منصور النقيدان
تناقلت قنوات إخبارية ومواقع على الإنترنت مقاطع فيديو تظهر مئات من الرجال والنساء والأطفال في مسيرة يطالبون بسقوط حكم جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، وينادون بالثأر، وحسب ماتناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فإن المتظاهرين سعوديون من القطيف التي يقطنها غالبية أبناء المذهب الشيعي، وقد خرجوا السبت الماضي بعد ساعتين تقريبا، من تنفيذ حكم (الحرابة) في نمر باقر النمر، وإعدام عشرات آخرين أدينوا بالإرهاب والقتل وضرب الاستقرار في المملكة.
كانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على النمر بعد سنوات من التخفي إثر مطاردة في سيارة أطلق منها الرصاص على الشرطة. كان نمر النمر لعامين اثنين يخطط ويقود ويحرض على الاضطرابات التي شهدتها القطيف في السنوات الماضية، حيث ذهب ضحيتها أبرياء، ودمرت ممتلكات، وأحرقت مرافق حكومية، وقُتل فيها رجال أمن، إثر إلقاء القنابل الحارقة، أو إطلاق رصاص عليهم. وتظهر مقاطع فيديو لخُطب ألقاها النمر مطالبته بإقامة حكم ولاية الفقيه في السعودية، و بانفصال المناطق التي يقطنها الشيعة عن المملكة، إلى دعوات بتدمير الجيش السعودي ودرع الجزيرة الذي كان الحائل دون تمكن شيعة ثائرين في البحرين من ضرب الاستقرار في المملكة الصغيرة والإطاحة بملكها.
كان نمر النمرعلى الدوام ومنذ الثورة الإيرانية حتى تنفيذ حكم الإعدام مؤمناً ومبشراً بحكم الولي الفقيه في بلاد الحرمين، ومنخرطاً في الأنشطة المعارضة التي استهدفت السعودية وأمنها طوال 15 سنة، إلى حين عودته إلى الوطن حيث حصل على الهوية السعودية التي يكفر بها وبحكمها. وحسب ماذكره لي أحد ألأعيان من أبناء القطيف في زيارتي الأخيرة إلى المنطقة فإن غالبية المشاركين في مثل هذه المسيرات يتلقون أموالاً من أثرياء لهم طموحات سياسية تجنبوا الظهور في المسيرات، واستغلوا الشباب ودفعوا لكل من يشارك في الاضطرابات ألفي ريال، ولكنهم كانوا يمنعون أبناءهم من المشاركة.
تبدو كثير من هذه الوقائع معلومة للجميع، وبعضها ربما يعرفه النزر اليسير، ولكن ثمة قصة أخرى لابد من سردها، فقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي تولى مقاليد الحكم في 21 يناير 2015 أول ملك سعودي على الإطلاق يتبرع بإعادة بناء مساجد أبناء المذهب الشيعي التي استهدفها تنظيم الدولة الإسلامية داعش، منذ نوفمبر 2014 . كما أن ولي العهد وزير الداخلية وأمراء آخرين كانوا على رأس الوفود التي قدمت واجب العزاء للأسر التي فقدت أحبابها وأبناءها، ولأول مرة في تاريخ البلاد يفد مئات المواطنين من مناطق المملكة ومن مذهب سني مغاير وفوداً معزين إخوتهم في الوطن في ظل تغطية إعلامية واسعة بدعم من القيادة السياسية، كما أن الملك سلمان هو أول ملك سعودي في ظل حكمه تصف الصحافة ووسائل الإعلام المحلية، وعلماء الدين القتلى الذين قضوا من أبناء المذهب الشيعي في تلك الأعمال الإرهابية بالشهداء. وقد كرم الملك الشهداء وأشاد بتضحيات من أسهموا في تخفيف الدمار والخسائر البشرية. وكما هو معتاد دائماً في تاريخ المملكة السعودية فإن الجرائم التي ارتكبها نمر النمر منذ 2009 إلى يوم تنفيذ الإعدام، كانت بمعزل عن أفراد أسرته الذين كانوا يتلقون الرعاية والاهتمام أسوة بكل سعودي من الابتعاث في أرقى الجامعات إلى تلقي العلاج في أكبر مستشفيات أمريكا.
هذه الوقائع والتطورات لكل مراقب خبير بتاريخ حكم آل سعود، وبالمذهب السلفي الذي تتبعه البلاد يمثل تحولاً كبيراً وهائلاً وإيجابيا، ومكسباً كبيراً يمكن البناء عليه، ودفعه خطوات إلى الأمام. ولكن الكرة الآن في ملعب القيادات الشيعية التي تملك التأثير على الجمهور حين تتوفر لديها الحصافة والإرادة.
الفرصة الآن كبيرة أمام وجهاء الشيعة السعوديين ومثقفيهم، فعليهم أن يتجنبوا الصمت ولا ينكفؤوا على أنفسهم، بل أن يأخذوا زمام المبادرة وأن يتحلوا بالشجاعة والحكمة وبعد النظر، ويتفوقوا على سلطة العوام وعقلية القطيع الذي يخوض معارك لن تصب ثمارها إلا في سلة المصالح الإيرانية.
إن الشخصيات ذات التأثير الكبير على الشباب الشيعي عليها أن تمسك بزمام المبادرة لحماية اليافعين والشباب من الانزلاق في مهاوي الإرهاب ومحرقة المزايدات السياسية. و بعد مئة عام من الآن سينظر أحفاد أحفادهم إلى هذه اللحظة التي ستصبح تاريخاً يروى.