عنوان الكتاب: “الغضب: الحلقة المفرغة للمتطرفين الإسلاميين ومجموعات اليمين المتطرف في الغرب”
“The Rage: The vicious circle of Islamist and far-right extremism”
المؤلفة: Julia Ebner جوليا إيبنر
عدد الصفحات: )210(
الناشر: I.B Tauris & Co.Ltd, 2017
قراءة – جمانة مناصرة (باحثة فلسطينية)
في كتابها (الغضب: الحلقة المفرغة بين المتطرفين الإسلاميين وجماعات اليمين المتطرف في الغرب)، تُسلط الباحثة والكاتبة الأسترالية “جوليا إيبنر” المتخصصة في شؤون الإرهاب والتطرف، الضوء على تنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة، إلى جانب تنامي اليمين المتطرف في بداية القرن الحادي والعشرين، وتدرس التفاعل بينهما.
تقول إيبنر: إن هناك من أطلق على هذا العصر “عصر “البوتينية”، أو عصر “الترمبية”، ومن جهتها، تسميه عصر “الغضب”. وجاءت التسمية لاعتقادها أن الغضب في عصرنا ينتشر في كل مكان؛ مشيرة إلى ما يشهده العالم من تنامٍ في الكراهية والعنف، وارتفاع مستويات الجريمة، وازدياد التحديات الأمنية، ولا سيما التنامي الواسع لليمين المتطرف، والتنظيمات الجهادية الإسلامية.
وبالرغم من أن العالم يشهد تطورات كبيرة من حيث التعليم والصحة والتكنولوجيا والتنمية، فإن العالم على بُعد خطوة واحدة من الدخول في فوضى كاملة. في الأمس شهدنا صعود هتلر، واليوم نشهد عالماً مضطرباً مرة أخرى.
تُظهر الكاتبة قلقها من صعود الحركات القومية والشعبوية؛ التي تنادي بشعارات تعبر عن الارتداد العالمي عن مبادئ التعاون الدولي لصالح سمو المصالح القومية. تقول الكاتبة: “أخاف أن أهمس لنفسي أن البشرية لن تتعلم من التاريخ، ولا حتى من أسوأ الأجزاء منه… التي حصلت من فترة غير بعيدة”.
في 2 مايو (أيار) 2011، استبشر الملايين من الأمريكيين الذين كانوا ينتظرون قيام القوات الخاصة الأمريكية بقتل أسامة بن لادن، بعد عملية مطاردة استمرت ثلاثة عشر عاماً، من الهجمات الإرهابية على أبراج التجارة العالمية والبنتاغون. احتفل البعض ظناً منهم أن العالم سيكون “مكاناً أكثر أمناً”، وأن العالم سيشهد نهاية التطرف العالمي، حيث شلت حركة طالبان والقاعدة، وتحدث خبراء مكافحة الإرهاب عن تراجع الجماعات الإرهابية الإسلامية. وعلى مدى أقل من ثلاث سنوات، أعلن تنظيم داعش عن تأسيس الخلافة، وعادت الولايات المتحدة إلى العراق. وبحلول عام 2016، أصبحت المساحة التي تسيطر عليها داعش تعادل حجم بريطانيا، تضم أكثر من (30.000) مقاتل أجنبي. وفي الحقيقة، لم يكن التطرف الإسلامي قد اختنق فعلاً، وتبين أن هزيمة جماعة إرهابية قد تؤدي إلى تحقيق الاستقرار في منطقة ما مؤقتاً، أو توقف هجماتها، ولكنه لا يُلغي التهديد طويل الأمد الذي يشكله التمرد الجهادي العالمي.
يدرس الكتاب التفاعل ما بين جماعات اليمين المتطرف في الغرب والجماعات الإسلامية المتطرفة، وينظر الكتاب في كيفية تفادي خطرهما. تعتقد الكاتبة أن فهم العوامل الدافعة وراء التطرف المتبادل، ومظاهره، وظروفه الملموسة، يُشكل خطوة حاسمة لاستخلاص توصيات تهدف إلى منع الهجمات الإرهابية مستقبلاً.
غضب متبادل
يشترك اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة في تعزيز روايات بعضهما البعض، من خلال اعتقاد اليمين أن الإسلام في حرب مع الغرب، واعتقاد الجماعات الإسلامية المتطرفة، أن الغرب في حرب مع الإسلام، ذلك ما يُسهم في تعزيز الكراهية والغضب باسم “الغضب المتبادل”.
تشير الكاتبة إلى أن الخطوة الأولى في التصدي للتطرف، تكمن في الاستماع إلى قصص المتطرفين. ولهذا السبب قررت مقابلة جهات في كل من اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة.
وفي هذا السياق، شهدت الكاتبة فعاليات أقامها كل من حزب التحرير ورابطة الدفاع الإنجليزية (ELD)، التي كانت قد أُقيمت يوم السبت الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016. ركز خطاب رئيس حزب التحرير في المملكة المتحدة عبدالواحد، حول القضايا التي تُثير غضب المسلمين وتأجج مشاعرهم؛ مشيراً إلى قمع المسلمين في كشمير، واغتصاب الهنود للنساء الكشميريات، والذي اعتبره واحداً من أشكال العذابات التي يعيشها المسلمون حول العالم. وأضاف، أن فرنسا عززت التمييز ضد المسلمين، من خلال حظر الحجاب للطالبات، لافتاً إلى حظر ألمانيا للنقاب في المدارس، وفي هولندا هناك من يريد حظر القرآن، وفي أستراليا دعا حزب الأمة إلى فرض حظر على المهاجرين المسلمين. واعتبر في هذا السياق أن قيم الليبرالية والتسامح التي يتحدث عنها الغرب تبدو هشة.
ومن جهة أخرى، لاحظت الكاتبة أن الأسلوب الذي استخدمه رئيس حزب التحرير عبدالواحد، يشبه كثيراً الأسلوب الذي استخدمه قائد رابطة الدفاع الإنجليزية “EDL”، حيث ركز خطابهما حول هجمات الإسلاميين المتوحشة التي تستهدف الغرب، وقضايا الرهائن الغربيين، وحالات اغتصاب النساء وإهانتهن؛ وبهذا يعتقد كلا الطرفين أن الحرب ما بين الغرب والإسلام أمر محتوم.
يتقارب الخطاب وآلية العمل في الرابطة الإنجليزية للدفاع وحزب التحرير بشكل لافت، ذلك أن كليهما يحرض على الكراهية ضد الآخر، وتكمن الأزمة في اعتقاد كل منهما أن الطرف الآخر يُمثل المجتمع ككل.
تنامي الجهاد العالمي
على ضوء التنامي العالمي لليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة، تظهر أهمية تعزيز فهم التفاعل بين التهديدين اللذين يعاملان غالباً، من جانب المحللين والسياسيين على حد سواء، على أنهما معزولان.
ناقشت الكاتبة أصول الفكر المتطرف لدى الجماعات الإسلامية، وفي هذا السياق لفتت الكاتبة إلى إرث فكر ابن تيمية، وأبي الأعلى المودودي، وتنظيرات حسن البنا وسيد قطب. ومن جهة أخرى، تناولت الكاتبة الموجة الجديدة من صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتشير هنا إلى اندراجها في قسمين، وهما: الجماعات المتطرفة العنيفة والجماعات المتطرفة غير العنيفة، مشيرة إلى أن هذه الجماعات ليست كلها جهادية. لافتة إلى وجود مئات المجموعات المتطرفة التي لا تدعو للجهاد، وأخرى، تنظيمات جهادية كتنظيمي القاعدة وداعش. وبصرف النظر إن كانت الجماعات المتطرفة الإسلامية عنيفة أم لا، فإن الطرفين يشتركان في الهدف نفسه، الذي يتمثل في إقامة الخلافة وتطبيق الشريعة؛ إن ما يختلف فقط هو الطريقة التي يسعون من خلالها لتحقيق أهدافهم.
قامت الكاتبة بتتبع تاريخ صعود أفكار اليمين المتطرف، مشيرةً إلى أفكار القومية والفاشية في منتصف القرن العشرين، واللاسامية والنازية، وما لحقها من صعود لأفكار تقف ضد المسلمين والهجرة منذ ثمانينيات القرن العشرين. وفيما يخص الموجة الجديدة من صعود اليمين المتطرف في العالم، تشير الكاتبة إلى تفشي الجماعات الإرهابية، في المرحلة التي لحقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بالمتوسط (337) هجوماً، من جماعات تنتمي لليمين المتطرف سنوياً.
واعتبرت قوات الأمن الأمريكية، إلى جانب أكاديميين عدة، أن هذه الجماعات تُشكل تهديداً عظيماً لسلامة مواطني الولايات المتحدة. إلا أن الكاتبة تعتقد بعدم وجود إمكانية جمع اليمين المتطرف كله تحت خانة واحدة، ذلك أن أهداف الحركات والأحزاب اليمينية تختلف، فمنها من يُعادي المسلمين عامة، وآخرون يركزون على المهاجرين بشكل خاص، وغيرهم يهتمون في تنفيذ أجندات وطنية.
وفي السياق ذاته، تعتقد الكاتبة أن تنامي اليمين أمر طرأ نتيجة الفوضى، ودور وسائل الإعلام، وتدفق أعداد من المهاجرين واللاجئين، وعوامل أخرى أسهمت في تحويل أوروبا إلى “Eurabia”، الوصف الذي استخدمته الكاتبة للتعبير عن التحول في قارة أوروبا نتيجة الهجرات العربية والمسلمة إليها.
سياسات الهوية
تشير الكاتبة إلى اللامساواة الاجتماعية التي يعيشها البشر، حيث إن ما نسبته (1%) من سكان العالم يمتلكون ثروة أكثر مما يمتلكها ما نسبته (99%) من البشر، وتزداد الفجوة مع مرور الوقت. ذلك إلى جانب التراجع الاقتصادي، وتصاعد البطالة، وتزايد عدم الأمان المعيشي لمئات الملايين من الناس في العالم.
عززت هذه الظروف وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008، الأزمة التي قد كشفت عن مساوئ العولمة. وقد طفت أزمات أخرى على السطح، كأزمة اليورو، وأزمة أوكرانيا، وأزمة المهاجرين واللاجئين.
كما أن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي طويل الأمد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والسقوط الذي أعقب حدوث الربيع العربي شكلا نقطة مفصلية. حيث أدت موجات الهجرة الواسعة إلى زعزعة الاستقرار في نظام القيم الحالي، وقامت بترسيخ الأيديولوجيات.
وبذلك أثرت اللامساواة الاجتماعية-الاقتصادية في تشكيل سياسات الهوية والتطرف على المستوى العالمي.
ثنائية الضحية والجلاد
تعتقد الكاتبة أن جماعات أقصى اليمين والجماعات الإسلامية المتطرفة، تشتركان بالقصة الثنائية، قصة الضحية والجلاد، القصة التي يتم تصويرها ونقلها وتضخيمها عبر الإعلام.
بينما كان التاريخ يشكل القصص وأخبار الماضي، يشكل الإعلام القصص في الوقت الحاضر. وتعتقد الكاتبة أن الطرفين قد استفادا فعلياً من التطورات التي قدمها الإعلام، في نشر قصصهم على نحو واسع حول العالم.
وفي السياق ذاته، تحدثت الكاتبة عن تطور انتقال المعلومات من العصور القديمة من المخاطبة الشفوية إلى الكتابة على الجدران والمعلومات المدونة يدوياً على ورق البردي ومع التطور وإخراج الكتب المطبوعة. فقد أصبح التطور الحالي ينقل الأخبار بطريقة أسرع وأوسع وأسهل، عبر الإعلام والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح باستطاعة أي شخص أن ينقل خبراً أو حتى يصنع خبراً وينقله، ويوظف معه الصور والفيديوهات حتى يبدو الخبر حقيقياً؛ وهذا بالفعل ما ركزت عليه التنظيمات المتطرفة والإرهابية حول العالم.
وجهان لعملة واحدة
تعتقد الكاتبة اشتراك كل اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية في جمودهم وتصلبهم تجاه الأمور والقضايا، حيث يأخذون الأمور بحرفية تامة. يرى الإسلامويون أن الغرب في حرب مع الإسلام بينما يرى اليمين المتطرف أن الإسلام في حرب مع الغرب، هذا ما يجعل الطرفين في عداء دائم، ونظراً لقيامهم بسرد القصص نفسها، ترى الكاتبة أنه بهذه الطريقة يدعم ويعزز كلا الطرفين بعضهما بعضاً، حتى شكلوا “وجهين لعملة واحدة”.
تطرح الكاتبة مثالاً، من خلال النظر إلى وسائل الإعلام الاجتماعي، ومنشورات كل من الإسلامويين واليمين المتطرف، التي تتشابه في إقصاء الآخر. طرحت الكاتبة مثالاً حول تغريدة قام بها (أبو محمد المقدسي) العضو في تنظيم القاعدة، الذي اعتبر من خلالها، أن فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية، تمثل عقلية وتوجه الأمريكيين وتحيزهم ضد المسلمين والعرب وكل شيء!
العين بالعين!
تشير الكاتبة إلى ظهور هجمات التنظيمات الجهادية الإسلامية بالمقارنة مع هجمات اليمين المتطرف بنسبة واحد إلى واحد.
ذكرت الكاتبة أنه في الفترة ما بين شهر يونيو (حزيران) 2012 وحتى سبتمبر (أيلول) 2017، وقعت الهجمات في أمريكا وأستراليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وقعت تقريباً في الأوقات نفسها تبعاً لـ(قاعدة المعلومات حول الإرهاب)، التي تُظهر الهجمات الإرهابية التي تقع في أي مكان بالعالم، وتحوي معلومات تتعلق بـ(150000) هجمة إرهابية.
كما أظهر مركز مكافحة الإرهاب نتائج مماثلة في بداية القرن الحادي والعشرين، حيث دُوّن ثلاث قمم في هجمات إرهاب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عام 2001 و2004 و2008.
في الفترة التي لحقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، تصاعدت جرائم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة ضد المسلمين بـ(1600%)، وبعد هجمات تشارلي إيبدو ازدادت بـ(281%) في فرنسا. وبينما تختلف الجماعات الإسلامية المتطرفة عن جماعات اليمين المتطرف بأشكالها ومصادرها إلا أنهما يقويان بعضهما الآخر.
ولفتت الكاتبة إلى أن الجماعات المتطرفة على اختلافها تخلق حلقة مفرغة من الكره من خلال أقوالهم وأفعالهم، التي تؤدي غالباً إلى إنتاج العنف.
تحطيم الحلقة المفرغة
في الختام، تعتقد الكاتبة أن “العداء المتبادل” المتخيل ما بين الجماعات الإسلامية المتطرفة واليمين المتطرف، قد خلق حلقة مفرغة من الكره، الأمر الذي يؤدي إلى رفع وتيرة العنف بين الطرفين، والهجمات الإرهابية، وستؤدي إلى مزيد من تقسيم المجتمعات.
وتعتقد الكاتبة أن الحل يكمن في خلق هوية مشتركة قوية، تعيد توحيد مجتمعاتنا المقسمة لإجبار الطرفين على التراجع، وتقترح الكاتبة تشجيع التفكير النقدي والإبداع، لاعتقادها أن الحلقة المفرغة ما بين الطرفين نتجت عن تصاعد الغضب، والكراهية.
الخلاصة
هدفت الكاتبة إلى دراسة التفاعل ما بين جماعات اليمين المتطرف في الغرب، والجماعات الإسلامية المتطرفة، في ظل التنامي غير المسبوق لهذه الجماعات، تعتقد الكاتبة أن اللامساواة الاجتماعية-الاقتصادية أسهمت في تغذية صعود التطرف على المستوى العالمي.
ركزت الكاتبة على النقاط المتشابهة ما بين الطرفين، حيث نظرت في الخطاب، والوسائل والغايات، وخلصت إلى نتيجة مفادها أنه على الرغم من اختلاف الجماعات الإسلامية المتطرفة عن جماعات اليمين المتطرف، بأشكالها والأيديولوجيا الدافعة لهما، فإنهما من خلال ممارساتهما وخطاباتهما يقويان ويعززان بعضهما البعض. هذا ما يجعلهما يدوران في حلقة مفرغة من الكره؛ ذلك ما يؤدي بدوره إلى إنتاج المزيد من السخط والعنف.
خلصت الكاتبة إلى ضرورة تعزيز حيز الحوار والعقلانية، ومحاصرة البيئات التي تعزز الكراهية والتطرف، وتعزيز التفكير النقدي والإبداع.