رحّب الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيّب بالنداء الإنساني النبيل الذي أطلقته “اللجنة العليا للأخوة الإنسانية” بدعوة الناس حول العالم للصلاة والدعاء وفعل الخير من أجل أن يرفع الله وباء كورونا عن الأسرة البشرية. ودعا الجميع إلى المشاركة في هذا النداء، والتضرّع بصدق إلى الله تعالى ليرفع هذا البلاء عن البشر، وأن يُوفّق الأطباء والعلماء في جهودهم للوصول إلى دواء ينهي هذا الوباء.
ومن جانبها أذاعت “اللجنة العليا للأخوة الإنسانية” نصّ الدعاء بصوت الشيخ الطيّب جاء فيه: “اللهم يا حنّان يا منّان، يا قديم الإحسان، يا رحمٰنَ الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا أرحم الراحمين، يا ظهر اللاجئين، ويا جار المستجيرين، يا أمان الخائفين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف الضرّ، ويا دافع البلوى، نسألك أن تصلّى على سيدنا محمّد وعلى آل سيدنا محمّد وأن تكشف عنّا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم وما أنت به أعلم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم. وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم إنّا نبرأ إليك من حَوْلِنا وقوّتنا، ونلوذُ بحَوْلِك وقوّتك سبحانك سبحانك، لا حول ولا قوّة إلا بك، اللهم اصرف عن البشر جميعًا الوباء بلطفك يا لطيف، إنّك على كلّ شيء قدير”.
شمل الدعاء البشرية كلّها دون إقصاء لفريق أو مذهب أو جماعة من الناس، فلا وقت هنا للخلاف والاختزال. فالإمام الأكبر يؤمن بالوحدة ولا يعتقد في التفريق، ويؤمن بأنّ البشر جميعًا ينصهرون في جسد واحد، فما يصيب أحدهم يؤلم الآخر. وإن ورد في دعائه الصلاة على النبيّ وتحرّج البعض من إذاعته باعتباره خصوصية إسلامية -كما فعلت بعض المواقع الإخبارية- فإنّ الصلاة على النبيّ كما يفهمها الصوفيّ الحقّ تطلّع من كلّ إنسان مسلم إلى كلّيته؛ فالكلّية هي ما نحن جزء منه، فالجزء بوصفه جزءًا غير كامل، لأنّه يمثّل انقطاعًا للتوازن، ونحن بالمقابل جزء بالنسبة إلى الكون الذي هو الأنموذج المثالي والمعيار والتوازن والكمال، فالكون هو الإنسان الكامل، الذي يعتبر النبيّ ظاهرته البشرية.
إنّ الصوفي لا يخص جماعة من البشر بالدعاء دون غيرهم، بل يهتمّ لأمر العالم كلّه، يدعو جلال الدين الرومي ربّه قائلاً: “يا ربنا! أنزل على هذا العالم الماء الطهور، حتى تصبح جملة ناره نورًا”. وفي هذا المعنى يقول الشاعر والمتصوف الفارسي سعدي الشيرازي في كتابه روضة الورد: “بنو آدم جسدٌ واحدٌ، إلى عنصر واحد عائد، إذا مسّ عضواً أليم السقام، فسائر أعضائه لا تنام، إذا أنت للناس لم تألم، فكيف تسمّيت بالآدمي”.
إن الإنسان إذا وقع تحت وطأة كابوس، وأخذ يستغيث بالله وهو غارق في حلمه يستيقظ لا محالة، وهذا يدلّ على شيئين: أولًا: أن العقل الواعي لله يبقى في المنام وكأنّه شخصية مميزة، وثانيًا: أنّ الإنسان حين يستغيث بالله ينتهي به الأمر إلى الاستيقاظ من هذا الحلم الكبير. وإذا كان هناك دعاء يمكن أن يحطّم جدار الحلم، فلِم لا يحطّم أيضًا جدار هذا الحلم الأوسع والأكثر؟! إننا اليوم نعيش حالة أشبه بالحلم أو بالكابوس في ظلّ ما نشهده من فقد أعزّاء في لمح البصر، نُحرم من توديعهم بما يليق بهم، نُحرم من الوقوف على قبورهم والحديث معهم، لا يسمح المرض لأم أن تحتضن ابنها الغائب، ولا لشريك أن يجتمع بشريكته في الحياة، كأن شيئًا خفيًّا يفرض على الناس عقابًا حتى يستيقظوا من غياب أو غفلة، حتى يعودوا من جديد إلى فطرتهم الأولى شاكرين ربّهم على المراحم الإلهية.
الصلاة جامعة، الصلاة شوق إلى اللقاء، مظهر من مظاهر تعلّق الإنسان بخالقه، فيها الشكر، وفيها الطلب، فيها التوسّل والاستغاثة، فيها العروج والانتقال من عالم أرضي يضجّ بالمشكلات والأزمات إلى عالم روحاني يسبّح فيه القلب كما تسبّح الموجودات جميعًا من شجر وطير، الصلاة استرسالُ النّفس مع الله، مناجاة قلبية بين العبد وربّه، يغلق فيها المصلّي باب الغمّ ويفتح باب الأمل، فالأمل عنده هو الله، وإذ تبادر اليوم “اللجنة العليا للأخوة الإنسانية” بدعوة الناس حول العالم للصلاة والدعاء، من أجل أن يرفع الله وباء كورونا عن البشر أجمعين، فإنّها تبادر بفعل خيّر سرعان ما يجد آذانًا صاغية وقلوبًا عطشى لأن تسقي بماء قلبها كلّ من أصابه ألم أو غمّ، وقد لبّى كثيرون النداء على اختلاف مشاربهم، مجسّدين ما وصفه أحد الحكماء قديمًا بأننا أطفال في حِجر الحقّ!
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} قد تعني أسماء الله في هذه الآية نظرات روحية، أو طرقًا مختلفة للتوجّه إلى الله، أو الأديان، وهذه الأديان كحبّات السبحة، وخيطها وجوهرها التوجّه نحو إله واحد، لذا نتوجّه إلى الله بهذا الدعاء، الذي قاله أحد المتصوفة القدماء، إلى إخواننا المشاركين في تلبية نداء الصلاة المشتركة:
“يا إلهي! اجعل عين قلبي مبصرة وأرشدني إلى معراج اليقين، وافتح بالرّحمة كنوز الجُودِ عليّ، وادعُ قلبي إلى ساحةِ الأمل، وارزقني قلباً عامراً بالثناء عليك، ولساناً يكونُ بمنأى عن مدح من سواك، واشغل تفكيري بشكرك في السّراء، وزد من حمدي لك في الضّراء وسُق، هودج أملي إلى حيث يقع باب الفلاح، وبما أنّك قد سموت بي في الدنيا عن التراب، فلا تُسلمني في الأخرى إلى طوفان الهلاك، واغمرني بالعفو حتى أصبح طاهراً، وأحيني بذاتك حتى لا أموت فليس ما أحمله قلباً، إنما هو جماد أمتلكه في الخفاء، وأنت من يهب الأموات الحياة، لتُنر هذا الضريحَ الترابيَّ بالعقلِ المنير والفكر النقي، وما ذلك الأمل الذي أعلّقه على تلك الحياة إلاّ إضاعة لها في الغفلة، فلا تذرني في نوم الغفلة أكثر من ذلك فإن أمامي نوماً آخر. وإني أخطُّ في صحيفتي لازدهار أيامي، وعندما تنتهي زخرفة هذا الديباج، فلتكتبه عندك في سجل العتقاء من العذاب. ولا تسألني عن حسابي الذي لا يستحقُ التقويم، فإنه لا يستحقّ السؤال. وليكن كرمُك حارس سوقي وعنايتُك وكيلي في عملي، وجدد أملي بغفرانك، واجعل أملي فيك يفوق الحدود”!