لأسباب وعوامل عدة يتصل بعضها بطبيعة موقع اليمن الجغرافي -من حيث تأثيره المباشر على أمن المملكة العربية السعودية أولاً، وتالياً على أمن الممرات المائية الدولية- وبيئته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويتصل بعضها الآخر بتراكم أخطاء السياسة الإقليمية تجاه اليمن، بسبب جمود النظرة من نافذة المشيخات القبلية والدينية السلفية.
ظل اليمن على مدى عقود متعاقبة ساحة مهيأة لكل الأطراف –دولاً أو تيارات أيديولوجية– الإقليمية والدولية التي دخلت في مراحل معينة حالة صfراع نفوذ مفتوح على مستوى المنطقة، ودائماً ما كان هدف الحصول على موطئ قدم في اليمن عند جميع هذه الأطراف يأتي في قلب استراتيجية صراعها المفتوح مع السعودية.. ابتداءً من حركة القوميين العرب والتيارات اليسارية، والتي تمكنت في ستينيات القرن الماضي، وفي سياق صراعها الطويل والمفتوح على مستوى المنطقة مع المملكة العربية السعودية، من تأسيس دولة في جنوب اليمن.
ومروراً بالحركات الإسلامية التي بدأت أولى خطوات تأسيس حضورها في اليمن في أربعينيات القرن الماضي، ثم مرحلة صراع النفوذ «الساخن» الذي شهدته المنطقة خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بين السعودية من جهة ومصر عبدالناصر الذي –كما هو معلوم– كان اليمن ساحته الأهم، من جهة أخرى.
ووصولاً إلى ما يشهده اليمن اليوم، إن في سياق الصراع الإقليمي «الساخن والمدمر» الذي تمر به المنطقة بين السعودية وإيران، والذي يمثل اليمن فيه بالنسبة لإيران اليوم ساحة من أهم ساحات الصراع مع السعودية، أو في سياق صراع النفوذ المرير المفتوح على مستوى المنطقة بين قطر والسعودية أولاً، وتالياً مع السعودية والإمارات، والذي يمثل اليمن فيه بالنسبة لقطر أيضاً ساحة من أهم ساحات الصراع التي استخدمتها في السابق ضد السعودية، وتستخدمها اليوم ضد السعودية والإمارات.
وانطلاقاً من هذا المعطى الجيواستراتيجي بكل شواهده السابقة والراهنة، وما ترتب عليه سابقاً ويترتب عليه اليوم من أضرار فادحة لليمن والسعودية على حد سواء.
وللوقف على طبيعة الدور الذي تلعبه قطر في اليمن في هذه الأثناء في سياق تداعيات الأزمة المستعرة التي برزت إلى الواجهة مطلع يونيو (حزيران) 2017 بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات ومعهما مصر والبحرين من جهة أخرى.. نأتي إلى تناول الدور القطري في اليمن.
أهم محطات تطور الدور القطري في اليمن في المرحلة السابقة
باستعراض نشأة وتطور الدور القطري في اليمن، نجد أنه اتخذ مسارين رئيسين لتعزيز هذا الدور، الأول: «رسمي» تمثل في تطوير العلاقات بين قطر واليمن كدولتين، والثاني: «غير رسمي» وتمثل في إقامة علاقات مع الفاعلين غير الرسميين في اليمن، كالتحالف مع حزب الإصلاح «فرع الإخوان المسلمين في اليمن» والعلاقات مع حركة أنصار الله (الحوثيين) وأيضاً مع الجماعات الجهادية/ القاعدة في اليمن، إلى جانب فتح قنوات اتصال مع بقية الكيانات السياسية والاجتماعية والدينية الأخرى. وفيما يلي نورد بإيجاز أهم محطات تطور الدور القطري في اليمن على هذين المسارين:
المسار الرسمي
بدأ توجه دولة قطر بتعزيز علاقاتها بالجمهورية اليمنية منذ عام 1991، وكان ذلك عبر تبني سلسلة من الخطوات والمواقف الداعمة لليمن، من أهمها:
موقفها المتعاطف مع اليمن في مواجهة المقاطعة الخليجية التي اتخذتها السعودية وبقية الدول الخليجية تجاه اليمن أثناء حرب الخليج الثانية، على خلفية موقف اليمن من الأزمة والتدخل العسكري الأجنبي في المنطقة، وكانت قطر في تلك الفترة هي الدولة الخليجية الوحيدة التي ظلت محتفظة بعلاقات دافئة مع اليمن.
تلا ذلك موقفها الداعم لصنعاء خلال أزمة حرب عام 1994، برفضها الانفصال والامتناع عن الاعتراف بالدولة التي أعلنها نائب رئيس الجمهورية الأسبق: علي سالم البيض في 21 مايو (أيار) 1994. واتخاذها في تلك الأثناء سلسلة مواقف مساندة لوحدة اليمن في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وفي بقية المحافل الدبلوماسية الإقليمية والدولية. وهنا يمكننا القول: إنه بقدر ما شكل هذا الموقف نقلة نوعية في تطور العلاقات الرسمية بين البلدين، فقد مثل أهم محطات الحضور القطري في اليمن، وبالمحصلة أسهم هذا الموقف بشكل كبير في فتح المجال أمام تنامي الدور القطري في اليمن في كل المجالات وعلى كل المستويات.
تأييد قطر المستمر لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.
توالي الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، وانتهاج التنسيق في مواقف البلدين تجاه العديد من القضايا والأحداث العربية والإسلامية والدولية.
تقديم بعض المساعدات الاقتصادية للحكومة اليمنية، إما في شكل منح أو قروض ميسرة أو ائتمانية إلى جانب تمويل بعض المشاريع التنموية في اليمن، وإقامة بعض المشاريع الاستثمارية.
في مقابل ذلك وفي سياق اهتمام صنعاء في تلك الأثناء بالقيام بكل ما من شأنه أن يُبدي للدوحة مدى امتنان صنعاء لمواقفها تجاه اليمن.. فقد حرص النظام في صنعاء خلال الأحداث التي شهدتها الدوحة في 21 يونيو (حزيران) 1996، إظهار مساندته لقطر والوقوف معها في مواجهة تلك الأحداث من خلال مجموعة من الخطوات والمواقف السياسية والدبلوماسية والإعلامية، كان من أبرزها:
تكليف وفد رسمي رفيع المستوى بزيارة الدوحة بعد أيام قليلة من وقوع تلك الأحداث.
تعيين عبدالسلام العنسي (المحسوب على الإخوان المسلمين) سفيراً لليمن في قطر.
على إثر توصل اليمن والسعودية إلى اتفاق لحل مشكلة الحدود العويصة والمزمنة بين البلدين –التي كانت تأتي في مقدمة الأسباب الأساسية المنتجة للتأزم والتباعد بين اليمن والسعودية– بتوقيع معاهدة جدة في يونيو (حزيران) عام 2000، وما أعقبها من تحسُن في العلاقات اليمنية– السعودية، شهدت العلاقات الرسمية بين الدوحة وصنعاء تراجعاً كبيراً في كل المجالات، ودخل الدور القطري في اليمن على المسار الرسمي طوراً جديداً اتسم بالتعارض ثم التصادم في الكثير من أجندته مع أجندة النظام في صنعاء، وكان من صور ذلك:
الانخراط الموسع في التعامل مع مختلف القوى الفاعلة على الساحة اليمنية وفي القلب منها «حزب الإصلاح» دون اكتراث لتحسس النظام.
دعم أنشطة الجمعيات الخيرية التابعة لحزب الإصلاح، والمساهمة في تمويل بعض المشاريع الطبية والتعليمية المملوكة للإصلاح، إلى جانب تمويل بعض منظمات المجتمع المدني والصحف والأقلام الإعلامية ذات التوجه المعين.
توفير التغطية الإعلامية عبر قناة الجزيزة لمعظم الفعاليات التي كانت تقوم بها مختلف الأطراف المعارضة للنظام.
دعم الحملة الانتخابية لمرشح حزب الإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك للانتخابات الرئاسية عام 2006 بمبلغ خمسين مليون دولار، وتقديم الدعم الإعلامي عبر قيام قناة الجزيرة بالنقل المباشر لكل المهرجانات الانتخابية الخاصة بالمرشح المنافس الراحل: فيصل بن شملان.
الدخول على خط الأزمات والأحداث الحساسة التي كان يواجهها النظام من وقت إلى آخر، عبر دور الوساطة في حلها ضمن حسابات لم تكن تتفق في حالات كثيرة مع حسابات النظام.
تقديم الدعم الإعلامي والسياسي لحركة الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية المطالبة بالانفصال مع بداياتها الأولى عام 2007 .
فتح قناة الجزيرة لتدشين مرحلة الصراع العلني والمفتوح بين حزب الإصلاح/ الإخوان المسلمين والرئيس السابق، وذلك من خلال المقابلة الشهيرة التي أجرتها قناة الجزيرة مع الشيخ: حميد الأحمر عضو مجلس النواب (رئيس المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح) في 5 أغسطس (آب) 2009، التي أطلق فيها عدداً من التصريحات الحادة والمواقف التصعيدية جداً ضد النظام وإطلاق الدعوة «إلى تغيير النظام»، والتي أبانت في مجموعها أن العلاقة بين الطرفين قد وصلت إلى نقطة اللاعودة.
مع الاحتجاجات الشبابية التي اندلعت في اليمن مطلع فبراير (شباط) 2011 بلغ الدور القطري ذروته، فكان وزير الخارجية القطري هو أول من طالب الرئيس اليمني بالتنحي عن السلطة.
انخرطت قطر ضمن مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية، قبل أن تنسحب منها في مايو (أيار) 2011 بحجة ما أسمته مماطلة النظام والتأخير في التوقيع على المبادرة.. لكن الواقع أن انسحابها كان مرده:
اشتراط الرئيس السابق للتوقيع على المبادرة انسحاب قطر من المبادرة.
أنها وجدت المبادرة لا تلبي طموحاتها في إزاحة نظام صالح كلياً عن السلطة.
بعد أن شعرت قطر بأن تدخل السعودية والإمارات في الأزمة اليمنية قد تمكن إعاقة «التغيير الثوري» الذي تتبناه، وأسهم بقدر ملحوظ حينها في تحجيم دورها في اليمن، اتجهت للتحرك منفردةً في الساحة اليمنية، وكان من أشكال هذا التحرك:
دعم الأنشطة الشعبية والإعلامية الرافضة للمبادرة الخليجية سواء في صنعاء أو في عدن.
مساندة تحركات الإصلاح –السياسية والجماهيرية والإعلامية– ضد الإمارات عبر إسقاط اتفاقية إدارة ميناء عدن مع موانئ دبي، والذي أدى في الأخير إلى إلغاء هذه الاتفاقية بقرار من مجلس النواب والحكومة بتاريخ 25 أغسطس (آب) 2012 .
عقب رحيل الرئيس السابق عن السلطة نسجت قطر علاقات متميزة مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، كجزء من دعمها للإخوان المسلمين، وقدمت لها الدعم الذي تعهدت به في مؤتمر المانحين الذي عقد بلندن نهاية 2006، والمقدر بـ(500) مليون دولار. فأنشأت مؤسسة «صلتك»، وهي مؤسسة قطرية ترتبط بزوجة الأمير حمد، ونفذت عدداً من البرامج التنموية في مجال التعليم والتدريب المهني، كما زودت قطر اليمن بشحنات من الغاز الطبيعي المسال لتعويض النقص الداخلي في الطاقة. وقيامها بدفع رواتب موظفي السلك الدبلوماسي اليمني المتوقفة منذ عامين، كما استضافت الدوحة مؤتمر الأزمة الإنسانية في اليمن، الذي جمع (223) مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية هناك، وتعهدت (قطر الخيرية) بدفع (100) مليون منها كجهود إنسانية وإغاثية. كما أسهمت في جهود الإغاثة والإعمار في اليمن منذ بداية الأزمة هناك، وسيرت جسراً جوياً نحو مختلف المحافظات، وأوصلت مساعدات إلى عدن عن طريق البحر على دفعات متتالية منذ الشهور الأولى من العام 2015 عبر مطار جيبوتي، ثم سومطرة وعدن لاحقاً. إضافة إلى تغطيتها المنحازة لهذه الحكومة ولجماعة الإصلاح في المنابر الإعلامية القطرية مثل الجزيرة والعربي.
المسار غير الرسمي
المسار الثاني الذي اتبعته الدوحة لتعزيز دورها في اليمن كان عبر علاقاتها مع الفاعلين غير الرسميين كحزب الإصلاح، وحركة أنصار الله، والجماعات الجهادية والقاعدة في اليمن.
التحالف مع حزب الإصلاح
يأتي تحالف الدوحة مع حزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، كجزء من استراتيجية قطرية شاملة على مستوى المنطقة، للتحالف مع إحدى أكثر حركات الإسلام السياسي تنظيماً وانتشاراً في المنطقة، والذي يتيح لها فرصة أكبر للعب دور إقليمي يعزز قدرتها على التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي توجد فيها.
بدأت علاقات قطر مع فرع الإخوان المسلمين في اليمن منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت في البداية خافتة وعلى استحياء حتى لا تثير حساسية النظام السياسي، وتؤثر على العلاقات المتطورة بين البلدين في ذلك الوقت. وتمثلت في استقبال أعداد محدودة من الطلبة المحسوبين على الإخوان المسلمين في المعاهد والجامعات القطرية، وربما بعض الدعم المادي أيضاً تحت غطاء الجمعيات الخيرية.
وبعد تعثر جهود الوساطة القطرية في ملف صعدة وتوتر العلاقات بين الأمير حمد والرئيس علي عبدالله صالح، تبلور مشروع قطري إخواني مشترك لإعداد اللواء علي محسن الأحمر لحكم اليمن. وخلال حركة الاحتجاجات في العام 2011، كشفت قطر بوضوح عن تحالفها مع حركة الإخوان المسلمين، ووقفت بكل ثقلها المادي والإعلامي والسياسي لمساندة حركة الاحتجاجات بقيادة حزب الإصلاح، حيث كانت تعتقد أنه باستطاعتهم الهيمنة على المشهد السياسي الجديد في اليمن عبر التغيير الديمقراطي، وهاجم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في أحد خطاباته في سبتمبر (أيلول) 2012 قطر بصراحة وحملها مسؤولية نشر الفوضى في اليمن عبر ضخ ملايين الدولارات لدعم الإخوان المسلمين.
ومن المعروف أن قطر تمول قنوات تلفزيونية يمنية محسوبة على الإصلاح مثل قناة «يمن شباب»، وقناة «بلقيس» المملوكة للناشطة الإصلاحية توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل، والتي تبث من تركيا. وبعد انسحاب قطر من المبادرة الخليجية اتجهت للتحرك منفردة في الملف اليمني وتقديم دعم مالي كبير لحركة الاحتجاجات. وفتح قنوات اتصال غير معلنة مع الأطراف المنشقة عن نظام صالح كعلي محسن الأحمر، وقيادات في حزب الإصلاح، كما أجرت اتصالات مع الحوثيين وطلبت منهم التنسيق مع حزب الإصلاح، وتصعيد المواقف للمطالبة برحيل نظام صالح.
علاقة قطر مع الحوثيين
خلال تدخل قطر للوساطة بين حركة أنصار الله والحكومة، استطاعت إقامة علاقات جيدة مع قيادات حوثية وقنوات اتصال مباشرة وخاصة بينهما.
ويعتقد البعض أن إيران لم تكن غائبة عن اتفاق المصالحة الذي توصلت له الوساطة القطرية في فبراير (شباط) 2008، وأن جهود الوساطة القطرية تأثرت بالرغبات الإيرانية بفعل العلاقات بين الطرفين. حيث اتهم صالح قطر بدعم الحوثيين، وأطلق على الاتفاقية اسم اتفاقية «الدوحة»، لاعتقاده أنها خدمت الحركة الحوثية بأن منحتها الشرعية كطرف مساوٍ للحكومة، وأتاحت لها فرصة لأخذ أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها،.
من المعروف تميز السياسة الخارجية القطرية بقدرتها على نسج علاقات مع أطراف متصارعة ومتعارضة، دون الإضرار بعلاقاتها بأي منهما، إلا أنه من الواضح أن علاقتها (الدوحة) بحزب الإصلاح كانت على حساب الحوثيين، الذين دأبوا على توجيه انتقادات لقطر بأنها تقوم بتعزيز نفوذ الإخوان المسلمين في اليمن، وأنها تدخلت لصالحهم عسكرياً ومالياً وإعلامياً في حروب ما قبل سقوط صنعاء.
علاقة قطر بالجماعات الجهادية… القاعدة في اليمن
توجه اتهامات صريحة للدوحة بدعم الإرهاب في اليمن، على خلفية المكانة الخاصة التي تحظى بها لدى فرع تنظيم القاعدة في اليمن، يعبر عنه نجاحها دون غيرها في إطلاق مختطفين لدى التنظيم أكثر من مرة، فبالرغم من وساطات محلية وغير محلية بذلت للإفراج عن رهائن أجانب اختطفهم هذا الفرع، فإن التنظيم تجاوب مع قطر، دون غيرها ثلاث مرات. كان آخرها عام 2013، عندما أطلق التنظيم سراح الرهينة السويسرية «سيلفاني أبراهاردن». وبسبب ذلك اتهمت دول غربية مثل بريطانيا قطر بدعم القاعدة مالياً وإن بشكل غير مباشر، من خلال دفعها المتكرر مبالغ مالية ضخمة لتحرير المختطفين.
إلى ذلك ثمة اتهامات تُثار حول وجود علاقات بين تنظيم القاعدة في اليمن وقيادات حزب الإصلاح القريب من قطر وبعض الشخصيات المحسوبة عليه. كما وترعى قطر شخصيات سلفية مقيمة على أراضيها متهمين بدعم الإرهاب، منهم القيادي السلفي في حزب الرشاد اليمني: عبدالوهاب الحميقاني. وتتهم الإدارة الأمريكية قطر بشكل صريح بأنها تقوم بتمويل الإرهاب «على أعلى المستويات».
الدور القطري في اليمن في المرحلة الراهنة
بالرغم من إخراج قطر من المبادرة الخليجية عام 2011، ثم محاصرة دورها في اليمن من قبل بعض الدول الراعية–وتحديداً السعودية والإمارات– وبعض الأطراف السياسية اليمنية، وصولاً إلى إخراجها من التحالف العربي الذي تقوده الرياض، والذي أتي ضمن إجراءات المقاطعة الشاملة المتخذة أخيراً ضد قطر من قبل الدول الأربع في سياق الأزمة القطرية الراهنة.. فإن واقع الحال يؤكد أن قطر لا تزال لاعباً فاعلاً في المشهد اليمني.
المتغير الجديد في سلم أولويات الدور القطري في اليمن
باستعراض مجريات استراتيجية المواجهة بمختلف أجنداتها –السياسية، والميدانية، والدبلوماسية، والإعلامية… إلخ– التي تبنتها قطر في سياق الأزمة المستعرة اليوم بينها وبين الدول الأربع، وعملت على تنفيذ أجندتها في الأشهر الماضية على الساحة الدولية والإقليمية. يبدو أن قطر قد جعلت الإمارات في مركز استراتيجيتها هذه، حيث أظهرت مجمل المجريات الماضية في مسار هذه الاستراتيجية أن الإمارات تحتل نحو (40%) من مساحة اهتمام أجندة هذه الاستراتيجية، بينما تتوزع المساحة المتبقية «بنسب أقل» بين الدول الثلاث تبدأ بالسعودية ثم مصر ثم البحرين.
ويبدو أن الأمر نفسه ينصرف أيضاً على ما هو جارٍ حالياً في الساحة اليمنية. فعند إنزال هذه الاستراتيجية بأجنداتها «السياسية، والميدانية، والإعلامية، والحقوقية/ الإنسانية، والاستخباراتية» على ما يجري في الساحة اليمنية، يُلحظ أن استهداف دور الإمارات في اليمن يأتي في مقدمة أولويات الدور الذي تلعبه قطر حالياً في اليمن. حيث يُستدل من مجريات الواقع على أن الإمارات تحتل (55-60%) من مساحة اهتمام معظم الأجندة التي تعمل عليها قطر حالياً في الساحة اليمنية، بينما تنال السعودية بقية الساحة.
أرضية الدور القطري
بدا جلياً من الوهلة الأولى لبروز الأزمة الخليجية، أن اليمن سيكون بالنسبة لقطر من أهم ساحات الاشتباك المهيأة لاستخدامها ضد خصومها الأساسيين في هذه الأزمة «السعودية والإمارات» وذلك بالاستناد إلى:
أبعاد المعطى الجيواستراتيجي لموقع اليمن الجغرافي بكل شواهده السابقة والراهنة.
تجذر الدور القطري في اليمن وتوغله في الكثير من زوايا المشهد اليمني.
الوجود المادي للسعودية والإمارات –العسكري، والسياسي، وغيره– في الساحة اليمنية بالشكل والحجم الحاصل حالياً.
امتدادات الصراع القائم في اليمن بمشهد الصراع الإقليمي الجاري في المنطقة.
مجريات وحوامل هذا الدور
بالوقوف أمام جملة المعطيات المتوافرة أمامنا عن طبيعة الدور الذي تلعبه قطر حالياً في اليمن، في سياق الأزمة المستعرة اليوم بين قطر والدول الأربع على الصعد كافة، وفي كل ساحات الاشتباك القائم بين أطراف هذه الأزمة وضمنها بالطبع الساحة اليمنية. ونجد أن الدور القطري في اليمن خلال هذه المرحلة يتسم بقدر كبير من التعقيد والتداخل في مساراته، ولتجاوز هذا التداخل نأتي إلى قراءة مسارات هذا الدور من الزوايا التالية:
التحالف الوثيق مع حزب الإصلاح
يُستدل من مجريات الواقع على أن استهداف دور الإمارات في اليمن، يأتي في مقدمة أولويات دور قطر الراهن في اليمن، ويمثل «حزب الإصلاح» حاملاً أساسياً لهذا الدور، إضافةً إلى الأطراف الأخرى، كما سنأتي إليها لاحقاً.
في رؤية الإصلاح لتداعيات الأزمة القطرية على المشهد اليمني
إن مواقف بعض قيادات الإخوان في اليمن، حول رؤيتهم لطبيعة تداعيات الأزمة القطرية على مشهد الصراع القائم يمكن ايجازها بالنقاط الآتية:
وجود تفهم مشترك بينهم وبين قطر يستوعب حساباتهم ومصالحهم في ظل تعقيدات الصراع الجاري في اليمن وحساسية موقعهم في خريطة هذا الصراع، ويستوعب أيضاً حسابات قطر ودورها الراهن في اليمن في ضوء تشعبات الأزمة الخليجية الراهنة وطبيعة تفاعلاتها الحاصلة والمحتملة.
إن أولوياتهم في هذه المرحلة تتقاطع مع أولويات قطر في استهداف دور الإمارات في اليمن الذي أولويته استهدافهم في كل المحافظات اليمنية.
كون علاقاتهم مع قطر ودعمها الكبير لهم على مدى السنوات الماضية هو من الأسباب الرئيسة لاندلاع الأزمة الراهنة بين قطر والدول الأربع، وما اتخذته هذه الدول من إجراءات مقاطعة (قاسية) ضد قطر في سياق هذه الأزمة.. فإنهم ليسوا بوارد التخلي عن قطر في كل الظروف.
في الجانب السياسي
أفضت تداعيات الأزمة القطرية إلى استقطابات حادة في المشهد السياسي اليمني، إن في تحالفات القوى السياسية المؤيدة لحكومة هادي، أو في تحالفات القوى السياسية المؤيدة لحكومة الصماد. ففيما يتعلق بتحالفات القوى السياسية المؤيدة لحكومة هادي، فقد أسفرت تداعيات هذه الأزمة عن تفكك تكتل أحزاب «اللقاء المشترك»، فبينما كان حزب الإصلاح –حسب تصريحات بعض قيادات هذا التكتل– قد تمكن خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ بداية الحرب من مصادرة هذا التكتل لصالح أجندته السياسية، فقد اضطلع «التنظيم الناصري» بمهمة تقويض هذا التكتل السياسي من خلال إعلانه نهاية أغسطس (آب) 2017 تشكيل تحالف سياسي من القوى السياسية «المدنية» الداعمة لحكومة هادي في مدينة تعز، مستبعداً حزب الإصلاح من هذا التحالف.
وقد ترافق هذا مع إعلان تكتل سياسي يمني جديد في القاهرة يضم خمسة من أحزاب تكتل اللقاء المشترك، وهي: الحزب الاشتراكي، والتنظيم الناصري، وحزب العدالة والبناء، واتحاد القوى الشعبية، وحزب التجمع الوحدوي، مستبعداً أيضاً حزب الإصلاح.. الأمر الذي أظهر أن الهدف من هذه التحالفات السياسية الجديدة، هو إزاحة حزب الإصلاح من تكتل اللقاء المشترك الذي تأسس عام 2001، وتبعاً لذلك نكاية بقطر.
وحدد حزب الإصلاح موقفه من هذه التكتلات السياسية الجديدة، بالقول: إن إعلان هذه التحالفات السياسية الجديدة يعني أن تحالف «أحزاب اللقاء المشترك» قد مات فعلياً، وأن هذا الأمر يؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد ميلاد العديد من التحالفات الجديدة، التي تعيد رسم الخارطة السياسية للأحزاب اليمنية بما يتلاءم مع المتغيرات المتسارعة، التي تشهدها الساحة اليمنية في سياق تداعيات الأزمة الخليجية.
في الجانب الميداني
تلوح في أفُق المشهد اليمني الراهن الكثير من المؤشرات الوازنة، التي تقود إلى القول: إن محافظات: «تعز، وعدن، وشبوة» هي المحافظات المتوقع أن تكون ساحة صراع نفوذ ساخن –عسكرياً، وأمنياً…- خلال هذه المرحلة بين قطر والإمارات.. وفي هذا الصدد تبرز التساؤلات التالية: لماذا هذه المحافظات الثلاث دون غيرها من محافظات اليمن الـ(22)؟ وما أهمية هذه المحافظات الثلاث في حسابات كل الأطراف؟ ولماذا قد تريد قطر استهداف دور الإمارات في اليمن من خلال هذه المحافظات تحديداً؟
وفي سياق الإجابة عن هذه التساؤلات، سنبدأ بمحافظة تعز (بفعل المواجهات العسكرية الجارية فيها من أيام بين حزب الإصلاح حليف المدعوم من قطر، و»كتائب أبو العباس»، وتندرج هذه المواجهات ضمن مؤشرات الصراع المتوقع) وكونها في تقديرنا –من قبل اندلاع هذه المواجهات– المحافظة الأولى المرشحة لهذا الصراع المتوقع، استناداً إلى المعطيات التالية:
تحتل محافظة تعز بموقعها الجغرافي وثقلها السكاني والاقتصادي أهمية خاصة جداً استراتيجية في الحسابات العسكرية والسياسية والحزبية والمعنوية لدى حزب الإصلاح، وتبعاً لذلك لدى قطر، ومن شواهد ذلك على سبيل المثال:
في سياق استهداف دور الإمارات في اليمن في الوقت الراهن، يمثل موقع محافظة تعز الجغرافي أهمية قصوى بالنسبة لقطر وحزب الإصلاح، لإشرافها على مضيق باب المندب وجزيرة ميون وجزء كبير من ساحل البحر الأحمر، شاملاً مدينة وميناء المخاء.
يمثل الثقل السكاني لمحافظة تعز البالغ (4-5) ملايين نسمة بالنسبة لحزب الإصلاح أهمية كبرى من الناحية السياسية والحزبية، حيث تحوز تعز (40) مقعداً في البرلمان، وتمثل مركز الثقل التنظيمي والعقائدي الرئيس للإصلاح من حيث عدد المنتمين إلى الحزب، والذي يصل إلى (50%) في المستويات القاعدية، وما يربو على (70%) في المستويات القيادية.
في مقابل ذلك.. ولهذه الاعتبارات نفسها، تكتسب محافظة تعز أهميتها لدى التحالف.
(محافظة عدن) علاوةً على أهميتها الاقتصادية، تكتسب عدن أهمية سياسية ورمزية كبيرة لدى جميع الأطراف السياسية اليمنية عموماً والجنوبية خصوصاً، لكونها كانت عاصمة دولة اليمن الجنوبي قبل الوحدة، مما يجعل الطرف المسيطر عليها يظهر وكأنه في موقع المسيطر على كل المحافظات الجنوبية.
ولهذا نجد أن عدن تشكل منذ أشهر ساحة الصراع الأكثر سخونة من بين جميع المحافظات الجنوبية، ففي سياق سعي كل طرف لإتمام السيطرة عليها لا تزال عدن حتى اليوم مسرحاً لصراع سياسي وعسكري وأمني متشابك الأطراف والتحالفات.
(محافظة شبوة): تندرج محافظة شبوة ضمن المحافظات الثلات المتوقع أن تكون ساحة صراع نفوذ ساخن بين الإمارات وقطر.. لأهميتها الاقتصادية محلياً وعالمياً –فرنسا– لاحتضانها منشآت بلحاف الغازية، والذي رتب وجودها في محافظة شبوة ارتباط اقتصادي بينها وبين محافظة مأرب، إلى جانب الاتصال الجغرافي بينهما، كما أن لمحافظة شبوة أهمية جغرافية وقبلية بفعل اتصالها الجغرافي والتاريخي والسكاني بمحافظة حضرموت.
العلاقة مع أنصار الله (الحوثيين)
ظلت سمة عدم الثبات هي السابغة لمسار العلاقة بين قطر وحركة أنصار الله منذ نشوئها عام 2009، ويعود هذا -حسب تقديرنا- إلى كون هذه العلاقة قائمة على قاعدة «تقاطع المصالح»، فكما هو معلوم في حقل العلوم السياسية دائماً ما يتسم هذا النوع من العلاقات بعدم الثبات، إن في مستوى التواصل بين أطرافها، أو في طبيعة ملفات التعامل بينهم، باعتبار أن مسافة التباعد أو التقارب بين الأطراف في هذا النوع من العلاقات تبقى محكومة بحسابات أولويات مصالح كل الأطراف وليس طرفاً واحداً، وبالتالي تبقى سمة عدم الثبات هي السابغة لهذا النوع من العلاقات بحكم تغير المصالح والأولويات ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف العلاقة بين قطر وحركة أنصار الله في إطار مرحلتين: «مرحلة أولى سابقة» و»مرحلة ثانية راهنة»:
المرحلة الأولى (السابقة): على مدى الأعوام التي أعقبت قيام العلاقة بين قطر وحركة أنصار الله عام 2009 على خلفية دور الوساطة الذي قامت به قطر حينها بين أنصار الله والنظام السابق، وحتى نهاية عام 2016. ظلت مسافة التقارب والتباعد في مسار العلاقة بين قطر وأنصار الله، تتقلب بتقلب حسابات وأولويات كل طرف على ضوء متغيرات الأحداث في إطار المشهد اليمني والمشهد الإقليمي.
فبينما كانت السعودية بالنسبة لقطر هي الهدف الرئيس من إقامة العلاقة مع حركة أنصار الله، والعامل الأول من جانب أنصار الله لبقاء التقارب «المتأرجح» في مسار العلاقة بينهما خلال الأعوام الماضية. فقد كان التحالف الوثيق بين قطر وحزب الإصلاح بالنسبة لحركة أنصار الله، هو العامل الأول المنتج للتباعد المتكرر في مسار علاقة الحركة مع قطر.
المرحلة الثانية (الراهنة): لا شك أن العلاقة بين قطر وحركة أنصار الله في الوقت الراهن هي في أوثق مراحلها.. فمع بداية العام الجاري 2017 وفي سياق متغيرات الأحداث المتلاحقة/ المستجدة في إطار المشهد اليمني من جهة، وفي إطار المشهد الإقليمي من جهة أخرى، دخلت العلاقة بين قطر وأنصار الله مرحلة جديدة من التقارب التدريجي والمتبادل، مدفوعاً بعوامل/ متغيرات رئيسة ثلاثة أدت إلى توسيع نطاق تقاطع المصالح بين الطرفين:
المتُغير الأول: العمليات العسكرية التي قادتها الإمارات مع نهاية العام الماضي 2016 وبداية عام 2017 في ساحل البحر الأحمر، التي كان محصلتها السيطرة على بعض المناطق الحيوية كانت تحت سيطرة أنصار الله وحلفائهم، مثل معسكر خالد بن الوليد ومدينة وميناء المخاء، ثم ما تلا ذلك من تحركات ميدانية وإعلامية ودبلوماسية قادتها الإمارات حينها، تدفع في اتجاه الهجوم على الحديدة.
«فكما يُفهم من أطروحات بعض قيادات حركة أنصار الله، فإن هذا المتغير قد أدى إلى بدء مراجعة استراتيجية المواجهة التي تتبعها الحركة منذ خروجها من عدن، التي لم تكن الإمارات ضمن أولوياتها».. وفي هذا السياق ولأول مرة منذ بدء الحرب، بدأت تصدر من أنصار الله حينها الإشارات التي تلوح باستهداف الإمارات بالصواريخ الباليستية، وكان من أبرز هذه الإشارات تلك التلميحات «شبه الصريحة» التي تضمنتها الكلمة المتلفزة لرئيس حركة أنصار الله مساء 27/28 من شهر مارس (آذار) 2017.
المتغير الثاني: الأزمة القطرية التي برزت إلى الواجهة مطلع يونيو (حزيران) 2017: فبفعل حجم التشابك الحاصل بين الأزمة القطرية والأزمة اليمنية سواءً من حيث خلفياتها والذي يمثل الملف اليمني أحد أسبابها، أو من حيث أطرافها الحاضرون أيضاً في الأزمة اليمنية، أو من أجندتها: الإخوان المسلمين، والتدخل الإيراني، ومكافحة الإرهاب، وغير ذلك.. كان اليمن من أكثر البلدان تأثراً بتداعيات الأزمة القطرية من وهلتها الأولى وحتى اللحظة، ومن ذلك أن دفعت هذه الأزمة بالعلاقة بين قطر وأنصار الله إلى المزيد من التقارب.
ومما يجدر التوقف عنده في هذا السياق: أن قطر في هذه المحطة كانت الأكثر احتياجاً لتوثيق هذه العلاقة، فجاء التقارب هذه المرة من جانب قطر في اتجاه أنصار الله. بينما بدا موقف أنصار الله في الأيام الأولى من هذه الأزمة غير واضح، وفيه قدر من التحفظ وعدم الثقة في طبيعة توجهات قطر في إطار هذه الأزمة، وضمن ذلك ما تضمنه حديث قائد حركة أنصار الله حول هذه الأزمة بتاريخ 27 يونيو (حزيران) والذي أظهر فيها أن تحديد موقف الحركة من هذه الأزمة معلق حتى تتضح طبيعة الموقف القطري وخياراته في الأيام والأسابيع القادمة.
ومن سياق معطيات تلك اللحظة يبدو أن ذلك الغموض كان مقصوداً من جانب أنصار الله، وأن ذلك التصريح الصادر من قائد حركة أنصار الله كان رسالة موجهة للجانب القطري، مؤداها أن موقف الحركة من هذه الأزمة سيتحدد في ضوء رد قطر على رؤية الحركة لأجندة وأولويات العلاقة بين الجانبين في هذه المرحلة انطلاقاً من إدراك الحركة أن توثيق العلاقة بين الجانبين في هذه المرحلة هو حاجة ملحة واستراتيجية بالنسبة لقطر.
المتغير الثالث: ويتمثل في التقارب بين الإمارات ورئيس الجمهورية السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، والذي بدأت مؤشراته الأولى تتوالى قبل اندلاع الأزمة القطرية بأشهر ليس فقط أمام أنصار الله بل وأوساط أخرى، ومع توالي وقائع هذا المتغير التي أخذت بالتسارع بعد اندلاع الأزمة القطرية، وصلت العلاقة بين قطر وأنصار الله إلى أوثق مراحلها.
المشهد اليمني بعد رحيل الرئيس السابق وتشابك أجندة الصراع في الساحة اليمنية
بعد مضي نحو ثلاثة أسابيع على الحدث الساخن الذي شهده اليمن في الرابع من شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بمقتل رئيس الجمهورية السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، وما صاحبه من ردود فعل ساخنة وتوقعات متعددة وتحركات متسارعة على أكثر من صعيد، نقلت مشهد الصراع في اليمن إلى مرحلة جديدة، لا شك أن قواعد اللعبة فيها ستكون مغايرة لما كانت عليه قبلها.. وفي هذا السياق سنحاول فيما يلي التطرق إلى بعض النتائج التي أفضى إليها هذا الحدث المهم، أو من الممكن أن يفضي إليها على المشهد اليمني وحسابات الأطراف «اليمنية والإقليمية» الفاعلة في مشهد الصراع القائم في اليمن:
بالنسبة للأطراف اليمنية
إلى جانب أن حركة أنصار الله تواجه اليوم القدر الأكبر من تداعيات مقتل الرئيس السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام: علي عبدالله صالح، لا شك أنها أيضاً الخاسر الأول من غيابه ومن أشكال ذلك:
ما كانت تعنيه رمزية شخص الراحل علي عبدالله صالح وخبرته السياسية الطويلة وعلاقاته المتشعبة مع طيف واسع من الشخصيات المؤثرة في الساحة اليمنية وحتى الإقليمية والدولية، إضافةً إلى كنز المعلومات الذي كان يمتلكه حول الكثير من »الملفات المخفية» المتعلقة بالشأن اليمني أو الإقليمي، وحتى حول شخصيات قيادية هي اليوم في الجبهة المضادة لأنصار الله في مشهد الصراع الراهن.
تخفف الغطاء المعنوي والسياسي الذي كان يحول بين انضمام بعض الشخصيات السياسية والقبلية والعسكرية المؤتمرية القريبة من الرئيس السابق طوال سنوات حكمه.. إلى صف التحالف الذي تقوده السعودية.
بالرغم من أنه لم يصدر حتى الآن بيان رسمي من المؤتمر الشعبي العام –مؤتمر الداخل– قبل مقتل الرئيس السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام أو بعده، يتضمن إعلاناً رسمياً بفك الشراكة مع أنصار الله.. فإن الدعوة التي كان قد أطلقها الرئيس السابق– رئيس المؤتمر عبر قناة المؤتمر (اليمن اليوم) للانتفاضة الشعبية والمؤسسية والعسكرية ضد حركة أنصار الله، ثم المواجهات العسكرية التي اندلعت بين الرئيس السابق وأنصار الله، والتي انتهت بمقتله في 4 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قد جعلت من هذه الشراكة في حكم الميتة وتجاوزتها الأحداث.
إن الأوضاع السياسية والعسكرية التي تواجهها حركة أنصار الله في هذه الأثناء، المترتبة على مقتل الرئيس السابق من جهة، وعلى إعلان أنصار الله بأنهم أطلقوا صاروخاً باليستياً على أهداف خليجية تمثل تحدياً غير مسبوق للحركة قد لا يكون مجدياً التعامل معها بالأداء السياسي والعسكري نفسه، الذي اعتمدته الحركة منذ مارس (آذار) 2015 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
في ضوء التحركات المتسارعة السياسية والعسكرية وغيرها التي شهدتها خلال الأيام والأسابيع الماضية، يبدو أن حزب الإصلاح هو بين أهم المستفيدين -حتى الآن- من تداعيات مقتل الرئيس السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، ومن شواهد ذلك تحوله من خصم إلى حليف مقبول التعامل معه من قبل الإمارات، كما أظهر ذلك الاجتماع المهم والأول من نوعه الذي جمع بين ولي العهد السعودي وولي عهد الإمارات مع رئيس وأمين عام حزب الإصلاح في الرياض في 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. إضافة إلى أنه سيكون المستفيد الأول من تركة المؤتمر الشعبي العام الجماهيرية -مستقبلاً- في حالة أن تعرض المؤتمر للتفتت. كما أن التحركات الأخيرة تظهر أن الحراك الجنوبي الانفصالي يأتي أيضاً بين أهم المستفيدين -حتى الآن- من تداعيات مقتل الرئيس السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، ومن شواهد ذلك إعلان المجلس الانتقالي عن تشكيل ما سمي بـ»الجمعية الوطنية» قبل يومين، والتي تمثل تسارع خطوات مشروع بناء الانفصال على أرض الواقع، الذي يتبناه ما يسمى بالمجلس الانتقالي.
بالنسبة للأطراف الإقليمية
انطلاقاً من فرضية أن دعم «الإمارات والسعودية» للرئيس السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، في فك الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله، يدخل من أهدافه كسر الجمود السياسي والعسكري المهيمن على المشهد اليمني في الفترة السابقة، وإضعاف قدرة أنصار الله في إدارة الصراع بما يخدم أجندة إيران ضمن سياق الصراع الإقليمي بين إيران من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى في عموم المنطقة، وذلك ضمن استراتيجية إنهاء الحرب في اليمن، عبر تسوية سياسية تضمن أمن واستقرار دول المنطقة.. فإن المصلحة الآن تتطلب مراجعة وتقييماً دقيقين لمجريات الأحداث التي شهدتها العاصمة صنعاء وبعض المحافظات في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قبل الانتقال إلى أي خطوة جديدة في هذا الصدد.
لا شك أن كلاً من قطر وإيران قد شعرتا بالنشوة أمام النتائج التي أفضت إليها المواجهة العسكرية التي شهدتها صنعاء بداية هذا الشهر.. حيث لم تستطع إيران أو قطر إخفاء احتفائهما بهذه النتائج في سياق أداء وسائل الإعلام التابعة لهما في الأيام الماضية.