في إبريل 1988، قام الملك فهد بن عبدالعزيز بزيارة منطقة القصيم وسط المملكة، قبلها بأيام كانت الشوارع الرئيسية في بريدة عاصمة المنطقة مزينة بصوره. مابين هذه وزيارة الملك خالد التي سبقتها في سبتمبر 1980 أقل من ثمان سنوات، ولكن تطورات كبيرة كانت قد حدثت، تفسر ماذكره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر الماضي2017 عما حدث في المملكة منذ احتلال المسجد الحرام 1979. منع التلفزيون ظهور الفنانات، ومنع ابتعاث الإناث للدراسة في الخارج، والكثير مما لايمكن حصره هنا، وصور الملك وولي عهده بدأت تختفي تدريجياً-بحيل وذرائع عديدة- من مكاتب مديري المؤسسات الحكومية، وعلى الأخص المدارس. وحينما أزِفت زيارة الملك إلى القصيم في 1988، كانت الصور في قائمة المحرمات، وثقافة دينية شعبية تتنامى لاعتبارها تعظيماً لمخلوق فوق مايجوز له، وذريعة خفية لتأليه البشر.
كانت هناك فئتان غير راضيتين “دينياً” عن زيارة الملك وما سوف يصحبها من فرح واحتفالات، غالبية منهم اختاروا أن يلزموا الصمت، أكثرهم جرأة هو من قام بكتابة برقية يستنكر فيها، أو يشرح فيها أسباب غضب الله من هذه الاحتفالات. وقلة منهم نأت بنفسها، متباعدين عما يرونه منكراً، فاعتزلوا المدينة وخرجوا إلى الصحراء مخيمين على بعد ثلاثين كم غرب المدينة. كانوا يترقبون غضباً إلهياً يتنزل بمن عصى أمره، ولكنهم ليسوا متأكدين من هيئة هذا العذاب، إضافة إلى أن ذلك سيمنحهم عذراً من المساءلة يوم القيامة. هؤلاء كانوا حفنة، كانوا يدينون – حتى تلك اللحظة – بالولاء والطاعة للملك، ولكنهم اختاروا أن يعتزلوا المدينة. يمكن تشبيههم بمحتسبة الحنابلة الذين عرفهم التاريخ وعرفتهم الوهابية عبر تاريخها.
أما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكونها مؤسسة حكومية أسهمت كغيرها-مرغمة- في الاحتفالات، ووضعت بروازاً ترحيبياً عليه صور الملك وولي العهد، وفي الوقت نفسه قامت بتغطية جميع الإعلانات المصورة، حتى ليلة قدوم الملك، ولاذت بالصمت ظاهرياً. فئة أخرى من المتعاونين مع الهيئة، من الصحويين الحركيين، رأوا أن عليهم أن يقوموا بما هو أكبر، أن يطمسوا الصور. أكبر صورة عرضت للملك كانت في أكبر تقاطع وأكثره ازدحاماً في بريدة، وفي المساء قام واحد من الساخطين، بتلطيخها بالأصباغ. كان صبغاً أحمر. قد يكون اللون اختياراً عفوياً وربما كان قصد الفاعل ذلك، بدت كدموع حمراء على وجنتي الصورة، ولاذ بالفرار قبل أن يكمل مهمته.
كان للسنوات اللاحقة حكمها في هذه الفئات الثلاث. في العام 1994، كانت التمايزات بينها تنحسر، والهوة تضيق، وبدأت كل واحدة تغذي الأخرى وتعمل فيها. بعض مقرات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدن الرئيسية في المملكة، تحولت إلى بؤر تحريض، ونشاط في توزيع نشرات وبيانات تشكك بشرعية الحكم، وكان كثير ممن اختاروا إزالة الإعلانات المصورة بالقوة قبل سنوات ست يجنحون نحو تكفير الحكم. مع الحادي عشر من سبتمبر كان أولئك الأتقياء المنعزلون الفارون إلى الصحراء قبل أكثر من عقد من السنين يتهيؤون ليكونوا هم وأبناؤهم وقوداً للقاعدة وجامعي أموال لدعم عملياتها داخل المملكة وخارجها.
في العام 1991، قام الأردني عصام البرقاوي” أبومحمد المقدسي”، بزيارة إلى القصيم، دخل السعودية بجواز كويتي مزور، وقضى نهاره كله يقرأ كتابه “الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية” على واحد من أكبر زهاد عصرنا، كان بعيداً عن الحضارة يعيش في القرن الثاني والثالث الهجري. كان خيط رفيع يجمع هذه الأمشاج التي ذكرتها، وكانت كلها تغذ السير نحو نقطة التقائها، وعشية الحادي عشر من سبتمبر التحمت، وقضى كثير منهم سنوات في السجون بتهم متشابهة.