عرض/ شرين يونس
يستعرض الكتاب الخامس والخمسون لمركز المسبار للدراسات والبحوث نظرة بعض الحركات والجماعات الإسلامية إلى بعضها، ومدى تعايشها مع التعدد وانسجامها معه، سواء في مصر أو تونس أو إيران أو غيرها.
وتبقى القضية التي يتناولها الكتاب حساسة نتيجة لصورة الكمال التي حاولت الحركات والتيارات الإسلامية تقديم نفسها فيها، ولكن الانضباط الخلقي وتفادي إعلان الخلاف للجمهور لم يكن دائما محل إجماع عند نظرائهم وأقرانهم في الضفة الأخرى من المنشقين.
وبالإضافة إلى الأبحاث التي تناولت الفكرة الرئيسية للكتاب والتي أعدها مجموعة من الباحثين، فهو يضم أيضا فصلا عن التباين بشأن مفهوم الدولة في مقالات الإسلاميين، وآخر يعرض كتاب “الإخوان المسلمون.. رؤية اشتراكية” للمؤلف سامح نجيب، والحديث عن تداعيات مقتل أسامة بن لادن.
التيارات الإسلامية في مصر
يتناول الباحث أشرف عبد العزيز عبد القادر في بحثه الرؤى المتبادلة بين التيارات الإسلامية المختلفة في مصر، وقسمه إلى ثلاثة محاور رئيسية، يتناول أولها موقف حركات الإسلام السياسي التي تمثلها بالأساس جماعة الإخوان المسلمين، تجاه الإسلام التقليدي الذي يقوده الأزهر.
ويذكر الباحث أن جوهر الخلاف بين الإسلام التقليدي والسياسي أن الأول لا يمارس السياسة ويقوم على طاعة ولي الأمر، ويحصر وسيلة التغيير في الدعوة عبر الخطب والدروس الدينية، في حين ينخرط الثاني في العمل السياسي بهدف الوصول إلى السلطة.
واتسمت العلاقة بين جماعة الإخوان والأزهر بداية بالتأييد المتبادل، ولكنه تغير وبرز التناقض بينهما نتيجة لمحاولات الجماعة فرض رؤيتها على طريقة نهج الأزهر في التعامل مع الشؤون الداخلية، مع محاولات نشر الفكر الإخواني داخل جامعة الأزهر، والمناداة بإصلاحات في مؤسسة الأزهر.
وبما أن إعداد هذا البحث كان قبل ثورة 25 يناير المصرية، فقد أورد الباحث أن المعادلة في طريقها إلى التغير، لما أسماه مؤشرات ضعف جماعة الإخوان في مقابل بدايات لعودة مكانة الأزهر.
وانتقل الباحث إلى الحديث عن المتصوفة في مصر وأنهم يبتعدون عن كل ما له علاقة بالسياسة ويتمسكون بربانياتهم الخالصة، مما جعلهم في الوقت ذاته مستأنسين وينتجون خطابا دينيا تستخدمه السلطة لمواجهة الراديكالية والإسلام السياسي، مقابل الحماية التي تسبغها السلطة على الصوفية.
وفي محوره الثالث، أشار الباحث إلى مختلف الانشقاقات داخل جماعة الإخوان وهي انشقاقات نتج عنها وجود أربعة تيارات مختلفة داخل الجماعة يتبنى كل منها رؤية مختلفة، سواء تجاه الآخر أو بالنسبة لدور الجماعة وشكلها المستقبلي، وهي: التيار التقليدي والإصلاحي والقطبي والتجديدي.
ويرى أن سيطرة التيار المحافظ على شؤون الجماعة من شأنه الدفع بها إلى مرحلة من الانكماش والعزلة عن المجتمع.
الإسلامية الأردنية
وتحت عنوان “الإسلامية الأردنية.. المواقف المتبادلة والدلالات” يرى الباحث محمد مصطفى أن تيارات دينية مختلفة تتكاثف وتتوزع في الأردن، وهي تتبنى أفكارا متنوعة وآراء سياسية متضاربة في كثير من سياقاتها الحساسة، بالنظر إلى الموقف من الأحداث الداخلية والخارجية.
ويستعرض الباحث أولا السلفية الألبانية التي تستند بشكل رئيسي إلى ثلاثة مبادئ رئيسية هي: التصفية والتربية وقانون الاتباع وترك العمل السياسي، وبالتالي فهي تنتقد بشدة مجمل الجماعات الإسلامية السياسية لتقديمها العمل السياسي، كالإخوان المسلمين وحزب التحرير.
ومن جهتها، تتفق السلفية الألبانية مع جماعة التبليغ والدعوة في أطروحتها الدعوية، واتباعها منهجا دعويا إحيائيا طهوريا يركز على القواعد الاجتماعية، مع نبذها العمل السياسي، لكنها تخالفها في علاقتها بالدولة.
فتقوم السلفية على مبدأ طاعة ولي الأمر، في حين تؤكد التبليغ والدعوة على عدم التعرض للدولة في دروسهم ومواعظهم، بينما تصل العلاقة مع الصوفية إلى حد القطيعة الحادة.
وتطرق الباحث إلى وجود ثلاثة تيارات رئيسية داخل الحركات السلفية الأردنية، هي السلفية التقليدية والسلفية الجهادية والسلفية الإصلاحية، وهي تختلف في توصيف الواقع وفهمه، وبالتالي كيفية تغيير هذا الواقع.
ويؤكد أن التيارات السلفية بالأردن تعيش حالة احتقان فيما بينها، فبينما تنافس السلفية التقليدية على كسب القاعدة الجماهيرية بسبب موقفها الإيجابي من النظام، يكون هذا سببا كافيا عند السلفية الجهادية لقطع أوصالها المعرفية معها.
وبينما تقوم السلفية الجهادية بسلسلة من المراجعات في قضايا استخدام العنف، يرى الإخوان أصالة منهجهم أمام التحولات في الخطاب السلفي بشقيه التقليدي والجهادي، وفي ظل هذا التدافع لم تجد السلفية الإصلاحية مكانا لها، ولم تقابل بنوايا حسنة من النظام.
وأبرز الباحث جماعات إسلامية أخرى في الأردن ليست لها مكانة سياسية، وإنما لها اهتمامات ثقافية واقتصادية واجتماعية، أبرزها جماعة الأحباش والطباعيات، حيث تتسم علاقة الأولى بالتصادم مع جميع التيارات لموقفهم التكفيري لمخالفيهم وتساهلهم الفقهي.
وتنطبع الطباعيات بخلفية صوفية نقشبندية، وأغلب أعضائها من النساء الثريات، وتلقي مواعظها خلال جلسات البيوت، وهو ما شجع الحكومة على تأييدها، لأنها مناكفة للتدين السياسي.
الإسلاميون التونسيون
وتحت عنوان “الإسلاميون التونسيون.. من الاختلاف إلى التعايش” يقول صلاح الدين الجورشي في بحثه إن التحدي الرئيسي الذي واجهته الجماعات والحركات الإسلامية التونسية يتمثل في مدى قدرتها على إدارة التنوع الذي تتسم به، وهل ستجعل منه عنصر إثراء أم تحوله إلى نقمة، وذلك باللجوء إلى الخصام والقطع والانشقاق والحرب الكلامية.
واستعرض الباحث في البداية ظروف نشأة الحركة الإسلامية التونسية مطلع سبعينيات القرن الماضي، إذ ولدت دون أن يكون لها علاقات فكرية أو سياسية مع النخب الحديثة، ولكنها ما لبثت أن واجهت بعد سنوات قليلة من الميلاد أول خلاف في صفوفها.
وانتقل الخلاف من كونه فكريا ليشمل أيضا منهج العمل وأسلوب التنظيم، لتبدأ عملية تشكيك واسعة في نموذج الإخوان، وصل إلى حد الدعوة إلى مراجعة منهجية التعامل مع النصوص المرجعية للإسلام والتجربة النبوية والتاريخية.
وأوضح الباحث أن الحركة الإسلامية التونسية رغم فشلها بداية في إدارة الخلاف داخل صفوفها، أوجدت من هذا الصراع الأيدولوجي حالة من الثراء غير المسبوقة لدى المجموعات المتنافسة. وانعكس ذلك إيجابيا على الحالة الإسلامية الناشئة بتونس، وعلى الساحة الوطنية، ووصل إلى نوع من الإقرار من قبل معظم التيارات الإسلامية بواقع التعددية في صفوف الإسلاميين.
ويرى الباحث في قيام الثورة الشعبية التونسية التي أطاحت بالرئيس بن على وتغير المناخ السياسي، فرصة للحركة الإسلامية لإعادة تنظيم صفوفها والتمتع بحقها في الوجود القانوني والمشاركة في صياغة المرحلة القادمة، مما اعتبره اختبارا حقيقيا لمدى قدرتها على التعايش مع بقية الأطراف الفاعلة في المجتمع التونسي.
السنة في لبنان
وينتقل بنا الباحث عبد الغني عماد للحديث في بحثه عن “الجماعات والتيارات الإسلامية السنية في لبنان.. المواقف والانقسامات والاصطفافات”، معتبرا أن اغتيال رفيق الحريري لحظة رأى فيها سنة لبنان أنفسهم مستهدفين في الصميم، دفع بالذاكرة السنية المكبوتة إلى العلن.
ويرسم الباحث خريطة القوى الإسلامية السنية وفق التجاذبات الراهنة على ثلاثة خطوط: الأول يضم خليطا من قوى سلفية وتجمعات إسلامية محلية وشخصيات وجمعيات، وهي تنظر بقلق إلى تنامي دور ونفوذ الشيعة في لبنان، خاصة في المناطق السنية سواء مباشرة أو عبر الحلفاء من الحركات الإسلامية السنية سياسيا وأمنيا، وتقابله بأعنف الحملات ضد معاوني الحزب في المناطق السنية.
وهذه المجموعات تدعم تيار المستقبل بمقدار دفاعه عن المناطق السنية وتنتقده حين يتخاذل عن هذا الدور، لكنها تعتبره المكلف بمهمة الدفاع السياسي عن الطائفة.
ويرى الباحث أن حزب الله نجح في اختراق بعض هذه المجموعات، وفتح حوارا مع بعضها، مما أدى إلى انقلاب بعض مواقف هذه المجموعات وأصبحت إلى جانبه.
أما الخط الثاني فيضم قوى وحركات إسلامية سنية متحالفة مع 8 آذار وحزب الله، وأبرزها جبهة العمل الإسلامي التي تضم في صفوفها حركة التوحيد الإسلامي بجناحيها، وبعض الهيئات قليلة الفاعلية، وجمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)، رغم خطوط الصراع والتنافس السياسي بين الحركتين.
أما الخط الثالث فهو يحاول أن يميز نفسه بخطاب سياسي مستقل إلى حد ما، ويضع الباحث ضمنه الجماعة الإسلامية التي تتميز بعدم اتخاذ مواقف حادة، وبسعيها الدائم لفتح حوار مع حزب الله والحركات الإسلامية الأخرى، محاولة تشكيل خطاب وسطي في ظل التجاذبات التي تشهدها الساحة اللبنانية.
ويخلص الباحث إلى أن الانقسامات في صفوف الحركات والتنظيمات الإسلامية السنية بلبنان سابقة على حالة الاصطفاف الحاد التي تسود الساحة السياسية اليوم، إلا أنها لم تكن بهذه الحدة، وهي في كل الأحوال مرشحة للمزيد من التوظيف السياسي لدى الأطراف المتصارعة.
الجماعات الإسلامية في الهند
يشرح لنا عبد السلام أحمد من خلال بحثه بعنوان “الجماعات الإسلامية في الهند.. محاسن ومآخذ” وضع الأقلية المسلمة داخل المجتمع الهندي، علما بأن نسبتها تبلغ نحو 15% وبعدد يقارب 200 مليون نسمة، والأعباء الهائلة الملقاة على كواهل الجماعات الإسلامية فيها.
ويرى الباحث أن هذه الجماعات رغم تعددها وتنوع نشاطاتها وانبثاقها من الواقع المحيط بها، لم تحقق المرجو منها، ملقيا بالمسؤولية في ذلك على الجماعات وعلى الأمة الإسلامية عموما.
واستعرض أهم مآخذ الجماعات الكبرى بالهند، منها المبالغة في الانغلاق والاقتصار على الجوانب الروحية كجماعة التبليغ، وأخرى اتسمت بتبعيتها لحزب المؤتمر رغم سياساته الضارة بالإسلام والمسلمين كجماعة العلماء، إضافة إلى افتقار جامعتها للعلوم العصرية.
وقد كانت إنجازات ندوة العلماء محدودة وضمن دائرة ضيقة، بالإضافة إلى عدم تطويرها لمنهج دار العلوم التابعة لها وفق متطلبات التغيرات والمستجدات في العالم، وعدم امتلاكها إستراتيجية للعمل الاجتماعي والثقافي والسياسي، ناهيك عما وصفه الباحث بالتناقض والازدواجية في المواقف.
أما الجماعة الإسلامية فيصمها الباحث بالبطء في التطوير، وعدم الانتباه إلى تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وكذلك اتخاذ القرارات بعد فوات الأوان والبطء الشديد في تنفيذها، بينما عنيت جماعة أهل الحديث بالمبالغة في الأخذ بالمنهج السلفي، وهدر طاقتها في المعارك الكلامية ومسائل العقيدة وتشددها في الفروع والخلافيات.
الإسلام السياسي السني الإيراني
وتحت عنوان “ولاية الفقيه والأخوة الإسلامية في منظور الإسلام السياسي السني الإيراني”، جاء بحث محمد حسن فلاحية فأعاد الخلافات بين السنة والشيعة إلى أسباب سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، وأرجع فشل مساعي ردم الهوة بينهما إلى إصرار كل طرف على أن يتبع الطرف الآخر مذهبه دون قيد أو شرط، مما أوصل الخلاف في بعض مراحله إلى القتل على الهوية.
ويقسم الباحث واقع السنة في إيران إلى فريقين: أحدهما يتعامل ضمن الأطر الثقافية والمفاهيم السائدة -مثل ولاية الفقيه والثورة والأخوة الإسلامية- بشكل حازم، ويلقى مواجهة حادة من قبل الحركات والجبهات الثورية السنية، كجماعة جند الله وحزب الفرقان.
والثاني يتعامل بمرونة أمثال الشخصيات والعلماء والمجتمع المدني السني، ووفق المفاهيم السائدة يستغل الإصلاحيين والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان للوصول إلى حقوقهم وتخفيف وطأة القمع ضدهم.
ويرى الباحث أنه من غير الممكن دراسة العلاقة بين السنة والشيعة خصوصا بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران بمعزل عن السياسة والموقف السياسي، خاصة مع اعتبار إيران نفسها ممثلا للشيعة في العالم، بينما يطالب علماء السنة بمراعاة العدل في حقهم وتجنب فرض التمييز ضدهم باعتبارهم مواطنين.