مقدمة
يكتسب السودان بموقعه الجغرافي السياسي (الجيوبوليتيكي) وضعاً مميزاً وفريداً إقليمياً ودولياً؛ كونه امتداداً لمنطقة القرن الإفريقي، التي تعتبر بكل المقاييس من مناطق العالم ذات الأهمية الاستراتيجية التي تتبارى الدول الكبرى في الحصول على المزايا والمنافع المختلفة لها.
تتميز هذه المنطقة بأهمية خاصة بالنسبة للقارة الإفريقية، لأنها تمثل نقطة ارتكاز ومدخلاً للقارة الإفريقية، ومجاورة السودان للدول النفطية في الشرق الأوسط والخليج العربي، كما يوجد في السودان الكثير من الموارد الكامنة، من أهمها المساحات الشاسعة القابلة للزراعة، مع توافر مصادر المياه والمعادن.
إن انعدام الكفاءة المؤسسية لاستغلال وإدارة هذه الموارد الطبيعية بطريقة تؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية؛ هو السبب الجوهري لعدم قدرة السودان على النهوض من عثراته المتكررة. ولكي ينمو السودان كدولة ويتطوّر استناداً لمعايير الجيوبوليتيك، لا بد من مراعاة قوانين تطوّر الدول، ومن توصيات البحث: ضرورة الاستفادة من مقومات الجغرافيا السياسية (الموقع والمناخ والموارد وغيرها)؛ فهي التي تحدد أهم عوامل القوة والضعف للدولة، وضرورة سعي النظام السياسي إلى وضع خطة استراتيجية للسودان، وأن يعترف بتعدد الأعراق والديانات والثقافات وتحقيق الوحدة والتنوع، إلى جانب تحقيق التعايش السلمي والحرية والمساواة، والعدالة في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن.
لعب الموقع الجغرافيّ للدول دورا كبيرا في التأثير على سلوكيّات كثير من الإمبراطوريّات والحضارات القديمة، فوجود بعضها على سواحل المحيطات منحها القدرة على تنمية تجارتها الخارجيّة وتطوير أساليب حربيّة معيّنة. فيما شكّل الموقع الجزريّ حماية طبيعيّة للدول من الخطر الخارجيّ، كما أنّ موقع إمبراطوريّات أخرى في الجبال ذات التضاريس الوعرة، كان له الأثر في إرهاق الخصم وهزيمته وكسب المعارك الحربيّة. من جهة أخرى كان لجودة الأراضي الزراعيّة أثر كبير في الازدهار الاقتصاديّ، وتعزيز قوّة الدول والإمبراطوريّات، ومن جهة ثالثة كان للقرار السياسيّ في كثير من المناسبات أثرٌ هامّ على الإقليم، ومن ذلك شقّ الطرق، ومدّ سكك الحديد، وإنشاء الجسور، وحفر الأنفاق والقنوات، وما يرتبط بها من تعزيز العلاقات بين الدول، علاوة على تقسيم بعض الأقاليم إلى وحدات سياسيّة داخليّة )لا مركزيّة إداريّة أو سياسيّة( أو خارجيّة، كدول مستقلّة.
إن الجيوبوليتيكا في أساسها خطة للمستقبل السياسي لإقليم أو قارة أو العالم، وهي (أي الجيوبوليتيكا) أقل موضوعية من الجغرافيا السياسية، لكنها ضرورة متلازمة مع الفكر السياسي في عصر القوميات والاستراتيجيات العسكرية للسيطرة على العالم أو جزء منه، وبرغم قدم الفكر الجيوبوليتيكي وتلازمه مع السياسات الإمبراطورية المختلفة في الماضي، فإنه أصبح أكثر تكاملًا كموضوع للدراسة منذ القرن الماضي وخلال القرن الحالي، وهو في الحقيقة يشابه الخطط الاقتصادية أو العمرانية في الوقت الحاضر، وذلك من أجل معرفة المكان الذي تحتله دولة ما من خطط السياسة العالمية، والدور الذي يمكن أن تؤديه، ومن أجل مواجهة هذه الخطط بالقبول أو الرفض، ولا شك في أن تطور الفكر الجيوبوليتيكي وضرورته المعاصرة، مرتبط باقتراب العالم من بعضه؛ نتيجة التسهيلات التي حدثت في وسائل النقل والاتصال الفكري والإعلامي والتشابك الاقتصادي.
إنّ الجغرافيا السياسيّة تجيب عن سؤال: أين نحن الآن؟ في حين أنّ الجيوبوليتيك تجيب عن سؤال المستقبل وكيفيّة الوصول إليه. وهكذا فالجيوبوليتيك تتعامل مع الدولة ككائن حيّ له طموحه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، موازنا بينها وبين محيطه الإقليميّ والعالميّ، وهي بالتالي مفتاح سياسات الدول، ولا غنى عنها لأيّ مخطِّط استراتيجيّ أو متّخذ قرار أو مهتمّ بالشأن العامّ.
الجيوبوليتيك: Geopolitic مصطلح يتكوّن في الأصل من كلمتين يونانيّتين: Geo وهي الأرض، ثمّ Politique ومعناها سياسة، فهي علم يقوم على علاقة جدليّة بين الأرض والسياسة، ويندمج فيه علم الجغرافيا بعلم السياسة، فيدرس التأثيرات المختلفة للإقليم، بعناصره كافة (بحار، خلجان، مضايق، جبال، سهول، غابات) وموقعه وشكله (جزريّ -من جزيرة-، قارّيّ( ومناخه، على أداء صنّاع القرار السياسيّ داخل الدولة نفسها، وعلى أداء السياسة الخارجيّة للدول بشكل عامّ، كما يدرس تأثير السياسة على الأرض، في محاولاتها للاستفادة من ميزاتها من أجل التغيير المستقبليّ لأبعاد الدولة الجغرافيّة، بفعل يُمارس علاقة قوّة في إطار جغرافيّ معيّن، وتختلف الجيوبوليتيك عن علم قد يخلطها بعضهم به، وهو الجغرافيا السياسيّة، في أمور منها: أنّ الجغرافيا السياسيّة تعنى بربط وتحليل تفاعلات بشريّة سريعة الإيقاع –الاتّجاهات السياسيّة الداخليّة والخارجيّة والعسكريّة- مع العوامل الجغرافيّة الأرضيّة شبه الثابتة، وتكون الدولة هي وحدة الدراسة في الجغرافيا السياسيّة، وهي -في حدّ ذاتها- اصطناع بشريّ مؤقّت الثبات، نتيجة تغيرات سريعة داخليّة أو خارجيّة، أمّا الجيوبوليتيك فتقوم برسم تصوّرات سياسيّة مستقبليّة على ضوء تفاعلات البشر والجغرافيا[2].
تتضح أهمية هذا البحث من أهمية موضوعه الذي يدرسه وأثره في نشأة وتطور الدول قديماً وحديثاً؛ ويمكن القول: إن جوهر الجيوبوليتيكا هي تحليل العلاقات السياسية الدولية على ضوء الأوضاع والتركيب الجغرافي، ولهذا فإن الآراء الجيوبوليتيكية يجب أن تختلف مع اختلاف الأوضاع الجغرافية التي تتغير بتغير تكنولوجية الإنسان وما ينطوي عليه ذلك من مفاهيم وقوى جديدة لذات الأرض، ويقوم التحليل الجيوبوليتيكي على موضوعين أساسيين: الأول: وصف الوضع الجغرافي وحقائقه كما تبدو بالارتباط بالقوى السياسية المختلفة، الثاني: وضع ورسم الإطار المكاني يحتوي على القوى السياسية (الدول) المتفاعلة والمتصارعة.
يساهم الجيوبوليتيك في رسم مسار السياسة الخارجية للدولة السودانية؛ فبجانب محورية موقعها الجغرافي، هناك عوامل لها درجة التأثير نفسها في تحديد علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي، مثل التاريخ والقومية وتوازن القوة، ففي هذا السياق، تدور إشكالية البحث حول تساؤل رئيس مفاده: ما الاعتبارات الجيوبوليتيكية المحددة لكيفية رسم مستقبل السودان، استناداً لما يتميز به من أسس وعوامل طبيعية وحضارية؟
يهدف البحث إلى تحقيق العديد من الغايات الرئيسة المتمثلة في:
ـ التعرّف على الأسس والعوامل الطبيعية، وبيان دورها في بناء مستقبل السودان.
ـ الكشف عن الأسس والعوامل الحضارية، وبيان دورها في بناء مستقبل السودان.
– دراسة أثر التخطيط لمستقبل السودان على ضوء أسس الجيوبوليتيكا.
اعتمد البحث على المنهج الوصفي الاستقرائي؛ إذ يقوم بملاحظة الواقع السياسي بهدف تقديم صورة وصفية، ويستند الباحث إلى هذا المنهج لملاحظة وتحليل جيوبوليتيك السودان، النابع من المحددات الجغرافية الأكثر رسوخًا، ومن ثم استخلاص نتائج محددة بحسب الأهداف المرجوة من البحث.
المبحث الأول: الدولة ومقوماتها الجغرافية
المطلب الأول: الأسس والعوامل الطبيعية
تم تعريف الدولة بأنها: “مجتمع إنساني يمارس حق احتكار شرعية استخدام القوة في منطقة معينة”، وبما أن الدولة هي نوع من التنظيم الاجتماعي، فعليها ضمان أمنه وأمن رعاياه من الأخطار الخارجية والداخلية، ولهذا فهي تتمتع بقوة مسلحة، وبعدة أجهزة للإكراه والردع[3].
وتعد الدولة المكون الأساسي للنمط السياسي العالمي، كما أنها تعد وحدة جغرافية سياسية ذات تركيب متعدد الملامح، يجعلها ظاهرة فريدة بالنظر إلى مكوناتها الطبيعية، التي تتمثل في مجالها الأرضي، وفي العلاقات المترتبة على شغل الإنسان لهذا المجال الأرضي لتلك الدولة، ذات الحدود السياسية الواضحة والعلاقات القائمة بين تلك الدولة والمناطق السياسية الأخرى في العالم[4].
ويمكن تقسيم الأسس الجغرافية المؤثرة والمحددة للتركيب السياسي للدولة إلى مجموعات رئيسة هي: الأسس والمقومات الطبيعية، ثم الأسس والعوامل الحضارية، ومن البديهي أن تختلف الدول فيما بينها في كل عنصر من هذه العناصر، فبعضها عملاق المساحة والآخر قزمي في كليهما. كذلك فإن هناك دولا غنية في مواردها ومتقدمة في استغلال هذه الموارد، وأخرى تعاني النقص في الموارد والاستغلال، مما ينعكس على اقتصادها الوطني المتواضع ومستوى العيش المتدني لسكانها[5].
أولاً: الأسس والعوامل الطبيعية
تشمل هذه الأسس الخصائص الطبيعية للدولة، وهي الموقع والحجم والشكل والمناخ ومظاهر السطح ومصادر المياه وموارد الثروة المعدنية، وهذه الخصائص الطبيعية -منفردة أو مجتمعة- تفرض حدودا على النشاط البشري داخل منطقة محدودة، كما تتيح للإنسان مجموعة من الاختيارات يختار منها ما يلائم حياته، وتوفر له بعض مظاهر نشاطه البشري. وفيما يلي يشير الباحث لأهم هذه الأسس والعوامل الجغرافية[6]:
1- الموقع: يعد الموقع عنصرا هاما من الخصائص الطبيعية للدولة، سواء كان بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض، أو بالنسبة لليابسة والماء، أو بالنسبة للدول الأخرى، أو حتى بالنسبة للموارد الطبيعية خارج حدود الدولة ذاتها.
2- الحجم: يعد الحجم مهما للدولة وذلك بالنسبة لسيطرتها السياسية والدفاعية، وكلما كانت الدولة تملك مساحة أكبر تمكنها من التراجع أمام قوات الغزو، كان ذلك أفضل في توافر فرصها على الصمود والبقاء.
3- الشكل: وهو من العناصر ذات الأهمية في الدفاع والسيطرة السياسية، فالدولة الضيقة -دون اعتبار لكبر مساحتها- تواجه صعوبات ومشقة في الدفاع أكثر من الدولة المندمجة، كذلك فإنه بالنسبة للتماسك السياسي الداخلي، فإن الشكل الدائري ذا العاصمة المركزية في الوسط، يعد ذا فائدة كبرى حيث إن المسافات بين العاصمة والمناطق الهامشية في الدولة أقل مما يمكن.
4- المناخ: يؤثر في التطور السياسي وإن كان من الصعب تحديد دوره بمفرده، حيث إن المؤثرات المناخية لا يمكن فصلها عن العوامل الطبيعية والحضارية الأخرى، فقد نشأت الحضارة وانتشرت خلال القرون الماضية في الأقاليم ذات المناخ الدافئ والبارد نوعا ما، أما في العصر الحديث فإن القوى العالمية العظمى تقع في العروض الوسطى، حيث تتميز باختلافات فصلية في درجة الحرارة، كما تتباين بها الأقاليم المناخية تباينا كبيرا.
5- المجاري والمسطحات المائية: تعد ذات أهمية خاصة للدولة، فالأنهار غالبا ما تكون عوامل وصل وتماسك داخل الدولة، كما في نهر النيل ونهري دجلة والفرات في العراق، ويمثل البحر عنصرا موحدا في الدول الجزرية، كما هو الحال في اليابان والفلبين وإندونيسيا، ومن ناحية أخرى فقد تكون الأنهار -مثلا- عنصرا مقسما للدول وليس موحدا لها؛ مثل نهر ريوجراند بين الولايات المتحدة والمكسيك[7].
المطلب الثاني: الأسس والعوامل الحضارية
ومن أهم هذه الأسس والعوامل الحضارية ما يلي[8]:
1- السكان: يمثل السكان العنصر البشري المحوري في الجغرافيا السياسية ومشكلاتها المتعددة. ذلك لأن السكان عامل حيوي ديناميكي متحرك دخل الوحدة السياسية، وينشأ هذا التحرك في الواقع عن الزيادة الطبيعية والهجرة، مما يؤثر في التركيب العمري النوعي والاقتصادي والعرقي للسكان، وقد ينعكس ذلك على المشكلات العنصرية السائدة في بعض المجتمعات. كذلك قد يؤدي إلى نزعة قومية تدفع بالدول إلى الاحتكاك، ومن ثم تخلق المشكلات السياسية المحلية داخل الدولة أو بينها وبين جيرانها.
2- التركيب الاقتصادي: يعد البناء الاقتصادي القوي عنصرا رئيساً من عناصر قوة الدولة، وفي أوقات السلام فإن السيطرة الاقتصادية لدولة ما على دولة أخرى تحمل في طياتها سيطرة سياسية، وكذلك يؤدي التكامل الاقتصادي داخل أجزاء الدولة الواحدة إلى توافر عوامل الترابط بينها، كما هي الحال في أستراليا والولايات المتحدة وكندا، حيث كانت الوحدة الاقتصادية عنصرا موحدا بين أجزاء هذه الدول، وتعتمد قوة الدولة على مواردها الاقتصادية وقدرتها على الإنتاج الصناعي سواء لأغراض السلم أو الحرب.
3- نظام الحكم والإدارة: يعتمد نجاح الدولة في تماسكها السياسي على نظام الحكم الداخلي بها، أي سواء كان نظاما موحدا أو اتحاديا، والتمييز بينهما هو طبيعة السلطة التي تمارس السيادة على الإقليم، ففي النظام الموحد تقرر الحكومة المركزية درجة الحكم الذاتي المحلي، فقد تحدد عدد وطبيعة الأقسام السياسية ذاتية الحكم، ولها الحق في تعيين المسؤولين في هذه الأقسام، ويميز هذا النظام دولا كثيرة في العالم، ويتميز بمرونة السلطة الممنوحة للحكومة -التي تكون حركتها أسهل في مواجهة المشكلات الطارئة. ومن مساوئ هذا النظام زيادة السلطة المركزية بدرجة كبيرة، وعجز الحكومة عن معالجة الاختلافات الإقليمية داخل أجزاء الدولة الواحدة، أما في النظام الاتحادي فإن هناك حكومة مركزية ومحلية، ويستمدان قوتهما من الدستور كما هو الحال في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وسويسرا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك والملايو ونيجيريا. ومن مميزات هذا النظام توفير قسط من الحماية ضد السلطة الزائدة للعاصمة القومية، والسماح بوجود اختلافات إقليمية في الدولة. لذا فهو أنسب للدول الشاسعة المساحة متعددة القوميات[9].
المبحث الثاني: التخطيط لمستقبل السودان على ضوء أسس الجيوبوليتيكا
المطلب الأول: مفهوم التخطيط الجيوسياسي وأهميته
إن للتخطيط أساساً جغرافياً لا مفر منه، فبالرغم من أن المخطط يعمل من خلال قانون معين، وفي ظروف اقتصادية محددة وفقا لاحتياجات السكان، فإنه في كل الأحوال يعمل في بيئة جغرافية ذات سطح ومناخ وظروف طبيعية متعددة، ولذا فإن عليه أن يبدأ بدراسة البيئة التي يحيا عليها، ويتفهم المظاهر الأرضية المميزة لها، قبل أن يشرع في إعداد الخطة الإقليمية لها.
أهميّة التخطيط:
التخطيط هو أسلوب علمي يهدف إلى دراسة جميع أنواع الموارد والإمكانيات المتوافرة في الدولة، أو الإقليم أو حتى المدينة أو القرية، وتحديد كيفية استخدام هذه الموارد في تحقيق الأهداف وتحسين الأوضاع بغية الوصول إلى الاستخدام الأمثل لهذه الموارد. وغالبا ما يرتبط التخطيط بفترة زمنية محددة على أساس الدراسة العميقة للموارد البشرية والاقتصادية المتوافرة، ومعرفة مدى كفايتها وأنماط توزيعها وكيفية الحصول عليها وإمكانيات استغلالها، على أن يكون استخدام هذه الموارد محققا لأكبر قدر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم[10].
وغالبا ما تكون أهداف التخطيط تحقيق واحد أو أكثر من الأهداف
التالية[11]:
1- زيادة الإنتاج الكلي أو زيادة الخدمات من حيث الكم، سواء كانت الزيادة من خلال التوسع الأفقي أو الرأسي.
2- تحسين الإنتاج أو تحسين الخدمات من حيث الكيف، ويتحتم في هذه الحالة أن يكون التحسين في الأداء مقترنا بتحول يأتي من خلال الإنسان كعامل مباشر، يدور من حوله وله التخطيط بصفة عامة.
3- دعم وإتاحة أكبر قدر من التوازن بين الإنتاج وقطاعاته المختلفة، أو بين الخدمات المتعددة للسكان، وتأكيد التناسق بين الاستهلاك والسكان في ضوء معدل النمو لكل منهما.
4- تجنب سوء الاستخدام أو الضغط غير المتكافئ على الخدمات والمرافق، بشكل يهبط بمستواها ويؤدي إلى تدهور أدائها.
5- حسن توزيع المشروعات التي تتضمنها الخطة داخل الإطار العام الذي تشمله، وتجنب النمو غير المتكافئ لقطاع من القطاعات دون الأخرى؛ ذلك لأن النمو غير المتكافئ قد يؤدي إلى عدم التوازن بين القطاعات.
وهكذا يبدو أن التخطيط عملية تشمل كثيرا من الجوانب على مستوى الدولة أو الإقليم أو المدينة أو حتى القرية، ويرتبط بذلك تفرع التخطيط إلى فروع متعددة ذات مدلولات خاصة، وإن كان يجمعها هدف واحد يرمي في النهاية إلى تحقيق الرفاهية للسكان، على أساس الإمكانيات المتاحة وتنظيم استخدامها. وأنواع التخطيط عديدة منها: التخطيط الحضري والريفي، وتخطيط استغلال الأرض، والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي والسكاني.
المطلب الثاني: الرؤية الاستشرافية لمستقبل السودان على ضوء أسس الجيوبوليتيكا
تقع جمهورية السودان شمالي شرقي القارة الأفريقية، وتبلغ مساحتها مليونا و(881) ألف كيلومتر مربع، وفقدت (25%) من مساحتها بعد انفصال الجنوب، لتتراجع بذلك من المرتبة الأولى في أفريقيا إلى المرتبة الثانية بعد الجزائر، وإلى المرتبة الثالثة عربيا بعد الجزائر والسعودية، ويبلغ إجمالي المساحة الصالحة للزراعة في السودان (200) مليون فدان، في حين تبلغ مساحة البر مليونا و(752) ألفا و(187) كيلومترا مربعا، والبحر (129) ألفا و(813) كيلومترا مربعا.
يجاور السودان سبع دول هي: جنوب السودان (انفصلت عن السودان في يوليو/ تموز 2011)، وإريتريا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وليبيا، ومصر. ويبلغ طول الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا (725) كيلومترا، ومع أفريقيا الوسطى (380) كيلومترا، ويقدر عدد السكان، بحسب بيانات الحكومة، بحوالي (30) مليون نسمة، يتوزعون بين النوبة في الشمال، والقبائل الأفريقية في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق والبجا بشرق السودان. واستقل السودان عن الإدارة البريطانية- المصرية المشتركة في الأول من يناير (كانون الثاني) 1956، واتخذ شكل الحكم الجمهوري، ثم أصبح عضوا في جامعة الدول العربية وفي منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
ويمتلك السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع (175) مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تقدر بحوالي (52) مليون فدان (الفدان يعادل “4200” متر مربع)، وفي الشق الحيواني، يتمتع السودان بـ(102) مليون رأس من الماشية، متحركة في مراع طبيعية، تُقدر مساحتها بـ(118) مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد على أربعمئة مليار متر مكعب[12].
ويكتسب السودان بموقعه الجغرافي السياسي (الجيوبوليتيكي) وضعاً مميزاً وفريداً إقليمياً ودولياً للأسباب الآتية[13]:
1- كونه امتداداً لمنطقة القرن الأفريقي التي تعتبر بكل المقاييس من مناطق العالم ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تتبارى الدول الكبرى في الحصول على المزايا والمنافع المختلفة لها.
2- تتميز هذه المنطقة بأهمية خاصة بالنسبة للقارة الأفريقية، حيث إنها تمثل نقطة ارتكاز ومدخلاً للقارة الأفريقية.
3- مجاورة السودان للدول النفطية في الشرق الأوسط والخليج العربي، الشيء الذي يمنحه الإمكانية في السيطرة على خطوط نقل البترول في البحر الأحمر، هذا بالإضافة إلى دخول السودان الفعلي لسوق النفط كمنتج ومصدر، مع وجود شواهد بتوافر كميات هائلة من النفط يجري استغلالها حالياً.
4- يوجد في السودان الكثير من الموارد الكامنة من أهمها المساحات الشاسعة القابلة للزراعة، مع توافر مصادر المياه والمعادن.
5- وجود السودان في قلب القارة الأفريقية جعله بوتقة تنصهر فيها الحضارات المختلفة، وشعوب القارة المتعددة ذات الأصول الأفريقية والعربية وغيرها.
6- تحيط بالسودان دول عربية وغير عربية تختلف فيها النظم السياسية والاتجاهات الفكرية والأصول العرقية، وبذلك تشكل مجموعة من الأهداف والمصالح المختلفة، بحيث تفتح مجالاً حقيقياً لصراع الدول الكبرى التي تجري وراء مصالحها (مثلاً يعتبر السودان العمق الاستراتيجي لمصر من اتجاه
الجنوب).
يمتلك السودان عددا وافرا من الموارد الطبيعة المُتجدِّدة وغير المُتجدِّدة، وتُعد الموارد المُتجدِّدة جزءًا من البيئة الطبيعية للأرض ومكونها الحيوي. ويعد استمرار تلك الموارد في التجدد مؤشراً جيداً على استدامتها، كما تُعرف الموارد الطبيعية غير المتجددة بأنها الموارد الموجودة في البيئة بقدر محدد، وما يستهلك منها لا يعوض. ومِنْ ثَمَّ فهي موارد معرضة لخطر النضوب والنَفاد. وقد لا تتعرض للنُضوب بصورة كلية إذا ما استغلها الإنسان بمعدل معتدل راشد بعيداً عن الإسراف والجور[14].
وتعد ندرة الموارد الاقتصادية بأنواعها عنصراً مهما في صراع البشرية الدائم مع الطبيعة، بقصد إشباع الحاجات المتزايدة والمتعددة والمتجددة للشعوب. وغدا العالم يواجه تحديات جديدة ومختلفة لحماية وإدارة الموارد الطبيعية المحدودة وبيئتها بطريقة مثلى، وذلك لأسباب عديدة من أهمها التغيرات المناخية التي شهدها العالم خلال العقود القليلة الماضية، كما يزخر السودان بموارد عديدة تشمل الأراضي الزراعية ومياه الشرب والمراعي الطبيعية والغابات والمصايد والثروات المعدنية، وكذلك يمتلك السودان مصادر الطاقة الطبيعة المتجددة مثل الشمس والرياح. كذلك يتسع مفهوم الموارد الطبيعية المتاحة ليشمل الموقع الجغرافي المتميز. غير أنه، ومنذ تكوين الدولة الوطنية، لم يستطع السودان الاستفادة من وفرة الموارد الطبيعية لتحقيق النمو الاقتصادي. ولعل هذه هي “لعنة الموارد”، أو ما يعرف بـ”مفارقة الوفرة”، التي ذكرت عنها موسوعة الويكيبيديا التالي: “إن البلدان التي لديها وفرة من الموارد الطبيعية تميل إلى تحقيق نمو اقتصادي أقل، وديمقراطية أقل، ونتائج إنمائية أسوأ من البلدان التي تمتلك موارد طبيعية أقل”.
أدى فشل الحكومات السودانية المتعاقبة في إدارة مواردها الطبيعية بعناية، إلى تدهور وتلاشٍ متدرج في القطاعات الإنتاجية التي كان يمكن أن تمثل الاقتصاد الحقيقي للبلاد. وتحول اقتصادها إلى اقتصاد ريعي يحصل على دخله من رأسماله من الموارد الطبيعية، وليس من تحقيق فوائض إنتاجية. وهكذا تظل الدولة فقيرة لانخفاض مصادر الدخل. ويفضي هذا الأمر على المدى الطويل إلى الجور على الموارد الطبيعية الناضبة، وتصبح بالتالي بعض الموارد بمثابة عائق أكثر منها محفز للنمو الاقتصادي في البلاد. ومعلوم أن الموارد الطبيعية تعد أحد عناصر جذب الاستثمار الأجنبي في الدول الفقيرة، والتي يمكن أن تظل فقيرة في حال لم تحدد العلاقة بين الموارد الطبيعية والنمو الاقتصادي بجودة المؤسسية (الحوكمة) فيها. وتفتقد الدولة ذات المؤسسات الضعيفة الخطط الاستراتيجية والأنظمة الإدارية والمالية القادرة على إدارة مواردها لتحقيق النمو الاقتصادي[15].
ويمكن القول: إن التخطيط الاستراتيجي في السودان يفتقد لما يسمى بـ”صيانة الموارد الطبيعية” بشقيها المتجدد والناضب، ويشير مفهوم الصيانة إلى إدارة وحماية الموارد الطبيعية، واستخدامها بحكمة، كما أن السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه، كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية.
ضرورة القوّة البحريّة:
يشير علماء الجيوبوليتيكا إلى أن من شروط القوّة البحريّة للدولة[16]:
1- الموقع: الإطلالة على البحر؛ فالوضع الجزريّ أفضل للقوّة البحريّة، أمّا الاتّصال القارّي فيوزع القوّة بين بريّة وبحريّة )مثال فرنسا).
2- امتداد الشواطئ: وكذلك طبيعة خلجانها. وهو أهمّ من اتّساع الأرض.
3- خصوبة الأرض: هل الدولة بحاجة للخارج أم هي تنتج بشكل جيّد؟
4- الحكم: من حيث ثباته في التطلّع إلى التفوّق في البحر.
5- السكّان: ليس العدد هو المهمّ، لكن نسبة من يعيشون على الساحل، لأنّ من يعيشون على الساحل يمكن تعبئتهم في الحرب البحريّة أكثر من الآخرين.
ويمتلك السودان حدوداً بحرية عظيمة، إذ يبلغ طول الساحل السوداني على البحر الأحمر حوالى (498) كم، وترتبط أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية بموقعه الجغرافي المؤثِّر على العلاقات الإقليمية والدولية. فهو يتوسّط قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويشكِّل «همزة وصل استراتيجية لكثير من الطرق المائية» بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، كما يجاور منطقة الشرق الأوسط التي تستمد تاريخها من كونها مركز الحضارات القديمة ومهد الديانات السماوية الثلاث، إلاّ أنّ أهمية البحر الأحمر تكمن في تأثيره الشديد والمباشر على حركة التجارة المحلية والإقليمية والدولية، ولكن الأهمية السياسية والقومية للبحر الأحمر تكمن في وقوعه في قلب كتلة من سبع دول عربية تشرف عليه، الأردن والسعودية واليمن والصومال وجيبوتي والسودان ومصر، تمتد على نحو (90%) من سواحله، وهذا ما يجعلها عاملًا مؤثرًا وحساسًا في ميزان القوى والسياسات الدولية[17].
إنّ الدور الذي يمكن للسودان أن يؤدّيه يتأثّر على نطاق واسع بالمكان الذي يحتلّه على خارطة العالم، ولكي ينمو السودان كدولة ويتطوّر (استناداً لمعايير الجيوبوليتيك) لا بد من مراعاة قوانين تطوّر الدول التي تتمثل فيما يلي[18]:
1- إنّ رقعة الدولة تنمو بنموّ الحضارة أو الثقافة الخاصّة بالدولة.
2- يستمرّ نمو الدولة إلى أن تصل إلى مرحلة الضّم بإضافة وحدات أخرى.
3- حدود الدولة هي التي تحميها ولا بدّ من الحفاظ عليها.
4- تسعى الدول في نموّها إلى امتصاص الأقاليم ذات القيمة السياسيّة.
5- الدافع للتوسّع يأتي من الخارج.
6- الميل العامّ للتوسّع ينتقل من دولة إلى أخرى ثم يتزايد ويشتدّ.
7- نموّ الدولة عمليّة لاحقة لنموّ سكانها.
يبدو هناك تنافساً شديداً بين الاقتصاد والجيوبوليتيك، حيث يرى البعض أنّ التطوّر التكنولوجيّ (سواء العسكريّ أو غيره) قد ساهم في تسريع مسار العولمة، بشكل جعل عاملي المسافة والأرض يبدوان عاملين أقلّ أهمّيّة، لذلك همّش مسار العولمة الجيوبوليتيك، وصرف الانتباه إلى حقل الاقتصاد أساسا، وإلى تعاون السوق العابر للأمم، وبذلك يمكن القول: إنّ العولمة قد قتلت الجيوبوليتيك.
ومع ذلك يجب الاعتراف بأنّ التفكير الجيوبوليتيكيّ يتعقّب النشاط البشريّ بأشكاله كافة، وهو يستطيع توسيع مجالات بحثه، فمن الأرض إلى البحر إلى الجوّ إلى الفضاء الخارجيّ، بل حتّى الفضاء الافتراضيّ (السيبرانيّ)، الذي أصبح ميدانا للصراع بين لاعبين وقوى مختلفة، مما يجعله مجالا صالحاً لدراسة الجيوبوليتيك، وهكذا فإنّ النواحي والجوانب التي يتمّ منها إحياء الجيوبوليتيك تتوالد بلا هوادة، كما أنّ الجيوبوليتيك لم يعد يكتفي بإعطاء أجوبة عن الأسئلة الكبرى مثل: من سيحكم العالم؟ وأنّ من يسيطر على قلب الأرض أو النطاق الساحليّ يتحكّم بمصائر العالم، بل أصبح الجيوبوليتيك الجديد يعترف بالمستويات الإقليميّة والمحليّة للتنافس، كما أنّه يتناول مختلف اللاعبين في العلاقات الدوليّة (وليس فقط القوى الكبرى) مثل المنظّمات غير الحكوميّة، الأقليّات الإثنيّة والدينيّة، الحركات الإرهابيّة، فلم يعد اهتمامه محصورا في الدولة وحسب، لهذا السبب فإنّ الجيوبوليتيك سوف يظلّ ذا أهميّة في الوقت الحاضر، وإن اختلفت الإشكالات المعاصرة عن الإشكالات التي تناولها الجيوبوليتيك الكلاسيكيّ.
ويمكن القول: إن السمة المميزة لمستقبل السودان كونه نابعاً مسبقًا من خلال موقعه الجيوبوليتيكي؛ كواحد من أكبر الدول العربية والأفريقية، ومصيره محكوم بأرضه وبخريطته الجيوساسية، فالجيوبوليتيك يضع تصوراً للدولة ويبقي على استمرارية نمط معين في السياسة الخارجية[19].
وحتى تنهض الدولة السودانية لا بد من الاستفادة من مقومات الجغرافيا السياسية (الموقع والمناخ والموارد وغيرها) فهي التي تحدد أهم عوامل القوة والضعف للدولة. وللجغرافيا السياسية دور وصفي إذ تقوم بوصف المقومات الجغرافية للدولة، ودور تحليلي لتحليل ما إذا كانت تأتي هذه المقومات في صالح الدولة أم ضدها. أما العنصر المتغير لتوظيف هذه المعطيات الجغرافية لتحديد استراتيجية الدولة، والتحقيق والدفاع عن مصالحها فيدخل في نطاق الجيوبوليتيك، ولا يقتصر الجيوبوليتيك على الجغرافيا، بل يضم في نطاقه التاريخ، والقوميات، وغيرها من العوامل.
وهناك مقوم آخر لا يقل عن أهمية مقومات الجغرافيا السياسية السابقة
(الموقع والمناخ والموارد وغيرها)؛ وهو الأيديولوجيا التي لها دور كبير في التخطيط لمستقبل الدولة، وقد عبّر علماء الجيوبوليتيك عنها بمصطلح “النظرية السياسية الرابعة”، ويرى دوغين أن النظرية السياسية الرابعة تختلف من ثقافة لأخرى ومن دولة لأخرى، فالنظرية الرابعة لروسيا هي أوراسيا، ولإيران -على سبيل المثال- هي ولاية الفقيه. لكن ما تتفق عليه الدول في النظرية السياسية الرابعة هو الرفض التام للنظريات السياسية الأساسية الغربية مثل: الليبرالية، والشيوعية، والفاشية، فإحدى أهم أفكار أوراسيا هي رفض الحضارة والهيمنة الغربية، ومن ثم العولمة، التي خلقتها الولايات المتحدة الأميركية لخلق عالم أحادي القطبية، ومعارضة استعمار الولايات المتحدة للحضارة الأوروبية[20].
وهنا نشير، استشرافاً للمستقبل، إلى ضرورة أن يسعى النظام السياسي إلى وضع خطة استراتيجية للسودان، وأن يعترف بتعدد الأعراق والديانات والثقافات وتحقيق الوحدة والتنوع، إلى جانب تحقيق التعايش السلمي والحرية والمساواة والعدالة في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن، مع ضرورة تحقيق العدالة في توزيع السلطة والثروة بين جميع أقاليم السودان؛ للقضاء على التهميش التنموي والثقافي والديني مع مراعاة مناطق النزاعات.
كما يلاحظ الباحث أن السودان ما بعد الاستعمار لم يشهد قيام نظام سياسي مستقر ومستمر بالمعنى العلمي لمفهوم النظام السياسي، وإنما شهد قيام نظم حكم متعددة ومتناقضة قادت إلى الفشل في بناء نظام سياسي سوداني يستند على الرضا، وصياغة عقد اجتماعي يجنب البلاد مستنقعات الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والانحدار ودوامة العنف السياسي.
الخاتمة:
1- إن الجيوبوليتيك تقوم برسم تصوّرات سياسيّة مستقبليّة على ضوء تفاعلات البشر والجغرافيا، فالجيوبوليتيك تتعامل مع الدولة ككائن حيّ له طموحه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، موازنا بينها وبين محيطه الإقليميّ والعالميّ، وهي بالتالي مفتاح سياسات الدول، ولا غنى عنها لأيّ مخطِّط استراتيجيّ أو متّخذ قرار أو مهتمّ بالشأن العامّ.
2- يتم تقسيم الأسس الجغرافية المؤثرة والمحددة للتركيب السياسي للدولة إلى مجموعات رئيسة، هي الأسس والمقومات الطبيعية ثم الأسس والعوامل الحضارية، ومن البديهي أن تختلف الدول فيما بينها في كل عنصر من هذه العناصر.
3- تشمل الأسس والعوامل الطبيعية الخصائص الطبيعية للدولة، وهي الموقع والحجم والشكل والمناخ ومظاهر السطح ومصادر المياه وموارد الثروة المعدنية، بينما تشمل الأسس والعوامل الحضارية السكان والتركيب الاقتصادي ونظام الحكم والإدارة.
4- إن التخطيط عملية تشمل كثيرا من الجوانب على مستوى الدولة أو الإقليم أو المدينة أو حتى القرية، ويرتبط بذلك تفرع التخطيط إلى فروع متعددة ذات مدلولات خاصة، وإن كان يجمعها هدف واحد يرمي في النهاية إلى تحقيق الرفاهية للسكان، على أساس الإمكانيات المتاحة وتنظيم استخدامها.
5- يكتسب السودان بموقعه الجغرافي السياسي (الجيوبوليتيكي) وضعاً مميزاً وفريداً إقليمياً ودولياً، كونه امتداداً لمنطقة القرن الأفريقي التي تعتبر بكل المقاييس من مناطق العالم ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تتبارى الدول الكبرى في الحصول على المزايا والمنافع المختلفة لها، وتتميز هذه المنطقة بأهمية خاصة بالنسبة للقارة الأفريقية، حيث إنها تمثل نقطة ارتكاز ومدخلاً للقارة الأفريقية، ومجاورة السودان للدول النفطية في الشرق الأوسط والخليج العربي، كما يوجد في السودان الكثير من الموارد الكامنة من أهمها المساحات الشاسعة القابلة للزراعة، مع توافر مصادر المياه والمعادن.
6- تفتقد الدولة ذات المؤسسات الضعيفة إلى الخطط الاستراتيجية والأنظمة الإدارية والمالية القادرة على إدارة مواردها لتحقيق النمو الاقتصادي، وانعدام الكفاءة المؤسسية لاستغلال وإدارة هذه الموارد الطبيعية بطريقة تؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، هو السبب الجوهري لعدم قدرة السودان على التعامل مع الثروة التي جناها من ريع الناتج من النفط قبل انفصال دولة جنوب السودان، ثم ترافق فقدان مورد النفط وضياع مورد طبيعي متجدد آخر، وهو الثروة الغابية بما يعادل ثلثي المساحات الغابية.
7- إنّ الدور الذي يمكن للسودان أن يؤدّيه يتأثّر على نطاق واسع بالمكان الذي يحتلّه على خارطة العالم، ولكي ينمو السودان كدولة ويتطوّر استناداً لمعايير الجيوبوليتيك، لا بد من مراعاة قوانين تطوّر الدول. ونحب لفت الأنظار إلى الضرورات الآتية:
1- ضرورة الاستفادة من مقومات الجغرافيا السياسية (الموقع والمناخ والموارد وغيرها) فهي التي تحدد أهم عوامل القوة والضعف للدولة.
2- ضرورة وضع الحلول العاجلة والجذرية تمهيدا لوضع بنية أساسية لإدارة ثروات المعادن المختلفة في السودان، مصحوبة بالصناعات الأساسية والتحويلية المختلفة للتعدين.
3- ضرورة سعي النظام السياسي إلى وضع خطة استراتيجية للسودان، وأن يعترف بتعدد الأعراق والديانات والثقافات وتحقيق الوحدة والتنوع، إلى جانب تحقيق التعايش السلمي والحرية والمساواة والعدالة في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن.
فهرس المصادر والمراجع:
1- جودة حسنين جودة، وفتحي محمد أبو عيانة، قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، دار المعرفة الجامعية.
2- عبدالحميد مرحوم علي: التدخل الأجنبي في السودان منذ الاستقلال 1956 إلى 2006، مع استشراف المستقبل، شركة مطابع العملة، الخرطوم، الطبعة الأولى 2013.
3- فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة )النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين(، ترجمة: مجاب الإمام، ط1، الرياض، مكتبة العبيكان، 2007.
4- فيرونيكا حليم فرنسيس: جيوبوليتيك السياسة الخارجية الروسية “دراسة في أثر الجيوبوليتيك في علاقة روسيا بدول الجوار”، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2019.
5- محمد السيد سليم: التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الروسية، مجلة السياسة الدولية، العدد 107، أكتوبر (تشرين الأول) 2007.
6- محمد طي: الجيوبوليتيك منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم، دراسات وتقارير، صادر عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، العدد التاسع عشر، ربيع أول 1441هـ، الموافق ديسمبر (كانون الأول) 2019.
7- محمد عبدالعاطي: البحر الأحمر ومخاطر الصراع الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 54، أكتوبر (تشرين الأول) 1978.
8- مصطفى كامل محمد: المضايق البحرية، مسرح الصراع الدولي القادم، مجلة السياسة الدولية، العدد 203، يناير (كانون الثاني) 2016.
9- موقع الجزيرة نت https://www.aljazeera.net/ebusiness/2018/12/27/.
10- نازك حامد الهاشمي: السودان والموارد الناضبة، موقع سودان نايل، 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
[1]* باحث وكاتب سياسي.
[2]– محمد طي: الجيوبوليتيك منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم، دراسات وتقارير، صادر عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، العدد التاسع عشر، ربيع أول 1441هـ، الموافق ديسمبر (كانون الأول) 2019، ص6.
[3]– فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة )النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين(، ترجمة: مجاب الإمام، ط1، الرياض، مكتبة العبيكان، 2007، ص48.
[4]– جودة حسنين جودة، وفتحي محمد أبو عيانة، قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، دار المعرفة الجامعية، ص521.
[5]– المرجع السابق، ص521
[6]– جودة وأبو عيانة: قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، ص521.
[7]– جودة وأبو عيانة: قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، ص529.
[8]– المرجع السابق، ص537.
[9]– جودة وأبو عيانة: قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، ص546.
[10]– جودة وأبو عيانة: قواعد الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية، مرجع سابق، ص548.
[11]– المرجع نفسه، ص549.
[12]– موقع الجزيرة نت https://www.aljazeera.net/ebusiness/2018/12/27/
[13]– عبدالحميد مرحوم علي: التدخل الأجنبي في السودان منذ الاستقلال 1956 إلى 2006 مع استشراف المستقبل، شركة مطابع العملة، الخرطوم، الطبعة الأولى، 2013، ص139.
[14]– نازك حامد الهاشمي: السودان والموارد الناضبة، موقع سودان نايل، 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
[15]– المرجع السابق.
[16]– محمد طي: الجيوبوليتيك منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم، ص10.
[17]– محمد عبدالعاطي: البحر الأحمر ومخاطر الصراع الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 54، أكتوبر (تشرين الأول) 1978، ص66.
[18]– مصطفى كامل محمد: المضايق البحرية: مسرح الصراع الدولي القادم، مجلة السياسة الدولية، العدد 203، يناير (كانون الثاني) 2016، ص7.
[19]– فيرونيكا حليم فرنسيس: جيوبوليتيك السياسة الخارجية الروسية “دراسة في أثر الجيوبوليتيك في علاقة روسيا بدول الجوار”، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2019، ص150.
[20]– محمد السيد سليم: التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الروسية، مجلة السياسة الدولية، العدد 107، أكتوبر (تشرين الأول) 2007، ص11.