دبي
مركز المسبار للدراسات والبحوث وفي كتابه السادس بعد المئة، تناول مستجدات الواقع التركي بعد الانتخابات، وحزب العدالة والتنمية ومسألة الإثنية والتمييز في المواطنة، كما تناول المفهوم الكمالي في بناء الدولة. الإثنيات الكردية والعلوية والأرمنية كانت ضمن موضوعات الفصل الثاني من الكتاب. في فصوله اللاحقة إرث حزب العدالة والتنمية المتراكم، وطبيعة الحلول المتدرجة للمسألة الكردية، مع مناقشة موقف إردوغان من القضية الكردية والمسألة الأرمنية وتحولات الدور السياسي للجيش التركي، وصولاً إلى التصوف بتركيا من التاريخ إلى السياسة البكتاشية، وهي عنوان دراسةٍ خصصت لمناقشة ذلك. باحثون آخرون تطرقوا إلى الوهابية وتركيا، وتجدد المواجهات مع تنظيم داعش، بالإضافة إلى ملفاتٍ أخرى عديدة ومتنوعة جامعها النقاش حول الملف التركي.
تركيا ما بعد الانتخابات: نهاية هيمنة العدالة والتنمية وبداية الغموض:
تناول الباحث التركي مصطفى أكيول تركيا ما بعد الانتخابات ضمن ظروف هيمنة العدالة والتنمية وبداية الغموض، حيث يشير إلى أن النتيجة الأكبر لهذه الانتخابات هي الغموض، وهو أمر لم تعرفه تركيا منذ عام 2002. لن يتمكن أي حزب من تشكيل حكومةٍ وَحده، لذلك فإنّ الكثير من النقاشات والضغط والمراوغة ستحصل في أنقرة حول تشكيل الحكومة.
وفقاً للدستور التركي، فإنَّ الرئيس (إردوغان) سيقوم بتكليف رئيس الحزب الذي حاز على العدد الأكبر من الأصوات (أحمد داود أوغلو) بمهمة تشكيل الحكومة. ولكن يجب أن تحصل الحكومة على ثقة الأغلبية، وهي ما لا يملكه حزب العدالة والتنمية. إذا أخفق التصويت على الثقة، سيكون لزاماً على الرئيس تعيين شخص آخر في البرلمان (على الأرجح كمال كيليتشدار أوغلو) ليحاول ثانية تشكيل الحكومة. إذا ما فشلت هذه المحاولة أيضاً خلال (45) يوماً، فإن الرئيس قد يدعو لإعادة الانتخابات خلال (3) أشهر.
يجعل هذا المشهد المستقبل غامضاً، إذْ إنّ هناك احتمالات عديدة:
حكومة أقلية: يمكن للحزب الواحد تشكيل حكومة خاصة به والحصول على تصويت الثقة من خلال الدعم الخارجي.
حكومة يترأسها حزب العدالة والتنمية: إنّ هذا خيار وارد لأنه الحزب الأكبر.
حكومة ائتلاف معارضة: إذا فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومة ائتلاف، فإن الأحزاب الثلاثة المعارضة قد تتمكن من ذلك، أو قد يتمكن -على الأقل- كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة الوطنية بينما يدعمهما حزب الشعوب الديمقراطية بتصويت الثقة.
إعادة الانتخابات: هذا الخيار متاح في حال فشل الأحزاب بتشكيل حكومة في غضون (45) يوماً.
تؤكد الدراسة أن هناك أفراداً في الحزب يحنون إلى الرئيس السابق عبدالله غول، مؤسس العدالة والتنمية، الذي أحيل إلى التقاعد، ولكنه لمْ ينفصل كلياً عن الحسابات السياسية التركية. من المعلوم أنّ غول قد يصبح رئيس الحزب بعد انتهاء فترة رئاسة إردوغان، ولكن الأخير قام بحجبه. إنّ إردوغان هو أكثر إصراراً وسلطويةً، في حين يميل غول إلى المصالحة والليبرالية. لا يتفق غول مع إردوغان في خطابهِ المتعلق بالشأن الخارجي أيضا، والذي يتسم بالمرارة كثيراً. ولذلك، هناك توقُّع أيضاً، في نهاية هذا الاضطراب، بأن يعود عبدالله غول إلى الحزب بصفة المنقذ لإعادة الاعتدال والإصلاح اللذين كانا سمة الحزب في السنوات الأولى، وهذا يعني في الوقت نفسه تحديد صلاحيات إردوغان ونفوذه.
خلاصة المبحث أن الانتخابات الأخيرة وضعت حداً لهيمنة إردوغان وحزبه، وجاءت بالتوازن للسياسة التركية. ولكن التوازن –أيضاً- يعني الغموض بعد (13) سنة من هيمنة حزب العدالة والتنمية. إنّ صعود الدولار بشكل فجائي أمام الليرة التركية يوم الاثنين بعد الانتخابات مباشرة، يشير إلى أن هذا الغموض قد يكون مكلفاً.
داعش حزام أمن الدولة التركية في العهد الإخواني:
جاسم محمد، أخذ محور البعد الداعشي على الواقع التركي، حيث رأى أن سياسة “تركيا إردوغان” من حيث تعاملها -إن لم يكن تورطها- مع تنظيم “داعش” على امتداد حدودها مع سوريا والعراق، تجعل المزاج العام للشارع التركي يتقبل “الجهاديين” الأتراك العائدين من القتال في سوريا، فلم تشهد الأراضي التركية عمليات انتحارية أو داعشية. وعلى الرغم من أن حكومة إردوغان واجهت بعض التظاهرات، لكن الأحداث لم تسجل أي تجمع أو نشاط معارض للسلفية “الجهادية”. التقارير الاستخباراتية قدرت أن “الجهاديين” الأتراك وصل عددهم إلى ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل يتوزعون ما بين “داعش” و”النصرة”، هذا العدد ربما لا توجد عنده أزمة علاقة مع الحكومة التركية، بسبب مرونة الحركة والتنقل عبر الحدود مع سوريا والعراق. إن جغرافية تركيا وموقعها لعبا دوراً بخفض معاناة “الجهاديين” الأتراك، نسبة إلى الجماعات الأخرى العابرة للقارات والحدود.
يضيف: إن سياسة غض النظر التركية عن تدفق هذه الجماعات من وإلى سوريا والعراق، لم تخلق مشكلة مع حكومة إردوغان، ففي الوقت الذي لم تشهد تركيا عمليات انتحارية، تحديداً من تنظيم “داعش”، فهي لم تشهد محاكمات أو اعتقالات ضد هذه الجماعة. المعلومات ذكرت أن الجهاديين الأتراك، لا يمثلون شريحة مُعدَمة أو من ذوي الدخل المنخفض، فإن غالبيتهم من أصحاب الوظائف والمهن ومن يعيشون علاقات اجتماعية طبيعية، وبينهم نسبة كبيرة من المتزوجين ومن أصحاب العائلات.
من جانب آخر، تواجه تركيا الآن انتقادات شديدة من قبل الاتحاد الأوروبي، وهذا تَمثّل في تصريح مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل مطلع فبراير (شباط) 2015، بأن تركيا بوابة عبور للمقاتلين إلى سوريا والعراق. هذه الثقة يبدو من الصعب استرجاعها مهما حاولت حكومة إردوغان. أما المفوضية الأوروبية فسبق لها أن دعت تركيا لحضور اجتماعات بروكسل من أجل إيجاد اتفاقات ثنائية في مسك الحدود والمطارات لمنع تدفق وعبور المقاتلين. وعلى الرغم من أن دولة ألمانيا تبحث عقد اتفاقية تعاون استخباراتي، أعلن عنها مطلع فبراير (شباط) 2015، فإن التقارير الإعلامية إلى جانب التقارير الاستخباراتية، استثنت تركيا من حضور عدد من الاجتماعات الخاصة بمكافحة الإرهاب، أبرزها اجتماع باريس وبروكسل ومؤتمر ميونخ للسلام. كذلك لم توجه دعوة إلى تركيا لحضور اجتماع بروكسل يوم 12 فبراير (شباط) 2014 الخاص بمكافحة الإرهاب.
يختم الباحث دراسته بتأكيد أن استبعاد حكومة إردوغان من اجتماعات مكافحة الإرهاب تأتي من حالة عدم الثقة بينها وبين دول أوروبا، وكذلك دورها المزدوج داخل حلف الناتو، وأن حضورها يعني تسريب خطط ومحاضر اجتماعاتها إلى تنظيم “داعش” والجماعات “الجهادية” بسبب دورها المزدوج.
تحولات الدور السياسي للجيش التركي:
يرى بشير عبدالفتاح في بحثه أن الدور السياسي للجيش التركي يثبت أن تركيا ليست بدعا من دول عديدة حول العالم في هذا الصدد. ذلك أن عالم اليوم بات يشهد حالة أقرب إلى عسكرة النخب السياسية، وهي الحالة التي يمكن إرجاعها إلى أسباب شتى، لعل أهمها: حالة السيولة الاستراتيجية التي تكتنف المنطقة والعالم برمته، على خلفية التغيرات الهائلة التي ألمت بدول الشرق الأوسط وألقت بظلالها على العالم أجمع، وتعاظم خطر الإرهاب بمختلف صوره ومشاربه، وضعف وهشاشة النخب المدنية، وغياب القيادات والزعامات القوية ذات الكاريزما والشعبية.
يضيف: وربما لا يعد من قبيل المبالغة القول: إن “فقر النخب السياسية” المدنية قد أضحى ظاهرة عالمية بامتياز.
ففي غالبية الديمقراطيات الغربية -بحسب الباحث- تبرز مشكلة غياب القيادات والكوادر السياسية المتميزة، حتى لم يعد هناك خيارات أمام الناخبين سوى تجربة عناصر شابة حديثة الخبرة. وفي إسرائيل، اضطر الناخبون –أخيراً- تحت وطأة غياب الزعامات الكبرى، للرهان على نتنياهو، على الرغم من حماقاته وفشله الذريع اللذين أتاحا للفلسطينيين تحقيق مكاسب دبلوماسية دولية لافتة على طريق استعادة حقوقهم المسلوبة، إذا انتخبوه لرئاسة حزب الليكود توطئة لانتزاع ولاية رابعة ومتتالية كرئيس للوزراء وهو ما حدث بالفعل، بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في 17 مارس (آذار) 2015، وتشكل ائتلاف حكومي جديد على إثرها.
وعلى خلفية الحروب العالمية المستعرة ضد الإرهاب، بدأت الدول الديمقراطية تشهد تنامياً لأدوار النخب الأمنية والعسكرية في صنع القرارات على الصعيدين الداخلي والخارجي، هذا في الوقت الذي تتعرض فيه عديد من دول العالم الثالث لموجة من عسكرة نظم الحكم فيها، مع قيام الجيوش بانقلابات عسكرية للإطاحة بنخب مدنية والاستيلاء على السلطة بدلا منها، حيث شهدت الشهور القليلة المنقضية عدداً من تلك الانقلابات في كل من تايلاند، بوركينافاسو، ليسوتو، وصولاً إلى محاولة الانقلاب الفاشلة في غامبيا. ومما استرعى الانتباه في هذا السياق أن واشنطن، مثلما هو دأبها في مناسبات سابقة مشابهة حول العالم، لم تكن بمنأى عن جل هذه الانقلابات، حيث طالتها اتهامات إما بالضلوع فيها أو دعمها أو -على الأقل- مباركتها.
تعاني غالبية دول العالم الثالث من تراجع نخبها السياسية المدنية في مواجهة صعود النخب العسكرية، أو ما يطلق عليه في علم الاجتماع السياسي “النخب المتحولة” أي التي انتقلت من الخدمة في الجيوش إلى العمل السياسي، سواء من جراء انقلابات عسكرية أو ثورات شعبية رفعتها إلى سدة السلطة، أو من خلال اعتزالها العمل العسكري وانخراطها في العمل السياسي، الأمر الذي يمهد السبيل أمام تلك النخب العسكرية لتعاطي السياسة، بل تصدر سدة السلطة.
فقد عزز إخفاق الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، تزامناً مع ضعف النخب العلمانية، من الدور السياسي للنخب العسكرية على المستوى الإقليمي، ومثلما فتح ضعف النخبة المدنية المصرية الباب على مصراعيه أمام هيمنة النخبة العسكرية على السلطة طيلة عقود، منذ ثورة يوليو (تموز) 1952، فقد أفضى وهن النخب الثورية المدنية –حالياً- تزامناً مع تعثر الأداء السياسي لنخبة الإسلام السياسي، إلى إعادة النخبة العسكرية إلى صدارة المشهد السياسي مجدداً، على الرغم من تواضع مستوى تسييسها هذه الأيام، مقارنة بمثيلتها قبل عقود ستة خلت.
وفي تركيا، بدأ الجيش –أخيراً- يتأهب لاستعادة دوره السياسي، الذي توارى لسنوات عدة بفعل مساعي وجهود إردوغان لإبعاده عن السياسة، بعدما استدعت التطورات الإقليمية المثيرة هذا الدور، وبعدما جنح ذلك الأخير لنسف ثمار تلك الجهود عبر الاستعانة بالعسكر في مواجهة المعارضة السياسية العلمانية، كما الحركات الإسلامية المنافسة له، خصوصا جماعة فتح الله غولن، مما يشي بأن النخبة السياسية المدنية، بشتى مشاربها وأطيافها الفكرية لم تستطع ملء الفراغ الناجم عن غياب العسكر عن المسرح السياسي.
وقد شهدت إيران ردة مماثلة، حسب الباحث والكاتب الإيراني :كريم ساجد بور، الذي أكد في مقال له بصحيفة “لكسبريس” الفرنسية، نشر قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2014، أن إيران لم تعد أوتوقراطية دينية بقدر ما صارت أقرب إلى نظام استبدادي عسكري، خصوصاً بعدما تفاقم وزن قوات الحرس الثوري على الصعيدين الاقتصادي والسياسي على حساب دور الحوزة الدينية.
الباحث يضيف أنه، وفيما يخص تطور علاقة الجيش التركي بالعملية السياسية صعوداً وهبوطاً، يبدو جليا أن قضية العلاقات المدنية – العسكرية عموماً، وعلى مستوى دول الشرق الأوسط على وجه التحديد، تحتاج إلى المزيد من الجهد والاجتهاد على مستوى البحث العلمي، حتى يمكن التنظير لها على النحو الأفضل، وتأطير تلك العلاقات بما يتماشى وطبيعة التحولات الثقافية، كما خصوصية الأوضاع الاجتماعية والتجارب السياسية في تلك الدول.
تؤكد الدراسة أن إردوغان بعد أن قطع شوطاً طويلاً على درب التعديلات الدستورية والإصلاحات القانونية الكفيلة بتقليص تدخل الجيش التركي في السياسة، وكبح جماح النزعات التدخلية لقياداته عبر محاكمتهم بجريرة الضلوع في مؤامرات انقلابية ضد الحكومة المنتخبة، والزج بعشرات من كبار الضباط في غياهب السجون، وفي صدارتهم رئيس أركان الجيش السابق الجنرال إلكر باشبوغ، لم يتورع عن إعادة نسج شبكة تحالفاته السياسية بما يعينه على التعاطي مع التغير المتوقع في خارطة التحالفات بين القوى السياسية التركية على مشارف الاستحقاقات الانتخابية المصيرية، بداية من الانتخابات البلدية نهاية شهر مارس (آذار) 2014، مروراً بالرئاسية في أغسطس (آب) 2014 ثم البرلمانية عام 2015، التي جرت أخيراً وكان يترقبها حزب العدالة والتنمية بقلق بالغ إثر تراجع شعبيته وارتباك موقفه التنافسي على خلفية فضيحة الفساد التي أحاطت بأبرز رموزه –أخيراً.
حزب العدالة والتنمية والمسألة الإثنية… التمييز في المواطنة:
رائد حاج سليمان، في بحثه عن حزب العدالة والمسألة الإثنية، أكد أن من الواجب دراسة المسألة الإثنية في عهد حزب العدالة والتنمية -الذي وصل إلى السلطة عام 2002- وإلقاء الضوء على المفهوم الكمالي لبناء الدولة – الأمة، وتطور طبيعة النظام السياسي التركي، وبالتحديد وضع المؤسسة العسكرية من تراتبية القوة السياسية، وانتعاش الإسلام السياسي وأحزاب الديمقراطية المحافظة، على اعتبار أن هذه المتغيرات تشكل عوامل حاكمة في سياسة النخب الحاكمة في تركيا تجاه الإثنيات. كما ستقتصر الدراسة على الجماعات الإثنية الأكثر إشكالية في تركيا، والمتمثلة في: الأكراد، والعلويين، والأرمن.
في السابق ظل أفراد المجتمع العثماني ينظرون لأنفسهم قروناً عدة قبل عام 1923 كمجرد رعايا تابعين لسلطان في إسطنبول، وهو في الوقت ذاته خليفة لجميع المسلمين أينما كانوا، ولم يعرِّفوا أنفسهم كأتراك، فأصبح من أول واجبات ومهام مصطفى كمال أتاتورك ونخبته إبدال الرابطة الرعوية برابطة المواطنة، حيث تصبح السيادة للشعب، فألغيت السلطنة أولاً ثم الخلافة ثانياً، وأصبح كل من يقطن الأراضي التي حددت بموجب اتفاقية لوزان عام 1923 تركياً بصرف النظر عن عرقه أو دينه.
وبحسب الباحث، فقد آمن مصطفى كمال أتاتورك بأنه ما من طريق للتحديث الاجتماعي إلا باتباع الطريق ذاته الذي اتبعه الأوروبيون، والمتمثل في العلمانية، ولكن العلمانية التي اختارها أتاتورك لم تكن العلمانية المحايدة، التي تفصل بين الدولة والدين، وتعتبر أن الأولى تمثل مجالاً عاماً، والثاني يمثل مجالاً خاصاً، يتعلق بعلاقة كل فرد/ جماعة بما يؤمن/ تؤمن به، وهو مجال مستقل تماماً عن المجال العام ويتعين على الدولة ألا تتدخل فيه. بل اختار العلمانية الأيديولوجية أو اللائكية، القائمة على نزعة تدخلية صارمة للدولة في المجال الديني، بحيث تفرض الدولة تصورها لكيفية تنفيذ الناس لمعتقداتهم، وتعتمد بصورة رئيسة على المؤسسات التعليمية.
كما يشير إلى اختلاف الاستجابة لمشروع التتريك والعلمنة بين المناطق التركية، والجماعات الإثنية، فاستجابت المحافظات الغربية والمراكز الحضرية، أما بالنسبة للشرق، حيث يقطن الأكراد، فقد كانت المقاومة عنيفة لتلك المشروعات، وظلت المنطقة مغلقة تعج بالصراعات طيلة عقود من تأسيس الجمهورية.
أما في السياسة التركية –عموماً- تجاه الإثنية الكردية، فمنذ تأسيس الجمهورية يتم تغليب المنطق الأمني، وإن حدثت انفراجات من قبل النخبة السياسية تجاه تلك الإثنية، فسرعان ما يتم إجهاضها من قبل المؤسسة العسكرية والعودة للمنطق الأمني، مما جعل القضية الكردية قضية مستفحلة، تتداخل فيها العوامل القومية مع الحرمان الاقتصادي والحرمان السياسي والاجتماعي.
أما على الشق الآخر، فإنه وبالرغم من التأييد الكبير الذي أبدته الإثنية العلوية للعهد الجمهوري والسياسات الكمالية، فإنها تعرضت لمستويات متعددة من الإقصاء، وبدأت تطرح هويتها الذاتية بإعطائها بعداً دينياً مع تصاعد الحضور الديني في الفضاء العام، حتى أضحت تعرف بـ(المسألة العلوية)، ولكن -بكل تأكيد- تبقى أقل حدة من المسألة الكردية، وذلك بحسب الدراسة.
فيما يخصّ الأرمن، فلم تمثل الإثنية الأرمنية بالنسبة للعهد الجمهوري مشكلة داخلية، على اعتبار أن أعدادهم قليلة، وإنما تمثلت المشكلة في علاقات تركيا مع الخارج، الذي يحاول الضغط بين حين وآخر على تركيا للاعتراف بالإبادة الأرمنية، وخصوصاً إذا ما علمنا أن أرمن الشتات يمثلون لوبيات قوية في الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
وبعد السياقات التاريخية الطويلة والمتناولة لشتى التعقيدات بما يخص الإثنيات، يختم الباحث دراسته بقوله: “إن سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه الجماعات الإثنية اتسمت بالانفتاح والإنجاز المعقول، ولا سيما بعد استغلال شروط الاتحاد الأوروبي للتخلص من أدوات الدولة العميقة، المتمثلة بالمؤسسة العسكرية والمؤسسة القضائية”.
إردوغان والأقليّات في تركيا: وعود لا تنتهي:
هوشنك أوسي، في دراسته حول إردوغان والموقف والتعامل والتناول للأقليات، يطرح مجموعة من المعالجلات، يبدأ بالتاريخ، فبعد تقسيم تركة السلطنة العثمانيّة بين الإنجليز والفرنسيين في اتفاقيّة (سايكس – بيكو) سنة 1916، خشيت النخب التركيّة الحاكمة، من زيادة تفتيت المتبقّي من السلطنة العثمانيّة. ويشير د. إبراهيم الداقوقي في كتابه “أكراد تركيا” إلى أن: تصريح كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا، الذي قال فيه: إن “إدارة العثمانيين سيّئة، ومظالمهم متنوّعة من عصور عديدة، وهم عديمو الكفاءة والأهليّة في إدارة العناصر غير التركيّة، فيجب ألاّ نترك أمّة –ما- تحت إدارتهم”. هذا التصريح، وارتفاع وتيرة النشاطات القوميّة للجمعيّات الكرديّة، أقلقا الباب العالي من أن يؤدّي ذلك إلى انفصال كردستان عن الإدارة التركيّة. فأخذت الصحافة العثمانيّة تذكّر الكرد بـ”الإخاء الإسلامي والوطنيّة العثمانيّة”.
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالميّة الأولى، وفي إطار الحفاظ على السلطة وقطع الطريق على حكومة مصطفى كمال في أنقرة، وبالتوازي مع مساعي استمالة الأقليّات القوميّة في السلطنة وخصوصاً الكرد والأرمن، وكنوع من تبرئة الذمّة من مذابح الأرمن، وقّعت حكومة إسطنبول برئاسة علي رضا باشا يوم 10/8/1920 على معاهدة سيفر التي نصّت على الاعتراف بأرمينيا، وبالعراق وسوريا تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، كما نصّت البنود (62)، (63)، (64) من الفقرة الثالثة على منح المناطق الكرديّة الحكم الذاتي.
في العهد الحاضر-تضيف الدراسة- بدأ الاتصال الفعلي بين حكومة حزب العدالة والتنمية وأوجلان، عقب تصريح إردوغان المشهور في صيف 2005، بمحافظة ديار بكر الكرديّة، الذي اعترف فيه بوجود قضيّة كرديّة في تركيا، وأنها “قضيته، وسيحلها بالسبل الديمقراطيّة”. أيضاً أعلن أوجلان هدنة، وقدّم تنازلات جديدة، دون أية نتيجة. وأفاد حزب إردوغان من تمديد أوجلان للهدنة، واستقرار الأوضاع، واستثمر ذلك لصالحه، فاكتسح الانتخابات البرلمانيّة في يوليو (تموز) 2007.
الخلافات بين الحليفين السابقين: غولن وإردوغان، سواء بخصوص المسألة الكرديّة أو الاحتجاجات التي شهدتها تركيا في صيف 2013، يعتبرها مراقبون مجرد تعبير عن صراع حول السلطة و”الغنائم” بين الحلفاء الإسلاميين، بعد الإطاحة بسلطة العلمانيين التي حكمت تركيا لما يزيد على (80) سنة. وحتّى الآن، ما زالت جماعة غولن، ترفض وجود مشكلة كرديّة في تركيا، وترى أن هنالك –فقط- مشكلة “الكردستاني”، وينبغي حلها بالسبل العسكريّة التقليديّة.
بحسب المصادر الرسميّة، يوجد في تركيا نحو (170) ألف أرمني، (70) ألفا فقط يحملون الجنسيّة التركيّة، ويعانون من التمييز والقمع وعدم الاعتراف بهم كمكوّن من النسيج الاجتماعي التركي ضمن الدستور.
كما كشفت مصادر صحفيّة تركيّة أن قصر تشان كايا الرئاسي التركي المعروف، الذي كان يسكنه أتاتورك في أنقرة، تعود ملكيّته لعائلة أرمنيّة.
الباحث يشير إلى أنه في شهر مارس (آذار) 2010، حين كان إردوغان رئيساً للوزارة، صرّح لهيئة الإذاعة البريطانيّة (BBC) مهدداً واشنطن بأنه في حال مصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون إدانة مذابح الأرمن، فإنه سيطرد (100) ألف أرمني من تركيا، وأن هذه الخطوة قد “تضر بالتقدم في عملية مصالحة هشة بين تركيا وأرمينيا”.
تركيا قبل حكم حزب العدالة والتنمية، كانت أرضاً يباباً، وسجناً كبيراً. في حين أن هذه الإنجازات هي من حقوق المواطن التركي التي على الحكومة، والحكومة توفّرها له في أي بلد يزعم الديمقراطيّة والمدنيّة والعلمانيّة، ويخلص البحث إلى عناصر أساسية من تجربة الحزب مع المكونات التركية وهي:
1- استخدم إردوغان شعار السير نحو التحوّل الديمقراطي، والتلويح بالدستور المدني والإصلاحات، قبيل كل انتخابات برلمانيّة أو محليّة في تركيا. ولكن هذه الإصلاحات، في مجملها، وبخاصّة منها القانونيّة، صبّت في صالح تعزيز سلطة الحزب داخل الدولة، بحيث أصبحت تركيا، دولة الحزب الواحد، والقائد الواحد.
2- استخدم إردوغان حلّ القضيّة الكرديّة سلميّاً، لإبقاء الكرد تحت السيطرة، عبر المماطلة والوعود المتتالية لأوجلان. بينما منح الأخير المزيد من الفرص والوقت لإردوغان وحزبه، حتّى تمكّن من فرض كامل سيطرته على السلطات في تركيا.
3 – لم يحقق إردوغان أيّاً من المطالب العلوية، سواء على صعيد الاعتراف بوجودهم وحقوقهم دستوريّاً، أو إصلاح النظام التعليمي الذي يفرض على أطفال العلويين، دراسة المذهب السنّي الحنفي.
4- اتضح أن الانفتاح على الأرمن، كان محض مناورة.
5- أكدت المعطيات والمجريات خلال السنوات الأخيرة، أن “الإسلام المعتدل” في تركيا، وانسجامه مع قيم الحداثة والديمقراطيّة والعلمانيّة، كان قناعاً، يخفي خلفه الوجه الحقيقي لحزب العدالة والتنمية، الداعم لحركات الإسلام المتطرّف والتكفيريين في سوريا، والعراق، وفلسطين، ومصر…، وجعل من تركيا قاعدة وحضناً دافئاً للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
6- الحديث عن “قوة تركيا الناعمة” و”تصفير المشاكل مع الجيران”، طبقاً للمعطيات والوقائع والمجريات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ظهر بأنهما كانا محض “خرافة” صدّقها كثيرون، وصفّق لها العرب قبل العجم.
التصوف في تركيا من التاريخ إلى السياسة البكتاشية:
الباحث خالد محمد عبده يبدأ الدراسة بالإشارة إلى أن الطريقة البكتاشية آزرت الأمراء العثمانيين الأوائل في بناء دولتهم، وبسط نفوذهم وتوسعاتهم وانتصاراتهم، في اثنتي عشرة ولاية تركية، ولا تزال هذه الطريقة حاضرة في تركيا والبلقان وغيرها من الدول العربية والغربية. أدّت البكتاشية مهمة عظيمة للدولة العثمانية، فقد وحّدت أغلب الفرق والطرق الصوفية، وخصوصاً ذات الشكل الباطني –عقائديًا- كالقلندرية والحيدرية، وهضمت تعاليم السابقين في طريقتها، ووحدت -إلى حدّ كبير- الفكر الصوفي في تركيا، مما قوّى الكيان العثماني وقتها، ومن خلال دورها السياسي أحرزت الدولة العثمانية انتصارات شتّى شرقًا وغربًا، وأثرت البكتاشية في معسكر الجيش الانكشاري الذي عُدّ -فيما بعد- من أتباع الطريقة البكتاشية، وارتبط بها ارتباطاً وثيقًا، وأصبح اسم حاجي بكتاش ولي من أشهر الأسماء في تلك الفترة، ونظر إليه باعتباره أبرز الأولياء وأنجعهم أثراً، وفي السطور التالية سنحاول التعرّف على هذه الشخصية المهمة في تاريخ الدولة العثمانية.
وُلد حاجي بكتاش ولي سنة (646هـ) في خراسان، ويوصف في مصادر الطريقة بالأوصاف كافة التي نقرأ مثيلتها في كتب التراجم والطبقات عند التأريخ لأحد من الأولياء.
عكست قصة حياة حاجي بكتاش أفكار المجتمع التركي في عصره، وذهنية المريدين الذين يبالغون في شخص شيخهم ويرفعونه مرتبة عليا، فمن يقرأ في المدونة البكتاشية يلحظ قرب بكتاش من السيد المسيح، لا قربه من جلال الدين الرومي وغيره من الأولياء فحسب، فمعجزات الشفاء وردّ البصر للعميان وإحياء الموتى نسبت له كما نُسبت إلى صحابة النبي.
أمّا تنظيم هذه الطريقة البكتاشية بحسب الباحث فقد كان تراتبيًا، فعلى رأس الطريقة كان الـ(بير) أو (ده ده) (الجدّ) ويأتي بعده (الخليفة) أو (البابا)، والـ(بابا) هي درجة المشيخة التي يُرقّى إليها الدرويش بعد قضاء فترة طويلة يكون قد حصّل خلالها علوم الشريعة والطريقة، وتبحّر في معرفة الآداب وتذوّق معاني الرموز الصوفية، واستطاع تفسير غوامضها وشرحها لإخوانه، وأخذ بيدهم إلى الطريق القويم.
في أيامنا هذه، يولي الباحثون المحدثون من الأتراك والمستشرقين عناية كبيرة بهذه الطريقة الصوفية، ويحاولون إحصاء مريديها والتعرّف على مذهبهم، وأفكارهم وماهيتهم الدينية، وبعضهم يرى أن هذه الطريقة (البكتاشية العلوية) دين غير سماوي استقى تعاليمه من الزرادشتية.
الدراسة تشير إلى محاولة إردوغان إجراء عملية جراحية سياسية على العلويين، ويتوقع أن يكون لها انعكاسات خطرة: ففي فهم إردوغان: العلويون الذين سيقبلون الذهاب إلى المسجد هم “العلويون مع عليّ أو العلويون الجيدون”. وتالياً، فإنه يغلق –ضمنيًّا- حق العلويين الذين يتمسكون بدور العبادة الخاصة بهم. وقد ظهرت نوايا إردوغان العارية يوم 28 مايو (أيار) من قبل نائب رئيس الوزراء إيمرله آيسلر، الذي قال: “لا يمكننا أن نعتبر دور عبادة العلويين هي دور عبادة؛ لأننا نعتبر العلوية تابعة للإسلام. وما دام العلويون يعتبرون أنفسهم مسلمين، فإن دار العبادة في الإسلام هي المسجد”. وهذا الموقف يعني بالنسبة للعلويين محاولة لـ”تسنين” أو “مسْجَدة” العلويين، ونبذ أولئك الذين سيرفضون الإذعان لذلك.
المؤسسات التركية في الخليج ومصر:
ماهر فرغلي، بمحوره المشار إليه، يخترق مجموعة من العوائق، إذ استغلت تركيا -بحسب الباحث- الإعلام والفن كقوة ناعمة، نظرًا لما للإعلام من دور فاعل وعميق في الترويج لأي سياسة أو نظام سياسي، واتجهت إلى إنشاء عدد من المؤسسات والمكاتب في عدد من الدول العربية، ومنها قناة (trt) التركية التي تعبر عن الثقافة التركية في شتى المجالات، كالفن والعلم والسياسة ونقلها إلى العالم العربي، وقد تم افتتاحها ومكاتبها العاملة بالدول العربية بموجب قرار حكومة حزب العدالة والتنمية لتدعيم التواصل الثقافي بداية أبريل (نيسان) 2010، وهي تابعة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في تركيا.
وتعتبر –تضيف الدراسة- “جمعية رجال أعمال تركيا والدول العربية”، التي تستهدف رجال الأعمال، وتهدف إلى إنشاء علاقات مع المؤسسات الاجتماعية والتجارية العربية والدخول فيها، وتعزيز علاقات الصداقة والتفاهم والشراكة المنشأة على المصالح المشتركة من وسائل الإعلام التجارية ورجال الأعمال والشركات التجارية، على حد سواء، في الدول العربية وتركيا، مع تطوير المعرفة الاجتماعية والتجارية بين الأعضاء، مع السعي إلى تبادل المعلومات والمعرفة في التعليم، والجوانب العلمية والتكنولوجية وغيرها، هي المثل على تلك الجمعيات التي تشرف عليها الحكومة التركية، للتغلغل في الدول العربية. وهناك عديد من المنظمات الأخرى المنوطة بذلك، كجمعية رجال الأعمال الأتراك “الموصياد”، لأن الاقتصاد يعد من الأدوات العاملة على الجذب للنموذج السياسي للأنظمة الناجحة اقتصاديًّا، بل تستطيع الدول فرض سياسات بعينها إذا استطاعت تقوية علاقتها الاقتصادية والتجارية مع الدول الأخرى.
ومنذ وصول حكومة حزب العدالة والتنمية للسلطة، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية وتركيا (44%). كما تم توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين (5) دول عربية وتركيا، وهذه الدول العربية هي: تونس ومصر والمغرب وفلسطين وسوريا، والآن هناك دراسات جارية لإنشاء منطقة تجارية حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا. وأيضاً خلال فترة العامين الماضيين تم نقل (85) مصنعًا للملابس من تركيا إلى مصر، لكن المشروع توقف عقب عزل الإخوان عن الحكم، وسوء التفاهم بين الحكومتين المصرية والتركية بسبب دعم الأخيرة للجماعة، وإيوائها للهاربين من قياداتها.
تركيا، وفي اعتمادها على عدد من المؤسسات، اتخذتها وسيلة للتمدد والسيطرة، ولإكمال مشروعها الإمبراطوري، المتمثل في عودة الدولة العثمانية بشكل مختلف ومعاصر، حتى إنها -الفترة الماضية- اتهمتمن قبل بعض الدول العربية، ومنها مصر، بالتدخل السافر في شؤونها الداخلية، لأنها تصرفت كما لو أن ما يحدث في كل بلد هو شأن تركي داخلي.
جمعية الموصياد، ورجال الأعمال الأتراك، ومركز العلاقات التركية، من بين المؤسسات المهمة، بالإضافة إلى القوة الناعمة الفنية والثقافية.
تركيا -يختم الباحث- على الرغم من أنها خطت خطوات جبارة في إعادة عمقها الاستراتيجي والحضاري، واستغلت عدداً من المؤسسات في ذلك، فإن المسافة أمامها ما زالت طويلة جداً نحو تحقيق مشروعها الحضاري الذي آمن به صناع القرار الأتراك الحاليون، خصوصاً إذا ما اعتبرنا أن حجم التحديات المستقبلية ستكون كبيرة جداً في ظل الأحداث الجارية الآن في منطقة الشرق الأوسط، التي تتعرض إلى مخطط للتقسيم وإعادة صوغها من جديد.
حركة كولن وانتخابات السابع من يونيو (حزيران):
الباحث والكاتب الأمريكي جوزيف براودي يرى أن حركة كولن هي الجماعة الإسلامية الأكثر تنظيماً في تركيا، وكانت حليفاً أساسياً لرجب طيب إردوغان حتى السنوات الثلاث الماضية، حيث شهدت التوترات منذ ذلك الحين تصاعداً كبيراً بين المنتصرين في هذه الحرب الباردة التي تزداد مرارة.
أما القوة السياسية لحركة كولن فتصنّف إلى أربع فئات: القوة الناخبة، المجتمع المدني والقوة الإعلامية، القوة البيروقراطية، الدعاية العالمية وقوة جماعات الضغط. يمكن القول: إنّه على الرغم من أنّ ثلاثاً من هذه الفئات لا تزال موجودة، فإن الفئة الأهم وهي القوة البيروقراطية قد انتهت.
إردوغان -يضيف جوزيف-: يقوم بمضاعفة إجراءات ملاحقة أنصار حركة كولن قبل الانتخابات، عن طريق المزيد من الحملات الأمنية والدعائية ضد الحركة، ولذلك نجد زيادة في عدد الاعتقالات التي تطال أنصار كولن بتهمة “محاولات انقلابية” ضد الحكومة من خلال استغلال نفوذهم في الشرطة والقضاء، وببناء هذا النفوذ بطرق لا قانونية. وقد صدرتْ فجأة مذكرات اعتقال لشخصيات كبيرة في الحركة بسبب عملية غش كبيرة (في امتحان شخصي عام). تمّ تسمية فتح الله كولن نفسه مشتبها به رئيسا في ما لا يقل عن ثلاث قضايا قانونية مختلفة، كما اتّهم بقيادة “منظمة إرهابية” على الرغم من أنّه لا يوجد ما يدل على هجوم إرهابي مسلحّ تتورط فيه الحركة.
تبقى حركة كولن –بحسب جوزيف برودي- بعيدة عن فكرة تأسيس حزب سياسي تابع لها، وتنتهج أسلوب دعم الأحزاب الكبيرة التي تتقارب معها في النهج والرسالة. تغيّر هذا التقليد -إلى حد ما- الآن مع اقتراب الانتخابات القادمة، حيث سيشارك بعض أنصار الحركة في عديد من القوائم الانتخابية التي تضم أحزاباً مختلفة، وأيضاً كمرشحين مستقلين. تعمل الحركة على دعم حزب الشعب الديمقراطي، ذات التوجهات اليسارية الكردية، بكل قوتها، حيث تحسب أنّ دخول الحزب إلى البرلمان سيكون الطريق الأمثل والأضمن لحرمان حزب العدالة والتنمية من النصر المحقق.
إنّ حركة كولن تقبل انتصار إردوغان والعدالة والتنمية لأنها نتيجة حتمية، لذلك فإن مشاركة الحركة في الانتخابات، سواء بشكل سري أو من خلال السجال العام، ذات هدفين رئيسين: أولا: إضعاف نفوذ إردوغان من خلال التشكيل الجديد للبرلمان. ثانياً: تشويه مصداقية إردوغان لدى الرأي العام العالمي، عن طريق تسليط الضوء على قضايا الفساد وأية مخالفات قد يقوم بها خلال الانتخابات، بحسب الدراسة.
تركيا استراتيجية طموحة وسياسة مقيدة: مقاربة جيوبولتيكية
في زاوية قراءة الكتب أجرى الباحث السوداني عضو هيئة التحرير في مركز المسبار مراجعة لكتاب: “تركيا استراتيجية طموحة وسياسة مقيدة: مقاربة جيوبولتيكية” للكاتب عماد يوسف. خصص الفصل الأوّل، لمراجعة الأعمال الأوليّة التي تكوّن على أساسها علم الجيوبولتيك، وإسهامات مفكريه. كانت هذه المقدمة، لأجل تهيئة ذهنية القارئ، للمقارنة، بين المصطلحات الأصليّة، وتلك التي نحتتها تركيا في سياق صناعة “سياسة جديدة”، فقد وظفت المفاهيم الجيوبولوتيكية من أجل استعادة قوتها وإحياء مكانتها الجغرافية والتاريخية، في استراتيجية معلنة، وتم التركيز على عبارات أساسية كالعمق الاستراتيجي والموقع الجغرافي الفريد، ومجالات التأثير والنفوذ، والوضع المركزي والقوي.
ودرس المؤلف عوامل التحول في السياسة الخارجية التركية حيث لعبت التصوّرات الفكرية لحزب العدالة والتنمية دورًا في تبني مبادئ جديدة، مثل التوازن بين الأمن والديمقراطية في الدولة من أجل تأسيس تأثير في البيئة المجاورة، وسياسة تصفير المشكلات مع الجيران. ولكن ابتداءً من عام 2011، حدثت تحديات غير تقليدية أفقدت دور القوة الناعمة كثيرًا من زخمه. ذلك لأن تركيا لم تعد بمنأى عن النزاعات الكبرى، بل ظهرت الآن على أنها جزء منها بوصفها منحازة لطرف. وإثر تنامي تدخل أنقرة في الملفات الاقليمية منذ العام 2011 انهارت العلاقة مع سوريا، وصار لها عداء مع النظام المصري، وتوترت العلاقات مع حلفاء سوريا: إيران والعراق، وحزب الله. وداخليًا صار لحزر العدالة والتنمية تحدٍ مع جماعة فتح الله غولن والأكراد، مع احتمال ظهور مشكلة علوية. فاختفت العبارة الشهيرة “تصفير المشاكل”، من تعريف مبادئ السياسة الخارجية في موقع وزارة الخارجية التركية. وبدأت سياسة جديدة تعالج الأزمة، يسميها الباحث: “الفصل بين الملفات”.
سجال حاكم المطيري… الاحتلال الأمريكي ونشوء الدولة الإسلامية
يناقش هذا المقال الذي كتبه الباحث والكاتب الأمريكي جوزيف براودي المواقف التي أطلقها رئيس حزب الأمة الكويتي، حاكم المطيري عبر حسابه على التويتر ). يبدأ الجزء الأول من تعليقات المطيري في المرحلة التي بدأ ت بالغزو الأمريكي للعراق حتى نهاية الصحوة السنية (الصحوات) التي يعرفها الأمريكيون باسم “حملة الانتشار”. وهو يقدّم رواية مؤدلجة تشمل الكثير من المغالطات.