تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «فجر التطرّفات في لبنان: فصائل إيران وطلائع طُوفان حماس» (الكتاب الثامن بعد المئتين، أبريل (نيسان) 2024) التطرف في لبنان خلال العشرية الأخيرة، فيرصد التحور الجديد لدى الجماعة الإسلامية في لبنان وجناحها العسكري «قوات الفجر»، الذي باشر العمل المسلح تحت مظلة حماس، إثر عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحربها مع إسرائيل.
حدّدت فاتحة دراسات الكتاب سردية المظلومية عند الإسلامويين والاستثمار في الخطابات المتطرفة لكسر هيبة الدولة. فتناول الباحث والأكاديمي اللبناني علي عبدون ثنائية التهميش وانفجار التطرف في طرابلس، بزعم استبعاد سُنة المدينة عن مراكز صنع القرار، وعدم مشاركتهم الأساسية في الحكم. بينما رأى قاسم قصير في دراسته أن المدن البعيدة عن العاصمة بيروت كلها تعاني من التهميش وغياب التنمية عنها، قبل أن يعدد الحركات الإسلاموية ومن بينها: الجماعة الإسلامية، وحركة التوحيد الإسلامي، وجمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)، وحزب التحرير الإسلامي؛ التي زعم أنها سادت بعد انحسار الأحزاب اليسارية والقومية والناصرية، إلاّ أن التحولات في الإقليم والداخل اللبناني منذ ستينيات القرن المنصرم، أدت إلى ضمور الهُوية المدنية والحضارية لطرابلس لصالح الأيديولوجية الإسلاموية، لأسباب من بينها اشتعال منطق الصراع، وثقافة النزاع، في سياق مظلومية مصطنعة، أو مستوردة مع اللاجئين، وتعقيدات ملفهم.
يزعم الباحثون أن المخيمات الفلسطينية في لبنان، شكلت أرضًا خصبة لنمو الحركات الإسلاموية وكانت سببًا في تصاعد التطرف والعنف، وقد أدى الاستثمار المسيس – لقضية اللاجئين؛ والعوامل السياسية؛ والأدبيات القومية – لتحقيق مصالحة ملغومة مع فكرة العنف، التي ما لبثت أن انفجرت في وجه الجميع، وأولهم سكان المخيمات منذ سبعينيات القرن المنصرم. وفي ضوء هذه المعطيات ناقشت الباحثة المصرية أمل مختار مسألة التطرف العنيف داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ ضمن محورين: أولاً: وضع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، ثانيًا: حالة التطرف والعنف داخلها، بالتركيز على الفصائل المتطرفة الإرهابية فيها وأسباب نموها.
لا غرو أنَّ الجماعة الإسلامية استخدمت «عملية السابع من أكتوبر» الإرهابية، لتفعيل جناحها المسلح، بعد التصالح بينها والتطلعات الإيرانية، فانفجرت صواريخ «قوات الفجر» بعد كمون طويل، إيذانًا ببدء فصل جديد في طلاق الإسلاموية مع فكرة الدولة وتبرير أكيد لحق الجميع في حمل السلاح بذرائع شتى.
بدايةً، عرض الباحث عبداللطيف محسن مؤشرات التطرف لدى الجماعة وعلاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، منذ بداياتها حتى الوقت الراهن، مما يؤكد الروابط القوية بينهما، ومحاولة إعادة تنسيق هذه العلاقة في أطر جديدة، كما حدث في ملتقى العدالة والديمقراطية، الذي ضمّ قوى وأحزابًا إخوانية من دول عدة حول العالم. أما الباحث المصري ماهر فرغلي فقدم للعلاقات بين الجماعة والإخوان المسلمين في مصر منذ خمسينيات القرن المنصرم، مبرزًا التأثير الأيديولوجي لإخوان مصر في الجماعة، ودور قياداتها في التنظيم الدولي، والعلاقة بينهما بعد أحداث 2011. وعلى الضفة الأخرى تطرّق الباحث رامز طنبور إلى علاقة الجماعة الإسلامية بمنظمة حماس، علمًا بأن هذه العلاقة قويت بعد انتخاب الأمين العام الجديد للجماعة سنة 2022، مما أدى إلى تنامي نفوذ حماس داخل هياكل الجماعة الإسلامية ومنسوبيها، بطرق تأثير مادية ومعنوية. وإذا كانت إيران الخمينية راعية حزب الله في لبنان، بوصفه حركة إسلاموية شيعية مسلحة، فإن العلاقة بين الجماعة وإيران قائمة منذ فترة طويلة، على الرغم من الحساسية السياسية التي يظهرها إخوان لبنان حيالها. وفي هذا المجال تناول الباحث هشام عليوان موقف الجماعة من إيران وطبيعة العلاقة بينهما عبر رافعة الإخوانية المصرية، على الأقل منذ مساعي التقريب بين السنة والشيعة التي قام بها حركيون إسلامويون قبل الثورة الخمينية سنة 1979، ثم ما تلى ذلك من استلاب ذوّب كثيرين في خطاب الخميني، استمر إلى أن زعزعته تباينات الموقف الإخواني القريب من داعش في سوريا الذي انحسر مؤخرًا.
عسكريًا، أدى انخراط قوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، في «عملية 7 أكتوبر» الإرهابية، وحرب حماس وإسرائيل، إلى طرح تساؤلات كثيرة من قبل الرأي العام اللبناني حول هذا الفصيل المسلح ومخاطره على المكونات اللبنانية والأمن اللبناني، لا سيما بعد العرضات العسكرية التي قام بها تماهيًا مع حزب الله.
تناول الباحث مصطفى زهران دور قوات الفجر في المواجهات العسكرية الدائرة بين حزب الله وإسرائيل بعد «عملية 7 أكتوبر»، وتطرّق الباحث محمود الطبّاخ إلى نشأة قوات الفجر وأماكن انتشارها عسكريًا داخل لبنان، ودورها في الصراع الداخلي في الجماعة، وطبيعة علاقتها بحزب الله وحركة حماس، وتموضعها بعد «عملية 7 أكتوبر».
أما الصحفي والكاتب السياسي اللبناني محمد بركات، فقد ناقش علاقة حزب الله بالجماعة، قارئًا تطوراتها في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الانتخابات الداخلية التي شهدتها سنة 2022، والتي كشفت عن حجم تأثير حركة حماس والحزب في هياكلها التنظيمية الجديدة، وانعكاسه لاحقًا في «عملية 7 أكتوبر» وإعلان «قوات الفجر» في 18 أكتوبر (تشرين الأوّل) إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل، بموافقة القيادة السياسية للجماعة التي يرى العديد من الخبراء أن حركة حماس وحزب الله يسيطران عليها، وختم دراسته بتأكيد أن ذراعي الإسلاموية: حزب الله والجماعة الإسلامية، هما وجه من وجوه الانقلاب على فكرة الدولة في لبنان.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب والعاملين على خروجه للنور، ويخصّ بالذكر الزملاء، الذين نسقوا هذا المشروع المستمر، الذي نأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
أبريل (نيسان) 2024