عندما يصبح المتطرفون معتدلين
النقيدان ورحلة روحية مؤلمة
ديبورا أموس
NPR
13 يناير 215
عقب هجمات باريس الأسبوع الماضي التي استهدفت مجلة سياسية ساخرة وعدداً من المواطنين اليهود في محل تجاري، انتشرت قصص كثيرة حول مخاطر التطرّف الإسلامي وكيفية حصوله.
ولكن ماذا عمن يسير عكس هذا التيار؟ ماذا عمّن كان متطرفاً وأصبح معتدلا؟ إن مثل هؤلاء الأشخاص موجودون ويأخذون هذه الاستدارة العكسية.
عند لقائي بمنصور النقيدان في مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي، أخبرني عن ابنه الصغير الذي يعشق الفيلم الكارتوني “يوسف ملك الأحلام” المستند على الرواية الانجيلية لقصة يوسف، ابن راعي غنم يهودي.
يقول النقيدان بأنّ ابنه يسأله إن كان بامكانه ان يصبح يهوديا. منصور وهو رجل شقي قصير القامة وممتليء البنية ويملك نبرة صوت حادة. يرتدي الثوب الأبيض، وهو اللباس التقليدي لرجال السعودية والخليج.
أن منصور النقيدان يتحداني أنْ أسالهُ، هل يقبل أن يصبح ابنه يهوديا؟
“نعم”، يقول لي. وهو جواب مفاجئ لأنه مسلم، ولأنه كان في يوم ما متطرّفاً.
في التسعينيات حكم عليه بالسجن لدوره في حرق واحد من محلات الفيديو في العاصمة رياض ومركز نسائي في مسقط رأسه مدينة بريدة.
لقد بدأ تحوله من جهادي إلى معتدل بعد خروجه من السجن حيث مرّ بما يسميه “رحلة روحية طويلة ومؤلمة”، بدأ خلالها بالتساؤل حول التعاليم الدينية و”طريقة التلقين التي نتعلم عبرها نحن المسلمون ديننا”.
اليوم هو من أشد منتقدي التفسيرات المحافظة للإسلام بما في ذلك العقيدة المحافظة التي تتبعها السعودية. يطالب بالاصلاح الديني خصوصاً في السعودية التي أدين فيها باعتباره كافراً وتلقى (قبل سنوات) العديد من التهديدات بالقتل عبر الهاتف والايميل.
في مقالة له نشرت في الواشنطن بوست عام 2007 يقول النقيدان: “إن المسلمين صارمون جدا في الالتزام الحرفي والتقليدي في القرآن، وقد آن الأوان لإعادة تفسير العديد من الآيات بما يتناسب مع اسلام معتدل خصوصاً تلك التي تتناول علاقة المسلمين مع أبناء الديانات الأخرى”.
يقدم النقيدان اليوم المشورة للحكومات حول مكافحة الارهاب . يشرح لي معنى “المسبار” في اللغة الانكليزية، الراصد الذي يتبع الحركات الاسلامية المتشددة حول العالم ويعمل على نشر ثقافة التسامح. “ما يزال هناك فراغ لم يملؤه التسامح، فلننشر التسامح – ان هذا هو الحل”.
إنّ هذا الجدال قد انطلق في الشرق الأوسط بعد مساعي العديد من الشباب المسلم المتطرّف لانتهاج شكلً غير متسامح وعنيف من الإسلام يختلف تماماً عن الدين الذي يتبعه ملايين المسلمين.
في أوروبا، أدّت الهجمات في باريس إلى اعادة فتح النقاش حول الإسلام ومدى توافقه مع الغرب.
يقول عبدالله حميدالدين أحد المستشارين في مركز المسبار بأنّ هذا خطير جدا: “إن هؤلاء مواطنون فرنسيون وقد ارتكبوا جريمتهم في فرنسا، والآن فإن المسلمين الفرنسيين يشعرون أنهم محاصرون”.
إن الجالية المسلمة في فرنسا التي لا تعترف بالمهاجمين أصبحت تخشى ردة فعل ضد المسلمين، وإن النتيجة قد تؤدي الى المزيد من التطرّف، حسب تصور حميدالدين.
تجنيد الغربيين
يقول حميدالدين إن العديد من هؤلاء الشباب المتطرفين ليسوا متدينين بل أن الأمر بالنسبة اليهم استعراض عضلات أكثر من كونه متعلقاً بالإسلام”.
يقوم حميدالدين بدراسة وتحليل فيديوات التجنيد الخاصة بداعش ويقول أن فيها ما يبين استراتيجية التنظيم الإرهابي في إغراء جيل من الشباب المعزول: “في بعض الاحيان يستخدمون بعض العاب البلاي ستيشن الشهيرة”.
لعبة “سرقة السيارات الكبرى” هي واحدة من أدوات التجنيد. الفيديو هو نفسه لكن الصوت تم استبداله بنصوص قرانية.
“انهم يعلمون ماذا يفعلون. أنهم يجذبون الميل الى المغامرة والإثارة في ذلك الشاب وليس الدين”.
رشا العقيدي هي محررة تعمل في المسبار من مدينة الموصل في شمال العراق وما تزال على تواصل مع العراقيين في مدينتها التي أصبحت اليوم من المدن الرئيسية الواقعة تحت سيطرة داعش.
“إن الوضع سيء للغاية هناك. لقد اختفت كافة مظاهر الحياة المدنية في الموصل”.
وهي تعرف بعضاً ممن انضم الى داعش من الشباب :”إن الامر مغر جدا بالنسبة إليهم”، تقول في إشارة الى الطبقات الدونية من المجتمع التي تصبح متحكمة، “يحصلون على الأموال والسلطة ويتحكمون في الناس، وإن هذا أمر رائع بالنسبة لمن كان مهمشاً قبل أشهر قليلة”.
لجأت داعش إلى لغة الإسلام التقليدية من أجل كسب الناس مع دخولهم الأول.
“في المجتمعات المسلمة لقد تعلمنا أن نتقبل هذه المظاهر، ولكن الرعب الذي تمارسه داعش واعتداءاتهم الدموية على الأقليات وتدميرهم للمعالم الثقافية والتاريخية للمدينة جعلت سكان مدينة الموصل يعيدون التفكير”. وتضيف :” إن الناس شاهدوا إلى أين من الممكن أن يوصلهم عدم التسامح وهم غير راضين. العديد من الناس يقولون إن هذا ليس ديناً. ما إن نتخلص من الأشرار فإن هذا الجدال لا مفر منه”.
“في الأساس، إن داعش حركة سياسية انتعشت في فوضى العراق وسوريا، ولكنها أيضا نتيجة لأمراض المنطقة: البطالة، قلة التنمية، فشل الحكومات وغياب ثقافة التعددية في الخطاب الديني”، يقول عبدالله حميد الدين،” لم يعد بإمكاننا تفادي هذه المواجهة. نحن على متن قطار يتجه نحو الهاوية”.
لقراءة المقالة وتعليقات القراء في الأصل الإنجليزي