يهدف هذا التقرير الشهري عقد مقارنة ما بين النشاط الإرهابي والعنف السياسي عالمياً في السنوات الماضية مقارنة بالعام الحالي، للتعرف على مدى التغير في نشاط التنظيمات الإرهابية وخريطة انتشار الإرهاب عالمياً. وسيقدم التقرير بصفة شهرية بهدف رصد أبرز ملامح التغير في نشاط وتحركات التنظيمات الإرهابية عالمياً العام الحالي.
عدد العمليات الإرهابية وضحاياها:
شهد مطلع العام (2016 إلى 2019) زيادة في النشاط (عدد العمليات) مع ضعف في التأثير (عدد الضحايا). ففي الوقت الذي جاء فيه عدد العمليات في يناير (كانون الثاني) 2016 وأسفرت عن سقوط نحو (1311) ضحية، جاء عدد العمليات في يناير (كانون الثاني) 2019 (177) عملية أسفرت عن سقوط نحو (818) ضحية.
العمليات وفقاً للنطاق الجغرافي:
شهد يناير (كانون الثاني) 2016 تهديد الإرهاب لنحو (21) دولة، وارتفع التهديد يناير (كانون الثاني) 2017 ليشمل (36) دولة، وفي يناير (كانون الثاني) 2018 انخفض التهديد جغرافياً ليشمل نحو (25) دولة، ثم عاود الارتفاع يناير (كانون الثاني) 2019 ليشمل (29) دولة.
يناير (كانون الثاني) 2016 جاءت العراق في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات حيث شهدت نحو (26) عملية، واستمرت أيضاً في المرتبة نفسها يناير (كانون الثاني) 2017 بواقع (17) عملية، إلا أنه منذ يناير (كانون الثاني) 2018، 2019 تصدرت أفغانستان المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات بواقع (27) عملية في كل منهما.
الإرهاب والعنف السياسي وفقاً للتنظيمات:
على الرغم من الجهود المبذولة لردع تنظيم داعش والقضاء عليه في الأعوام الماضية، فإن التنظيم ظل الأكثر من حيث عدد العمليات مطلع العام (2016/2019)، كما لوحظ أيضا أن (القاعدة، طالبان، بوكو حرام) شهدوا زيادة في عدد العمليات مطلع العام حتى 2018 ثم عادوا للتراجع شيئا ما مطلع 2019، إلا أن حركة الشباب المجاهدين الصومالية أخذت في التوسع عاماً بعد الآخر.
التنظيمات الأكثر دموية:
ظل تنظيم داعش هو التنظيم الأكثر دموية مطلع عامي (2016/2017)، وحلت بدلاً منه حركة طالبان بعامي (2018/2019)
تحركات التنظيمات الإرهابية 2019:
خمس تنظيمات رئيسة على الساحة الإرهابية عالمياً هي من تشكل خريطة الإرهاب (داعش، القاعدة، طالبان، حركة الشباب المجاهدين، بوكو حرام).
- تنظيم داعش:
يتراجع عدد ضحايا العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش منذ عام 2016 مع الزيادة في عدد العمليات، حيث كان عدد العمليات مطلع 2016 (23) عملية أسفرت عن سقوط نحو (843) ضحية، في حين جاء عددها مطلع 2019 (44) عملية أسفرت عن سقوط نحو (134) ضحية.
كما لوحظ أيضا أنه منذ عام 2016 تأتي عمليات التنظيم في المجمل في (16) دولة، حيث جاء توزيع عمليات التنظيم جغرافياً يناير (كانون الثاني) 2016 في (10) دول، في حين جاء بيناير (كانون الثاني) 2017 في (12) دولة، ويناير (كانون الثاني) عامي (2018/2019) جاء في عدد (6) دول. كما لوحظ أيضا أن التنظيم على مدار الفترة (2016/2019) ظل يهدد الدول (العراق، مصر، ليبيا، أفغانستان).
تراجع عدد الضحايا مع زيادة عدد العمليات، يؤكد أن التنظيم يعيش مرحلة إعادة تمركز واستعادة للقوة، ففي تلك المرحلة تحاول التنظيمات الظهور بالوجود من خلال عدد عمليات أكثر دون التركيز فيما ستسفر عنه تلك العمليات من أثر. كما أن المؤشرات تفيد بكون التنظيم يفقد بصورة واضحة جزءاً كبيراً من نفوذه وأتباعه، وهذا ما اتضح في تراجع عدد الدول التي يهددها التنظيم مطلع عامي 2018/2019 بنسبة (50%) عن الأعوام السابقة. إلا أن الانسحاب الأمريكي من سوريا وما سينتج عنه من ثغرات، سيساعد التنظيم شيئا ما في مرحلة إعادة التمركز.
كما لوحظ أيضا أنه منذ عام 2016 تأتي عمليات التنظيم في المجمل في (8) دول، حيث جاء توزيع عمليات التنظيم جغرافياً يناير (كانون الثاني) 2016 في (دولتين)، ويناير (كانون الثاني) عامي (2017/2018) جاء في (4) دول، ثم تراجع في يناير (كانون الثاني) 2019 ليأتي التهديد في (3) دول.
وحول مستقبل التنظيم بالعام 2019، فقد خلصنا في تقرير سابق إلى أن المؤشرات تفيد بأن تنظيم القاعدة يدخل مرحلة الإفاقة والعودة مرة أخرى على الساحة الإرهابية بفاعلية، وإن كانت التحركات -وفقاً للتنظيم وفروعه- لا تنذر باتساع النطاق الجغرافي للتنظيم، إلا أن استمرار عدم الاستقرار السياسي بالمناطق الفاعل بها التنظيم، واحتمالية حدوث عدم استقرار بمناطق أخرى يعيش فيها التنظيم حالة سكون، إلى جانب الصعود والهبوط المرتبط بالأقطاب الأخرى، ربما تدفع نحو المزيد من النشاط واتساع الرقعة الجغرافية والتهديدات من قبل تنظيم القاعدة، خاصة وأن تنظيم القاعدة من التنظيمات المتسمة في عقلها السياسي بمبدأ (استغلال الظروف).
- طالبان:
طالبان، الحركة الإرهابية الأكثر استقلالية والتنظيم الإقليمي الوحيد الذي نال ولاء تنظيم أممي مثل تنظيم القاعدة. وهي التنظيم الذي سيطر بلا منازع على بلاد الأفغان منذ منتصف التسعينيات، وحتى الإطاحة بهم من قبل الولايات المتحدة والتحالف الشمالي بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وعلى الرغم من ذلك تظل الحركة موجودة ومصدر تهديد دائماً، وطرفاً مهماً في أي مفاوضات أو قراءة للمشهد في بلاد الأفغان.
مطلع العام في السنوات الماضية زادت عمليات التنظيم تدريجياً، مع زيادة ملحوظة في أثر تلك العمليات من حيث عدد الضحايا، حيث زادت عمليات التنظيم يناير (كانون الثاني) 2019 عن نظيره 2016 بنسبة حوالي (150%). بارتفاع في عدد الضحايا بنسبة حوالي (209%).
كما لوحظ أيضا أنه منذ عام 2016 تأتي عمليات التنظيم في المجمل في دولتي (أفغانستان، وباكستان).
المؤشرات والإحصاءات، إلى جانب الخطط حول الانسحاب الأمريكي، تفيد بصورة كبيرة الحركة في الاستغلال والسيطرة على الثغرات الأمنية التي ربما تنجم عن ذلك. مما يشير بصورة أقرب للتأكيد بأن العام الحالي 2019 سيشهد نشاطاً ملحوظاً لحركة طالبان.
- حركة الشباب المجاهدين الصومالية:
على الرغم من استمرار حركة الشباب المجاهدين الصومالية في تهديداتها في (الصومال، وكينيا) وارتفاع عدد العمليات فإن الانخفاض في عدد الضحايا يفيد بكون الحركة ربما تتعرض لمضايقات أمنية أكثر، تعيق قيامها بعمليات ذات أثر مرتفع، أو ربما تفتقد للعنصر المالي المساهم في القيام بعمليات أكثر فاعلية.
كما لوحظ أيضا أنه منذ عام 2016 تأتي عمليات التنظيم في المجمل في دولتي (الصومال، وكينيا)، حيث جاء توزيع عمليات التنظيم جغرافياً يناير (كانون الثاني) 2016 في (دولة الصومال فقط)، ويناير (كانون الثاني) (2017/2018/2019) جاء في دولتي (الصومال، وكينيا).
وعلى الرغم من ذلك فإن المتابع لتحركات حركة الشباب الصومالية في يناير (كانون الثاني) مطلع العام الحالي، يمكنه ملاحظة أن التنظيم يحاول تأكيد التبعية للقاعدة والحصول على تمويل من التنظيم الأم، وهذا ما اتضح في البيان الذي أخرجته الحركة بعد عملية نيروبي الأخيرة بعنوان (القدس لن تهود) ومحاباة زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي (أيمن الظواهري).
وعليه فإنه من المتوقع أن تستمر الحركة في نشاطها بزيادة في عدد العمليات الإرهابية هذا العام، وربما يزداد أثر تلك العمليات حال رغبة القاعدة في التنسيق مع الحركة لزيادة أثرها في أفريقيا.
- بوكو حرام:
يُظهر نشاط الحركة التي بايعت تنظيم داعش مارس (آذار) 2015، تقارباً في عدد العمليات التي نفذتها مطلع الأعوام 2016 – 2019، كما يلاحظ أن الحركة من ناحية الأثر انخفض تأثير عملياتها في 2017 وعاود الصعود تدريجياً 2018، 2019.
كما لوحظ أيضا أنه منذ عام 2016 تأتي عمليات التنظيم في المجمل في (4) دول، بواقع تهديد لثلاث دول مطلع كل عام.
في الواقع، تنقسم الجماعة بصورة أساسية إلى فصيلين: فصيل تابع لتنظيم داعش رسمياً ويقوده الزعيم المعين من قبل داعش (أبو مصعب البرناوي)، وفريق آخر يقوده الزعيم السابق للتنظيم (أبو بكر شيكاو) الذي عزل وعين بدلاً منه (البرناوي) من قبل داعش، على أثر معلومات تفيد تواصل (شيكاو) مع القاعدة.
الفصيل الأول هو الفصيل الأساسي، ومن المتوقع أن يظل كما هو على الوتيرة نفسها، مع أن البلاد تعيش مرحلة انتخابية ربما يسفر عنها حالة من عدم الاستقرار. في الوقت نفسه من المتوقع أيضا أن تزداد قوة الفصيل الثاني في ظل تراجع تنظيم داعش، والصعود التدريجي لتنظيم القاعدة في أفريقيا.
ختاماً:
- كافة المؤشرات الأولية تفيد بأن عام 2019 لن يشهد انحساراً في عدد العمليات الإرهابية، ولكن من المحتمل أن يشهد انخفاضاً في الأثر من ناحية عدد الضحايا. وهذا ما يتضح من مقارنة نسبة الضحايا من عدد العمليات مطلع كل عام.
- جغرافياً، لوحظ ارتفاع عدد الدول التي يهددها الإرهاب مطلع العام الحالي بواقع (29) دولة عن مطلع العام السابق بواقع (25) دولة. مما يفيد ازدياد توسع رقعة التهديدات الإرهابية عالمياً بالعام الحالي، والحاجة أكثر إلى التكاتف الدولي في مكافحة الإرهاب.
- الوضع في أفغانستان وسوريا، ينذر بتعقيد الساحة الإرهابيةـ فالانسحاب الأمريكي من سوريا من شأنه إعطاء مزيد من المجال لتنظيم داعش لإعادة التمركز، والانسحاب من بلاد الأفغان من شأنه إعطاء فرصة لطالبان لتوسيع نفوذها، مستغلاً كلٌّ منهما الثغرات الأمنية الناتجة عن الانسحاب.
- ربما نشهد -قرب نهاية العام الحالي- حديثاً مرة أخرى عن استعادة تنظيم داعش جزءاً لا يستهان به من نفوذه بسوريا.
- ستوطد العلاقة بين حركة الشباب المجاهدين الصومالية وتنظيم القاعدة بصورة أكبر مما هي عليه الآن، كما أنه من المتوقع أن نشهد انقسام فصيلي (بوكو حرام) رسمياً ما بين داعش والقاعدة.
- ارتفاع عدد العمليات التي لم تتبع أي تنظيم أو حركة بصورة واضحة بالعام الحالي ليصبح (23) عملية يناير (كانون الثاني) 2019، مقابل عملية واحدة يناير (كانون الثاني) 2018، يفيد بأن العام الحالي سيشهد تحركات فردية من قبل دراويش التنظيمات الإرهابية عالمياً في مناطق متفرقة، مما يزيد من تعقيدات المواجهة الأمنية للإرهاب في العام الحالي.