يدرس الكتاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الذي نتج عنه تمدد حركة طالبان ودخولها إلى العاصمة الأفغانية كابل، ويعالج ثوران الأسئلة حول جدوى الحرب على الإرهاب، وقيمها، ويقيّد محاولات تقييم الاستراتيجية الأميركية في مكافحته، فيرصد محاولة المتفائلين المنافحة عنها بتفهّم إعادة ترتيب سُلّم الأخطار؛ والتهوين من الإرهاب فيه، بينما تواطأ المتشائمون على اتهامها بالفشل الفكري، وتأكيد أنّ المفاهيم الخاطئة، والأسئلة المضللة، أدت إلى الأفعال الناقصة والاستراتيجية الغامضة التي أورثت المنطقة حصادًا مرًا، وساهمت في نشوء تطرفات متعددة الاستخدامات.
الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان
تناول عبدالجليل سليمان، باحث سوداني في الشؤون السياسية، في دراسته التدخل الأميركي في أفغانستان، ثم وقف على التناقضات والأخطاء، والعوامل المؤدية إلى الانسحاب، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث وضعاً هشّاً للغاية في هذا الصدد، فمنْ الناحية الاستراتيجية، ومع اقتراب موعد الانسحاب النهائي المُحدّد سلفاً، وعدم التزام حركة طالبان باتفاق فبراير (شباط) 2020، في وقتٍ أصبح فيه عدد القوات الأميركية على الأرض الأفغانية غير كافٍ لعرقلة أي تقدُّم مُحتمل لها نحو العاصمة كابل، وجدت إدارة بايدن نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استكمال الانسحاب، أو التصعيد مع الحركة وشن الحرب عليها، مما يترتب عليه بالضرورة، إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان.
رأى الباحث أن تجربة العشرين عاماً أثبتت أنّه كلما طالت فترة بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان، أصبحت مبررات وجودها أكثر غموضاً وبعداً عن الأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، فإعادة هيكلة وهندسة الشؤون الداخلية الأفغانية، والقيام بمهام بناء الدولة جنباً إلى جنب، ومحاربة عدو غير قابل للإحاطة؛ وغياب استراتيجية مُتسقة وواضحة وطويلة الأجل وذات موارد كافية، جعل وجود الولايات المتحدة في أفغانستان أمراً مُستحيلاً ومحكوماً عليه بالفشل، وكانت النتيجة حرباً لا يُمكن الانتصار فيها، ولا يوجد منها مخرج سهل. كما أنّ المُشكلة المركزية وراء الانهيار المُفاجئ للحكومة الأفغانية، لم تكن في الانسحاب الأميركي في وقتٍ مبكر أو على عجل، وإنّما في الخلل الهيكلي والضعف البنيوي للحكومة الأفغانية نفسها، فقد كان ذلك واضحاً منذ سنوات، ويمكن رؤيته بوضوح في فساد النخب السياسية والصراع بينها على السلطة، فيما كانت حركة طالبان تتقدم باطّراد.
يخلص الباحث إلى أن الرهان على الالتزام الأخلاقي بالاتفاقية من قبل حركة طالبان المُثقلة بالفكر الانعزالي والمؤمنة بعقيدة الولاء والبراء، والقائمة على الولاءات الاجتماعية (القبليّة) والدينية، وكأنه محاولة لتبرير الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتنصل من الاعتراف بفشل استراتيجية مكافحة الإرهاب، مما يجعل إمكانية إعادة النظر فيها وترتيبها بشكلٍ مُختلف في المهمة القادمة التي يُتوقع أن تكون ساحتها أفريقيا، أمراً عسيراً. وعليه فإنّ إمكانية ارتكاب وتكرار الأخطاء نفسها تظل قائمة وواردة بقوة. بيد أنّ التكلفة هذه المرة ستكون باهظة نظراً للقرب الجغرافي بين أفريقيا والغرب عموماً، من ناحية، وللموقع الجيواستراتيجي للقارة المُحاطة بالمحيطين الهندي والأطلنطي والبحرين الأبيض المتوسط والأحمر، فإذا سلمنا جدلاً بإمكانية التغطيّة على الأخطاء الاستراتيجية الفادحة في حالة أفغانستان، فإنّ ذلك لن يكون وارداً في حالة أفريقيا، ولربما، عطفاً على الأسباب التي أشرنا إليها آنفا، ستكون الضربة قاصمة ومؤلمة.
قراءة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة طالبان (2001 – 2021)
سلط إدريس لكريني، باحث وأكاديمي مغربي، الضوء على التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان في الفترة الممتدة بين عامي ( 2001- 2021) وانتقالها من المواجهة إلى الحوار، وصولاً إلى الانسحاب الأميركي.
يرى الباحث أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان لا يمكن أن يتأتى بترك البلاد رهينة حركة متطرفة ومعزولة إقليمياً ودولياً، بل من خلال دعم الديمقراطية في البلاد، وإرساء أسس نظام يستمد شرعيته من إرادة الأفغانيين أنفسهم، بعيداً عن الأجندات الدولية والإقليمية، والمساهمة في تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية، وتعزيز مشاريع التنمية القادرة على إعادة الأمل للمواطنين في هذا البلد.
يخلص لكريني إلى أن أفغانستان تظل في الظرف الراهن بحاجة ماسة إلى مساع حميدة ومبادرات ودية، تدعم إرساء حوار داخلي في إطار من الثقة، يوفر مناخ المصالحة الشاملة بين مختلف الفصائل، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحتمل كل الفرقاء بالبلاد بمؤسسات دستورية قوية، والانكباب على تحقيق التنمية الإنسانية بما يعيد الأمل إلى الشعب الأفغاني، ويحول دون تنامي الهجرة وطلب اللجوء، كما لا تخفى أهمية انخراط القوى الدولية والإقليمية في تقديم المساعدات المختلفة لإعادة إعمار البلاد.
دروس الحرب الأميركية في أفغانستان: نصوص مختارة
تعرض هذه المادة اقتباسات مطولة من ثلاث مقالات لمتخصصين في الحرب الأميركية على الإرهاب في أفغانستان، نشرت في مجلة «فورين أفيرز» (Foreign Affairs) عام 2021، تعكس الاتجاه الجديد السائد في الولايات المتحدة في دراسات الإرهاب، الذي اتخذ مسارين: الأول: يزعم أن الحرب على الإرهاب استوفت دورها وشروطها، ولا بد من التوجه إلى الصين القوة العالمية الصاعدة للحد من نفوذها؛ والثاني: يروج لمقولة تعلم التعايش مع الإرهاب دون إدراك المخاطر. تقدم المادة عرضاً موجزاً لمقال رابع نشر عام 2010 في المجلة نفسها، تطرق إلى أبرز الإصدارات الإنجليزية حول أفغانستان التي غطت جزءاً مهماً من التقاطعات بين القبيلة والتمرد والإرهاب وهشاشة مركزية الدولة في الأنموذج الأفغاني، مما يساعد على فهم أعمق لما يجري اليوم.
رأى الكاتب الأميركي بين رودس (Ben Rhodes) في مقالته “هم ونحن.. كيف تسمح أميركا لأعدائها باختطاف سياستها الخارجية” أن الحرب على الإرهاب كانت أكبر مشروع في فترة الهيمنة الأميركية التي بدأت عندما انتهت الحرب الباردة، وهي الفترة التي وصلت الآن إلى مرحلة الأفول. على مدار عشرين عامًا، كانت مكافحة الإرهاب هي الأولوية الرئيسة لسياسة الأمن القومي للولايات المتحدة. لقد أطر جورج دبليو بوش لمكافحة الإرهاب كحرب تعريفية متعددة الأجيال، وشكلًا فعالًا للقيادة بعد مأساة وطنية غير مسبوقة، لكن هذا النهج أدى إلى تجاوزات وعواقب غير مقصودة؛ حيث سرعان ما أساءت الحكومة الأميركية استخدام سلطاتها في المراقبة والاحتجاز والاستجواب. يلفت رودس إلى أن: «تحديد هدف الولايات المتحدة في العالم وإعادة تشكيل الهوية الأميركية في الداخل يكون في التركيز على المنافسة مع الحزب الشيوعي الصيني». ويتطرق الكاتب إلى الخطوات التي اتخذتها واشنطن لمواجهة الصين.
يحدد الكاتب الأميركي دانيال بايمان (Daniel Byman) في مقالته “عقيدة جيدة بما فيه الكفاية.. تعلم التعايش مع الإرهاب” النجاحات والإخفاقات الأميركية في الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ملاحظاً أنه مع تراجع خطر الإرهاب، لم تعد مواجهته الخارجية الآن ذات أولوية أميركية فورية، فقد حوّل الرئيس بايدن تركيز واشنطن نحو الصين، وتغير المناخ، وقضايا أخرى؛ وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، يعد جزءاً من محاولة إنهاء ما يسمى بالحروب الأبدية.
يرى الكاتب النرويجي توماس هيغهامر (Thomas Hegghammer) أنه على الرغم من أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 كانت نتائجها مرعبة، فإنها عكس ما كان يخشى كثيرون، لم تشر إلى أن المنظمات الإرهابية الكبيرة والقوية قد رسخت جذورها في الغرب وهددت أسس نظامه الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، فإن الخوف المستمر من تلك النتيجة -والذي لم يكن مرجحًا على الإطلاق- قد أعمى الكثيرين عن اتجاه معاكس: «القوة القسرية المتزايدة باطراد للدولة التكنوقراطية، مع ترسيخ الذكاء الاصطناعي لهذه الميزة بالفعل، يؤدي لأن يكون التهديد بأي تمرد مسلح كبير في البلدان المتقدمة على الأقل، شبه معدوم (…) لقد نمت الإسلاموية المتشددة بالفعل في التسعينيات، ورفعت القاعدة المعايير -إلى حد كبير- من حيث إظهار مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه اللاعبون غير الحكوميين بدولة قوية. في ذلك الوقت، كانت أجهزة الأمن القومي في معظم الدول الغربية أصغر مما هي عليه اليوم، ولأن تلك الأجهزة لم تكن تفهم جيدًا الجهات الفاعلة التي تواجهها، فقد كان من السهل فضح السيناريوهات الأسوأ. ومع ذلك، من الواضح عند استعادة الأحداث الماضية أن أهوال الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أخافت الكثيرين ودفعتهم إلى التشاؤم المفرط.
يشرح مقال أستاذ العلوم السياسية الأميركي سيث جونز “الاستحواذ على القرى… التغييرات الحاصلة في أفغانستان من الأسفل” المنشور في مجلة فورين أفيرز عدد مايو (أيار) 2010، فكرتين: تنامي فكرة الديمقراطيين «نحن لا نفهم أفغانستان»، وترويجهم لنظرية إعادة تفسير أفغانستان وطالبان، على أنها تقاطعات قبلية، ترفض الحكم المركزي، واستخدام صيغة تجعل التجاوزات الطالبانية مفهومة في سياق: «التمرد، والقبيلة».
هل تغيرت مواقف طالبان من المرأة؟
يشير نور الهدا فرزام، كاتب وباحث أفغاني في الدراسات الإسلامية، أنه خلال فترة حكم حركة طالبان ظهرت صدامات كثيرة بينها وبين الشعب الأفغاني، خصوصاً في المدن الكبرى مثل كابل وهرات وبلخ، لأن معظم عناصرها كانوا من الأرياف والقرى، ولم يكونوا على معرفة بالثقافة المدنية، وأرادوا تطبيق ثقافة الريف على المدن تحت اسم الشريعة. كانت الصدامات واسعة النطاق، عمّت جميع المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية؛ إلا أن موضوع المرأة في ظل حكم الحركة كان من أكثر الموضوعات أهمية أمام الباحثين، يسلط الباحث الضوء عليها في ثلاثة اتجاهات: الأول: نوعية فقههم عن الشريعة. الثاني: نظرتهم للمرأة بعيداً عن الفهم الديني. الثالث: رؤيتهم السياسة والاجتماعية.
يدرس الباحث أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكومة طالبان في الفترة (1996-2001) ، وبعد عودة طالبان للحكم عام 2021، مسلطاً الضوء على فقه طالبان، ورؤية الحركة الاجتماعية للمرأة، ورؤية حركة طالبان للعالم، ثم ينتهي إلى نفي الفرضية القائلة بأن طالبان تستمد فقه المرأة من المذهب الحنفي، ويخلص إلى أن الحركة التزمت بالأصول التي تربى عناصرها عليها، فالتغيير في موقعها أمر صعب؛ لأنه يقتضي أن تتخلى اعن بعض أصولها التي بنت عليها هذا الموقف، مثل «إنكار المخالف في الرأي» هذا الأصل يجب أن يبدل مكانه بالاعتراف بالتعددية في الفقه، وبحق المرأة في التعليم والعمل ومساواتها مع الرجل.
طالبان الباكستانية وطالبان الأفغانية: الأيديولوجيا والقبيلة
تناولت دراسة إيهاب نافع، باحث مصري متخصص في الحركات الإسلاموية، النشأة التاريخية لحركة طالبان في أفغانستان وباكستان، والمدارس الدينية ودورها في تكوين الجماعتين وتأثيرها فيها، والأبعاد الشرعية في التكوين الفكري لهما، والمكون القبائلي في طالبان أفغانستان وباكستان، والطموحات والأهداف السياسية لهما، ومستقبل العلاقات بين الجماعتين وتأثر كل منهما بالآخر، والأيديولوجية المشتركة، وعلاقة أسامة بن لادن بطالبان باكستان.
يحدد الباحث عدد من المشتركات بين حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية: أولاً: طالبان الأفغانية ونظيرتها الباكستانية تربطهما علاقات تاريخية من حيث النشأة والجذور القبائلية. ثانياً: ارتباطهما بالمدارس الدينية وتقاربهما الفكري. ثالثاً: ووحدة الأهداف وزمالة الميدان في مواجهة السوفيت والأميركيين.
يشير الباحث إلى أن طالبان الباكستانية ارتكبت نحو مئة عملية استهدفت فيها الجيش والدوريات الأمنية الباكستانية دون تحقيق وفيات أو خسائر مادية كبيرة، فاقتصر الأمر على عدد محدود من الإصابات، وذلك منذ استيلائها على السلطة في كابُل، وكأنه تصعيد مقصود ومحدد الأهداف للوصول للمصالحة المنشودة. كما لا تهدف الإدانة من قبل طالبان أفغانستان لاستهداف أعمال العنف من قبل طالبان باكستان للمدنيين، سوى لإثبات أمرين: رفض هذه الأعمال أمام المجتمع الدولي المترقب لمواقفها؛ والتظاهر بالتبرؤ من قرينتها الباكستانية على خلاف الحقيقة. ويضيف أن طالبان الأفغانية لن تتخلى عن قرينتها الأفغانية، وذلك ما بدا حتى الآن في إجراءين: أولهما: الإفراج عن سجناء طالبان الباكستانية في سجون كابُل في الأيام الأولى لاستيلائها على الحكم، بشكل متعمد، بينما قتلت عناصر داعش في السجون، فضلاً عن رعايتها سريا لمفاوضات السلام بين طالبان باكستان وحكومة إسلام آباد.
يرى الباحث أنه ستجمع المصلحة المشتركة بين طالبان أفغانستان وباكستان في مواجهة التهديدات المحتملة كافة لطالبان في الحكم، من حيث مواجهة أي عنف داخلي محتمل، خصوصاً من داعش أو أي من المناطق التي ما زالت لم تدن بشكل كامل لطالبان. كما تسعى باكستان للتوغل والسيطرة على توجهات طالبان الأفغانية، في مواجهة الوجود الهندي السابق من جهة، كما تسعى لغلق ملف المواجهة الداخلية العنيفة مع طالبان باكستان، وكبح جماحها، وهو الأمر الذي سيجعلها تمرر المصالحة بأي شكل مع طالبان باكستان بضمانة طالبان أفغانستان.
يرى الباحث أن على المجتمع الدولي ادراك الترابط ووحدة المصير بين طالبان أفغانستان وباكستان قائمة، وإن اختلفت أولويات مرحلية ظاهرية لدى كل منهما. مشيراً إلى أن التودد الباكستاني لطالبان والمساندة الدولية لها، سينعكس على علاقة إسلام آباد بطالبان باكستان عبر الحوار الجاد، الذي يعكس رغبة الحكومة وطيف واسع من الجماعة في الوقت الراهن.
شبكة حقاني في أفغانستان: مصادر القوة المالية والاقتصادية
طرحت دراسة أحمد لطفي دهشان، باحث مصري في التاريخ والعلوم السياسية، فرضية أن عامل القوة الأبرز لدى شبكة حقاني، ما تمتلكه من موارد مالية واقتصادية، مكّنتها من البقاء بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001، وأدت لتوسعها وتمدد أنشطتها، ونيلها المزيد من الاستقلالية عن حركة طالبان، وهيمنتها على القرار السياسي في المناطق الأفغانية والقبلية الباكستانية حتى اليوم. يقدم الباحث الخلفية التاريخية لشبكة حقاني، وعلاقتها بوكالة الاستخبارات الباكستانية، ويقف على أسس العلاقة بين طالبان وشبكة حقاني، قبل أن يتناول موارد وتمويل الشبكة والشخصيات الداعمة والمؤسسات المالية لها. ويخلص إلى أن عوامل عدة ساعدت شبكة حقاني منذ نشأتها في بلوغها الحالة التي وصلت إليها. كانت الحركة المسلحة الأقدم ذات الأيديولوجية الإسلاموية، وينتمي قادتها لفرع قبلي واحد من قبائل البشتون، وثمة زعم أنها ترتبط بتحالف عضوي مع الاستخبارات الباكستانية، ومع المقاتلين العرب والأجانب، كما أن سياسة مؤسستها الإعلامية الناجحة، مكنتها من جمع التبرعات، مع تمتعها بعلاقة قبلية متشابكة بالداخل الأفغاني والمناطق الباكستانية.
يشير الباحث إلى أن العلاقة بين طالبان وشبكة حقاني، علاقة تحالف متينة، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي عانت منها طالبان بعد الاجتياح الأميركي، تعمق التحالف بين الطرفين، وأصبحت شبكة حقاني على قدم المساواة بعلاقاتها مع طالبان، وشريكاً لأول مرة معها في الحكم.
تمكنت شبكة حقاني بعد الاحتلال السوفيتي والأميركي لأفغانستان، من بناء إمبراطورية مالية متعددة الأوجه والمسارات، وقد بدأت في هذا النهج منذ الانسحاب السوفيتي وتراجع التمويل الأجنبي، فكان لخبرتها الطويلة في هذا المجال أثر واضح في تحولها لكيان اقتصادي كبير. يبدو أن الجيل الثاني من القادة في شبكة حقاني، مختلف عن الجيل الأول، وهذا ليس مفاجئاً في مثل هذه الحركات، ومن الواضح أنه كما أثبتت الممارسات الفعلية، والشهادات الحية والبحوث الميدانية، أن دوافع هذا الجيل مالية أكثر منهاعقائدية. يبدو أن هيمنة حركة طالبان السياسية على أفغانستان، ومشاركة شبكة حقاني في السلطة مع تمتعها بهيمنة اقتصادية، وعلاقة كلا الطرفين المميزة مع أجهزة الدولة الباكستانية «العميقة»، يشكل وضع مثالي أم مناسب للصين، خصوصًا بعد لقاء المسؤولين الصينيين قيادات عدة من حركة طالبان، ووجود تعاون اقتصادي مع شبكة حقاني، وعلاقة تحالف صينية- باكستانية. في حين أن الهند تبدو المتضرر الرئيس في المنطقة من هذه التطورات، ولذا يرجح بعض أن تعهد طالبان بعدم منح الجماعات الأويغورية المتمردة موطئ قدم، مع حماية طالبان وشبكة حقاني لطرق التجارة، ومرونة الطرف الصيني غير المقيد بشروط والتزامات قانونية وسياسية داخلية مثل نظيره الأميركي، قد تضمن صفقة مربحة للصين بالحصول على خامات رخيصة، ولحركة طالبان وشبكة حقاني، الاستحواذ على العوائد، مع القيمة الجيوسياسية لحماية طريق الحرير، وردع الهند وإغراقها في محيطها.
يفترض الباحث أن ما حققته شبكة حقاني من أرباح مالية، في ظل الفوضى، سيدفعها نحو الصراع لا الوفاق، كونه أكثر ربحًا لها من السلام، بينما يعتقد آخرون أن هذا التصور قد يبدو صحيحًا في حال لم تكن مشاركة في السلطة، ويتمتع قادتها بمراكز مهمة في السلطة الجديدة، مع وجود قوى عالمية مؤثرة مثل الصين وروسيا، مستعدين للتعاون معها، وهو ما يدفع هؤلاء المتفائلين للقول: إن من مصلحة الشبكة الاستقرار لكسب المزيد من الأرباح، ودعم مركزها السياسي والاقتصادي، بما يمنحها مزيداً من الاستقلالية في علاقاتها الخارجية. بينما تبقى مسألة التحالف مع طالبان، وإمكانية حدوث اهتزاز فيه، ومدى قدرة شبكة حقاني على ضبط تصرفات حلفائها من المقاتلين العرب والشيشانيين، والأجانب الآخرين، محل ريبة حيث يرى محللون أن النوايا وحدها لا تكفي، بسبب عدم إمكانية الحقانيين ضبط تصرفات هذه الجماعات، كما أن داخل الشبكة فصائل فكرية مختلفة قد تفضل الانحياز لقضايا هذه الجماعات ضد البلدان التي قدموا منها، بينما يرى الفريق الآخر أن هذا التخوف ليس في محله نتيجة القيادة المركزية العائلية للشبكة، واستغلال قادتها لهؤلاء المقاتلين الأجانب في حربها ضد ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية -ولاية خراسان»، مقابل الملاذ الآمن وعدم تسليمهم لبلدانهم.
البَريلويون في الهند.. التَّطرف في معارضة ما يدعونه تجديفاً
تهدف دراسة غلام رسول دهلوي، باحث دكتوراه في مركز الثقافة والإعلام والحوكمة بجامعة الجمعية الملية الإسلامية في نيودلهي، إلى إزالة الغموض عن مشاعر البريلوية بشأن قضية التجديف التي تدور حول مفهومهم للنبوّة. كما أنها تزعم التشكيك في المفهوم الشائع بأن الطائفة البريلوية مرادفة «للإسلام الصوفي» أو الإسلام التوفيقي الشعبي في الهند الممتزج بالهوية «البريلوية». مبيّنًا أن النبوّة البريلوية مزيج من ثلاثة تيارات: تقاليد انتقائية لناموس الرسالة (الدفاع عن كرامة النبي)، والممارسات الحنفية، والاقتصاد السياسي للدين. وقد أدّت هذه التوليفة إلى نتيجة مماثلة لتلك التي توصّلت إليها الحركتان الديوبندية والسلفية، تتخذ الشكل الذي يشير إليه العلماء بأنه «التمسّك بالمعنى الحرْفي الديني». فيعرف بالبريلويون، في الهند، وباكستان، ويقدم خلفية تاريخية، ويقدم بورتريه عن أحمد رضا خان فضل البريلوي، الشهير باسم علاء حضرة ويسمى أيضاً «فضل البريلوي»، وما يحظى من مكانة دينية لهم، ثم يعرج إلى الكتابات المناهضة للتعدّدية، ويدرس الحركة البريلوية الجديدة، ويقدم التبريرات البريلوية للعنف، قبل أن يتناول حركة لبيك باكستان.
يلفت الباحث إلى أن الاعتقاد استمرّ مدّة طويلة بأن الإسلام البريلوي في الهند وباكستان أفضل ترياق مضادّ للإسلام السياسي الراديكالي. ولا ينطبق ذلك على التدخّلات على مستوى السياسات فحسب، ولكن على مستوى الخطابات الأكاديمية والوعي العام أيضاً. كما أشيع أن البريلويين، الذين اعتُقد أنهم من المسلمين الذين يزورون الأضرحة الصوفية، متسامحون ومعتدلون نسبياً وتعدّديون، مقارنة بالسلفيين أو الديوبنديين أو أهل الحديث الذين يتجنّبون زيارة الأضرحة. وأنه على الرغم من هذه الصورة الشعبية المناسبة، فإن الممارسة البريلوية تتناقض تناقضاً تامًّا مع ذلك. فقد كان البريلويون دائماً في المقدمة، سواء أكان الأمر يتعلق بمقتل حاكم ولاية البنجاب الباكستانية سلمان تيسير، أم حرق كتاب سلمان رشدي، أم العديد من المسيرات المناهضة للتجديف في الهند وباكستان. لا يزال البريلويون يزورون الأضرحة الصوفية، ومع ذلك فإنّهم تشرّبوا العنف والإقصائية التي تميّز الفكر المتطرف. وتجدر الإشارة إلى أن قاتل سلمان تيسير ينتمي إلى طائفة بريلوية تدّعي أنها تستلهم البريلوية. لكن لم يقدم أي رجل دين بريلوي في الهند أو باكستان على إدانة هذا القتل.
يخلص الباحث إلى أن ربط البريلوية بالصوفية أمر مستغرب في ضوء هذه الحوادث. وهو يصبّ في التصوير الخاطئ للتقاليد التعدّدية القديمة للصوفية في الهند. لقد كشف البريلويون عن أنهم لا يسلكون طريق الصوفيين بالتخلّي عن المبادئ الصوفية الأساسية مثل صلح الكل، وتحريم الممارسات الصوفية مثل الموسيقى الصوفية، والإعلان عن تكفير كل الطوائف.
التنظيمات الإرهابية في موزمبيق: النشأة والمسارات
درس مصطفى زهران، كاتب وباحث مصري متخصص في الحركات الإسلاموية، الجغرافيا السياسة في موزمبيق، واقتصادها، وطبيعة العلاقة مع دول جوار الساحل الأفريقي، قبل أن يقدم تاريخ موجز للعنف في موزمبيق، فيسلط الضوء على التنظيمات الإرهابية فيها. يتناول الباحث تحولات حركة الشباب ووسائل التجنيد عندها وأنشطتها البحرية الإرهابية ، ويقف على تداعيات النشاط الإرهابي في موزمبيق، والتعاطي الإقليمي والدولي مع هذا الملف.
يخلص الباحث إلى أن استغلال الإسلامويين لتردي الأوضاع الاقتصادي والاجتماعية، والاستثمار في المظلومية أثرا في تنامي الظاهرة الإرهابية في موزمبيق. كما أن الحضور القوي للخطاب الإسلاموي السلفي المتشدد، وتراجع الحضور الإسلامي الصوفي، الذي كان مكونًا رئيسًا في المجتمعات الإسلامية في أفريقيا، ساهم في ذلك، وأدى تراجع دور المؤسسة الدينية الرسمية في العديد من الدول الأفريقية ذات الأكثرية المسلمة، إلى تنامي التنظيمات الإرهابية التي قدمت نفسها كبديل.
يلاحظ الباحث أن لصعود حركة طالبان ونجاحها في حكم أفغانستان للمرة الثانية، وتدشين إمارتها الإسلامية، أهمية كبرى ستنعكس بقدر كبير على التنظيمات الإرهابية كافة، خصوصاً في قلب أفريقيا، بعد أن أضحت أنموذجًا ملهمًا، وأصبحت إمكانية تحقيق الإمارة أو الدولة الإسلامية قابلة للتحقق، وهو ما دفع الباحث لاطلاق فرضية أن تُخضع حركة الشباب -الموالية لـ«داعش»- الشمالَ لسيطرتها، ومن ثم فصله عن الدولة ككل-كما حدث في مدينة بالما بعد أن سقطت في أيدي الحركة لأيام- وإن كان ليس بالمهمة اليسيرة.
قراءة في كتاب صيف أفغانستان الطويل
قدّم إبراهيم أمين نمر، باحث أردني متخصص في مكافحة التطرف والتطرف العنيف، عضو هيئة التحرير في مركز المسبار للدراسات والبحوث، قراءة في كتاب صيف أفغانستان الطويل لمؤلفه أحمد زيدان، حيث بيّن أن هذا الكتاب الصادر في عام 2021، والذي جاء في 500 صفحة، يوثق رؤية الباحث السوري أحمد موفق زيدان لعصرين: الأول عصر ما يسمى بالجهاد الأفغاني، والثاني عصر طالبان (1996 – 2001)، زعم أنه بناها على يوميات ومذكرات منذ منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم. جاء الكتاب في سبعة فصول: «الحركة الإسلامية من الميلاد إلى انقلاب داود»، و«الحركة الإسلامية والرد على الانقلابات»، و«الغزو السوفيتي.. سنوات الجمر»، و«من الانسحاب السوفيتي إلى سقوط كابُل»، و«كابُل والحرب العبثية»، و«طالبان والزحف السريع»، و«النسر الأميركي بالقفص الطالباني».
يخلص الباحث نمر إلى أن الكاتب الذي انبرى في تمجيد كتابات سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وحسن البنا والاحتفاء بنهل الجماعات الأفغانية المقاتلة منها، حاول أن يبين أثر دورها في تشكيل الوعي (المقاوم للاحتلالات) كأبرز المعالم في تطور و(ارتقاء) الجماعات المقاتلة في رسم النهج التحرري لهم، في حين يتوقف الكاتب عن الاستدلال بذلك لدى نشوء الحركة الطالبانية، وتقديمها للقارئ بعباءة المولوي كما أشار في تعريفه له، قبل أن يكشف عن غايات المولوي السياسية وتحالفاته العسكرية، وعليه قد يتوهم القارئ أن الحركة منفصلة عن تلك الأفكار، متجاوزًا قولبتها فيما كان يتشدق في حديثه عن كتابات أولئك الحركيين الإسلامويين إنجازًا لهم ولأرصدتهم، كما ظهر، في محاولة إخفاء وتدثير للصورة الذهنية التي قد ترتبط بهم في وصمها «الإخواني»، خصوصًا في ظل الصعود الذي شهدته الحركة بعد الانسحاب الأميركي ومساعيها في اعتراف دولي وقبول أممي. أما في حديثه عن ظهور داعش في أفغانستان تجنب أية إشارة للمؤلفات ومر على حضور التنظيم الإرهابي على مضض، مع حديثه عن انضمام عدد من مقاتلي الحركة للتنظيم، كان مرده إخفاء موت زعيم الحركة الطالبانية الملا عمر، يعاتب المؤلف تنظيم داعش بقوله إن من حماقات التنظيم صنف طالبان أفغانستان ضمن قائمة أعدائه، قبل أن يستشهد بأحد قادة طالبان فيما سجلته أفعال التنظيم لتجعل بعض عناصر الأخيرة من قيادات تنشق وتنضم للحركة في هجرة عكسية مجددًا، ليتمثل أمامنا بشكل جلي دورتهما الانشقاقية، وفي دائرة أكثر اتساعًا نواتها «الإخوان».