تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «طوفان حماس وتذويب حل الدولتين» (الكتاب الخامس عشر بعد المئتين، نوفمبر (تشرين الثاني) 2024)؛ التحوّلات التي أفرزتها؛ هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ على حركة حماس؛ وعلى مسار السلام في المنطقة. ويستكمل الكتاب دراسة الحِقب التي تحورت فيها حركة حماس، منذ انقلاب 2007 وحتى مسارعتها لإطلاق عمليّة 2023؛ التي أفرزت تداعيات إنسانية وسياسية مهولة، مقابل تفجير للجسور المفضية إلى حلّ الدولتين، وتعزيز أراضي الرافضين له!
رفض حماس لحل الدولتين؛ ليس جديدًا، ولكنّ موقعه من الأحداث هو المتغيّر، لذا رصد الكتاب المحطات الأساسية التي تجلّى فيها، سلوك حماس كخيارٍ احتكاري، يرفض الدولة التي لا تحكمها حركة حماس. فتناول الباحث العراقي في مجال مكافحة الإرهاب عمر ضبيان الثابت والمتحوّل في خطاب حماس من جيل التأسيس الذي بقي منه بعد موت يحيى السنوار؛ خالد مشعل وخليل الحية، وألمح إلى أنّ التغيرات الداخلية (2010-2023) كانت صراعًا بين التيارات التي انتهت بتعزيز قبضة ما أسماه بالقيادة العسكرية المتشددة. لعب السنوار دورًا بارزًا بعد خروجه من السجن ضمن صفقة «وفاء الأحرار» في 2011، حيث أصبح القائد الفعلي للجناح العسكري وطور استراتيجيته المسلحة. بلغ هذا الدور ذروته في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، الحدث الذي وظفته إيران في تعزيز مشروعها الإقليمي؛ ضد مسار التنمية والسلام التكاملي. يشير الباحث إلى أنّ الدعم الإيراني والتدريب مع حزب الله ساهما في تطوير قدرات وتكتيكات حماس البرية والجوية والبحرية. ويشير إلى استخدام حماس الآلة الإعلامية ذاتها؛ لتجيير الدعم الدولي لفلسطين؛ ليصوّر على أنّه دعم لحماس.
واستكمالاً لدراسة البنية التنظيمية لحماس قبل «عملية 7 أكتوبر» وبعدها، عرضت الباحثة لارا الهنداوي للمسارات الهيكلية والسياسية والأيديولوجية التي أُسست عليها الحركة هياكلها وعلاقاتها الداخلية والخارجية. فسعت الدراسة إلى رصدها وقراءة تأثيرها في صناعة القرار والتحولات في البنى الهيكلية عشية «عملية 7 أكتوبر» وبعدها.
أما قراءة المستقبل؛ فتناولها الباحث والمفكر محمد علي الحسيني؛ الذي رهن مستقبل حركة حماس بعد العملية التي وصفها بالانتحارية على عوامل داخلية وخارجية، أما الداخلية فتتركز على الانقسامات بين الجناح السياسي والجناح العسكري، وخصوصًا بعد إسماعيل هنية ويحيى السنوار. ويشير إلى أنّ مقتل الأخير؛ فجّر التباينات بين تيار خليل الحية الموالي لإيران وتيار خالد مشعل المتحفّظ على الهيمنة المطلقة. أشار الباحث إلى أن حماس أضرت بالقضية الفلسطينية بدلًا من تعزيزها، حيث فشلت في الحفاظ على مشروع الدولتين؛ وسعت لتقويض معقوليته.
أعاد الباحث رائد نجم التبويب لاستراتيجية حركة حماس السياسية منذ تأسيسها عام 1987، بالتركيز على مركزية انقلابها على السلطة عام 2007 واستيلائها على قطاع غزة، ومراوحتها بين زمني السلطة الحاكمة التي تهيمن على القطاع وشعبه وتهادن إسرائيل؛ ولحظة الحركة المسلحة! ما وضعها أمام تحديات داخلية وخارجية متشابكة.
استعرضت الدراسة مراحل تطور حماس السياسية، بدءًا من مرحلة التنشئة الأيديولوجية (1987-2006)، مرورًا بمرحلة المشاركة السياسية والانقلاب العسكري (2006-2007)، وصولًا إلى مرحلة تثبيت الحكم في غزة وتوظيف مفهوم «المقاومة» لتعزيز شرعيتها. وقد لاحظ الباحث أن الحركة توظف «المقاومة» المسلحة لتبرير الاستبداد السياسي، حيث قمعت المعارضة الداخلية وأحكمت السيطرة الأمنية، خصوصًا بعد سلسلة المواجهات بعد حرب 2008 وحتى التصعيد الأخير في 2023. ختمت الدراسة بكشف التناقض العميق في سلوك حماس وخطابها؛ ما جعلها في حالة صدام دائم مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، فتعزز الانقسام الداخلي بدلًا من توحيد الصف الوطني.
شغلت مصادر تمويل حماس وأصولها المالية العديد من الدارسين ومراكز الأبحاث، لا سيما بعد «عملية 7 أكتوبر»، وذلك في ضوء الحديث الدائر عن امتلاك الحركة «إمبراطورية اقتصادية». لذا رصد الباحث سامح عباس؛ الدراسات التي تناولت مصادر تمويل الحركة وأصولها ومؤسساتها المالية وشركاتها داخل قطاع غزة وخارجه، وحالتها الاقتصادية وصلتها بالعناصر الإقليمية المنتمية لمشروع إيران؛ الذي خدمته «عملية 7 أكتوبر».
قدم الباحث المصري؛ هشام النجار؛ تحليلاً لأسباب إطلاق إيران «عملية 7 أكتوبر»، فأبان أنها جاءت لقطع الطريق أمام مسار السلام والتسويات الإقليمية الكبرى، فأغرت إيرانُ حماسَ بضرورة وقف إطلاق قطار حل الدولتين.
واستهدفت حماس منها تصوير نفسها زعيمة لفلسطين كاملةً، وعلى الرغم من خسائر الحركة الإنسانية والميدانية، فإنها خدمت أهدافًا أيديولوجية؛ إذ قدمت لتنظيم الإخوان فرصة للانبعاث الدعائي؛ وحاصرت منطق -لا الدولتين فحسب، بل حتى منطق- الدولة مطلقًا، عبر إطلاق حملة إشانة لدول الاعتدال، ونظريات تبشّر بموت «الدولة» ما بعد الاستعمارية.
وتناول الباحث المصري طارق أبو السعد، توظيف التنظيم الدولي للعملية، وقدم تحليلًا لبيانات أجنحة الإخوان التي تلاقت في استغلال الحدث، ورفع التعبئة الأيدويولوجية، وإثارة السَّخط ضد الدول المعتدلة.
ولبحث الأفق التجنيدي الذي تمكنت منه الحركة؛ تناول الباحث أحمد الأيوبي، انبعاث التجنيد في المخيمات الفلسطينية في لبنان لصالح الإخوان المسلمين. بدأ بتاريخ المخيمات الاثني عشر؛ مبرزًا مخيمي عين الحلوة ونهر البارد، اللذين شهدا موجات عنف وصدامات مسلحة. أوضح الباحث أن تنظيم «فتح الإسلام» بقيادة شاكر العبسي شكّل نموذجًا لاستغلال بيئة المخيمات عبر استقطاب مقاتلين من اللاجئين لتأسيس كيان مسلح داخل نهر البارد. زعم الأيوبي عن مخيم عين الحلوة، الذي أصبح معقلًا للمجموعات الجهادية مثل «عصبة الأنصار» و«جند الشام»، أن هذه الجماعات تعتمد على فكر القاعدة الذي يركز على تكفير الأنظمة والدعوة لفرض «حكم الله» بالقوة. كما سلط الضوء على العلاقة بين هذه التنظيمات وبين القاعدة، خاصة في ظل وجود شخصيات مثل هشام شريدي، وأحمد عبدالكريم السعدي «أبو محجن»، الذين قادوا نشاطات متطرفة داخل المخيم. أشار الباحث إلى أن حركة حماس استغلت بيئة المخيمات بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عبر إعلان تأسيس «طلائع طوفان الأقصى»، داعية الشباب للانخراط في مقاومة الاحتلال. إلا أن هذا الإعلان قوبل برفض واسع من القوى اللبنانية، مثل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وسامي الجميل، معتبرين أنه انتهاك للسيادة اللبنانية ويعيد ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية. تناولت الدراسة أيضًا مسألة تجنيد النازحين السوريين، موضحًا أن بعض الجماعات المتطرفة حاولت استغلالهم، كما حدث في جرود عرسال عام 2014 عندما تسلل مقاتلو داعش وجبهة النصرة وسيطروا على أجزاء من البلدة. ومع ذلك، أكد الأيوبي أن غالبية النازحين السوريين ظلوا محايدين ولم ينخرطوا في الأنشطة الإرهابية.
بينما عرض الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن حسين عبد الحسين كيفية تفاعل الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة الأميركية مع «عملية 7 أكتوبر»، والصراع بين حماس وإسرائيل، مبرزًا نقاط الضعف ومستوى تأثير الضغوط، التي قامت بها هذه الجاليات على الداخل الأميركي وصنّاع القرار، وتأثير ذلك في مستقبل القضية الفلسطينية وحل الدولتين.
حلّلت الباحثة إميلي بلاوت (Emily Blout) في دراستها «عملية 7 أكتوبر» من الناحية الإعلامية فبدأت بعرض عامّ موجز عن التنظيمات الأساسية المشاركة في النزاع والسياق السياسي الذي وقع فيه الحدث، وبعد ذلك تصف الهجوم. ومع أنه كان لكل عنصر في الحملة قيمة عملياتية، فإن الدراسة تفترض أنها صمّمت أيضًا لتحقيق قيمة دعائية، من التكتيكات المستخدمة إلى الأهداف البشرية والعنف نفسه.
في الختام، يتوجه مركز المسبار للدراسات والبحوث بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب، والعاملين على خروجه للنور، ونأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
نوفمبر (تشرين الثاني) 2024