر التوحيد والجهاد شورى، وهو دليل أيدلوجي قيادي للمجاهدين)، والقيادي الأردني السلفي، أبومحمد الطحاوي.
وكان كل من الشيخ الشنقيطي والطحاوي الأكثر تشدداً، وقد أيدا جماعة جبهة النصرة بدلاً من جيش سوريا الحر لأنهم “يقاتلون تحت راية شريعةٍ واضحة”. الجدير بالذكر، أن الطحاوي ندّد ببعض المفكرين الجهاديين خاصة المقيم في لندن أبوبصير الطرطوسي، البارز لمعارضته المنافرة لسفر الجهاديين إلى سوريا وأن الثورة يجب أن لا تكون مسلحة، وربما بسبب قوته، لاقت دعوة الطحاوي للجهاد قبولاً في الصحافة العربية.
قد أثرت الإدانة والانتقاد على الطرطوسي، الذي انضم الآن فيما يبدو إلى المعركة في سوريا، ويبين شريط الفيديو الذي بُثّ على موقع اليوتيوب في 11 مايو 2012م، الطرطوسي في سوريا بين مجموعةٍ من الشبانيحمل بعضهمأسلحة، وليس من الواضح فيما إذا كان الطرطوسي يعمل مع جبهة النصرة، التي قام بانتقادها، أو فصيلٍ من جيش سوريا الحر.
في الواقع، يتمحور النقاش الأهم الذي يدور الآن بين الجهاديين حول الشاكلة التي ينبغي عليهم من خلالها التعامل مع جيش سوريا الحر، وفي الواقع لا توجد أصوات كبيرة تدعو إلى حربٍ فورية ضد جيش سوريا الحر، ولكن هناك قلق واسع النطاق حول نهج جيش سوريا الحر واستعداده للتعاون مع الجهات الدولية الفاعلة، والتي تقابل بالازدراء من قبل الجهاديين.
وأخيراً، يبدو أنالجهاديين على استعدادٍ للسماح لجيش سوريا الحر للعمل في الوقت الراهن، ربما بسبب الدروس القاسية التي واجهتها القاعدة في العراق على أيدي القبائل السنية ونجاح حركات الربيع العربي في متعدد الجوانب التي أدت إلى الإطاحة بالحكومات.
و كما جاء على لسان حامد العلي “يؤكد الجهاد على أنه يجب تأجيل كل الخلافات، والتباين في المفاهيم والسياسات والأولويات التي قد تضعف الجهاد، إلى ما بعد سقوط النظام”. وبعبارة أخرى، يجب على الجهاديين أن لا يعترضوا على جيش سوريا الحر في وجود الأسد. وبعد ذلك تكون القصة مختلفة.
3. ثورة باسم النضال ضد الاحتلال
إن المعركة في سوريا أدت إلى تضييق الفجوة بين الجهاديين والأنظمة العربية التي تريد أن ترى الأسد مخلوعاً من السلطة، وعلى الخصوص في المملكة العربية السعودية. في 25 فبراير 2012م، سمى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نظام بشار الأسد بـ”قوة الاحتلال”.
تناقلت وسائل الإعلام العربية هذا التصريح على نطاق واسع، ورحب به ترحيباً حاراً من قبل جيش سوريا الحر، وتم تناوله في التحليل الجهادي الجيوسياسي فيما بعد.
وبعد ذلك بأسبوعين، قال مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ: “من واجب كل مسلم مساعدة الشعب السوري، على حسبً قدراته… أي شخص يمكنه أن يفعل ذلك يجب أن يضع الجهاد ضد العلويين بروحه و/ أو المال، وأولئك الذين لا يستطيعون، يجب على الأقل أن يدعموا السوريين بالكلمات”.
إن سؤال إذا ما كانت سوريا “محتلة” يعتبر مهماً للمجاهدين، والسبب الرئيسي الذي يجعل أبوبصير الطرطوسي يعارض التدخل الجهادي في سوريا هو أنه يرى أنها ليست تحت الاحتلال الأجنبي، وهي حالة من شأنها أن تؤدي إلى الدعم الإيديولوجي للجهاد.
ومن ناحية أخرى، يرفض الجهاديون من دعاة العنف في سوريا والمرددين للّغة المستخدمة من قبل المسؤولين السعوديين، هذا الرأي إلى حدٍ كبير؛ لأن نظام الأسد من الشيعة العلويين ومدعوم من قِبل إيران.
إن عامل الطائفية المشترك بين الجهاديين والخطاب العربي المتعلق بسوريا يعد أمراً مثيراً للجدل؛ لأنه يعزز الاتجاه المنبثق من العراق، والذي يُردد الآن من قبل الجماعات الجهادية في لبنان كذلك، ولقد حاول الجهاديون في العراق إطلاق العنان للطائفية في شمال الشرق الأوسط منذ عام 2003م، و الذي تعززه الآن الحكومات ذات الهيمنة السنية في خطابهم.
وأخيراً في هذا الجانب، نجد أن من المملكة العربية السعودية تعتبر من بين الدول العربية التي كانت أكثر تشدداً تجاه نظام بشار الأسد، لمخاوف سياسية متعلقة بالشأن الإيراني.
إن التقاء المصالح السعودية والجهادية في سوريا يعتبر جزئياً، حيث يدعم السعوديون الجيش السوري الحر بقوة ودون خجل، مما قد يثير احتمالاً مقلقاً مفاده، أن السعوديين قد يستخدمون الجهاديين لأغراضٍ إستراتيجية، وهذا من شأنه أن يدعم الجهاديين للمضي قدماً، ويعكس التزاماً غير كامل من دولٍ مثل المملكة العربية السعودية للحد من حركة اجتماعية سياسية تؤيد القاعدة.
4- المقاتلون الأجانب في سوريا
يوضح المسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن الأجانب المقاتلين الذين تم تحديدهم في سوريا أعدادهم قليلة، فيما أشارت تقارير من عددٍ من الصحفيين إلى أن المقاتلين من الدول المجاورة لسوريا وغيرها يشاركون في الحرب.
معظم هؤلاء المقاتلين من غير المرجح أن ينضموا إلى أسلوب حملة القاعدة الرامي لقلب النظام الدولي، حيث أن السفر للمساعدة في ثورةٍ وتمردٍ ضد الأسد لا يعني بالضرورة الالتزام بالمنظور والتوجه الدولي للقاعدة.
ومع ذلك فقد استفاد الجهاديون المرتبطون بالقاعدة على نطاقٍ واسع من شبكات المقاتلين الأجانب في السنوات الأخيرة، فضلاً عن أن التقارير حول المقاتلين الأجانب الذين يحاولون دخول سوريا، تزيد من مخاطر رد فعلٍ سلبي للجهاديين من هذا الصراع في المستقبل.
يعتبر الأردن منطقة انطلاقٍ مهمة للأجانب الذين يتم تجنيدهم في سوريا، ليس فقط بسبب قربها، ولكن أيضا لوجود شخصياتٍ بارزة، مثل: أبومحمد الطحاوي، الذي يدعو إلى الهجرة لساحة المعركة السورية. يقول: عدد كبير من الشخصيات الجهادية في الأردن، و ما لا يقل عن 10 من الجهاديين الأردنيين تم سجنهم؛ لمحاولتهم السفر إلى سوريا.
في العراق عرضت مجموعة من الجماعات القبلية وشبكات المتشددين الدعم للثوار السوريين، على الرغم من أن كثيرا من تلك المساعدات خُصصت لعناصر من الجيش السوري الحر بدلاً من الجهاديين، ونجد وضوح الدعوة للعنف في سوريا من قبل الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، الجماعة السنية العراقية الوطنية في قولها “حمل السلاح ضد هذا النظام السوري”، والسعي إلى إسقاطه يعتبر واجباً بحكم الشريعة، مع العلم أن هذه الجماعة ليست جهادية.
تجدر الإشارة إلى أنه من المحتمل أن يكون المحاربون الليبيون الذين كافحوا معمر القذافي موجودين وفاعلين في سوريا، حيث ادعى مقاتلو المعارضة الليبية أنه قد تم قتل العديد من أبناء وطنهم في سوريا، وهناك تقارير عن محاربين ليبيين بين المعارضة السورية في جنوب تركيا.
ومع ذلك، فإن عدد المقاتلين الليبيين في سوريا يعتبر قليلاً على الأرجح، والتكامل والاتحاد المفترض بين الليبيين والمقاتلين السوريين في جنوب تركيا يعتبر أمراً ايجابياً؛ لأن هؤلاء المجندين يعملون مع الجيش السوري الحر، وليس مع جماعة جبهة النصرة أو الفصائل الجهادية الأخرى.
إن وجود الليبيين في سوريا يثير القلق للكثير؛ بسبب انتشار الجهاديين الليبيين بين الأجانب الذين انضموا إلى القاعدة في العراق عام 2007م. ولكن التدفق الموثق لليبيين إلى العراق خلال فترة زمنية قصيرة، يشير إلى شرحٍ أكثر تعقيداً من الدعم العام للنشاط الجهادي.
إن الشبكات اللوجستية التي استخدمها الجهاديون الليبيون للسفر إلى سوريا؛ للدخول إلى العراق عبرها، من غير المحتمل أن تكون الآن مفيدة، حيث أن معظم الجهاديين الليبيين المسجلين في سجلات سنجار، وهي مجموعة من وثائق المقاتلين الأجانب التي جُمعت بواسطة دولة العراق الإسلامية من أغسطس 2006م، حتى أغسطس 2007م، سافروا في بادئ الأمر إلى القاهرة ومن ثم عن طريق الجو مباشرة إلى دمشق، وهو طريق مراقب بسهولة من قبل الأمن السوري إذا رغبوا في ذلك (إشارة إلى أنهم لم يفعلوا ذلك في عام 2007م).
ومن ناحية أخرى، قام عدد أقل بالسفر من مصر إلى الأردن؛ للسفر عن طريق البر إلى سوريا، وهو طريق مفيد نظرياً اليوم بالنظر إلى تلميحاتٍ عن نية شبكاتٍ أردنية محاربة النظام السوري.
ومع ذلك، فإن الأمن الأردني قوي جداً، حيث قام بإلقاء القبض على بعض المقاتلين الأجانب المتوجهين إلى سوريا. وبالتالي، فإن معظم الجهاديين الليبيين الراغبين في القتال بسوريا أو العراق اليوم من المرجح أن ينضموا لمناصري الجيش السوري الحر الراحلين إلى جنوب تركيا أو لبنان.
5- شبكات القاعدة القائمة
إن السبب الرئيسي في أن تهديد القاعدة في سوريا يعتبر أمراً مقلقاً بشكلٍ أكثر من غيرها من حركات تمرد الربيع العربي يعود إلى وجود شبكات نشطة للقاعدة ذات الارتباط بدعمٍ من تنظيم القاعدة في العراق.
قام أنصار القاعدة في دولة العراق الإسلامية، باستخدام شبكات لوجستية واسعة في سوريا؛ لنقل المقاتلين الأجانب إلى العراق؛ لعقدٍ من الزمان تقريباً، وأحيانا بمساعدةٍ واضحةٍ بعناصر من الدولة السورية.
تشير سجلات سنجار، إلى أن شبكة معقدة من المهربين والمتسللين ينقلون الجهاديين إلى داخل ومن خلال وخارج سوريا، وفي عام 2008م، قامت القوات الأمريكية بمداهمة الأراضي السورية في عام 2008؛ لقتل أبي غادية، وهو زعيم لواحدة من أهم شبكات التهريب.
أورد دبلوماسيون تقريراً بأن “العشرات” من “الجهاديين “قاموا بالعبور إلى سوريا من العراق، وهو عدد على الأرجح يشمل أعداداً من عناصر القاعدة في العراق.
لقد تضاءلت القاعدة في دولة العراق بشكلٍ كبير من أقوى مستوى لها في أوائل عام 2007م، لكن الجماعة ظلت منظمة إرهابية ذات مقدرة في العراق واستمرت في استيراد الأيدي العاملة من خلال سوريا حتى أواخر عام 2010م على الأقل، على الرغم من زيادة اعتمادها على المقاتلين المحليين.
إن طرق التهريب في دولة العراق الإسلامية ليست أحادية الاتجاه، حيث تشير سجلات سنجار إلى أن دولة العراق الإسلامية نقلت المقاتلين من العراق عبر سوريا، وأنها قادرة على الأرجح في استخدام الشبكات المتبقية لنقل المقاتلين إلى سوريا اليوم.
وكما أشار مدير المخابرات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر في شهادته أمام الكونغرس، “إن العديد من شبكات التهريب التي تستخدمها دولة العراق الإسلامية عبارة عن عصابات إجرامية في الأساس، وليسوا جهاديين بشكلٍ واضح، في حين أن دولة العراق الإسلامية على الأرجح لديها شبكات وظيفية في سوريا اليوم، وهذه الشبكات تقتصر بالتأكيد على مجموعة فرعية من عناصر سورية توفر خدمات لدولة العراق الإسلامية في سوريا، كما ورد في سجلات سنجار.
إن دعم دولة العراق الإسلامية للعنف في سوريا من غير المرجح أن يتخذ شكل أعداد كبيرة من المقاتلين، ومعظمه سيكون في شكلٍ غير مألوف مرتبط بمعالم لوجستية أو سياسية للصراع.
وبطبيعة الحال، فإن الدعم الأكثر إثارة للقلق قد يتعلق بقيام دولة العراق الإسلامية بتوفير المدربين وصانعي القنابل، مما سيخلق مشكلة استخباراتية للحكومات والصحافيين والأكاديميين الذين يحاولون قياس وجود الجهادية في الصراع.
هؤلاء المقاتلون أقل عرضة في الكشف عن هويتهم في الخطوط الأمامية أو وجودهم موتى أو جرحى في المستشفيات، وفي الأماكن التي يوجد بها ضباط المخابرات والصحفيون الذين سيبحثون عن وجودهم.
ومن غير المحتمل أن يكون بمقدور المحققين من الخارج الوصول إلى الأماكن التي يعمل من خلالها الجهاديون كالبيوت الخاصة والآمنة التي يقوم من خلالها الجهاديون بتدريب السكان المحليين؛ للقيام بالقتال الفعلي.
وبالتأكيد، فإن عدم وجود أدلة مباشرة عن مقاتلي دولة العراق الإسلامية في سوريا لا يعد بالتأكيد مؤشراً على أن أنهم لا يعملون هناك، وأيضاً ليس بدليل براءة على أنهم ليسوا كذلك. إن الإرهاب يدور حول مجموعاتٍ صغيرة تخلق تأثيراً ضخماً.
تسعى دولة العراق الإسلامية من الناحية العملية لتوسيع أنشطتها إلى سوريا، ومستعدة بشكلٍ جيدٍ للغاية للدعم الفكري المصحوب بأساليب الدعاية للجهاديين في سوريا.
مثل معظم الجهاديين، ترفض دولة العراق الإسلامية شرعية الحدود التي تفصل سوريا عن العراق لأنها نتاج معاهدة سايكس بيكو عام 1916م بين بريطانيا وفرنسا.
أيضاً، فإن دولة العراق الإسلامية لديها سجل طويل من المعارضة للنفوذ السياسي للشيعة في العراق، وهو ما تنظر له دولة العراق الإسلامية بوصفه نتاجاً للنفوذ الإيراني غير العادل. وما يجري في سوريا يعتبر مماثلاً في الخطاب الجهادي حول سوريا، حيث أن وجود العلويين، الذين يعتبرون أقلية في سوريا، في مناصب السلطة قد يجعل ذلك حجة أكثر إقناعاً للمجاهدين، مثل خطاب كتائب عبدالله عزام، وهي جماعة جهادية لبنانية غير محددة القوة ذات علاقات وثيقة مع شبكة القاعدة الدعائية.
إن أسلوب الدعاية المتبع عبر دولة العراق الإسلامية يتصف دائماً بالطائفية إلى حدٍ كبير، مثل ما ورد في الأسابيع التي تلت الإعلان عن جبهة النصرة وإعراب أيمن الظواهري عن تأييده للعنف في سوريا.
ورسم أبومحمد العدناني، المتحدث باسم دولة العراق الإسلامية، بشكلٍ مباشر على نفس النسق الفكري لأبي المصعب الزرقاوي؛ لإبراز رؤيته للحرب الطائفية مع نفس المقاتلين من العراق إلى لبنان :
“نحذر أهل السنة على وجه الأرض بشكلٍ عام، لا سيما في العراق وبلاد الشام، على أن الرافضة “الشيعة” يستعدون لشن حربٍ شاملة ضدهم، وبأن الحرب باتت وشيكة… والحرب في حقيقة الأمر شُنت، كما نجد “النصيرية” العلويين في بلاد الشام يعذبون أهل السنة… ولم يكتف حزب الله بالحرب في لبنان، حتى أنهم أرسلوا القناصة والمجرمين إلى سوريا لسفك دماء شعبه الأعزل… وجاء جيش كذلك، لكنهم لم يرووا عطشهم لدماء أهل السنة في العراق، والميليشيات التابعة لهم يعبرون الآن، بالعشرات، من أجل دعم نظام بشار، كلب النصيرية”.