تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «مكانة المرأة في أفغانستان من عهد أمان الله خان إلى طالبان» (الكتاب الحادي عشر بعد المئتين، يوليو (تموز) 2024)؛ النساء في أفغانستان وأدوارهن في المجتمع والسياسة والتعليم، بدءًا من حقبة الملك أمان الله خان (1919-1929) و«جمهورية أفغانستان» (1973-1992)؛ بعهديها؛ مرورًا بالسنوات المضطربة مع حكم طالبان الأول عام 1996 وبداية الألفية الجديدة التي استُهلت بالحرب الأميركية على الإرهاب، وصولاً إلى عودة طالبان الثانية إلى الحكم عام 2021.
بدأت دراسات الكتاب مع الباحثة والأكاديمية الأميركية ماكسين مارغوليس (Maxine Margolis) التي قدمت مادة تحليلية حول التأثير القوي لقانون «بشتونوالي» ( Pashtunwali)- أيّ العُرف القبلي المتَّبَع تقليديًّا في تنظيم شؤون الحياة في مناطق البشتون في أفغانستان- في حياة الفتيات والنساء الأفغانيات. يُعد هذا القانون أقدم من الإسلام، ويحمل أعرافًا تضع نفسها فوق الشريعة، لذا فإن الصلابة القبلية التي تعامل بها النساء الواقعات تحت ضغطه – من ضمنها الموقف من التعليم والزواج والاختلاط والتنقل والحجاب والعيب والشرف- لا ترتبط بالإسلام، وإنما بالأيديولوجية القبلية التي اشتد عودها مع انفجار التطرف في أفغانستان.
ولتعميق هذه المرافعة، ومحاولة ربط العادات بالتقاليد؛ قدم الباحث والأكاديمي سيد مهدي موسوي (Sayed Mahdi Mosawi) دراسة تمهيدية لمعاني الشرف والقيم والناموس، وتأثيرها ليس في النساء فحسب بل والرجال، فحاول دراسة حالات منهم، واجهت العنف المرتبط بالشرف، في فترة ما بعد الصراع في أفغانستان. وسعى لاستكشاف هذا العنف في الحياة اليومية للرجال في المدينة. توضح الدراسة الضغوط التي يتعرض لها الرجال الأفغان بسبب التقاليد القبلية.
في بدايات القرن العشرين، بدأت الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والقضائية في العهد الملكي، مع بداية حكم أمان الله خان، الذي تطرقت إليه الباحثة الأفغانية بي بي فاطمة حكمت (Bibi Fatima Hekmat) فأضاءت على هذه الإصلاحات، ضمن المنهج التاريخي، وأبرزت انطلاقتها والمعطيات المؤدية إليها في المجتمع الأفغاني، وحددت العوامل المسببة إلى فشلها، لا سيما في منظومة حقوق النساء، فقد جرى تصويرها بأنّها جاءت خصمًا لبنى المجتمع التقليدي وقبائله وأعرافه.
وكما آلت أسباب موت التجربة التحديثية الأول؛ كان مصير تجربة المساعي في الحقبة الشيوعية؛ أو حقبة «الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني»؛ الذي حظر الممارسات التقليدية بعدّها إقطاعية، خصوصًا ما يرتبط منها بالمهر والزواج القسري. هذه الحقبة تناولها الأكاديمي والباحث اللبناني عفيف عثمان، الذي لاحظ أن الحكومة حينها ركزت على تعليم الفتيان والفتيات وبرامج محو الأمية واسعة النطاق؛ إلا أنّها جوبهت بالرفض في المناطق الريفية التي رأت في القيم القسرية تهديدًا؛ باعتبارها غريبة عن الثقافة الأفغانية ومخالفة للأعراف!
شهدت الحقبتان الملكية (1926-1973) والجمهورية وعيًّا بمنظومة الحقوق النسائية، تراكم وبانَ فيما درسته الباحثة الأردنية نادية سعد الدين بتتبع الحقبتين، وما تبعهما، من مقاومات نسائية لمواقف حركة طالبان التطرفية؛ خلال فترة حكمها الأول، وما أعقبها من حقبة ما تسميه الباحثة «الانفراجة المؤقتة» بسقوط حكم طالبان وبدء الحكم الأفغاني الانتقالي؛ الذي سارع إلى إلغاء القيود التي فرضتها طالبان على المرأة الأفغانية، فانتعش النشاط النسائي الساعي لاستعادة الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية؛ التي تبددت على يد الحركة. وسلطت الباحثة الضوء على أبرز الجمعيات النسائية خلال هذه الحقب الثلاث، وتطرقت إلى حراك الناشطات والحقوقيات الأفغانيات بعد العودة الثانية لحركة طلبان عام 2021.
وفي هذا المجال، استكشفت الناشطة والباحثة الأفغانية خوجاستا سميع (Khojasta Sameyee) في دراستها السياق التاريخي والاجتماعي والديني لتعليم الفتيات في أفغانستان، وسلطت الضوء على العلاقات المعقدة بين آليات السلطة، التي تشمل المناخ السياسي من جهة والمجتمع والدين والعادات والتقاليد من جهة أخرى. ولفتت إلى الاتجاه الاجتماعي الأساسي المعارض لتعليم الفتيات. وفي المقابل عرضت للأهمية التي تركها التعليم في مؤهلات النساء الأفغانيات، لا سيما في كابول، مما أتاح لهن الوصول إلى المراكز الحكومية والسياسية والعسكرية قبل العودة الثانية لطالبان التي قضت على كل هذه الحقوق ومنعت تعليم الفتيات وأعادتهن إلى المنزل.
حاولت طالبان ربط هذا المنع بمواقف دينية؛ كما ظهر لدى تنظيرات الباحثة فرحانة قازي (Farhana Qazi) التي ركزت على مفهوم الحقوق النسائية في المعاهد السنية التعليمية، وحمّلتها جزءًا كبيرًا من مسؤولية التهميش. فيما عرض الباحث الأفغاني نور الهدا فرزام تنوع المذاهب في أفغانستان، وأثره على النظر في حقوق النساء، محاولاً تنسيب منع حركة طالبان تعليم الفتيات خلال 2021 لأسباب لا علاقة لها بالدين.
تبنت الباحثة والأكاديمية التونسية آمال قرامي؛ وجهة نظرٍ مختلفة؛ إذ زعمت وجود تيار معتدل داخل طالبان، يختلف عن نمط التطرف المخيف، يمكن البناء عليه داخل الحركة نفسها. اعتمدت الدراسة على النظرية «النسوية ما بعد الاستعمارية» (Postcolonial feminism) لتحليل مواقف الأفغانيات من حركة طالبان.
ولفهم تفاعل النساء أنفسهن مع مُراوحة الحقوق، وصدمات التحولات، درست الباحثة المصرية تقى النجار موجات الحركات النسائية في أفغانستان ورموزها، ورصدت انتهاكات حركة «طالبان» لحقوق النساء الأفغانيات، بما في ذلك القيود التي فرضتها الحركة عليهن في مجال التعليم والعمل والتنقل وغيرها. وركزت على أدوار الناشطات الأفغانيات في مقاومة طالبان، وسبل مواجهتهن قيود الحركة وهيمنتها بعد عودتها الثانية.
نتوجه في الختام بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب، والعاملين على خروجه للنور، ونخصّ بالذكر الزميلة ريتا فرج، التي نسقت هذا الكتاب، الذي نأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية. وسيواصل مركز المسبار للدراسات والبحوث، العمل على تطوير هذا الملف، ودراسة أبعاده الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتأثيرها في أنماط التدين وانعكاساتها.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
يوليو (تموز) 2024