دبي
يتناول كتاب المسبار «الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران» (الكتاب الثالث والثلاثون بعد المئة، يناير/ كانون الثاني 2018) أحد أهم القضايا المرتبطة بالأدوار التي اضطلعت بها حركة الإخوان المسلمين المصرية وفروعها، والجماعات الإسلامية الأخرى في التعليم، داخل المدارس والجامعات الحكومية والخاصة. شملت الدراسات عدداً من الدول العربية وناقشت «الانقلابات التعليمية» على التعليم العلماني التي بدأ بها حزب العدالة والتنمية التركي منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، آخذاً بالاعتبار مدارس الداعية الإسلامي فتح الله كولن، وراصداً المناهج التعليمية في إيران بعد ثورة 1979، كما اهتم بقيمة المواطنة والديمقراطية والوقاية من التطرف وأبرز تحدياتها، منهجيا وتعليميا.
جماعات الإسلام السياسي والمناهج الدراسية: الإخوان المسلمون في مصر
اهتم الباحث شبل بدران، أستاذ علم اجتماع التربية، وعميد كلية التربية في جامعة الإسكندرية سابقاً، بشكل رئيس بدراسة دور جماعات الإسلام السياسي وتحديداً “الإخوان المسلمين” في المناهج الدراسية قبل وبعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، مستشهدا ببعض المقررات الدراسية والنماذج في موضوعات الدراسة المقررة على طلاب المدارس في المراحل الدراسية كافة.
يرى بدران أن المؤسسة التعليمية ترتبط في أي مجتمع أشد الارتباط ببنية النظام السياسي، وتتشكل وتتلون بلون هذا النظام، فحين أقدم النظام السياسي المصري على صيغة التعددية السياسية في أواسط السبعينيات، انعكس ذلك بدرجة أو بأخرى على شكل وبنية المؤسسة التعليمية، سواء كان ذلك في مكانة ودور المعلم أو في المقررات الدراسية والمناهج وطرق التدريس أو في الإدارة المدرسية، وذلك على اعتبار أن بنية النظام التعليمي والتربوي هي انعكاس بشكل أو بآخر لبنية النظام السياسي، تلك مسلمة بديهية لا بد من إقرارها منذ البداية ، وأن المؤسسة التعليمية الحديثة التي نشأت في مصر في مطلع القرن التاسع عشر وارتبطت بالمشروع النهضوي حينما بدأ “محمد علي” في تأسيس دولة مصر الحديثة ووظف المؤسسة التعليمية توظيفاً يحقق أهداف المشروع الطموح، وكانت هناك مؤسسة تعليمية أخرى متمثلة في التعليم الديني بالكتاتيب والأزهر، ولكن تم تفعيل المؤسسة التعليمية الجديدة -الحديثة- باعتبارها أكثر فعالية على تحقيق الدور المناط بها في بناء المجتمع الجديد -الحديث- وأخذت تدور صعوداً وهبوطاً في ارتباطها ببنية النظام السياسي السائد والمسيطر.
ويشير بدران إلى أنه في العام 1928 ومع تأسيس “حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين” بدأ الخطاب الديني في الانتشار في الواقع المصري والعربي، إلا أن المؤسسة التعليمية لم تتعاط مع ذلك الخطاب، وظل خطاباً دينياً في الحياة العامة، وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952، التي واصلت المد القومي والعربي ليس في مصر بل في المنطقة العربية، اصطدمت الثورة مع تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، فظل الصراع هو الحاكم لتلك العلاقة، حتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين. ومنذ ذلك التاريخ تنامى الزخم الإعلامي والمعرفي للخطاب الديني -السلفي- وذلك بعد مصالحة بين النظام السياسي وجماعات الإسلام السياسي حينذاك، حيث تم الإفراج عن قيادات جماعات الإسلام السياسي وتحديداً “الإخوان المسلمين” وسمح لهم بالعمل في الجامعات والمواقع العامة، كمحاولة من الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” لمواجهة التيارات الناصرية والقومية واليسارية على إجمالها، وكان ذلك تكريساً لسياسة الانفتاح الاقتصادي في مصر، والتي ارتبطت بالنظام الرأسمالي العالمي ودارت في فلكه في إطار من التبعية الاقتصادية والسياسية. ولقد تم كل ذلك تحت شعارات “دولة العلم والإيمان” و”الرئيس المؤمن” والذي أدى إلى غلبة الخطاب الإسلامي -السلفي بصوره وأشكاله كافة- وتسرب ذلك الخطاب إلى جميع مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية، وظهر شعار “الإسلام هو الحل” على الصعيد السياسي في الحملات الانتخابية والدعائية لمعتنقي أيديولوجية الإخوان المسلمين. ترتب على ذلك انتشار مفاهيم ومبادئ التيارات الإسلامية المتشددة في مناهج التعليم منذ أواسط السبعينيات وحتى ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أما بعد الثورة ووصول “جماعة الإخوان المسلمين” إلى سدة الحكم، فإن الصورة اختلفت كلية، حيث صار بيدهم الأمر كله من السيطرة على مفاصل الدولة ووزارة التربية والتعليم.
الإسلاميون ومناهج التعليم في الأزهر
تتناول لبيبة السيد النجار –كاتبة صحفية مصرية متخصصة في قضايا التعليم – موقف (الإسلاميين) من تطوير التعليم وبصفة خاصة موقفهم من تطوير مناهج التعليم في الأزهر، وتتوقف بالبحث عند عدد من القضايا والعناوين والتساؤلات من بينها: ما الذي نقصده بالإسلاميين في مصر؟ من هم؟ وما أهم فرقهم وجماعاتهم؟ لرسم خريطة مبسطة لهذا التيار وتنوعاته وتوجهاته المختلفة. ثم تقف الباحثة عند التعليم في الأزهر للتعرف على مناهجه التعليمية ومحاولات تطويرها. ثم تدرس مواقف الفرق المختلفة للإسلاميين من الأزهر ومناهجه التعليمية ومحاولات تطويرها.
وتشير النجار إلى أن القوى السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية تهتم بتطوير التعليم انطلاقاً من كونه أحد المقدمات الأساسية لتطوير المجتمعات وتقدمها وصناعة نهضتها؛ ذلك أن أي حديث عن التطوير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي لا بد أن يمر بعملية تطوير التعليم ومواجهة مشاكل العملية التعليمية. وتقف التيارات والاتجاهات السياسية والثقافية والدينية المتنوعة والمختلفة مواقف متنوعة من عملية التطوير هذه؛ وتتوزع المواقف عموماً بين معارض للتطوير ومحبذ له، لكن هذه المواقف قد تتوزع بين المحبذين للتطوير بين تحبيذ التطوير الجزئي أو التطوير الكلي، كذلك فإن الرافضين لعمليات التطوير ينطلقون في رفضهم من منطلقات سياسية أو ثقافية أو دينية مختلفة.
الإسلاميون في الأردن ومناهج التعليم
يقول الأكاديمي والخبير التربوي الأردني، ذوقان عبيدات : انبثقت الأسس الفكرية للتربية، استناداً إلى الدستور وتحددت مرجعية هذه الأسس بالحضارة العربية الإسلامية والثورة العربية الكبرى، والتجربة الوطنية الأردنية. واشتملت هذه الأسس على أن: الإسلام نظام فكري سلوكي قيمي متكامل، يتضمن كل ما يشكل ضمير الفرد والمجتمع. ثم جاءت الأسس الوطنية والقومية والإنسانية التي ركزت على أن المملكة الأردنية دولة عربية، جزء من الوطن العربي، وأن الشعب الأردني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية ، وأن الأمة العربية حقيقة تاريخية راسخة ، وأن على التربية أن توازن بين مقومات الشخصية الوطنية والقومية والإسلامية، وأن تنفتح على الثقافات العالمية. وفي الأهداف العامة للتربية ورد هدف استيعاب الإسلام عقيدة وشريعة. والاعتزاز الإسلامي والقومي والوطني. واستناداً إلى ذلك تم ترجمة هذه المبادئ إلى مناهج دراسية. وحين ترجمت المناهج إلى كتب مدرسية، حدثت اختلالات عديدة وربما بعض الفوضى. ففي 2014 أصدرت وزارة التربية كتباً جديدة متوافقة مع اتجاهات تقليدية مع الإسلام السياسي. تعرضت هذه الكتب إلى نقد تربوي وإعلامي وتحليلي، اتهمها بأنها كتب تدعم الفكر المتطرف والإرهابي. ثم استبدال هذه الكتب 2016 بكتب أكثر توازناً. ولكن هذه الكتب تعرضت إلى نقمة مجتمعية بقيادة التيار الإسلامي، أدت إلى إحراقها في ساحات المدارس. بما اصطلح عليه بـ”غزوة المناهج”، مما اضطر الوزارة إلى تعديلها، وإصدار كتب جديدة للعام الدراسي 2017-2018. تميزت هذه الكتب بإعادة الطابع الإسلامي 2014 إلى هذه الكتب. وباختصار عادت حركة تحسين الكتب وليس المناهج إلى المربع الأول.
منهاج التربية الإسلامية في مدارس حزب الله
يقول عبدالغني عماد –أستاذ جامعي وباحث أكاديمي لبناني متخصص في الحركات الإسلامية -:إن التربية وظيفة “أداتية” وسلاح أيديولوجي فتاك حين يتم استخدامها وسط الجماعات الدينية والأقليات الطائفية في المجتمعات التقليدية، حيث الولاءات الأولية راسخة وقوية؛ وفيها عادة ما يكون الانتماء الديني والقبلي والإثني الأساس الذي تقوم عليه الدولة، فهي تبدأ في الأسرة والتي من خلالها يتم إكساب الأفراد كثيراً من منظومة القيم المستمدة من الموروث الثقافي. والأقليات عموماً في المجتمعات التقليدية تتميز بخصائص ديموغرافية وسوسيولوجية وتاريخية، تجعل موروثها الثقافي غنياً بالخصوصيات والرموز والطقوس، لا سيما في مجال العلاقة مع الآخر، وقد استغل المستعمر الأجنبي هذه الخصوصيات مستعيناً ببعض الأدوات في الداخل من خلال تغذيته للنعرات والانقسامات الطائفية والعرقية لإحكام سيطرته على المجتمع كله.
ويرى أن إشكالية حماية الأقليات صاحبة المظلوميات التاريخية كانت – ولا تزال- معبراً للتدخل الأجنبي الذي تعددت أشكاله وشعاراته. ويشير عماد إلى أن التعليم في لبنان بعد الاستقلال بقي في حضن الطوائف على الرغم من قيام التعليم الرسمي بأعباء كبيرة؛ إلا أن ما يزيد عن ثلثي المتعلمين في لبنان (70%) ما يزالون يتلقون تعليمهم في المدارس والجامعات الخاصة التي تخضع بغالبيتها للطوائف والمذاهب المختلفة. فقد أعطى الدستور اللبناني للطوائف حقوقاً ثابتة في التعليم والأحوال الشخصية، وحصّن هذه الحقوق بنصوص غير قابلة للتعديل إلا بنصاب دستوري من شبه المستحيل تأمينه في لبنان. كما أن انسحاب الدولة من ساحة التعليم الديني في المدارس الرسمية، قابله إفساحها المجال أمام مؤسسات الطوائف لكي تقوم بملء هذا الفراغ، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام كثير من الأفراد والمؤسسات والأحزاب والجمعيات من كل الطوائف بمختلف مذاهبها لمضاعفة جهودها وتوسيع انتشارها، لحماية رعيتها والحفاظ على تعاليمها من خلال تنشئة الأطفال والتلاميذ عليها. ومما يزيد الأمر خطورة دخول الأحزاب والحركات الدينية على خط التربية والتعليم بشكل عام، بحيث أصبح لها معاهدها ومدارسها وجامعاتها ومناهجها ومشايخها ومفتوها وكتبها الدينية ومراجعها الخاصة وعلاقاتها الممتدة إلى خارج حدود الوطن، وطرق تمويلها بعيداً من رقابة الدولة المتنوعة. ومع نشأة الإسلام السياسي الشيعي تدفقت على لبنان، وخصوصاً بعد الثورة في إيران، كوادر وقيادات وهيئات، وتوافر لها قدر كبير من التمويل والدعم على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي. قبل ذلك اقتصر الواقع التربوي للشيعة في القطاع الأهلي والخاص على المدرسة العاملية التي تأسست عام 1923 ومارست دوراً ريادياً لسنوات طويلة، عبر فروعها في بيروت والجنوب وتخرج فيها نخبة من المثقفين الشيعة الذين لعبوا أدواراً بارزة في المجتمع اللبناني. ومع قدوم السيد موسى الصدر إلى لبنان وخلال المراحل الأولى للحرب اللبنانية، انطلقت مؤسسات أمل التربوية عام 1962 لتنتشر في مختلف مناطق المجتمع الشيعي عبر العشرات من المدارس والمعاهد والمجمعات، إلا أن المبادرة الأبرز تجسدت في مشروع المبرات الخيرية الذي أطلقه السيد محمد حسين فضل الله التي أطلقها عام 1978 انطلاقاً من مبرة الإمام الخوئي لتصل إلى أكثر من ستين مؤسسة بينها أكثر من (17) مؤسسة تربوية منتشرة في كل المحافظات اللبنانية.
الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية: ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية
يقول الكاتب والباحث السعودي، يوسف الديني، في دراسته: إنه لا يمكن النأي عن مسيرة التعليم الرسمي واللامنهجي في السعودية؛ دون الحديث عن حالة الاختطاف التي شهدها منذ البدايات، عبر آليات السلطة الرمزية كبديل عن تأسيس الأحزاب السياسية، والذي ظل غير متاح لعدد كبير من التنظيمات الشمولية، وعلى رأسها جماعة “الإخوان المسلمين” وبقية أذرع الإسلام السياسي، التي تفرعت عنها، ومنها ما عرف بـ”السرورية” الحركية الأكثر تأثيراً في المشهد الخليجي .
ويضيف الديني أنه على مدى عقود نجحت جماعة الإخوان والحركيّة السرورية التي انشقت عنها في تأسيس السلطة الرمزية لابتلاع الحقل التعليمي والتربوي في السعودية، وصولاً إلى السيطرة على مفاصل المجتمع في ظل ترهل الخطاب الديني المؤسسي، وكان استعجال قطف الثمرة والوقوع في فخ الثورية والإرهاب، وانكشاف مشروع الانقلاب، وولادة تيارات ناقدة ومراجعات عميقة لجسد وبنية الصحوة الإسلامية. صحيح أن جزءاً من انكشاف المشروع جاء بسبب عوامل خارجية وداخلية، إلا أن شره تلك الجماعات للوصول إلى سدة الحكم، ولحظات فارقة في تاريخها كحرب الخليج و١١ سبتمبر (أيلول) 2001، ولحظة الربيع العربي أسهمت بشكل أكبر في الوعي بالمشروع التربوي الذي كان يستبطن هدفاً واحداً: العودة إلى يوتوبيا الخلافة. تختلف الوسائل ما بين جماعات العنف من القاعدة وأخواتها، وتيارات الإسلام السياسي بمشروعاتها الانقلابية المتعجلة والمتدرجة، إلا أن يوتوبيا الحلم والخلافة ما زال يداعب الجميع، والانكسارات المرحلية لا تعني اختفاء المشروع، ومن بين الوسائل التي تستخدمها هذه الجماعات لتحقيق أهدافها الحقل التعليمي، ومن الأهمية معالجة وإصلاح المناهج التعليمية في السعودية والحد من تأثير جماعة الإخوان فيها.
التعليم الديني في تونس ما بعد الثورة: جدل العلمانيين والإسلاميين
ترى آمال قرامي -أكاديمية تونسية، وأستاذة تعليم عالٍ في قسم العربية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة، أن لحظة خروج الجموع إلى الشوارع للتعبير عن الغضب والحنق مثّلت لحظة مفصليّة في تاريخ الشعب التونسي (2011)؛ إذ التحمت الأجساد وتناغمت الهتافات وتوحّدت المواقف، وبرزت اللحمة بين أبناء الوطن الواحد. وكان الانطباع العامّ السائد آنذاك أنّ الشعب انتفض ليقاوم، ويسقط النظام ويحدث التغيير المنشود: إرساء قواعد الديمقراطية والحكم الرشيد، وتغيير التشريعات، وإصلاح كلّ المؤسسات إصلاحاً جوهريّاً. بيد أنّ مشاعر الغبطة والفخر والاعتزاز بوحدة الصفّ، ووحدة التونسيين سرعان ما توارت لتفسح المجال للخلافات الحادّة والخطابات المتشنّجة، فأضحى التراشق بالتهم والإدانة والتكفير من الممارسات المألوفة في الحياة اليوميّة. فهل كانت وحدة الصفّ مجرد وهم؟
وتقول: إنه لا مناص من القول: إنّ أغلب التونسيين ما كانوا يتوقّعون إعادة طرح مكانة المرأة في المجتمع، ولا الخوض في مسائل تتصل بالحرّيات الفرديّة وحريّة الإبداع، وما كانوا يحسبون أنّهم سينقسمون حول قضايا عدّة كالهويّة، ونمط الحياة، ومجلّة الأحوال الشخصيّة، ومكانة الشريعة في الدستور، والموقف من العلمنة، ومدنيّة الدولة، وحرّية المعتقد. وما ظنّ التونسيون أنّ هذا التباين في وجهات النظر سيفضي إلى ظهور الاستقطاب الحاد بين أنصار الحداثة والمعاصرة من جهة، والمنافحين عن الإسلام والأصالة، والهويّة، من جهة أخرى. ولكنّ وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم، وبروز ممارسات وصفت بأنّها تهدف إلى “أسلمة البلاد” عنوة، وتروم فرض خيارات وتصوّرات، ومنظومة قيم مغايرة على التونسيين، كل ذلك أسهم في تأجيج الخلافات الأيديولوجية واستشراء أشكال متعدّدة من العنف.
محاولات أسلمة المناهج المدرسية في تركيا والأخطار على التعليم العلماني
يقول إسماعيل غوفن -باحث وأكاديمي بكلية العلوم التربوية في جامعة أنقرة بتركيا-: إنه لا يبالي الحكام الحاليون لتركيا بمبدأ الدولة العلماني بالإضافة إلى مبادئ أخرى، لأنهم متديّنون أساساً. يجدون في المبادئ الدستورية والقانونية العلمانية وقوانين البلد عقبات في وجههم. يستخدمون خطاب “تركيا القديمة” ويدمّرون الدولة العلمانية والعلمنة في كل طبقات الدولة. من أهمّ الأدوات التي استخدموها لتحقيق ذلك المفاهيم القديمة مثل “الإرادة الوطنية” والمصالح المحترمة مع الرأسمالية. يستغلّون معتقداً واضحاً وثابتاً، ويدركون جيداً مقدار الربح الذي يعود به “هذا الانغماس” عليهم في الدنيا والآخرة. يجمعون بين السياسة والتعصّب -إلى حدّ كبير- ولا يراعون نقاشات حقوق الإنسان الجوهرية بشأن مبادئ الدولة العلمانية أو التعليم العلماني. وقد وضعت الحكومة المحافظة الإسلام في مركز الخطاب التعليمي وفرضته على كل مستويات النظام التعليمي. تستند شؤون الدولة إلى الفتاوى، وهي طريقة دينية لسنّ القوانين وفقاً للمبادئ الدينية بدلاً من العلمانية، لذا فإن العلمانية تواجه خطراً عظيماً. اكتسبت هذه التحدّيات زخماً في السنوات الخمس الماضية. لكن من غير المنصف القول: إن كل هذه التطوّرات ناجمة عن التغيّرات التي وقعت في السبعين سنة الأخيرة. يرى الباحث أن أصول هذا التغيّر تعود إلى سنة 1950، موضحا في ورقته دور الدين في المجتمع التركي، وآثار الدين على النظام التعليمي في السبعين سنة الأخيرة، مع تقديم أمثلة عن كيفية تراجع التعليم العلماني في الوقت الحاضر.
مدارس فتح الله كولن: قراءة في منهاج التربية الإسلامية
تشير الأكاديمية والباحثة المصرية المتخصصة في الشؤون التركية، سارة رفعت، إلى أن مدارس فتح الله كولن -باعتبارها إحدى أهم مؤسسات (جماعة الخدمة)- أثرت في المجتمع التركي منذ تأسيسها، وسرعان ما انتقل هذا التأثير إلى خارج تركيا عبر العديد من دول العالم؛ ولكن ثمة خلاف تفجر بين كولن والحكومة التركية بزعامة حزب “العدالة والتنمية”، بدأت الحكومة التركية على إثره بهجمة شرسة تجاه كل ما ينتمي لحركة الخدمة، فعمدت إلى إغلاق مؤسسات الحركة، وفي مقدمتها المدارس والجامعات ومراكز الدروس والمراكز التحضيرية للالتحاق بالجامعات، وكل ما يخص الناحية التعليمية بصلة، وبدأ جدل واسع حول هذه المدارس ومنهاج التدريس بها وأهدافها، فالبعض يرى أنها أنموذج للإصلاح والبناء الحضاري، والبعض الآخر يرى أنها هدامة، لها منهاج خفي يهدف إلى تنشئة جيل من الإسلامين للتغلغل داخل مؤسسات الدولة وللسيطرة على مفاصلها، على الرغم من تأكيد كولن غير مرة في أكثر من تصريح له مع وسائل الإعلام وفي مؤلفاته أيضا، أن هذه المدارس لا تنهج نهجاً إسلامياً ولا تهدف لشيء سوى التربية الأخلاقية القويمة للنشء أياٍ كان انتماء هذا النشء.
وترجع الباحثة إلى أدبيات الجماعة ومؤلفات كولن وما كتبه الأكاديميون بشأن الحركة وموقفها من التربية والتعليم؛ من أجل الوقوف على منهاج التربية لدى جماعة الخدمة بوجه عام، وإيضاح المقصود من “منهاج التربية الإسلامية” بوجه خاص في هذه المدارس، حيث تصف جماعة الخدمة ومؤسسها منهاج التربية الخاص بها؛ بأنه منهاج يعمل على مكافحة التشوه الفكري، والفساد الأخلاقي عبر قيم أخلاقية متفق عليها عالمياً. وفي نهاية البحث تلقي الضوء على مراحل تطور الحركة، والظروف السياسية لكل مرحلة، والدعم الذي أتيح للحركة في كل مرحلة منها وصولاً لدعمها لحزب العدالة والتنمية، ثم أسباب الخلاف بينهما، إضافة إلى عرض الآراء المناهضة لهذه المدارس، والتي يُرَى فيها نوعٌ من التعليم الموازي للدولة والمجتمع.
الإسلاميون ومناهج التعليم في إيران بعد ثورة 1979
أستاذ أصول التربية المساعد في جامعة دمياط بمصر، حسان عبدالله حسان، يشير في مقدمة دراسته إلى أن التعليم يُعد أهم الأدوات التي تستخدم في عملية التنشئة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية في مجتمع ما؛ كما أن النظام التعليمي الرسمي -أيضًا- يُستخدم في التشكيل الأيديولوجي للمجتمع لا سيما في حالة بزوغ أنظمة سياسية ثورية، أو تبني أيديولوجية سياسية جديدة. والحالة التي يتناولها في هذه الدراسة هي الحالة الإيرانية وتحديداً ما يتعلق بتأثير الثورة الإيرانية 1979 في التعليم، وانعكاساتها في عناصر العملية التعليمة من حيث الفلسفة والأهداف والمناهج والمقررات وسياسات القبول بالجامعة.
ويقف في دراسته على أهم الانعكاسات المعرفية والفكرية لثورة 1979 في النظام التعليمي في إيران متناولا المواضيع التالية: المؤسسات الحاكمة لحركة التعليم بعد ثورة 1979. أهداف النظام التعليمي الجديد ومبادئه. مركزية تعليم القرآن الكريم في المراحل الأولى للتعليم. المذهبية والثورية في التعليم. أسلمة الجامعات الإيرانية. جامعة إعداد المعلم الجامعي “دانشگاه تربيت مدرس”. مركز دراسة وتدوين كتب العلوم الإنسانية للجامعات (سمت). جامعة الإمام الصادق: نموذج لتعليم الثورة المنشود. مراكز التفكير والبحوث لتحقيق فكر الثورة في التعليم.
التعليم الديني الإسلامي والعيش في أوروبا: هل يغير الإسلاميون موقفهم؟
معز خلفاوي، الأكاديمي والباحث التونسي، سلط الضوء على التعليم الديني الإسلامي في أوروبا، ويقف في دراسته على التوترات والتحديات الحاصلة فيها. يرى خلفاوي أن صورة النقاش الراهن الذي مداره التعليم الديني الإسلامي في أوروبا يتشكل من أطراف سياسية ثلاثة: أولها: السياسيون الأوروبيون، وثانيها: المنظمات الدينية الإسلامية والمجموعات المسلمة المتنوعة. ولِكلا هذين الطرفين آراء وأجندات مختلفة، بل ربما أيضاً متضاربةٌ في أغلب الأحيان. تتعلق الاختلافات بفهم الواقع التربوي والتوقعات حول طبيعة التعليم الديني ودوره الاجتماعي. أما الثالث: فهو في مرتبة أقل ويمثله الأكاديميون، أي أولئك الذين يسعون إلى إقامة توازن بين الطرفين الأولين. هؤلاء هم غالباً جمهور المتخصصين الذين يتصرفون في المعرفة، ويسهرون على تنفيذ المقررات الدراسية في كل من مجالي التكوين الإسلامي التقليدي من جهة، وتصورات التدريس المعاصرة، من جهة أخرى. ويخلص الباحث إلى أن التعليم الديني الإسلامي يواجه تحدياً من خلال القيم الأخلاقية والقانونية المعاصرة مثل: حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والحرية، والتعددية. ثمة خوف يسري في صفوف كثيرين من أن التعليم الديني الإسلامي من شأنه أن يدعم المواقف الأبوية القديمة التي تعارض حقوق الإنسان، لا سيَما تلك التي تعني المرأة. وتظهر البحوث الميدانية التي أجريت حول موضوع التربية والتعليم في الفصل الدراسي، أن المدرسات المسلمات يَخْشَيْنَ من مواجهة الأيديولوجيات الرافضة للمرأة والكارهة لها عند التعامل مع قضايا إشكالية مثل: المساواة بين الجنسين، وحرية التعبير والمعتقد، ويدعم هذا الكلام السابق حجة أن التعليم الديني الإسلامي بحاجة إلى تطوير مناويل جديدة لاعتماد القيم الأوروبية، وتبنيها دون التأثير على معتقد الطلبة وإيمانهم مما قد يُلحق ضررًا. وإلقاء عبء مسؤولية هذا التطوير على المدرسين وعلماء الدراسات الدينية وحدهم لن يؤثر في واقع الحال في شيء، ولن يحقق ولو ذرة من الهدف المرجو، وهو ما يعني ضرورة تكافل جهود كل الأطراف المشاركة في النقاش الدائر حول التعليم الديني الإسلامي، والذي أضحى بمرتبة الجدال لأن قضية كهذه تقتضي مراجعة شاملة لتصورات التربية والتعليم قلبًا وقالبًا.
النشاط الإسلامي في الجامعات الماليزية
يقول محمد نواب محمد عثمان -أكاديمي وباحث ماليزي، منسق برنامج ماليزيا (IDSS)- في دراسته: إن الجامعات الإسلامية في الدوائر التعليمية لم تترسّخ إلا في ثمانينيات القرن العشرين، بإنشاء الجامعة الإسلامية الدولية ماليزيا في عهد رئيس الوزراء مهاتير محمد. يلقي هذا البحث نظرة موجزة على الجامعات الإسلامية الرئيسة في البلاد، بما في ذلك تاريخها، ووضعها، ومنهاجها، ومصادر تمويلها. يتفحّص أيضاً الظروف التي أملت نشوء التعليم الإسلامي العالي في البلاد. وفي الوقت نفسه، يقدّم البحث تحليلاً لنشاط الطلاب المسلمين بتفحّص الجوانب المختلفة للحركات الإسلامية التي تؤثّر في مشهد النشاط الطالبي في ماليزيا. يجد الباحث في دراسته أن نفوذ الجماعات الإسلامية جاء على مستويين في الجامعات الماليزية: أولاً: دعمت السلطات الماليزية في مراحل مختلفة إنشاء جامعات إسلامية تأثّرت بأفكار جماعات إسلامية مختلفة، منها الإخوان المسلمون، والجماعة الإسلامية الباكستانية، والحركة السلفية. ثانياً: قامت الجماعات الطالبية الإسلامية أيضاً بدور مهمّ لا في تغيير الطابع الإسلامي للجامعات فحسب، وإنما في إعادة تشكيل المجتمع الماليزي الأوسع. وقد تأثّرت هذه الجماعات أيضاً بعدد من الجماعات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الباكستانية.
قيم المواطنة والديمقراطية وتحدياتها في مناهج التعليم في العالم العربي
يقدم علي خليفة -أستاذ التربية على المواطنية بكلية التربية في الجامعة اللبنانية- في هذه الدراسة مبحثًا أولاً يغطي الأدبيات والأطر النظرية المتعلّقة بقيم المواطنة والديمقراطية في المناهج وإطارها المفهومي، ويتوقف المبحث الثاني عند بعض تحدّياتها السياسية/ الاجتماعية والتربوية/ التعلّمية. ثم تضيء الدراسة في المبحث الثالث على واقع حال كلٍّ من البلاد العربية وفق مقاربة قيم المواطنة والديمقراطية كمشروع سياسي واجتماعي في كلّ بلد، وإزاء تساؤلات كل مجتمع حول صيغة العقد الاجتماعي الذي يقوم عليه وظروف الصراع وما بعدها في بعض البلدان. ويقدّم المبحث الرابع بعض الخلاصات والتوصيات في ضوء استشراف قيم المواطنة والديمقراطية في المناهج والعمليّة التربوية إزاء تحدّيات التطرّف والغلو، وما يمكن اقتراحه لتطوير وتحديث المناهج والعمليات التربوية في سبيل محاربة ظاهرة التطرف، التي تجتاح مجتمعاتنا وللترويج لثقافة الديمقراطية القائمة على التنوّع والاختلاف، والتشجيع على تبنّي سلوكيات تقوم على القدرات والمهارات المواطنية، ومنظومة حقوق الإنسان والأخلاق المدنية وقيم الحرية والتعددية والديمقراطية وصورة الآخر (في الدين، المذهب، العرق، الانتماء الاجتماعي، الجغرافي، القومية والجندر…).
إصلاح مناهج التعليم في الدول العربية.. الوقاية من التطرف
يقدم الكاتب والباحث الجزائري، حميد زنار، في دراسته، مجموعة من التساؤلات، فكما يرى فإن السؤال لم يعد في ما إذا كانت مناهج التعليم في البلدان العربية محرضة على التطرف فحسب؛ بل بات متداولاً في الإعلام أنها من أهم عوامل التطرف والتشدد الديني. ويتفق كثير من التربويين العقلانيين والحداثيين على ضرورة مراجعتها وإعادة النظر في المنظومة التربوية برمتها، بل حتى الأزهر بدأ يفكر في إصلاح تعليمه ومناهجه. ولئن كان هناك إجماع نظري على أن إصلاح مناهج التعليم في العالم العربي قد أصبح ضرورة ملحة للوقاية من التطرف؛ فليس من السهولة بمكان الانتقال إلى التطبيق الفعلي لذلك الإصلاح، ومن يتولى ذلك وبأية وسائل؟ وكيف نعمل على مراجعة المناهج التعليمية وإجراء تغييرات فيها كي لا تبقى معززة للتطرف؟ وكيف يتم التوفيق بين الوقاية من التطرف وتدريس الدين الإسلامي في مختلف مراحل التعليم العربي؟ وحتى إن كنا لا نجد في المناهج دعوة صريحة إلى التطرف بشكل مباشر في بعض الدول، فهي مبثوثة في اللغة المستعملة ذاتها. فكيف يمكن تنقية المناهج من تلك اللغة التي تحض على الكراهية والتحريض تجاه الآخر غير المسلم، والآخر السني، أو الآخر الشيعي على سبيل المثال؟
ويشير إلى أن المناهج الحالية التي صاغها الإخوان المسلمون عمّرت طويلاً ، أو التي اعتمدت تحت تأثيرهم في العدد الأكبر من الدول العربية، وخلقت ذهنية دينية تميل إلى التقوقع والتطرف لدى الجميع: تلاميذ وأساتذة وإدارة. ولم يعد خافياً على أحد، أن الوسطين المدرسي والجامعي قد لعبا دوراً مؤثراً في تغذية الإسلاموية والتطرف الديني؛ إذ استغل الإسلاميون الدوائر التعليمية للترويج لأيديولوجيتهم. ونجد أن أغلب رواد الحركة الإسلامية جاؤوا من ميدان التعليم كزعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، التي أدخلت البلد في مرحلة تطرف وعنف راح ضحيتها آلاف الجزائريين. واستغل الإسلاميون مناصبهم في التعليم لبثّ أفكارهم والتأثير في التلاميذ والطلبة الجامعيين. وهذا ما أصبح يطلق عليه في الآونة الأخيرة “المنهاج الخفي”، وهو ما يزرعه المعلمون والأساتذة في أذهان التلاميذ والطلبة من آرائهم وأيديولوجيتهم وثقافتهم الخاصة، في غياب رقابة صارمة من قبل الوزارات والسلطات العمومية.
ويضيف بأنه بغض النظر عن النقاشات التي لا تزال مستمرة بين الإصلاحيين والمحافظين في مسألة تحديث المناهج التعليمية؛ والتي من الصعوبة بمكان حسمها في أجل منظور، فالأمر الأكيد هو اتفاق الجميع على أن المناهج الحالية باتت متخلفة وغير متوافقة مع قيم العصر، وينبغي إصلاحها لتواكب التطورات الحاصلة في كل مناحي الحياة. وحتى وإن كانت الدعوات إلى إعادة النظر في المناهج دعوات إصلاحية محتشمة، يطبعها الكثير من الإرباك والتردد، وحتى وإن لم تكن التعديلات المقترحة التي أجريت حتى الآن على المناهج قوية بما فيه الكفاية، فالأكيد أن موجة التغيير قد بدأت، وأن الإصلاح التربوي العربي قادم لا محالة، ومن الأفضل أن يأتي من الداخل قبل أن يفرض تحت ضغوطات خارجية.