سارة برويسكيفيتش (Sara Brzuszkiewicz)*
في سبتمبر 2018، ستشهد مدينة العين افتتاح الفرع الأول من جامعة الأزهر. فمن المتوقع أنْ تولّد هذه السابقة سلسلة من النتائج الإيجابية في الحرب ضد التطرّف. فالخطوة تتبنى الالتزام المستمر لتعزيز التعاون بين بلدان الخليج ومركز الإسلام غير المتطرّف.
سيكون في الإمارات وخلال أشهر معدودة أول فرع لجامعة الأزهر المصرية، حيث تمّ توقيع الاتفاقية الأولى قبل سنتين من قبل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، والدكتور محمد مطر الكعبي، مدير الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات.
إن الاختيار الذي أقدمت عليه الإمارات أُتبع بخطوة أخرى مهمة في التعاون في مجال التعليم العالي، والذي اتخذه الملك سلمان العام الماضي. ففي عام 2016، وضعت السعودية حجر الأساس لمدينة البعوث الإسلامية في مصر، والتي تضم سكناً لأكثر من 30 ألف طالب، كما أعطت السعودية مِنحاً لإعمار وصيانة مسجد وجامعة الأزهر.
وكان من المثير للاهتمام أيضاً، اللقاء الذي جمع الملك سلمان في زيارته لمصر بالبابا تاودروس، ومدى أثر الرمزية في هذا اللقاء بين الأديان الذي لا يخفى على أحد. وفي أعقاب اللقاء نشر الباحث السعودي عبدالله حميد الدين في موقع مركز المسبار للدراسات والبحوث مقالة أشار فيها إلى أنه من المرجح أن تمثّل الزيارة نقطة بداية لجهود متجددة للتعاون في مجال مكافحة التطرّف، والذي ينمو وسط التصدعات في العالم الإسلامي.
سلطّ العديد من المعلقين الضوء على زيارة الملك التي لم تكن فقط حدثاً روتينياً ضمن البروتوكولات، بل كان خياراً يحمل رمزية أساسية لدعم التسامح والاحترام المتبادل. المفكر التونسي الدكتور محمد الحداد تعليقاً في مقالة له على الحدث قال: “إنّ الزيارة تحمل في طياتها إدراكاً لحقيقة أنّ دعم هذه القيم يقع على عاتق الدول والحكومات بالدرجة الأولى قبل المجتمع المدني”.
نتيجة حتمية أخرى للجهود المتزايدة في تحسين الحياة اليومية لطلاب الأزهر هو أنّ الأفضلية ستكون للدول والحكومات على حساب الإسلاميين الأصوليين، وهذا شيء يمكن تعلمه بسهولة من الماضي القريب.
فخلال السبعينيات والثمانينيات، نجح طلاب متطرفّون في إقامة ما يعرف بالمساحات الإسلامية في الجامعات والأقسام الداخلية لها وفي المساجد التابعة لها، وكان الطلبة يفرضون نموذجهم الديني المتشدد على الطلبة الآخرين.
ومنذ أن واجهت البنية التحتية للنظام التعليمي في مصر تحديات وصعوبات مع زيادة عدد الطلبة من 200 ألف طالب في 1970 إلى حوالي نصف مليون طالب عام 1977، استغلت الجماعات الأصولية بسهولة الأزمات التي تمر بها البلاد، وتمكنوا من وضع حلول يومية سريعة لسد الثغرات في الخدمات التي تقدمها المؤسسات الوطنية.
عمّت البنى التحتية الهشة البلاد، فالحافلات مزدحمة، والكتب الدراسية باهضة الثمن، فبدأت المنظمات الطلابية الإسلامية بإنشاء خدماتهم الخاصة بتوفير وسائل نقل وحافلات وإعطاء دروس خصوصية، وطباعة نسخ زهيدة الثمن للكتب الدراسية.
بلا شك بدأت نشاطاتهم الملموسة بإرضاء عدد كبير من الطلبة، مما جعل الجامعات بيئات مثالية لنمو التطرّف.
إنّ تحسين الوضع المعاشي للطلبة قد يجنّب مصر نتيجة مماثلة، وتعزيز العلاقة مع الأزهر يبدو أنها نقطة انطلاق جيدة لتطبيق نهج جديد.
أخيراً، يمكن اعتبار هذه الخطوة مقنعة لتشجيع المؤسسة السنيّة المصرية على التغيير والتجديد الممنهجين. وبالتأكيد، فالحضور بقوة في المنطقة والخليج قد يدفع الأزهر إلى إعادة الاعتبار في العديد من القضايا العالقة.
أولاً، التصدع الداخلي: في مؤسسة بحجم الأزهر، من الطبيعي أن تتعدد آراء رجال الدين. ولكن رغم كون الأزهر مركز الاعتدال الإسلامي، إلّا أنّ عدداً من أفراده يؤيدون ختان البنات، وبعضهم متعاطف مع الإخوان المسلمين، كما عارض عدد منهم قيام الحكومة عام 2015 بتوحيد خطب الجمعة، وهي خطوة تهدف للحد من التطرّف.
مما لا شك فيه، فإن تقييم التأثير الحقيقي لفتح فرع للأزهر في الإمارات يبدو مبكّراً. على أي حال، من المرجح أن تواصل هذه الخطوة نهج الزيارة التي قام بها الملك السعودي لمصر، والسعي لتحقيق الهدف الثنائي بتبنّي التسامح والاحترام المتبادل فيما بين المسلمين و الأديان الأخرى، وخلق المزيد من الحواجز مع التطرّف من خلال التعليم العالي.