يشير الباحث الإيطالي ماركو أوليمبيو Marco Olimpio في مقاله المنشور على موقع (عين أوروبية على التطرف) European Eye on Radicalization إلى أن حملات السلطات الروسية في منطقة القوقاز قد أسهمت في إفراز مجموعة كبيرة من المقاتلين المحنكين، وقد أسهم ذلك في تدفق هذه المجموعات إلى تركيا، ودول أوروبية عدة، من بينها النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وبولندا، الأمر الذي أدى إلى تغذية التطرف، وتشكيل شبكات عبر وطنية جديدة في هذه المناطق. يُضاف إلى ذلك، أن السلطات الأمنية الروسية قد سمحت بتدفق مجموعات متنوعة إلى سوريا في محاولة براغماتية لإضعاف القوات السورية المحلية غير الموالية للنظام.
وفي سياق آخر، تطرق الكاتب إلى أثر ظهور الدولة الإسلامية على زعزعة الاستقرار في القوقاز، لافتاً إلى أنه على ضوء نشاط المنظمة الجهادية النشطة في المنطقة الجنوبية-الغربية من الاتحاد الروسي، والتي هدفت إلى طرد الوجود الروسي من شمال القوقاز، وتأسيس دولة إسلامية مستقلة، وإعلان أبي عمر الشيشاني وقادة محليين آخرين الولاء لـ”الدولة الإسلامية”، فإن ذلك تسبب في حدوث شقاق مع القيادة المركزية للقوقاز، التي كانت تقليدياً متقاربة من القاعدة.
يُلقي الكاتب الضوء على نشاط المقاتلين الشيشان الأجانب مقارنة بالمقاتلين الآخرين، حيث يعتقد الكاتب أنهم لعبوا دوراً كبيراً في “داعش”، مشيراً إلى كتيبة “المهاجرين” إحدى أوائل المجموعات الشيشانية التي ظهرت في سوريا. ضمت الكتيبة ما يقرب من السبعمئة مقاتل، كانت قد أنشئت بقيادة (أبي عمر الشيشاني). الشيشاني الذي ينحدر من أصل جورجي، خدم في القوات الخاصة للجيش الجورجي، وشارك في الحرب الروسية-الجورجية عام 2008، وأصبح بعدها أحد أبرز قيادات التنظيم.
وبين عامي 2013-2014 انضم حوالي ثلاثين مقاتلاً ألمانياً إلى جماعة جهادية شيشانية تدعى (جنود الشام) يقودها مراد مارغوشفيلي، الذي قاتل أيضاً في الحروب الشيشانية ضد روسيا. كانت الجماعة مستقلة، لكنها باتت مرتبطة بشكل وثيق مع جبهة النصرة. تضم الجماعة مزيجاً من مئات المقاتلين ذوي الجنسيات المختلفة، ينتمون إلى القوقاز وألمانيا وتركيا والنمسا وغيرها، وكانوا قد تلقوا تدريباً عسكرياً مكثفاً، مستفيدين من خبرة مارغوشفيلي.
وعلى النقيض من ذلك، لم يلعب المقاتلون الآخرون من الأوروبيين والأتراك والعرب دوراً كبيراً في تنظيم داعش، حيث كانوا يرأسون فقط مجموعات صغيرة من المقاتلين.
كما يفترض الكاتب أن العديد من المقاتلين الشيشان ما زالوا نشطين في ساحات القتال السورية، ويرى أن مستقبلهم سيعتمد على تطور أحداث الأزمة السورية. وتبعاً لمتغيرات الوقت الراهن، تجد هذه المجموعات نفسها أمام خيارين، فإما أن تضطر للفرار، أو القتال إلى آخر رمق من أجل بقائها. وكما هو الحال مع الدولة الإسلامية، تحذر السلطات الأوروبية من تدفق هؤلاء المقاتلين إلى أوروبا.
ويحذر الكاتب من حدوث سيناريو مشابه لما حدث في أعقاب حروب البلقان والحرب الأهلية الجزائرية في حال عودة المقاتلين الشيشان الأجانب، وبالتحديد فيما يخص إنشاء شبكات جديدة بدعم من الروابط السابقة، التي تشكلت في ساحات القتال السورية والعراقية.
ولتوضيح هذا السيناريو، ألقى الكاتب الضوء على حالة “إيلي بومباتالييف” Eli Bombataliev.
إيلي بومباتالييف مقاتل شيشاني أجنبي (38) عاماً، تم اعتقاله في إيطاليا في يوليو (تموز) عام 2017، بتهمة التجنيد للإرهاب. كان من بين الأشخاص الذين جندهم بومباتالييف زوجته الروسية (التي حثها على تنفيذ هجوم انتحاري) ومواطنان ألبانان، وارتبط بومباتالييف أيضاً بشقيقين تونسيين قبضت عليهما قوات الأمن الإيطالية في مايو (أيار) 2017، وله العديد من الصلات في بلجيكا والنمسا، وهما الدولتان اللتان شهدتا نشاطاً كبيراً في شبكة الجهاديين الشيشان. إذ يُقدر أن حوالي نصف المقاتلين النمساويين الأجانب البالغ عددهم (250) ينحدرون من أصل شيشاني، واثني عشر مقاتلاً من المقاتلين الأجانب الشيشان المعروفين جاؤوا من بلجيكا.
وكما يقول أحد المقاتلين المتمردين، إن الجهاد في القوقاز أصبح أصعب أكثر بألف مرة مما هو عليه في سوريا. شجعت هذه التطورات المقاتلين على الذهاب إلى ساحات القتال السورية والعراقية. وفي الوقت الحاضر، يتطلع الكثيرون منهم للعودة إلى أوروبا بدلاً من منطقة القوقاز. يعتقد الكاتب أن أوروبا تواجه تهديدات كبيرة، في حال عودة بعض هؤلاء المقاتلين إلى أراضيها، نظراً لخبرة المقاتلين، وتمتعهم بالقدرة على الوصول إلى كل الشبكات القديمة وخلق روابط جديدة.
المقالة منشورة على موقع (عين أوروبية على التطرف) European Eye on Radicalization
لقراءة النص الكامل: https://goo.gl/SRpY5B