المقدمة
يقدم مركز المسبار للدراسات والبحوث عبر سلسلة (قيادات طالبان)، بورتريه لوجوه قيادة الحركة البارزة، فتعرّف بهم، وتسلط الضوء على المراحل التي مرت خلالها، والمواقع والمناصب التي تبوّأتها في الحركة، متتبعة السيّر الخاصة بهم ضمن السياقات السياسية المختلفة، والتغيُّرات الميدانية والعسكرية التي مرت بها تلك القيادة، مبرزة الأحداث والمواقف المرتبطة بحضورهم المؤثر على قضايا متعددة رسمتها التصادمات والاختلافات داخليًا وخارجيًا. نستعرض، عبر هذه السلسلة، أبرز تلك الوجوه التي بدأناها بزعيم حركة طالبان: هبة الله أخوند زاده.
1- القائد الأعلى: الملا هبة الله أخوند زاده
وُلد هبة الله أخوند زاده في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1967 في منطقة باجواي، في ولاية قندهار بأفغانستان، قلب منطقة البشتون في جنوب أفغانستان ومهد طالبان، وبالتحديد هو من قبيلة نورزاي، وهو نجل عالم دين.
هبة الله هو ثالث زعيم لحركة طالبان، بعد مقتل الملا أختر منصور، الزعيم الثاني للحركة، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار في باكستان 2016، والذي تبوأ منصبه بعد وفاة الملا عمر مؤسس الحركة (ت: 2013).
يتولى أخوند زاده إدارة الشؤون السياسية والعسكرية والدينية بصفته القائد الأعلى للحركة.
قتاله السوفيت:
قاتل هبة الله أخوند زاده ضد القوات السوفيتية، وقاد مجموعات من طلاب العلم الديني المسلحين ضد القوات السوفيتية والجماعات المحلية الموالية للاحتلال في منطقته، وكانت تلك المجموعات ضمن النواة الأساسية في تكوين حركة “طالبان”.
شارك أخوند زاده في المعارك ضد الحكومة الأفغانية الموالية لروسيا، بزعامة محمد نور ترقي، التي وصلت إلى الحكم في أبريل (نيسان) 1978، إلا أنه فرَّ من أفغانستان إلى باكستان، حيث استقر في مخيم جنغل بير أليزاي للاجئين، في مقاطعة بلوشستان الحدودية.
لكن يقول سيد محمد أكبر آغا، وهو عضو مؤسّس للحركة، مقيم في كابُل: إنه يعرف زعيمها، بحسب شبكة “سي إن إن”، و”إن أخوند زاده شارك في مواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان، مستبعداً أن يكون انخرط في النشاطات العسكرية على الخطوط الأمامية”.
وبحسب السيرة الذاتية لزعيم طالبان، التي نُشرت على الموقع الرسمي لحركة طالبان، عبر موقع «صوت الجهاد» التابع لحركة طالبان في ديسمبر (كانون الأول) 2016، فإنه أمضى أواخر الثمانينيات، في محاربة القوات الروسية وتعليم «المجاهدين» أثناء القتال ضد السوفيت في أفغانستان، حتى عيَّنه زعيم طالبان السابق الملا محمد عمر عام 1996 رئيسًا لمحكمة عسكرية في كابل… “ليتمكَّن من استعادة القانون والنظام في البلاد، عبر تطبيق الحدود الشرعية…”.
هبة الله وحكم طالبان 1996-2001:
عام 1996 عمل أخوند زاده رئيساً لمحكمة عسكرية في كابل تحت حكم مؤسس طالبان وزعيمها الروحي الراحل الملا عمر، حتى عام 2001. وعرف عنه أنه المسؤول عن أغلب فتاوى طالبان، وحله للمشاكل الدينية بين أعضاء الحركة، عكس أسلافه الذين تلقوا تعليمهم في باكستان.
آغا ذكر أيضًا أن “زاده” شخصية تحظى باحترام داخل الحركة، مضيفاً أن سلطته تنبع بشكل أساسي من سمعته بوصفه مدرّساً دينياً وعالم دين.
هبة الله من الانسحاب إلى الاستلاب 2001-2021:
يعتقد البعض أن هبة الله عاش في أفغانستان ما بين الفترة 2001-2016 بدون أي سجل للسفر. لكن وكالة رويترز أفادت أنه “ولمدة (15) سنة، حتى اختفائه المفاجئ في مايو (أيار) 2016، درّس أخوند زاده وألقى خطباً في مسجد بكوتشلاك، وهي بلدة في جنوب غربي باكستان”.
وبحسب غرزاي خواكوغي، المعلق السياسي لقناة بي بي سي البريطانية، الذي عمل في المخابرات لفترة من الوقت خلال حقبة حكم طالبان السابقة قال: “عاش [هبة الله أخوند زاده] معظم حياته داخل أفغانستان، وحافظ على علاقات وثيقة مع مجلس شورى كويتا”.
عين الملا أختر محمد منصور، هبة الله أخوند زاده إلى جانب سراج الدين حقاني، في 30 يوليو (تموز) 2005 نائباً له، بعد تأكيد وفاة مؤسسها وزعيمها الروحي الملا محمد عمر.
يعتقد مايكل سمبل، وهو أكاديمي في جامعة كوينز بلفاست، أن أخوند زاده صاغ “فتاوى كثيرة استخدمها منصور لتأمين غطاء ديني لأفعاله” -كما نقلتها عنه “سي إن إن”.
نجاته من محاولة الاغتيال:
نجا أخوند زاده من محاولة اغتيال عام 2012، وبعدها اختفى عن الأنظار، حتى تولى قيادة الحركة، بعد (3) أيام من مقتل سلفه. فقبل نحو (4) سنوات من تزعمه “طالبان”، تعرّض أخوند زاده لمحاولة اغتيال، واتهمت الحركة أجهزة الاستخبارات الأفغانية بتنفيذها. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الملا إبراهيم، وهو من طلاب أخوند زاده، قوله: “خلال إحدى محاضراته في كويتا… وقف رجل بين الطلاب وصوّب مسدساً على مولوي هبة الله من مسافة قريبة، ولكن المسدس لم يعمل. كان يحاول إطلاق النار عليه، لكنه فشل، وهرع (أعضاء) طالبان للتصدي للرجل”. وذكر أن أخوند زاده لم يتحرّك خلال تلك الفوضى.
تزعّم هبة الله للحركة وردود الفعل:
تزعم الملا هبة الله أخوند زاده الحركة في 26 مايو (أيار) عام 2016، وأصبح قائداً لها بعد مقتل سلفه أختر منصور في 22 مايو (أيار) 2016، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار بالقرب من مدينة كويتا في إقليم بلوشستان، جنوب غرب باكستان على الحدود الأفغانية. اختاره مجلس شورى الحركة أميرًا لهم. وحصل على لقب أمير المؤمنين، وهو اللقب الذي حمله أسلافه أيضًا.
عرف عن هبة الله اهتمامه بالمسائل القضائية والدينية أكثر من فن الحرب. عمل على توحيد طالبان من جديد بعد تزعمه الحركة، فتمكن من تحقيق وحدة الجماعة التي مزقتها صراعات عنيفة على السلطة بعد وفاة الملا منصور، ووفق بين المتخاصمين من أبناء الحركة، حتى بينه وبين مناوئيه في خضم ذلك الصراع الذي لم يسلم هو أيضًا من اتهامه بالعمالة لباكستان، من قبل جماعات تابعة للحركة عارضت تعيينه زعيمًا لطالبان.
وكالة “فرانس برس” نقلت عن محللين أن دور أخوند زاده في قيادة “طالبان” سيكون رمزياً أكثر منه عملياً. وأضافت أنه تولّى مهمة حسّاسة تمثلت في توحيد الحركة، التي مزقها صراع عنيف على السلطة بعد وفاة الملا منصور، وكشف عن إخفائها لسنوات وفاة مؤسّسها الملا محمد عمر.
وفور الإعلان عن اختيار زاده زعيما للحركة، شدد أعضاء مجلس شورى الحركة في مدينة كويتا الباكستانية المعروف باسم “مجلس شورى كويتا” -وهو مكتب سياسي يضمّ حوالي (20) رجل دين وقادة ميدانيين، لدى إعلانهم اختيار أخوند زاده زعيماً لها، على أن الولاء له هو “واجب ديني”. كما بايعه على الفور أيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة”.
أعطت مبايعة أيمن الظواهري، هبة الله أخوند زاده، مكانة بين تنظيم القاعدة، كما سمح له بإثبات مصداقيته في أوساط “الجهاديين”. بل وفي 20 مارس (آذار) 2020 أصدرت القاعدة بيانًا من ثلاث صفحات حث من وصفهم بـ”علماء المسلمين” والشعب الأفغاني على الالتفاف حول طالبان، ودعم الجماعة في “بناء دولة إسلامية تحكمها الشريعة”، وحث المتطرفين في مختلف أنحاء العالم على “اتخاذ طالبان نموذجاً يحتذى به”.
وصف تنظيم داعش الإرهابي، أخوند زاده بـ«طاغية طالبان»، في فيديو دعائي له، بثه في 24 مارس (آذار) 2017، بعنوان “على أبواب المعارك الملحمية”.
بيان «داعش» عن زعيم طالبان، كان ردّ فعل على مبايعة تنظيم القاعدة في شِبه القارة الهندية، أخوند زاده، فبعدها بثلاثة أشهر، وتحديدًا في 25 يونيو (حزيران) 2017، أكد التنظيم الإرهابي، أن أهم هدف للقاعدة هو دعم طالبان، مشيرًا إلى أن القاعدة في بلاد الرافدين تقاتل أعداء طالبان خارج أفغانستان، بينما تقاتل في الوقت نفسه إلى جانبها داخل البلاد، وحثَّت الجماعات الإرهابية الأخرى، على مبايعة أخوند زاده.
كما أثارت ردود الفعل اختياره، القلاقل الداخلية التي عصفت بالحركة آنذلك، فأفاد تلفزيون «شمشاد» الأفغاني المملوك للقطاع الخاص في سبتمبر (أيلول) 2016، أن مجموعة عسكرية منشقة بقيادة مولوي نقيب الله هونر، أعلنت الجهاد ضد طالبان بعد تعيين أخوند زاده زعيما لها، متهمة إياه بتولي هذا المنصب بأمر من المخابرات الباكستانية.
وصفت صحيفة تلغراف البريطانية زعيم حركة طالبان بـ(الرجل الخجول)، وكتب كولين فريمان عن الدور المنتظر لزعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده قائلا: «لا يظهر إلا في صورة واحدة، لا يحبذ الظهور في مقاطع الفيديو الدموية أو استعراض السلاح بتهور، كما يفعل آخرون من الزعماء المتشددين».
المفاوضات الأفغانية:
في 29 فبراير (شباط) 2020 وقعت طالبان اتفاقاً في قطر مع الولايات المتحدة خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي، السابق، دونالد ترامب. قدمت فيها طالبان ضمانات وآليات تنفيذ تمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة أو فرد ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وفي المقابل أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها جدولًا زمنيًا لانسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان. ووصف أخوند زاده الاتفاق بأنه “انتصار كبير” للجماعة.
شنت “طالبان” هجوماً شاملاً على القوات الأفغانية في أوائل مايو (أيار) 2021، مستغلةً بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية أغسطس (آب) 2021.
كرّر زعيم حركة طالبان، هبة الله أخوند زاده، الأحد، 18 يوليو (تموز) 2021، تأييده “بشدة لتسوية سياسية” للنزاع في أفغانستان “على الرغم من التقدم والانتصارات العسكرية” التي سجلتها الحركة في الشهرين الأخيرين آنذاك. وقال أخوند زاده في رسالة نشرها قبل عطلة عيد الأضحى بأسبوع: “على الرغم من المكاسب والتقدم العسكري، تفضل الإمارة الإسلامية بشدة تسوية سياسية في البلاد”، مؤكداً أن “طالبان”، “ستستغل كل فرصة تسنح لإرساء نظام إسلامي وسلام وأمن”. وأضاف، “بدلاً من الاعتماد على الأجانب، دعونا نحل مشاكلنا في ما بيننا وننقذ وطننا من الأزمة”. وأضاف: “نحن من جهتنا مصممون على التوصل إلى حل من خلال المفاوضات، لكن الطرف الآخر يواصل إهدار الوقت”. وقال أخوند زاده: “نريد علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية جيدة ووثيقة… مع جميع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة”. وأضاف، “نؤكد لدول الجوار والمنطقة والعالم أن أفغانستان لن تسمح لأي كان بتهديد أمن أي دولة أخرى انطلاقاً من أراضيها”. وشدد زعيم “طالبان” على محو الأمية، مؤكداً أن “الإمارة الإسلامية ستحرص خصوصاً، وستبذل جهوداً من أجل خلق بيئة مناسبة لتعليم الفتيات في إطار الشريعة الإسلامية العظيمة”، فيما كانت الفتيات تحت حكمهم ممنوعات من الذهاب إلى المدرسة، والنساء ممنوعات من العمل. وأكد أخوند زاده “التزامه حيال حرية التعبير ضمن حدود الشريعة والمصالح الوطنية”، معرباً عن رغبته في العمل مع منظمات غير حكومية دولية في مجال الصحة. وكرر أيضاً وعده بضمان سلامة الدبلوماسيين والسفارات والقنصليات والمنظمات الإنسانية والمستثمرين الأجانب.
وفي 28 يوليو (تموز) 2021، أصدر هبة الله بيانًا بمناسبة عيد الأضحى، قال فيه: إن الجماعة على وشك “إقامة حكومة إسلامية نقية”.
وصلت المفاوضات مع حكومة أفغانستان إلى باب مسدود. واستمرت طالبان في تقدمها العسكري دون مقاومة تذكر من قوات الجيش والأجهزة الأمنية، وتساقطت الولايات الأفغانية بيدها واحدة تلو الأخرى، وتمكنت الحركة في 15 أغسطس (آب) 2021، من فرض السيطرة الكاملة على العاصمة كابل بعد سيطرة “طالبان” على ما لا يقل عن (25) عاصمة ولاية من ولايات أفغانستان البالغ عددها (34) خلال (10) أيام، وعودتها لتتربع على الحكم من جديد بعد نحو (20) عامًا من دحر القوات الأميركية وقوات التحالف إياها.