يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «المسلمون في كندا وتحديات العيش معاً» (الكتاب الثامن والأربعون بعد المئة، أبريل (نيسان) 2019) أوضاع المسلمين في كندا: أصولهم وتاريخهم وحضورهم وتوتراتهم، ناظراً إليهم كجماعات مختلفة نجحت أكثريتها في الاندماج في المجتمع الكندي.
اهتمت الدراسات؛ التي شارك فيها باحثون متخصصون، بتحليل الأنساق العامة لكيفية تفاعل «الإسلام المهاجر»، لا سيما في كيبيك، مع الدولة الليبرالية الديمقراطية وحيادها تجاه المسائل الدينية، فركزت على مجموعة من القضايا من بينها: فئات «الجماعة المسلمة الكندية»، العلمانية الكندية والاستثناء الكيبيكي، أصول المسلمين الكنديين، النقاشات حول الدين وحيادية الدولة وما يرتبط بها من ترسيم الحقل الدلالي للعيش المشترك، مخاطر الإسلاميين بتياراتهم وخطابهم، النخب الإسلامية وأنماط التدين، نشاط النساء المسلمات ومشاركتهن المواطنية والتعاونية، الإسلام في المحاكم الكندية، والتنظيم القانوني للأكل الحلال مقابل حياد الدولة.
إن وجود المسلمين قديم في كندا، والمعروف أن الكونفدرالية الكندية حين قيامها، سنة 1871، كانت تضم (13) مسلماً. وحسب آخر الإحصاءات الرسمية التي جرت سنة 2011، تجاوز عدد المسلمين في كندا المليون ومئة ألف (أي 3.6% من السكان) بينما كان عددهم (35000) مسلم سنة 1971، وتوقعت الإحصاءات الرسمية نفسها أن يصبح عددهم مليوناً وأربعمئة ألف سنة 2017 أي بنسبة (4.64%) من السكان. والأرجح أن هذه التوقعات قد أصبحت واقعاً ملموساً اليوم. وينتمي معظم مسلمي كندا إلى المذهب السني، وهناك أقلية شيعية هاجرت من لبنان وإيران والعراق.
المسلمون في كندا: أيُّ “نبذ” وأيُّ “وصول”
حلَّلت المنظِّرة السياسية الألمانية حنة أرندت (H. Arendt)، في مقالات عدة تعود إلى التسعينيات من القرن الفائت ظروف اليهود في أوروبا، وأدخلت تمييزاً بين تصنيفين: «المنبوذ» (Paria) و«الواصل» (Parvenus) في وسط هذا الشتات، أو بين أغلبية محرومة من الحقوق وأقلية استطاعت التقرّب من رجال السلطة كي تنجح في المجتمع الغربي، مع الحفاظ على مساحة مع الأكثرية التي تتحدر منها، وحتى إنها تذمها بقسوة.
هذان التصنيفان، اللذان نجدهما مع تصنيفات أخرى، وجزئياً عند ماكس فيبر (M.Weber) أو برنارد لازار (B. Lazar)، قد استخدما بطريقة معممة في الثمانينيات من القرن المنصرم مع الفيلسوف الألماني بيتر سلوترديك (P. Sloterdijk) لتحليل المجتمع الحديث المنقسم هو نفسه بين «منبوذيه» و«الواصلين» فيه. في هذه الدراسة (ترجمة: عفيف عثمان) يستخدم محمد أوريا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيربروك في كندا) هذا التصنيف من أجل تحليل الصلات التي حدثت داخل الشتات (الدياسبورا) المسلمة في كندا، بين صنف قد أبعد وحُرم من أخذ الكلام، كي يُعبِر عن نفسه، وصنف آخر أكثر «نخبوية»، يحتكر ويستقطب في الوقت نفسه الخطاب حول الصنف الأول. وبما أنها أصبحت من «الواصلين»، حسب تصنيفات أرندت وسلوترديك، فإن النخبة الجديدة هذه «غيّرت موقعها»، إما عن اقتناع، أو بسبب الاهتمام بالمهنة، بالتعلق أكثر فأكثر بالفوائد التي يمنحها المجتمع المضيف. هذه الدينامية الجماعاتية تفرض علاقات جديدة، تشرح جزئياً إخفاق إمكان تأسيس خطاب أكثر حيادية. من جهة «منبوذون» لا يتغير وضعهم كثيراً، ومن جهة أخرى «واصلون» أخذ خطابهم لون نقد لاذع ضد أولئك الذين يستفيدون من كونهم موضوعاً لخطابهم.
يرصد أوريا في القسم الأول من الدراسة الجماعة المسلمة في كندا، وفئاتها الداخلية وعلاقاتها بالآخر المواطن في الفضاء العلماني الكندي، كما تبعاتها على العيش معاً. ويحاول في القسم الثاني إجراء تصنيف للنخب المسلمة المعتبرة بأنها واصلة أو تؤدي الوظيفة نفسها، بهدف فهم الصلات التي تقيّمها هذه النخب مع الأكثرية الصامتة (المنبوذون بحسب الورقة) وبمبادئ الحداثة الغربية الفاعلة في كيبيك. يشير الباحث إلى سبعة أنماط أو فئات للجماعة المسلمة في كندا: الملتزم الإثني، المتعصب المؤمن، الطهري الحصري، المستقيم الجديد البراغماتي، الملتزم الصوفي، الملتزم المنخرط في الجمعيات المسلمة، والمسلم الليبرالي.
بعد تحليله لهذه الفئات وفقاً للمنهج الذي اعتمدت عليه الدراسة يقترح أوريا ميداناً لمخرج مع فئة أخرى بالمنظور الأرندتي، هو «المنبوذ الواعي»، فبفضله تنجز الأغلبية قطعاً مع صمتها وتُعبِر عن نفسها بوسائل عدة، وعن وضعها كمجموعة أقلية بالتأكيد. ولكنها تطالب بالمواطنة الكاملة لنفسها، وهو ما لا يضُر أبداً بصيغة العيش معاً الكيبيكية والكندية. وبالتالي، فإن فعل التعبير علانية عن نفسها حول وضعها سيُبعِد سوء الفهم الحادث من الصمت الحالي لهذه الأغلبية.
العلمانية الكندية والاستثناء الكيبيكي
يتناول حسان جمالي (الباحث السوري المقيم في كندا) أسس العلمانية الكندية وكيفية تفاعل الجاليات المسلمة معها، مركزاً على الاستثناءات التي يطرحها الأنموذج الكيبيكي لجهة إعطاء حيز أكبر لأنماط التعبيرات الدينية. يقيم الباحث تمييزاً بين أنموذجين مختلفين في التعاطي مع مسألة الأقليات وبالتالي مع العلمانية: الأنموذج الفرنسي القائم على علمانيّة الدولة كوسيلة لصهر الأقليات في جمهورية علمانيّة، والنظام الأنغلوساكسوني القائم على علمانيّة المجتمع «الدَّنْيَوة»، والذي يرحب بل يشجع التعايش والتسامح بين مختلف الطوائف والأقليات.
تعتمد كيببك على الأنموذج الأنغلوساكسوني إذ لا وجود لقوانين تضمن علمانيّة الدولة، وفي الوقت نفسه لا يوجد أي طابع ديني للدولة، ولا ضغوط تمارسها المؤسسات الدينية على الدولة وسياستها وقوانينها. في الوقت نفسه، تحتل حرية الضمير والحريات الدينية اهتماماً كبيراً، وهي على رأس الحريات التي تضمنها وتدافع عنها الوثيقة الكندية للحقوق والحريات التي هي جزء من الدستور الكندي الحالي. غير أن الوثيقة نفسها تترك الباب مفتوحاً أمام تدخل الدين في السياسة، أو الاعتراض على بعض القوانين استناداً إلى فقرة تقول بأن كندا تقوم على سيادة الله وحكم القانون.
تعالج الدراسة بعض الإشكاليات المتعلقة بكيفية تفاعل مسلمي كيبيك مع النمط الأنغلوساكسوني والذي على الرغم مما يتيحه من حرية للمجال الديني والرموز المرتبطة بالفضاء المقدس، يجد بعض الأفراد الذي يتبنون تديناً صلباً صعوبة في التكيف، وهذا قد يؤدي إلى إنتاج صدامات تجد التعبير عنها داخل المحاكم المدنية. ولكن تصلب الهويات، ثنائي التبادل، فالمشاكل لا تنتج عن بعض المهاجرين المسلمين فقط بل أيضاً المجتمع المضيف يرفع هوية صلبة أيضاً، وفي هذا السياق تتطرق الدراسة إلى ما حدث في بلدة هيروفيل الكندية حين تبنى مجلس بلديتها، عام 2007، بمبادرة من أحد أعضاء المجلس يدعى أندريه دروان، قانوناً للحياة موجهاً للمهاجرين الراغبين في العيش في البلد. وكان من الواضح أن المسلمين كانوا المستهدفين من القانون الذي أثار زوبعة إعلامية غير مسبوقة، بعد ذلك بشهر واحد، شكلت الحكومة لجنة استشارية لدراسة كيفية التعامل مع خصوصيات الأقليات، والتمييز بين المطالب المعقولة وغير المعقولة عرفت باسم لجنة «بوشار–تايلور» حول التسويات المعقولة. أصدرت اللجنة –كما يلفت جمالي- توصياتها عام 2008 ومن أهم ما جاء فيها: اقتصار حظر الرموز الدينية على القضاة وأفراد الشرطة وحراس السجون، بينما لم تتطرق للمدرسين وموظّفي القطاع العام والصحة. ومن القرارات التي أثارت جدلاً كبيراً نقل الصليب المعلق في القاعة الرئيسة لبرلمان كيبيك إلى قاعة أخرى. يخلص الباحث إلى أن توصيات اللجنة فيما يخص الرموز الدينية تعد نصراً للتعددية الثقافية الكندية، ودعماً لمطالب الأقليات الدينية على حساب العلمانيّة التي يطالب بها معظم مؤيدي استقلال كيبيك.
الجماعات المسلمة في كندا: الأصول، الحضور والتوترات
تقدم آن صوفي بدزيري (Anne-Sophie Bedziri) [مساعدة باحث في «شبكة الأبحاث حول عمليات السلام» (Research Network on Peace Operations)] في دراستها “الجماعات المسلمة في كندا: الأصول، الحضور والتوترات” (ترجمة: عبدالحميد الموساوي) إطاراً عاماً عن المسلمين في كندا من الناحيتين التاريخية والراهنة، آخذة بالاعتبار مدى تفاعلهم مع الأنموذج الكندي، الذي يطرح مساحات أكبر للتعبير الديني. جاءت الدراسة ضمن أربعة أقسام: الأول لمحة موجزة (بانوراما) عن الجماعات المسلمة في كندا، القسم الثاني يرسم بوضوح بعض العناصر التجريبية التي تسمح برسم صورة كمّية مخصصاً رصداً لمشاركتهم السياسية والاجتماعية والثقافية في كندا، وفي القسم الثالث، يركز على العناصر المختلفة التي تميّز السياسة الخارجية الكندية. وأخيرًا ناقش القسم الرابع والأخير مختلف النقاشات، وتوتّرات الهوية التي تتعلق بالجماعات المسلمة.
تتطرق بدزيري إلى الفئات العمرية الشابة من المهاجرين المسلمين في كندا، فهنالك نحو (43.8٪) مهاجراً من شمال أفريقيا تقلّ أعمارهم عن (25) عامًا، و(50.6٪) منهم تتراوح أعمارهم ما بين (25) و(54) عامًا بحسب (هيئة الإحصاء الكندية)، وقد تمّ تفسير ذلك الارتفاع بنسبة الشباب عن طريق سياسة الهجرة الكندية التي تركّز على الفكرة القائلة بأنّ السكان المهاجرين يمكنهم ملء الفراغ أو تعويض أزمة المواليد التي تعاني منها البلاد، ومن ثم، فإنّنا نرى في حالة المهاجرين المغاربة أنّ الرجال يشكلون الأغلبية، إذ بلغ مجموعهم (52.9٪)، في حين تمثل النساء (47.1٪) من إجمالي السكان المنحدرين من أصول مغاربية، زيادة على ذلك، وفيما يتعلق بأسباب الهجرة ودوافعها لأولئك السكان، فإنّ الجانب الاقتصادي يكون على رأس الدوافع.
ينشط المسلمون بشكل فاعل في كندا على مستويات عدة، فمن الناحية السياسية يميلون إلى المشاركة السياسية عند وصولهم إلى البلد المضيف. فعلى سبيل المثال: توضّح دراسة كارول سيمار (Carolle Simard) وميشال باجيه (Michel Pagé) أنّ المجموعة اللبنانية تشارك بنشاط وبشكل مكثف بالتصويت في أثناء الانتخابات الوطنية والمحلية، فمن ناحية: يتعلق الأمر بالرغبة في المشاركة والاندماج في الحياة السياسية بكندا أو في الحياة السياسية بالمقاطعة، ومن ناحية أخرى: يعاني بعض المهاجرين من غياب الشفافية ومقتضيات الحياة الديمقراطية في بلد المنشأ، ومن ثمّ فإن أولئك السكان يظهرون ثقتهم في السياسة الكندية، ويميلون أكثر إلى التعبير عن أنفسهم عن طريق التصويت. وتخلص بدزيري إلى أن المسلمين يمثلون أقلية نشطة في المشهد السياسي الكندي، وأنّ صوتهم يمكن أن يكون له وزن كبير في أثناء مختلف المناقشات أو عند التصويت على استقلال كيبيك، إذ سبق وأن كان السكان المهاجرون قد عارضوا استقلال كيبيك عام 1995، ومع ذلك تفتقر التحليلات إلى قياس الشعور بالانتماء إلى الفيدرالية أو السيادة. أمّا بالنسبة للكنديين المسلمين، فإننا نلحظ أن المجموعة الإسلامية تميل إلى اختيار الوحدة الوطنية في جميع أنحاء كندا، وذلك ربما من دون أدنى شك يكون بسبب رغبتهم في تحرير أنفسهم من التوتّرات والصراعات على الهوية الخاصة بسكان كيبيك، وأنّ تلك الصراعات تكون معروفة باسم الدعاة «للسلالة».
الليبرالية مقابل الخطاب الديني الراديكالي في الديمقراطية الكندية
يتناول البروفيسور في جامعة شيربروك: سامي عون في دراسته (ترجمة: عبدالحميد الموساوي) المجال الدلالي والقانوني والسياسي والاجتماعي للعيش المشترك الكندي، وتفاعل الجاليات المسلمة معها.
تسلط الدراسة الضوء على تحديات الديمقراطية الليبرالية الكندية في مواجهة الخطابات والأعمال والأفعال الدينية المتطرفة، فضلاً عن التطرف العنيف، والجهود التي تبذلها النخب الكندية للتوصّل إلى توافق أو إجماع واسع في الآراء بشأن تحديد أولويات الحقوق والحريات، ومدى حياد الدولة، وحدود سيادة الفرد، وكذلك الحق في الاختلاف المجتمعي، ناهيك عن التحديات المختلفة لإعادة التنظيم والتمحور والتعبير عن الرؤية الليبرالية في كندا، بعدّها أخلاقاً سياسية نسبة إلى الخطابات الدينية المتطرفة، التي تشير إلى الرؤى العقائدية: (الاستبدادية، والفاشية، والإسلاموية المتطرفة المناهضة للديمقراطية، والشمولية).
وتعرض الدراسة الأيديولوجيات الدينية أو الطائفية والعلمانية التي تنتقد الأنموذج الكندي للعيش المشترك، وتطرح السؤال الآتي: كيف يمكن لتلك الليبرالية الكندية المنبثقة من أسس الحداثة السياسية، وفي تكامل مع مثلها العليا المعتمدة والمؤطرة أن تشكل مصدرًا واقيًا وفاعلاً للغاية ضد التطرّف الديني والخُطب الراديكالية؟ وعلى وجه الخصوص: الخطب التي تعزز الأيديولوجيات الطائفية والدينية والقومية الحصرية، المناهضة للديمقراطية، فضلاً عن وجهات النظر اللاإنسانية أو المناهضة للليبرالية، والتي تنشر: الكراهية والتمييز العنصري والتناغم الثقافي التي تصطدم كلها بالعقد الاجتماعي وبرابطة المواطنة في كندا، وعلى المنوال نفسه، فإنهم يجعلون تلك الخطب عتيقةً عن طريق تهميش التيار الرئيس الكندي، وعكس جاذبيته، وإثارة فورة من العنف.
قسمت الدراسة إلى المحاور الآتية:
- الأنموذج الديمقراطي الليبرالي الكندي: النهج (الآروني) مقابل نهج (حايك وبرلين).
- الحيادية الدينية في عصر العلمانية، والعودة الإشكالية للديني.
- السؤال في كندا بشأن تعددية الهوية والأخلاق :(الشك، والهوس، والمؤامرة).
- النقاش بشأن المواطنة والعيش المشترك تجاه المواطنة الكندية، والمصلحة الإنسانية المشتركة.
- مخزون ومحتوى الديمقراطية الكندية في ظل شبح التطرف والراديكالية: فعالية الاستجابة الليبرالية بالمعنى الكندي.
الإسلاميون في كندا: التيارات والمخاطر
يعمل الإسلاميون في كندا وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على إنتاج التوترات الاجتماعية والسياسية والثقافية بين الجاليات المسلمة والمجتمع الكندي. يسعى سعيد شعيب (الباحث في الإسلاميات) إلى تسليط الضوء على المخاطر التي تشكلها أطياف الإسلام السياسي كافة في كندا على المسلمين، مبيناً أن خطابها الشاذ والأيديولوجي أدى إلى التأثير في اندماج بعض المسلمين في الفضاء العام الكندي، خصوصاً أن هذه الجماعات الإسلاموية تمتلك هياكل تنظيمية، ويعد الإخوان الأكثر تنظيماً والأكثر فعالية في المجتمع الكندي، وأهدافهم لا تختلف عن بقية أهداف الإسلاميين، الاختلاف بينهم في إجراءات الوصول إلى هذه الأهداف في سبيل الوصول إلى السلطة.
يتطرق شعيب إلى الأهداف التي حددها الإخوان في كندا والتي ظهرت في الوثيقة التي عثر عليها البوليس الفيدرالي الأمريكي ضمن خمسة آلاف ورقة خاصة بالتنظيم الدولي للإخوان في منزل إسماعيل البراسي عضو التنظيم الجماعة عقب القبض عليه في ولاية فرجينيا الأمريكية عام 2004. تضمنت الوثيقة الاستراتيجيات التي يعتمد عليها التنظيم لتثبيت وجوده في المجتمع الكندي، والتي من بينها تأسيس المراكز الإسلامية لجذب الأتباع (مساجد- مدارس- منظمات حقوقية- حضانة- نادياً رياضياً «للتدريب على الدفاع عن النفس»- نادياً اجتماعياً- ملتقى للنساء والشباب- النشاط الإعلامي- تخريج الدعاة). يبرهن الباحث على أن جماعة الإخوان تشكل خطراً كبيراً على المسلمين في كندا، وأن من المفيد اتخاذ التدابير القانونية لحماية المجتمع الكندي، خصوصاً الجاليات المسلمة من اختراقات هذا التنظيم لا سيما أنه لا يكتفي فقط في نشر الأيديولوجية الإسلاموية، بل يعمل عبر المناهج التعليمية ضمن بعض المدارس التابعة له على تهديد الانسجام العام.
إن أخطر تهديد للإسلاميين –كما يلاحظ الباحث- يتمثل في تأثيرهم في الأحزاب السياسية الكندية: فقد نجحوا في أن يكون لهم حضور في الحزب الليبرالي الكندي، على الرغم من أن هذا الحزب يدعم المثليين، ورئيسه وهو رئيس الوزراء حالياً جاستن ترودو الذي يشارك في المسيرة السنوية الضخمة لهم. نجح على قائمة الحزب الليبرالي في الانتخابات الفيدرالية الأخيرة عشرة مسلمين، لا يمكن القول: إنهم جميعاً «إسلاميون» بالمعنى الأيديولوجي، لكنهم جميعاً يتخذون المواقف نفسها التي يتخذها الإسلاميون منهم، فهم ليسوا جميعاً عناصر إخوانية منتظمة لكنهم يؤيدون أفكار الجماعة في الخفاء.
النخب الإسلامية السُنيّة في كندا: التيارات، النقاش والرهانات
درس وائل صالح (باحث في جامعة مونتريال- كندا) “النخب الإسلامية السُنيّة في كندا: التيارات، النقاش والرهانات” (ترجمة: عفيف عثمان)، ساعياً للإجابة عن مجموعة من الإشكاليات: كيف لأشكال التدين الرئيسة في الإسلام السُني المعاصر: الإصلاحية الإسلامية، النزعة الإسلاموية الكلية والناشطة، الليبرالية الإنسانية الإسلامية، أن تنحرف عن مقصدها في سيرورة البناء الهوياتي؟ مَن النخب الكندية الأكثر ظهوراً، التي يمكنها أن تمثل هذه الأشكال الثلاثة من التدين؟ وأيُّ أنموذج نظري، فلسفي، سياسي، ديني وأخلاقي يمكنها أن تقدمه، ولا سيّما إلى الشباب الكندي اليوم ذي الإيمان والثقافة المسلمة؟ وبأي طريقة ساهم حال التوتر بين هذه التيارات الثلاثة في توليد الرهانات (الاندماج، التعددية الدينية، العيش معاً التطرف والعنف باسم الإسلام، رُهاب الإسلام… إلخ)، التي يواجهها الكنديون اليوم، معتنقو الإيمان والثقافة الإسلامية؟
جاء البحث في قسمين: يُميّز الأول التصورات الثلاثة للإسلام في الفكر الإسلامي السُّني المعاصر، سواء الإصلاحية الإسلامية أو النزعة الإسلاموية الكُلية الناشطة [يشدد صالح هنا على المخاطر التي تتركها أفكار الإسلاموي طارق رمضان وتأثيره الأساسي في نخب الإيمان والثقافة الإسلامية] أو الليبرالية الإنسانية الإسلامية، وهذه مرحلة نظرية ضرورية لفهم أنماط التدين المهيمن في كندا، كما يلفت الباحث. والقسم الثاني يفحص الحضور الظاهر أو الكامن لهذه التيارات الثلاثة، ويقدم أمثلة من بين النخب المنتمية إيمانياً أو ثقافياً إلى الإسلام السنّي في كندا.
بعد رصده وتحليله لأنماط التدين الثلاثة: الإصلاحية الإسلامية، النزعة الإسلاموية، والليبرالية الإسلامية، يعرض صالح لخطاب التدين عن هذه النخب مقترحاً مجموعة من الأمثلة لا سيما في ما يتعلق بالرموز الدينية والمطالبات التي يرفعها البعض بشأن أن يكون للدين حضور أقوى في الفضاء العام الكندي. عام 2004، طالبت جمعيات إسلامية في أونتاريو وبمبادرة من سيد ممتاز علي، (رئيس المؤسسة الإسلامية للعدالة المدنية)، بإقامة محاكم إسلامية في كندا. وهناك مسلمون، مثل فاطمة- هدى بيبين، التي كانت نائبة عن منطقة لابينيار (La Pinière) عارضوا بشدة تطبيق الشريعة في كندا واستحضروا فكرة الحفاظ على نظام القانون العلماني. عموماً نجح الأنموذج الكندي في الحفاظ على الانسجام العام عبر إيجاد توليفات قانونية تخفف من حدة التشابك بين الدين وسياسات الاندماج.
المشاركة المواطنية والتعاونية للنساء المسلمات في كندا
تهدف دراسة أودري آن بلانشيه (Audrey Anne Blanchet) “مساعدة باحث كندية” (ترجمة: جورج كتورة) إلى رسم صورة عامة عن الجمعيات الكندية التي ترعاها مسلمات. وتنطلق في تحليلها من ثلاثة أسئلة: هل توجد جمعيات خاصة بالمسلمات في كندا؟ هل تشكل الجمعيات المتنوعة قواعد تشجع على الاندماج وعلى ممارسة المواطنية المنسجمة؟ هل تعتبر المسلمات محط اهتمام المؤسسات الحكومية؟ تناولت بلانشيه بعد تقديم صورة شاملة عن جمعيات المسلمات الكنديات، ثلاثة من الأقاليم الكندية تحتوي على جمعيات نسائية أسستها وتشرف عليها مسلمات وهذه الأقاليم هي: الجمعيات النسائية في كولومبيا – البريطانية، الجمعيات النسائية في مانيتوبا، والجمعيات النسائية في كيبيك.
تسعى هذه الجمعيات إلى مساعدة المسلمات على الاندماج في كندا عبر الأنشطة المختلفة، لا سيما أمام التحديات التي تفرضها مجموعة من العوامل المترابطة مع الهوية، والانتماء القومي، والديني، والثقافي وبالعامل الخاص بالجنس؛ فلا يخلو هذا التمرين الخاص بالاندماج والاعتراف من صعوبات جمة.
تعتبر الكاتبة أن هذه الجمعيات تلعب دوراً أساسياً للتصدي لهذه الصعوبات. تسمح الجمعيات الخاصة للنساء المسلمات بالاستجابة لهذه الحاجات، وذلك عبر تسهيل الاندماج وممارسة المواطنية المنسجمة. ويشهد هذا البحث على تنوع الجمعيات الموجودة في كندا. فهي تشكل وسائل أساسية تساعد على التحرر وعلى اكتساب المعارف واللياقة، هذا إلى جانب الاندماج باقتراح شبكات تواصل اجتماعية، وتشجيع النساء على أن يكن فاعلات، وعلى تحسيس المجتمع الكندي، وكذلك الجماعات، بالتنوع وبالحقائق المعيشة من قبل هؤلاء النسوة. ثم إن حيوية هذه الجمعيات هي رهن بالمساعدة الاجتماعية (السياسية – من جانب الحكومة) وبالمساعدة المالية أيضاً.
النساء المسلمات والإسلام السياسي في كندا
تحدد الأكاديمية الكندية نادية المبروك في دراستها (ترجمة: عبدالحميد الموساوي) المخاطر الناجمة عن صعود الأصولية الإسلامية في كندا وتأثيرها على النساء المسلمات، في ظل الترويج للحجاب الإسلامي، ومن ثم توضح التحدي الذي سيشكله ذلك الحجاب على حقوق النساء، ودمج الكنديين ذوي الثقافة الإسلامية في المجتمع. تركز الدراسة تحديداً على مقاطعة كيبيك مهد الأمة الكندية للناطقين باللغة الفرنسة، والتي يختلف أنموذجاها الاجتماعي والقانوني عن بقية مقاطعات كندا، وعلى وجه الخصوص، فإنّ كيبيك تعدّ المقاطعة الوحيدة في كندا التي لديها ميثاق يسمى بـ(ميثاق الحقوق والحريات للفرد)، والمتميز عن بقية مقاطعات كندا.
تتشكل مجموعة من التصورات المتخيلة عن المرأة المسلمة في الفضاء العام الكندي، ويعد الحجاب كرمز ديني وأحياناً سياسي الأكثر إثارة للتساؤلات، وقد لاحظت الكاتبة أن أشكالاً حادة من تغطية الرأس كالنقاب مثلاً الذي تحرض على ارتدائه جماعات إسلاموية، تمكن من اكتساب رهان التوليفات القانونية بدعوى حماية القانون الكندي لشتى أنماط الرموز والتعبيرات الدينية، فعلى سبيل المثال، في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أدّت المهاجرة الباكستانية (زونيرا إسحاق) اليمين الدستورية للحصول على الجنسية الكندية، ووجهها مغطى بالنقاب، وللقيام بذلك ذهبت إلى محكمة الاستئناف الفيدرالية لإلغاء التوجيه الحكومي الذي يحظر أداء اليمين عندما يكون الوجه مغطى بالنقاب، وفي حكمها الصادر في 15 سبتمبر (أيلول) 2015، جادلت محكمة الاستئناف بالقول: إن قانون المواطنة يتطلب احترام المعتقدات الدينية إلى أقصى حد ممكن، وأن يتم الكشف عن الوجه في مكان خاص قبالة أحد الضباط قبل الاحتفال الرسمي، وتلك القصة التي سبقت بقليل الانتخابات الفيدرالية عام 2015.
تبرهن المبروك على كيفية تَمَكُّن جماعات الإسلام السياسي من توظيف النساء في أجندتها مسجلة حضورها في المجال السياسي، وتحذر من تهميش واستبعاد النساء المسلمات الديمقراطيات اللاتي استنكرن الإسلام السياسي بكندا من الحياة السياسة، وتلك هي حالة السيدة (فاطمة هدى بيبين)، والتي كانت من أصول مغربية، وكانت عضواً في البرلمان لمدة عشرين عامًا تحت ألوان الحزب الليبرالي بكيبيك (PLQ)، وقد ساعدت عام 2005، على منع إنشاء المحاكم الإسلامية بكندا، علماً أنّ الجماعات الإسلامية كانت قد أقنعت جميع الأحزاب السياسية الممثلة بالهيئة التشريعية لـ(أونتاريو) باعتماد عدالة موازية للمسلمين في مجال قانون الأسرة.
القانون الديني كناقل للهوية: الإسلام أمام المحاكم الكندية
تعرض صفا بن سعد (الأستاذة المشاركة في جامعة شيربروك) في دراستها (ترجمة: عبدالحميد الموساوي) الحدود الفاصلة بين القانون والدين في المحاكم الكندية في بعض القضايا التي يرفعها أفراد من الجاليات المسلمة. تهدف الباحثة إلى دراسة النزاعات التي شملت العائلات المسلمة، وفهم العلاقة التي تربط ما بين القانون الكندي وقانون كيبيك، والمعيارية الدينية.
تبين بن سعد أن التقاضي أمام المحاكم المدنية في كندا يُظهر ميلًا أوليًا لربط الدين برؤية أخلاقية للعالم، مما يعني ضرورة التوافق الأخلاقي، وذلك هو الحال بشكل خاص في موضوع رعاية الأطفال وتعليمهم، بالنسبة لأحد الأبوين أو كليهما، علما أنّ تعليم الأطفال وفقًا لمبادئ وقواعد الإسلام هو في قلب تضارب القيم المعروضة أمام العدالة، وأمام المحكمة العليا بكيبيك، فمثلاً: زوجان يتنازعان قواعد الحضانة، فإنّ الضوء يسلط على التحدي المتمثل بتعليم الأطفال، في حين يريد الأب تسجيل الأطفال في مدرسة إسلامية، فإنّ الأم تلوّح بحجة التكامل، وتقول: إن «الالتحاق بالمدارس العامة سيسمح لأطفالها بمقابلة الأطفال بالعديد من المعتقدات الدينية والعلمانية، ومن ثمّ يعمل ذلك على تطوير قدرته على الانفتاح على الآخرين، والاندماج بشكل أفضل في مجتمع كيبيك».
التنظيم القانوني للأكل الحلال في كندا ونتائج حياد الدولة
يلزم القانون الكندي الدولة بالحياد فيما يخص الشأن الديني، وهذا ما يمنعها أن تؤمن حماية أو تعطي امتيازات خاصة لدين دون غيره. مع ذلك فإن التزام الحياد تجاه الدين يمنع الدولة أيضاً أن تتقبل نزعة تأويلية معينة داخل ديانة ما. وهذا الحياد المزدوج، داخل الدين الواحد وما بين الأديان، يؤخر العمل الناظم الذي تقوم به الدولة تجاه المأكولات التي يقدر لها أن تكون مناسبة لعادات وأعراف دينية (مثل الأكل الحلال للمسلمين والكاشير لليهود).
يحلِّل بيار بوسي (Pierre Bosset) “أستاذ في قسم العلوم القانونية في جامعة كيبيك” (University ofQuebec) كيفية تنظيم القانون الكندي للأكل الحلال لدى الجاليات المسلمة في كندا، على قاعدة احترام الخصوصيات وحياد الدولة.
يقدم الباحث في دراسته (ترجمة: عبدالحميد الموساوي) قراءة قانونية للإجراءات التي تحيط بالأكل الحلال في كندا، تاركاً جانباً بعض المجادلات، كتلك المتعلقة بالمعلومات التي تدخل في تركيبة المنتج الحلال أو حتى في الوجهات التي تأخذها الرسوم التي تدفع إلى الأجهزة الدينية التي تعطي شهادة بالمنتجات الحلال، وسيركز على مظاهر ثلاثة هي: عدم ضرر المأكولات الحلال، التعامل مع الحيوانات لحظة ذبحها، وأخيراً القواعد التي تمنع المزاعم الخادعة. أما الزاوية التي ينطلق منها في التحليل فهي حيادية الدولة فيما يخص المادة الدينية.
يقوم بوسي في مرحلة أولى من دراسته بتوصيف حالة التشريع والتنظيم في كندا، لا فيما يخص الأكل الحلال وحسب، بل أيضاً الأكل الكاشير، ذلك أن هذا يشكل موضوع تنظيم خاصاً. ويرى أن التغيرات داخل النظام القضائي الحالي تبرر الحديث عن انتظام بهندسة متغيرة. في مرحلة ثانية يتفحص متطلبات حيادية الدولة في الشأن الديني. فهذه تجبر الدولة الكندية، وفيما يتعلق بالمزاعم الكاذبة إما على التخلي عن الترتيبات النوعية التي تتبنى حياداً يقوم على الجهل، أو أن تطبق على الحلال الترتيبات الراهنة، دون أن تتمكن فيما يخص ذلك الحكم على صلاحية مختلف التسميات الحلال على الصعيد الديني، وهذا ما يتطابق مع شكل متمايز من حيادية الاعتراف.