دبي
يُعد الاهتمام البحثي بدراسة الإسلام والمسلمين في أستراليا من الاهتمامات المعاصرة، حيث إن الكتب والأبحاث المعنية بهذا الشأن قليلة العدد، سواء في الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو العربية أو غيرها من اللغات الحية، خصوصاً إذا ما قورنت بحجم الأدبيات التي طاولت الجماعات المسلمة في الدوائر الغربية الأخرى. يمكن الافتراض أن ضآلة الإنتاج المعرفي حول الجالية المسلمة في أستراليا، ترتبط بثلاثة معطيات: أولها: عدم ظهور موجات تصادم واضحة، على الرغم من التاريخ الطويل لوجود المسلمين في أستراليا. ثانيها: غياب التاريخ الاستعماري لأستراليا عن العالمين العربي والإسلامي. ثالثها: تطور الدراسات الاستشراقية الأوروبية وخطوطها المتوازية وتفرعها لاحقاً، مما أنتج سياقات معرفية جعلت أوروبا تتصدر دراسات الإسلام في حواضرها.
يدرس كتاب المسبار «المسلمون في أستراليا: التاريخ وسياسات التعدّدية الثقافية» (الكتاب الثاني والعشرون بعد المئة، فبراير/ شباط 2017) مجموعة من المحاور الرئيسة التي تهدف إلى تغطية أحوال المسلمين في أستراليا بدءاً من الإشكاليات التي تفرضها التعدّدية وصولاً إلى النقاش حول الحجاب وموقف الحزب المسيحي الديمقراطي من المسلمين إلى جانب قضايا أخرى.
الجذور التاريخية لنهج التعدّدية في أستراليا
تناولت مارتين بيكيه (Martine Piquet) (أستاذة دراسات الإنجليزية في جامعة باريس دوفين “Université Paris-Dauphine” متخصصة في المسائل المتعلّقة بالهوية، والمواطنة، والعلاقات العرقية في المجتمع الأسترالي) دراسة “الجذور التاريخية لنهج التعدّدية في أستراليا”، حيث ترى أن أساس الهوية الأسترالية القائمة اليوم تشكّل بين قدوم الأسطول الأول سنة 1788 والحرب العالمية الأولى. وخلال هذه الفترة، انحدر سكّان أستراليا من الجزر البريطانية على الأغلب، على الرغم من مجيء مستوطنين أفراد من العديد من البلدان الأخرى لتجربة حظوظهم، فور فتح القارّة لهجرة الأحرار، أي هجرة غير المحكومين بالسجن. غير أن القليل منهم أنشؤوا مجتمعات كبيرة، ويرجع ذلك -على الأغلب- إلى أنهم لم يحظوا، فردياً أو جماعياً، بالترحيب كما يستدلّ على ذلك من حالات حادّة، ولكن متفرّقة، من انفجار العنف المعادي للأجانب. وتشير الباحثة إلى أن الفخر ساد في مجتمع المستوطنين الأستراليين بانحدارهم من أصول بريطانية، إلى حدّ أنهم سرعان ما أخذوا يعتقدون أنهم ليسوا «بريطانيين من البحار الجنوبية» وإنما «بريطانيون أفضل من البريطانيين أنفسهم». وفي زمن الاتحاد سنة 1901، كان من الشائع أن تفخر أستراليا بأنها «بريطانيّة بنسبة (98%)». وفي ذلك الوقت، طوّر الأستراليون «البريطانيون» إحساساً واضحاً بأنهم مختلفون ومتفوّقون على غير الأوروبيين، وهو اعتقاد عزّزته النظريات العنصرية والداروينية الاجتماعية، في زمن السيطرة العالمية الظاهرة للإمبراطورية البريطانية. وتعتقد أن المستقبل سينبئ عمّا إذا كانت التعدّدية الثقافية الأسترالية بلغت حدودها حالياً أم لا. فما زال يلوّح بعلم التعدّدية الثقافية بفخر –لكن ربما يكون مصطلح «التعدّد الثقافي» الوصفي فحسب أكثر دقّة. بل إن الحكومات الحديثة، العمالية والائتلافية -على حدٍّ سواء- أظهرت قليلاً من الاهتمام في تعزيز سياسات التعدّدية الثقافية، عندما لم تعطِ الانطباع بأنها تعتقد أن مثل هذه السياسات قديمة، وأن التعدّدية الثقافية، بوصفها مشروعاً اجتماعياً، أصبحت عديمة الأهمية لمواجهة مخاطر العالم المعولم في أوائل القرن العشرين.
هجرة المسلمين إلى أستراليا: تاريخ التجارب الاجتماعية المعاصرة
يلقي فتحي منصوري (أستاذ كرسي اليونيسكو في البحوث المقارنة، ومدير معهد ألفرد ديكِن للمواطنة والعولمة في جامعة ديكِن أستراليا) الضوء على تاريخ هجرة المسلمين واستيطانهم في أستراليا، منذ أوائل القرن التاسع عشر، إلى الهجرة المعاصرة من العديد من أنحاء العالم الإسلامي. ويتتبّع العوامل التاريخية التي أطلقت هذه الهجرة وقيّدتها وأثّرت فيها، مركّزاً على عوامل الدفع والجذب. كما يتفحّص التجارب الاجتماعية للمسلمين الأستراليين، وخصوصاً في سياق الخطابات الجديدة ذات الطابع الأمني، التي تربط -إلى حدّ ما- الإسلام والمسلمين بالصراعات السياسية والأيديولوجيات الإرهابية. ويخلص إلى أن التصور الراهن للإسلام يشهد مزيداً من التعقيد نتيجة «الإنذارات الإرهابية» شبه اليومية، التي يصدرها الوزراء الحكوميون، ومن يعلنون أنهم خبراء، ومراسلو وسائل الإعلام. وكما لاحظ إدوارد سعيد قبل نحو ثلاثين سنة (1997)، فإن مجرّد استخدام مصطلح «إسلام» لشرح الإسلام والمسلمين أو إدانتهم من دون تمييز، أصبح تعميماً مفرطاً غير مسؤول، يثير المشاكل، وذا تأثير معاكس، ويصم على نحو متزايد مجتمعاً بأكمله. ويجب اعتبار هذه الشيطنة، في سياق مجتمع متنوّع ثقافياً مثل أستراليا، أمراً غير مقبول. ووفقاً للجناح اليميني في البلد، أدّت التعدّدية الثقافية والفئات الثقافية المختلفة، لا سيما المسلمين والآسيويين، إلى تقويض الوحدة الثقافية. وفي هذا المناخ السياسي والاجتماعي، يُصوَّر المهاجرون المسلمون في أستراليا على نحو متزايد بأنهم تهديد للانسجام الاجتماعي، وخطر محتمل على الأمن الوطني. بل إن النقاشات المستمرّة بشأن فشل التعدّدية الثقافية، وصعود الفئات اليمينية المتطرّفة التي تؤمن بتفوّق البيض، تمثّل أحد التحدّيات الأكثر أهمية التي تواجه الأستراليين المسلمين، وتؤثّر في أستراليا المتعدّدة الثقافات بأكملها.
النقاش حول الحجاب في أستراليا
يرى الباحث شهرام أكبر زاده (بروفيسور في معهد ألفرد ديكن للمواطنة والعولمة في جامعة ديكِن أستراليا) أن ثمة مجموعة يتعالى صوتها من أعضاء جماعات الضغط، والمعلّقين، والسياسيين الذين يحاجّون بأن المسلمين يحملون مجموعة دخيلة من القيم ولا مكان لهم في أستراليا. وترفض هذه المجموعة الإسلام باعتباره غير متوافق مع الحداثة والديمقراطية، وإساءة لطريقة الحياة في أستراليا. وفي هذه البيئة السياسية المتوتّرة، أصبح الحجاب رمزاً للإسلام، واجتذب اهتماماً كبيراً في الخطاب العام. ويرى المعسكر المعادي للإسلام أن الحجاب مثير للمشكلات على مستويات عدة. فيُزعم أنه يمثّل ثقافة خضوع الإناث للرجال. ويُرفض الحجاب باعتباره أداة للعلاقات البطريركية (الأبوية) التي تتحدّى مبادئ المساواة بين الجنسين. ونتيجة لذلك يُستبعد باعتباره «غير أسترالي». كما يرى المعسكر المعادي للإسلام أن الحجاب، وخصوصاً النقاب الذي يغطّي الوجه، يتيح للإرهابيين التسلّل إلى الأماكن العامّة المهمّة وإحداث تهديدات أمنية خطيرة. يستعرض هذا البحث هذه المخاوف ويتفحّص دور القادة السياسيين بالإضافة إلى منظمات المجتمع في إدامتها أو معالجتها. ويُختتم ببعض الملاحظات عن تأثير النقاش حول الحجاب في إحساس المسلمين الأستراليين بانتمائهم لهذا البلد.
رُهاب الإسلام في أستراليا
يُعرّف رياض حسن (مدير المركز الدولي للتفاهم بين المسلمين وغير المسلمين، جامعة ساوث- أستراليا) رُهاب الإسلام بأنه المواقف السلبية والمعادية من الإسلام والمسلمين. ولقي المصطلح رواجاً واسعاً في السنوات الأخيرة وأصبح ذا جذور في الخطاب العام، والسياسي، والأكاديمي. غير أن شهرة المصطلح في الآونة الأخيرة تدحض القول بأنه ذو تاريخ طويل في الخطاب الأكاديمي الغربي عن الإسلام، الذي أبرزه كتاب إدوارد سعيد الأصيل: «الاستشراق». ويرى الباحث أنه من المفهوم أن تضطر وسائل الإعلام إلى التركيز على الأحداث الجارية، وتحاك تغطيتها دائماً في رواية تؤثّر في المشاعر العامة. وهنا يمكن أن تقدّم بحوث العلوم الاجتماعية الرصينة مساهمات قيّمة جداً. وفي حين أن واحداً من عشرة أستراليين يظهر مشاعر رُهاب الإسلام قوية، فإن الغالبية العظمى من الأستراليين لا يشاركونهم هذه المشاعر. ويصحّ ذلك بصرف النظر عن مكان عيشهم، باستثناء فيكتوريا، حيث يقل كثيراً احتمال أن يكون الناس مصابين برُهاب الإسلام. وترتبط المشاعر والمواقف المعبّرة عن رُهاب الإسلام ارتباطاً شديداً بانخفاض التحصيل العلمي، والبطالة، والسنّ، إذ ترتفع مشاعر رُهاب الإسلام بتقدّم السنّ. كما ترتبط بالجماعات المسيحية غير التقليدية، والأشخاص ذوي الخلفية غير الناطقة بالإنجليزية، والأشخاص الذين لديهم آراء معادية للهجرة. لكنها لا ترتبط بالانتماءات السياسية. كما يقل احتمال وجود رُهاب الإسلام عند الأشخاص الذين لديهم اتصال بالمسلمين.
الممارسات الإسلامية في أستراليا: هوية المسلم الأسترالي واندماجه في المجتمع
يستعرض سابيث خان (باحث منتسب إلى جامعة جورج تاون “Georgetown University” واشنطن – الولايات المتحدة الأمريكية) في ورقته، ماذا يعني أن تكون «مسلمًا» من منظور مسلمي أستراليا، وما «الممارسات الإسلامية» التي تتم في أستراليا. يعتقد الباحث -من خلال الدراسات التجريبية الحالية والتحليلات المستفيضة للأدبيات التي تتناول «مسلمي الغرب»- أن فكرة هوية المسلم الأسترالي، وإن كانت مفيدة، إلا أنه يجب النظر إليها كهدف آني وليس كهدف نهائي. ويرى أنه من أجل التوصل إلى فهم أفضل لاندماج المسلمين في أستراليا، فإنه يجب النظر إلى الهويات الفردية والجماعية على حد سواء، بوصفهما هويات ذات تصورات متنوعة ومتعددة، تقوم الدولة والمجتمع المدني بتأدية دور الوسيط فيها. ويخلص الباحث إلى أن هناك حاجة ليس فقط لتضمين التعددية في اللغة، وتحليل الخطاب الإسلامي في الغرب من المنظور العالمي والتعددي والأممي، بل هناك حاجة أيضاً لفهم وتقدير «تعدد الكفاءات وتعدد الدلالات» (Polyvalence and Polysemy)، كما زعم غانبيساري. وهو يعني بالمصطلحات الموجودة أعلاه القدرة على فهم وتقدير المدلولات المختلفة للمفهوم الواحد في الإسلام.
اتجاهات الرأي العام الأسترالي حول التوافق بين القوانين الأسترالية والتقاليد الإسلامية
ركزت جنِفر تشنغ (الباحثة في قسم الدين والأبحاث الاجتماعية في جامعة وسترن سيدني أستراليا)، على جانبين من جوانب عرائض خطية كانت قد دعت الحكومة جزءاً من الناس للتعبير عن آرائهم في تحقيق لها حول الشهادات الغذائية: فالجانب الأول الذي ركزت عليه الباحثة: كيف يصوّر مقدّمو العرائض أستراليا والقوانين الأسترالية مقابل شهادة الحلال والشريعة الإسلامية. والثاني: مختلف الادّعاءات والمعطيات المزيفة التي ينشرونها لدعم وجهة نظرهم. وترى أنه نادراً ما يُنظر في احتمال وجود تشابهات أو تداخلات بين القوانين الأسترالية والتقاليد الإسلامية. وبدلاً من ذلك، يبدو أن مقدّمي العرائض مصمّمون على تصوير كل ما هو إسلامي على أنه عبء خارجي مفروض على أستراليا والأستراليين، إلى حدّ اختلاق ادّعاءات بشأن المسلمين. وتخلص إلى أن أسباب عدائية مقدّمي العرائض تجاه الإسلام وشهادات الحلال، الاعتقاد بأن كل ما هو إسلامي ليس أسترالياً، ولا يتداخل مع القوانين أو الثقافة الأسترالية. فهم لا يرون إلا معسكرين متعارضين؛ حيث الإسلام متخلّف، ومتوحّش، وغير أخلاقي، والقوانين والقيم الأسترالية أكثر سموّاً، وإنسانية، وأخلاقية. وينتشر هذا التفكير الذي يقسم الأمور بصرامة بين الأسود والأبيض في كثير من العرائض. ولا يزال هذا النوع من التفكير يفترض أن أستراليا بلد أبيض وأنغلو سكسوني ومسيحي، وكل ما يبتعد عن هذا المعيار أجنبي يجب رفضه.
كيف تعمل حركة خدمة: الإسلام، الحوار، وحركة فتح الله غولن في أستراليا
ورقة غريغ بارتون (أستاذ كرسي بحوث هيرب فيث “Herb Feith Research” لدراسة إندونيسيا في جامعة موناش “Monash University” بأستراليا)، قُدمت في الإنجليزية (How Hizmet Works: Islam, Dialogue and Service, Hizmet Movement in Australia) ضمن فعاليات منتدى جلال الدين الرومي الذي نظم مؤتمراً عام 2008 تحت عنوان «الإسلام في عصر التحديات العالمية: وجهات نظر بديلة لحركة غولن» (Islam in the Age of Global Challenges: Alternative Perspectives of the Gülen Movement) في جامعة جورج تاون، واشنطن. وأخذت موافقة الكاتب لترجمتها إلى العربية ونشرها. تقول ورقته: إن أنشطة حركة خدمة في أستراليا تركّزت على التعليم في البداية، وكان النشاط الرئيس الآخر الذي ركّزت عليه حركة خدمة في أستراليا، الحوار وتعزيز العلاقات الودّية بين الجماعات. فسنة 2000، أنشئت الجمعية الأسترالية لتعدّد الثقافات في ملبورن، بعد ست سنوات فقط من إنشاء مؤسسة الصحفيين والكتّاب الرائدة في تركيا. وتبع ذلك سنة 2001 إنشاء مؤسسة التآلف بين الثقافات في سيدني. تتبع أنشطة حركة غولن في أستراليا نمطاً مألوفاً لكنها تتأثّر بالعوامل المحلية. وعلى غرار الأماكن الأخرى، تتخذ الحركة شكل شبكة فضفاضة شبه مستقلّة، تدار بمبادرة محلية ولكن بإلهام عالمي. ونظراً إلى الاعتقاد بأن (3000-4000) شخص –نحو (5%) من (60.000) أسترالي تركي– منتسبون انتساباً وثيقاً للحركة في أستراليا، فإن إنجازاتها تعدّ استثنائية بكل المقاييس. ومن الناحية العالمية (في تركيا وحول العالم، بما في ذلك أستراليا) تمثّل الحركة واحداً من أهمّ الأمثلة على نشاط المجتمع المدني الإسلامي التقدّمي. وتظهر تماثلاً مع الأشكال المبكّرة للعمل الخيري الديني في الغرب في القرون الأربعة الأخيرة، وتمثّل نقيضاً بارزاً لنظرية «صدام الحضارات» التي طرحها عالم السياسة الأمريكي صموئيل هنتنغتون.
الحزب المسيحي الديمقراطي الأسترالي: المواقف من المسلمين واتجاهات المستقبل
نينا ماركوفِتش خاز (زميلة زائرة في الجامعة الوطنية الأسترالية) قدّمت في ورقتها تحليلاً للحزب المسيحي الديمقراطي (Christian Democratic Party)، ومواقفه من المسلمين والإسلام والمهاجرين والتعدّدية الثقافية. حيث تحدّد موقع هذا الحزب السياسي ضمن المشهد العريض للسياسة المحلية الأسترالية. وتقدّم المقابلات مع الأعضاء القياديين في الحزب المسيحي الديمقراطي والمرشّحين للانتخابات، مزيداً من المعرفة عن أيديولوجية الحزب، وتعامله مع الجماعات المحلية المسلمة. وتشمل المصادر الثانوية مراجعة واسعة للأدبيات وتحليلات إعلامية. تناقش الورقة أصول الحزب «الديمقراطي المسيحي»، وتاريخه، وأيديولوجيته. وتشير الباحثة إلى أن بنية الحزب شهدت تغيّرات كبيرة أخيراً. كما أن قاعدة مرشّحيهم تنوّعت وأصبحت أكثر شباباً، وأفضل تعلّماً، وأشد مجاهرة بالرأي، لا سيما في فضاء وسائط التواصل الاجتماعي. غير أن التغيّرات المتكرّرة في القيادة الوسطى، وعدم اتساق أجندة الحزب، تنفّر كثيراً من الناخبين المحتملين والمرشّحين، إلى أن يتوطّد مفهوم الاستقرار، ويعيد الحزب تشكيل هويته الإعلامية. وفي ما يتعلّق بالقضايا المتصلة بالإسلام، تعتقد أن هناك تعارضاً داخل الحزب، بين من يدعو إلى نهج أشدّ تصلّباً تجاه قضايا مثل دخول المهاجرين لأسباب إنسانية، والمعتدلين. وترى أن الفئة الأخيرة أكثر رغبة في إقامة حوار مع الجماعات المسلمة (والناخبين على وجه الخصوص) في حين يطالبون زعماء المسلمين بالرفض العلني للإرهاب (وهو ما فعله كثير منهم في مناسبات مختلفة). ولا يبدو أن الحزب المسيحي الديمقراطي يقرّ بالقدر الكافي بتنوّع الجماعات المسلمة والانقسام القائم بينها. ولا يقدّر المصاعب التي يواجهها المسلمون في أستراليا، بمن في ذلك قادتهم، في سياق تنامي المعارضة العامة للقضايا ذات الصلة بالإسلام في أستراليا، والتي أصبحت التيار السائد. وفي حين أن سلامة الموطنين كافة وأمنهم لا تزال أولوية الحكومات الاتحادية، فإنه تجب المحافظة على المبادئ الأساسية للتعدّدية الثقافية لأغراض التماسك الاجتماعي والانسجام بين الأعراق. هذا، ويمكن أن يشكّل الحزب «المسيحي الديمقراطي» بديلاً قابلاً للبقاء لحزب الأمة الواحدة إذا اعترف بأن مزيداً من الإشراك، بدلاً من الإقصاء، هو الطريق الأفضل لمعالجة التطرّف الديني، والفساد داخل الجماعات العرقية المتنوّعة في أستراليا.
الجهاديون الأستراليون في سورية: الأبعاد الفعلية والافتراضية والمالية
يتفحّص مارك رِكس (محاضر في كلية الإدارة والعمليات والتسويق في جامعة وُلونغونغ “Wollongong” بأستراليا) في دراسته هذه، طبيعة ومقدار مشاركة الأستراليين في الحروب في سورية (غالباً ما يشار إليها خطأ وبصورة مضلّلة بأنها الحرب الأهلية السورية، «حرب» تمتدّ إلى العراق وليبيا وتركيا). ويُنظر في مشاركة المقاتلين الأستراليين في الصفوف القتالية لتنظيم داعش، بما في ذلك أعداد المشاركين، ودورهم وأنشطتهم هناك، وحجم الإصابات التي عانت منها المفرزة الأسترالية في سورية وأنواعها. ويتناول بإيجاز أيضاً كيف جُنّد هؤلاء الأفراد في صفوف “داعش”، مركّزاً -على وجه الخصوص- على دور وسائط التواصل الاجتماعي في حملات التجنيد التي ينظّمها تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي إطار هذا التحليل، تقدّم الدراسة بعض التعليقات على عملية التطرّف كما تكشّفت في أستراليا. إن التطرّف هو العملية التي يجتذب من خلالها هؤلاء الأفراد، لا سيما الشبّان، إلى «الدولة الإسلامية» وأيديولوجيتها بحيث يصبحون مستعدّين للتخلّي عن كل شيء، والذهاب للحرب والموت لصالحها (تختلف حصيلة ما بعد تجنيد الإناث اختلافاً كبيراً عن حصيلة تجنيد نظرائهن الذكور). وتنظر الدراسة بإيجاز أيضاً في انخراط الأستراليين مع الجماعات الأخرى التي تقاتل في سوريا، لا سيما وحدات حماية الشعب الكردي، ويحاول الباحث تقديم بعض التفسير: لماذا اختار بعض الأستراليين هذا المسار البديل؟ وسيكون أي تفحّص للجهاديين الأستراليين في سورية غير مكتمل، من دون النظر في بعض الطرق الأخرى، التي أسهم فيها الأستراليون في الحروب في سورية، وخصوصاً عبر جمع الأموال وتحويلها لدعم تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولكن من دون أن تقتصر على ذلك. ففي النهاية، تشترك «النزعة الجهادية» مع الأيديولوجيات والحركات المتطرّفة الشمولية الأخرى، الدعوية والمحاربة، في أن قدرتها لا تنحصر بمقدرتها على إقناع الآخرين بالمخاطرة بحياتهم من أجل القضية، في حروب دموية في ميادين قتال حقيقية في أراضٍ بعيدة. وبناء على ذلك، فإن هذا المقال يتناول الأبعاد الافتراضية والمالية لمشاركة الأستراليين في الحروب في سورية، ويقدّم تقويماً لمقدار أهمّية هذه المساهمة في قدرة «الدولة الإسلامية» على تمويل نفسها، والمحافظة على الأنشطة العسكرية، والأنشطة الأخرى التي تقوم بها هناك.
قراءة في كتاب: Muslims In Australia: Immigration, Race Relations and Cultural History
قّدمت رشا العقيدي (باحثة عراقية بمركز المسبار للدراسات والبحوث بدبي)، قراءة في كتاب «المسلمون في أستراليا: الهجرة، العلاقات العرقية، والتاريخ الثقافي» للمؤلفة ناهد كبير، حيث تناولت موضوع هجرة المسلمين إلى أستراليا بين القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين. تتتبع المؤلفة في فصول كتابها التحولات التاريخية في طبيعة التمييز والانحياز الذي عانى منه المسلمون الأستراليون. يتمحور سجالها حول فرضية تعرّض المهاجرين المسلمين الأوائل إلى أستراليا للتمييز العنصري بسبب عرقهم وليس دينهم، في حين لعبت مسائل أخرى مثل هوية الوطن الأم والدين دوراً في التمييز في مراحل لاحقة. تعتمد كبير على منهجية بحث تستند إلى علم الاجتماع التاريخي الذي «يبحث في الماضي والحاضر، ويسعى إلى تحليل سبب استمرار أو انقطاع الهيكلية الاجتماعية، وتأثير ذلك (الاستمرار أو الانقطاع) على السكّان». لجأت المؤلفة إلى أرشيف ثري في البيانات واللقاءات والاستبيانات، واستخدمت نهج البحث المقارن في دراستها، حيث تناولت الفروقات بين تجارب المسلمين في المناطق الجغرافية المختلفة في أستراليا، بالإضافة إلى تجاربهم بالمقارنة مع الجماعات الإثنية والدينية المهاجرة الأخرى. يقدّم الكتاب تصوّراً موسعاً عن تاريخ المسلمين المهاجرين إلى أستراليا من دول عدّة، مثل أفغانستان والهند وتركيا وألبانيا وجزيرة جافا الإندونيسية ولبنان وبنغلاديش، بينما تناول بإيجاز الهجرة من بلدان أخرى مثل إيران والعراق.