في عدد الأحد الماضي 13 يناير، تضمنت جريدة الاتحاد الإشارة إلى ثلاث قضايا في مواضيع متفرقة، الأولى وهي أهمها في نظري، ما تضمنته نشرة أخبار الساعة عن إصدار مجلس شباب الإمارات تقريره عن “مصادر أخبار الشباب”، الذي أكد أن شبكات التواصل الاجتماعي احتلت المرتبة الأولى من مصادر الأخبار والمعلومات بنسبة 42% قبل وسائل الإعلام من صحف وقنوات ومواقع إخبارية، وأن هذه النسبة بازدياد، حيث يقضي معظم الشباب من ساعة إلى خمس ساعات يومياً في وسائل التواصل، وأن معظمهم يتصفحون من دون مشاركة أو تفاعل. الثانية هي نتائج استطلاع قام به مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية، أجري منتصف ديسمبر الماضي، وأظهرت نتائجه أن 97% من المستطلعة آراؤهم من مواطني دولة الإمارات لديهم موقف سلبي من تنظيم الإخوان المسلمين، الثالثة هي ما ذكره الكاتب الكويتي خليل حيدر في مقالته في وجهات نظر نقلاً عن مجلة نيتشر للعلوم أن أكثر من (800) ثمانمئة مجلة علمية مزيفة تقوم بخداع العلماء واصطيادهم والتواصل معهم، وتنشر معلومات من دون تمحيص أو تدقيق.
تبدو هذه القضايا الثلاث لأول وهلة جزراً منفصلة عن بعضها، ولكنها عند التبصر تكشف عن رابط مشترك بينها أشار إليه مدير مركز الإمارات للبحوث والدراسات جمال السويدي، بأن الدراسة التي شملت كل إمارات الدولة حول الإسلام السياسي “تضع حداً قاطعاً لبعض محاولات التضليل التي قامت بها بعض الجهات الأجنبية بهذ الشأن خلال الفترة الماضية”. أي إن هناك من عمد إلى إظهار موقف لشباب ومواطني الإمارات هو أكثر لطفاً وأقل حدة، مع تنظيم الإخوان المسلمين، مما يعني أن ثمة انقساماً وعدم رضى بما تتخذه القيادة السياسية من إجراءات استباقية وسياسات لمكافحة التطرف العنيف وتياراته، بمن فيهم الإخوان.
سأشرح هذا الترابط بأمثلة، فشبكات التواصل الاجتماعي التي تأتي في المرتبة الأولى من مصادر الأخبار للشباب، يمكنها أن تنشر دراسات أو نتائج استطلاعات حول قضايا حساسة وطنية، ذات علاقة بالسيادة، أو بالانسجام الاجتماعي، أو بصورة رئيس الدولة، أو مكانته، وتعطي صورة ملتبسة في أحسن الأحوال أو مضللة وخادعة، وهذه المنصات في الآن نفسه يمكنها أن تنشر معلومات مستندة على دراسات تنشرها مجلات أو مواقع علمية (مزيفة)، حول الثروات الطبيعية للبلاد، أو المناخ، أو التهديد البيئي الذي يمكن أن تواجهه بقعة جغرافية أو دولة ما، بحيث تستبطن هذه المعلومات والأبحاث رسائل موجهة وتستهدف تدمير الثقة، وبث الرعب وخلق الهلع من الحاضر أو المستقبل.
هنا يتضح لنا أن التحدي هائل، وأن الغاية السامية من إصدار مجلس الإمارات للشباب لتقريره “مصادر أخبار الشباب” وهي رفع وعي الشباب بمصادر الأخبار والمعلومات الموثوقة؛ هي مهمة عسيرة للغاية، يقع في براثنها أحياناً حتى أكثر الجهات والمراكز خبرة وحذراً، ومنها أجهزة المخابرات. إن انتشار آلاف المراكز والوكالات التي تضخ معلومات أمنية لمجالس الأمن الوطني، في دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، أو دولة أقل نفوذاً ومساحة، هي ذاتها تمثل مشكلة، فكيف يمكن فرزها، وتصنيفها، وكيف يمكن التحقق منها، والتأكد من صحتها، إضافة إلى مسألة أكثر قلقاً تجلّت مع الأحداث الإرهابية التي واجهتها عدة دول أوروبية في السنوات الثلاث الأخيرة، وهو ندرة المحللين والصيارفة القادرين على الفرز والنخل والتحليل والاستشراف.
أياً يكن فإن ما تسعى إليه الإمارات العربية المتحدة هو بداية صحيحة ومهمة للغاية في الوصول إلى أهداف عسيرة المنال. لا يمكنها حماية مواطنيها بشكل كامل، هذا صحيح، ولكنها بالتأكيد ستمنحهم المناعة والوعي، والمهارة، ولكن جوهر النجاح هو إعطاء المعلومة الصحيحة وملء الفراغ، وتجنب الصمت، وتحمل مرارة الحقيقة، وإلا فلن نقوى على الصمود أمام ثالوث مضلل.